استمتعوا
“هل سمعت؟“
“نعم.”
بادلَت بليندا وشين النظرات وهزّتا رأسيهما،
ثم دخلتا غرفة ديانا.
“لقد أوصلنا الرسالة.”
“شكرًا لكما.”
ابتسمت ديانا ابتسامة خفيفة ذات مغزى على وجه غامض.
في النهاية،
كانت أليشيا بدأت تشك بها تدريجيًا بسبب تصرفاتها الغامضة.
لم يكن سيئًا أن تغرس الشك تمامًا في قلبها.
على أي حال،
لم يعد هناك أحد في هذا القصر يصدق كلام أليشيا.
“ماذا عن الدواء الذي تحدثت عنه؟“
سألت ديانا وهي تمسح ذقنها.
فأجابت شين، وقد ضمّت يديها بلطف أمامها:
“ها هو هنا.”
سلمتها رزمة صغيرة ملفوفة برق جلد،
فتحتها ديانا بحذر.
وكان بداخلها مسحوق أبيض ناصع.
“ضعي هذا في دواء كاثرين.”
“نعم، حاضر.”
انحنت شين وبليندا قليلًا ثم خرجتا حامِلَتين الدواء الذي سلمته لهما ديانا.
كان الوقت قد حان لطرد أليشيا من هذا المكان.
أرادت ديانا أن تخلق ذريعة لطرد أليشيا تمامًا عبر كاثرين باستخدام ذلك الدواء.
اقتربت ديانا من الشرفة وسحبت الستائر.
بدا لها حديقة مليئة بالورود المتفتحة.
ابتسمت بسعادة وهي تتنشق عبير الزهور الرائع.
***
“هل انتهيت من التحضيرات؟“
“نعم، أمي.”
خرجت آيسيل إلى البهو وقد تأنقت بكامل زينتها.
كان كالِيبسو وديانا قد وصلا مسبقًا وكانا بانتظارها.
“وأين كاثرين؟“
تلفّتت ديانا حولها وسألت.
لم تستطع أليشيا أن تلتقي عينيها وردّت بهمس خافت:
“…لم تستيقظ بعد.”
بالطبع لم تستيقظ.
ورغم أنها كانت تعلم ذلك مسبقًا، تظاهرت ديانا بالجهل وصمتت.
ثم نظرت خلسة إلى وجه أليشيا.
كانت أليشيا مطرقة الرأس ومرتعشة قليلاً.
لم تستطع رفع رأسها بعدما تيقّنت أن ديانا تعرف عن خيانتها.
فمجرد التقاء عينيها بعيني ديانا الزمرديتين اللامعتين،
كان يشعرها بأن حقيقتها القبيحة ستنكشف بالكامل.
كان العرق البارد يتصبب من جبين أليشيا.
ابتسمت ديانا بسخرية وهي تراقبها.
لم تستطع منع نفسها من الضحك.
كيف تجرأت تلك المرأة على التفكير بقتلها،
وهي الآن ترتجف كالطفل؟ يا لها من مهزلة.
“إذاً، سنذهب الآن. أرجو أن تعتني بكاثرين، أليشيا.”
“…نعم، سموكِ.”
تركتها ديانا خلفها بوجه شاحب،
وركبت العربة مع كالِيبسو وآيسيل.
انطلقت العربة بسرعة عبر نفق المانا متجهة نحو القصر الإمبراطوري.
عانقت آيسيل الوسائد الزغبية داخل العربة واحمرّ خدّاها وهي تتكلم بلطافة:
“ركوب العربة معكما بهذا الشكل يجعلني أشعر وكأننا ذاهبون في نزهة!”
ابتسمت آيسيل واقتربت من كالِيبسو بحيوية.
كان شكلها البريء والعفوي لطيفًا،
فابتسم لها بلطف وربّت على رأسها.
كان المنظر يوحي بأنهم عائلة دافئة وسعيدة.
لكن كالِيبسو لم يكن يعلم أن ديانا وآيسيل كانتا في الخفاء تدبران له السقوط والدمار
أخفت ديانا كل مشاعرها،
واكتفت بابتسامة راضية وهي تراقب كالِيبسو وآيسيل معًا.
“منظر جميل. تبدوان كأب وابنته حقيقيين.”
لكن كلماتها كانت تحمل شوكة واضحة.
وحدها آيسيل فهمت مغزاها الحقيقي.
أما كالِيبسو، فقد أخذ كلامها على ظاهره وضحك بسعادة.
ثم سُمع صوت السائق يُعلن قرب الوصول إلى القصر الإمبراطوري، فقفزت آيسيل من العربة أولًا.
كانت متحمسة لرؤية القصر الإمبراطوري لأول مرة.
“واو!”
خرجت منها آهة إعجاب حقيقية.
بدا القصر الإمبراطوري وكأنه قصر ذهبي حرفيًا.
الأبواب، الأعمدة، الأرضيات،
كلها تشع بلمعان ذهبي يعكس ضوء الشمس ببريق ساحر.
كاد يَعمي الأعين.
“يشبه الشمس تمامًا!”
“أنت محقة. يُطلق على القصر الإمبراطوري في إمبراطورية إيديث اسم ‘قصر الشمس‘ .”
أجابها كالِيبسو وهو يراقب انبهارها.
“وإن توغلنا أكثر،
ستجدين الشرفة المُزين بالألماس من منجم الماركيز.”
“حقًا؟ لا بد أنها جميلة جدًا!”
هتفت آيسيل بصوت مرتفع وحماسة تملؤها.
في تلك اللحظة،
ظهرت عربة تحمل شعار عائلة بريتشي خلف عربة دوق إيرنست.
“آيسيل، جدكِ قادم.”
“جدي!”
ترجّل ماركيز بريتشي من العربة بخطى بطيئة وعينين حادتين.
ما إن رأى ديانا وآيسيل، حتى ارتجف جانب فمه قليلاً،
لكن صوته خرج جافًا ومتجهمًا:
“ستسقطين، يا فتاة. لا يليق بالآنسات هذا التهور.”
لكن نبرته كانت مشبعة بالقلق والاهتمام رغم جفاف كلماته.
“جدي، كيف حالك؟“
ركضت آيسيل نحوه وتوقفت أمامه،
ثم أمسكت بطرف فستانها وانحنت له بانحناءة لطيفة.
“حسنًا، حسنًا.”
رافق الماركيز آيسيل واقتربا من كالِيبسو وديانا.
فألقت ديانا نظرة ترحيب خفيفة نحو والدها.
“مرحبًا بك، والد زوجتي.”
قال كالِيبسو وهو يعدّل كمّه مخاطبًا الماركيز.
التقت عيناه بنظرات الماركيز الحادة، فارتجف كتفه قليلاً.
رغم أنه استولى على مشروعه التجاري ولم يتبقَ له سوى جني المال، إلا أنه لا يزال يشعر بالصغر أمام هذا الرجل.
“نعم، كنت بخير.”
أجاب الماركيز وهو يضغط على أسنانه بقوة.
مجرد تذكره لما فعله هذا الرجل بديانا وآيسيل كان يجعله يغلي غضبًا، لدرجة أنه أراد خلع كل أسنانه.
كانت قبضته المرتجفة تمسك بعصاه بقوة.
فمدت ديانا يدها وأمسكت بهدوء بيده.
التقت نظراتهما، فهزّت ديانا رأسها بخفة دون أن يلاحظ كالِيبسو.
كانت تطلب منه ألا يُظهر شيئًا.
“هممم، وأين كاثرين؟“
سعل الماركيز عدة مرات وهو يبحث بعينيه عن كاثرين.
لم يكن ينوي ترك مناجمه لتلك الفتاة التي خانت ديانا،
لكن تجاهل وجودها دون أن يسأل عنها قد يبدو مريبًا.
“كاثرين مريضة، أبي.”
“مريضة؟“
“نعم، ولهذا لم نستطع إحضارها اليوم.”
“همم، فهمت.”
كان ذلك أفضل في الحقيقة.
ورغم أن كاثرين خدعت ديانا، إلا أنها بقيت حفيدته الصغيرة المحبوبة التي نشأ يراها منذ طفولتها.
رغم أنه كان يعلم بعقله أن الأمر لا يصح،
إلا أنه كان قلق من أن يضعف إذا رأى وجهها.
“إذن، فلندخل.”
“نعم.”
نظرت آيسيل إلى كاليبسو والماركيز بالتناوب،
لكنها لم تستطع اختيار أحدهما، فاكتفت بالوقوف إلى جانب ديانا.
بدا على وجه ماركيز بريتشي بعض المرارة،
لكن بما أن كاليبسو كان موجوداً، فلم يكن هناك خيار آخر.
فهو يعتقد أن آيسيل تخاف من جدّها.
“عربات النبلاء تدخل تباعاً.”
“هل سيأتي سوير أيضاً؟“
“من المؤكد أن دوق آيبرك سيأتي أيضاً.
تلك العائلة لها علاقة قوية ببرج السحر.”
“لماذا؟“
سألت آيسيل وهي تميل برأسها مستفسرة عن كلام ديانا.
“أليسوا عائلة تصنع العطور؟ بعض الروائح لا يمكن صنعها إلا من نباتات تنمو في غابة السحر حيث يقع برج السحر.”
“حقاً، هذا منطقي. إذن، هذا يعني…”
“هذا يعني أنه إذا حصلتِ على رخصة ساحرة،
فإن دوقة آيبرك ستتوق إليكِ أكثر.”
ضحكت ديانا وهي تضرب بلطف على أنف آيسيل.
“لكن، بالنسبة لسوير…”
“همم؟“
“يبدو شاباً جيداً.”
رفعت ديانا حاجبيها ونظرت إلى آيسيل،
التي أكملت حديثها بهدوء.
“في الحفلة الماضية، تحدثت معه قليلاً.
لم يكن فيه أي من تكبّر النبلاء، وكان مؤدباً جداً.”
“من تتحدثين عنه؟“
“أوه، أرعبتني.”
بسبب اقتراب كاليبسو المفاجئ من الخلف،
فزعت كل من ديانا وآيسيل وارتجفت أكتافهما.
“يا إلهي، لقد أخفتني يا أبي. كنا نتحدث عن الأمير سوير.”
“…سوير؟ تقصدين ابن دوق آيبرك؟“
“نعم. أظن أنه شاب جيد.
على أي حال، هناك أحاديث زواج بين عائلتينا، أليس كذلك؟“
عندما أضافت آيسيل هذا التوضيح،
تغير تعبير كاليبسو بشكل طفيف.
“لا داعي للاستعجال في اتخاذ قرار الزواج، آيسيل.”
“ماذا؟“
“همم! وأنا أوافق على ذلك أيضاً.”
ترك كاليبسو والماركيز بريتشي هذا القول وسارا قدماً دون أي كلمة إضافية.
“ما هذا؟“
رمشت آيسيل بعينيها وعبست شفتيها.
يبدو أنهما يشعران بالغيرة من احتمال أن تتزوج سوير على عجل.
من الطبيعي أن يتصرف جدها هكذا، لكن كاليبسو ليس له الحق.
رغم أنه لا يتذكر، إلا أنه في الماضي كان قد أطلق سهماً نحوها.
نظرت آيسيل إلى مؤخرة رأس كاليبسو أثناء دخوله قاعة الحفل،
ثم أدارت رأسها نحو ديانا.
كانت ديانا تسأل إحدى خادمات القصر عن المكان الذي يجب أن تذهب إليه آيسيل.
وبعد قليل،
عادت الخادمة وأشارت بإصبعها إلى غرفة في نهاية الردهة.
“آيسيل، يجب على المشاركين أن يدخلوا إلى غرفة الانتظار.
سنكون في مقاعد الجمهور نتابعك.”
“حسناً، أمي. يجب أن تشجعيني، حسنًا؟“
“طبعاً، بالتأكيد.”
أمسكت ديانا بيدها بقوة.
وانتشرت حرارة والدتها في كل جسدها.
شعرت بقوة يمكنها بها أن تفعل أي شيء.
“سأدخل الآن.”
“بالتوفيق!”
لوّحت ديانا بيدها حتى اختفى ظل آيسيل بعيداً.
وبعد أن شاهدت ابنتها تدخل الغرفة، استدارت ديانا.
“آه…!”
ولكن بسبب استدارتها المفاجئة،
لم تنتبه لمن أمامها واصطدمت بصدره مباشرة.
حين تمايلت ديانا وكادت تسقط،
أمسك الشخص بمعصمها وساعدها على الوقوف.
أعادت ديانا ترتيب شعرها المنسدل بسرعة،
واعتذرت للشخص المجهول أمامها.
“عذرًا… أأه؟“
الشخص الذي كان أمامها، مبتسمًا بخفة، لم يكن سوى رويري.
“اشتقت إليكِ، نونا.”
“رويري!”
صرخت ديانا بفرح.
هل جاء ليرى إن كانت آيسيل ستنجح؟ كان رويري دائمًا يهتم بها،
فشعرت بالامتنان وابتسمت من أعماقها.
“هل جئت لترى آيسيل؟“
“بالطبع لا.”
“هاه؟“
رفعت ديانا رأسها بدهشة من جوابه الحازم.
فردّ مبتسمًا بهدوء:
“جئت لرؤيتكِ أنتِ.”
“أوه، رويري…”
احمرّ وجه ديانا بالكامل.
لم تستطع أن تعرف إن كان يمزح أم جاد.
هل هو يتعمد إرباكها؟ رغم أنه قد يكون مزاحاً، إلا أن قلبها خفق بشدة، ما يعني أن رويري بلا شك يعرف كيف يتعامل مع النساء.
“ماذا تظن أنك تفعل مع زوجتي؟“
كان نظر كاليبسو موجهاً نحو يد رويري التي لا تزال تمسك بمعصم ديانا.
ذلك الرجل اللعين مجددًا.
رغم أنه لا يشعر بأي مشاعر حب نحو ديانا، إلا أن الغيرة والغضب اشتعلا في عيني كاليبسو لرؤية رويري يلمس ما يعتبره ملكه.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 76"