استمتعوا
“سموكِ!”
دخلت بليندا غرفة ديانا فجأة وهي تفتح الباب بعنف.
كانت حبات العرق تلمع على جبينها وكأنها قد ركضت على عجل.
كانت ديانا تحتسي الشاي مع آيسيل وهما يتحدثان عن مهرجان السحر.
نهضت من مقعدها، شاعرة بأن الأمر ليس بسيطًا.
“ما الأمر بليندا؟“
“الآنسة كاثرين… لقد أغمي عليها!”
في النهاية، حدث ما كان متوقعًا.
على عكس آيسيل التي بدت مندهشة، حافظت ديانا على هدوئها.
نظرت آيسيل إلى ديانا بنظرة متسائلة،
وكأنها لاحظت أنها كانت تعرف مسبقًا.
“لنذهب إليها.”
“…نعم، أمي.”
توجهت ديانا وآيسيل مباشرة إلى كاثرين.
وعندما دخلتا الغرفة،
رأتا أليشيا تنظر إلى كاثرين بعينين دامعتين.
“…وصلتِ، سموكِ.”
نهضت أليشيا على الفور عندما رأت ديانا.
كانت عيناها محمرتين من شدة البكاء.
“ما الذي حدث؟ لماذا أغمي على كاثرين؟“
رغم معرفتها بالسبب،
تظاهرت ديانا بالقلق وسألت بهدوء وهي ترتدي قناع الاطمئنان.
“لا… لا أعرف… جسدها لا يظهر عليه أي خلل.”
كان صوت أليشيا يرتجف.
رغم كل محاولاتها في الفحص، لم تستطع العثور على أي مشكلة صحية واضحة في جسد كاثرين.
وقد اعتبرت نفسها طبيبة ماهرة،
لكن هذه الحالة الغامضة كانت أول مرة تواجه فيها شيئًا كهذا.
“إذا لم يكن هناك خطب، فلماذا…”
في تلك اللحظة،
فتح كاليبسو الباب ودخل الغرفة بعنف بعد أن وصله الخبر.
بدا وجهه شاحبًا من القلق.
“كاثرين…!”
هرع فورًا إلى كاثرين وأمسك بيدها بشدة.
ثم حدّق في أليشيا بنظرات غاضبة وكأنها هي السبب في انهيار كاثرين.
سألها بنبرة حادة وهو يقطب حاجبيه:
“أليشيا، ما الذي حدث هنا؟!”
“أنا… أنا لا أعلم أيضًا…”
“وتدّعين أنك طبيبة ولا تعرفين لماذا فقدت وعيها؟“
عينا كاليبسو كانتا محمرتين من الغضب.
كانت نبرته مشبعة بالسخرية الواضحة.
كان من الواضح أن علاقتهما بدأت تتدهور.
وأطلقت ديانا ضحكة ساخرة بصوت منخفض حتى لا يلاحظاها.
“أبي… لا تقلق كثيرًا. كاثرين ستفيق قريبًا.”
اغتنمت آيسيل الفرصة ووضعت يدها الصغيرة فوق يد كاليبسو.
عندما شعر بحرارة يدها، توقف عن صب غضبه على أليشيا.
“آه، كم أنا محظوظ بوجودك…”
عندها، رفعت أليشيا رأسها بخجل بعد أن كانت منكسرة.
رؤية كاليبسو ينظر إلى آيسيل بتلك الحنان الخالص جعل قلبها ينقبض، وكأن رابط الدم وحده هو من يربطهما.
“ولكن، ما العمل الآن…؟“
ارتجفت رموش آيسيل وهي تمسح جبين كاثرين بوجه مليء بالقلق والحزن.
“ما الذي تعنينه؟“
“غدًا هو مهرجان السحر… وكانت كاثرين تتطلع إليه كثيرًا.
ولكن، لا يمكنها المشاركة وهي بهذا الحال.”
أصبح وجه كاليبسو قاتمًا على الفور.
للحصول على منجم ماركيز بريتشي،
كان لا بد من كسب رخصة ساحرة من الدرجة الدنيا.
ورغم أن ديانا وعدت بمساعدته في تمويل المشروع، إلا أنه كان يعتمد على أرباح المنجم الذي ستحصل عليه كاثرين لتمويل المشروع إن فشل دعم ديانا.
ولكن طالما أن كاثرين عاجزة،
فمن المؤكد أن المنجم سيؤول بالكامل إلى آيسيل.
صحيح أن آيسيل مُسجلة كابنته بالتبني، إلا أنه لم يكن واثقًا إن كانت ستعطيه ببساطة أرباح الالماس المستخرج من المنجم.
“آيسيل.”
“نعم.”
نظر كاليبسو مباشرة إلى عينيها الزمرديتين اللتين تشبهان عيني ديانا.
لم يستطع النطق بطلبه حول منح أرباح المنجم.
نشأت كاثرين دون أن ينقصها شيء، لكن آيسيل كانت مختلفة.
حتى لو خسر لقب الدوقية، لم يكن يرغب بمد يده إلى هذه الفتاة.
“لا… لا شيء.”
“أبي.”
أدار كاليبسو رأسه ببطء.
أغمضت آيسيل عينيها قليلاً وابتسمت بهدوء، ثم قالت:
“إذا حصلت على منجم جدي، أرجو أن تديره بنفسك يا أبي.”
“…ماذا؟“
بدت كلماتها وكأنها قرأت ما في قلبه.
أحس بالخجل لأنه كان يطمع في منجم تملكه فتاة صغيرة،
لكنه في الوقت ذاته كان فخورًا بمشاعرها النبيلة نحوه.
“هل لي أن أعرف لماذا قررتِ ذلك فجأة؟“
سألها بنبرة غريبة تجمع بين الجدية والتساؤل،
دون أن يقطب أو يبتسم.
ابتسمت له آيسيل بهدوء.
كانت أفكاره واضحة في عينيه.
ما يهمه أكثر من أي شيء، حتى من ابنته، هو المال.
عدم حصول كاثرين على رخصة ساحرة لا يهمه.
كل ما يهمه هو الجائزة التي تأتي معها.
وكانت آيسيل تخطط لكسب محبته بشكل كامل عبر هذا المنجم.
“أمي أخبرتني أنك مشغول جدًا هذه الأيام بسبب مشروعك الجديد. حتى أنك لم تستطع الخروج معي للنزهة كما وعدتني.”
كان بالفعل مشغولًا جدًا يحاول جذب المستثمرين،
لذلك لم يتمكن من الوفاء بوعده لها.
هل كانت تود النزهة معي إلى هذا الحد؟
شعر كاليبسو بوخز من الذنب وهو ينظر إليها.
“أعتذر، كنت مشغولًا.”
“لو وكلت إليك أمر المنجم، ألن يكون ذلك أسهل عليك؟“
“هذا… صحيح.”
“سأحصل على رخصة ساحرة بدلًا من كاثرين،
وسأضع المنجم في يدك، أبي.”
تلألأت عيناها بذكاء.
وامتلأ قلب كاليبسو بمشاعر الامتنان والدفء في آنٍ معًا.
آيسيل كانت تثق به وتلجأ إليه أكثر من ابنته الحقيقية.
كيف يمكنه ألا يحبها؟
بل إنه شعر بالامتنان لديانا التي أتت بها.
“شكرًا لكِ، ديانا.”
“نعم؟ على ماذا؟“
“لأنكِ أوكلتِ إليّ رعاية طفلة جميلة كهذه.”
نظرت إليه ديانا بدهشة.
“لأنكِ جعلتها ابنتنا.”
كان كاليبسو يحب آيسيل بصدق.
تلاقت أعين ديانا وآيسيل.
ابتسمت آيسيل بفخر وكأنها تقول:
“أنظري إلى إنجازي.”
لكن، لو علم كاليبسو أن ابنته المتبناة التي يحبها بجنون،
هي في الحقيقة ابنته الحقيقية،
وأنها تخطط لطعنه في ظهره… كيف سيكون رده؟
بلا شك، سيكون الصدمة مثل تلك التي شعرت بها حينما علمت أن كاثرين ليست ابنتها.
ارتفع طرف شفاه ديانا تدريجيًا بابتسامة باردة.
وفي تلك اللحظة، اهتزت أنفاس أليشيا التي كانت تراقبهم جميعًا.
شعرت أن مكانها ومكان كاثرين يضيق شيئًا فشيئًا في هذا القصر.
نظرت أليشيا إلى كاثرين النائمة بنظرة مليئة بالرجاء.
كان يجب أن تستيقظ سريعًا.
نظرة كاليبسو إلى آيسيل كانت أكثر دفئًا من نظرته إلى كاثرين.
شعرت وكأنها تمشي على حبل مشدود.
كان هناك شيء غريب في الأجواء يسبب لها قلقًا متزايدًا.
“سموك، أمسك يد الآنسة كاثرين. ستستيقظ فورًا لو…”
“أبي.”
فتحت أليشيا فمها لتتحدث، لكن آيسيل سارعت لمقاطعتها.
كالِيبسو لم يسمع ما قالته أليشيا، بل أنصت لكلمات آيسيل.
“نعم.”
“إذاً ستتمشى معي كل يوم، أليس كذلك؟“
“بالطبع، طبعاً.”
“ياهو! سأبذل جهدي.”
استمرت آيسيل في تمثيل دور الابنة المحبوبة حتى النهاية.
“إذاً، أرجو أن تعتنوا بكاثرين جيداً.
سأذهب الآن لأتدرّب على السحر.”
وفيما كانت تخرج من الغرفة،
وجهت آيسيل نظرة سخرية نحو أليشيا.
فأثار استفزاز آيسيل هذا، يد أليشيا التي كانت تعصر منشفة مبللة لتضعها على جبين كاثرين ارتجفت لا إرادياً.
“أرجو أن تعتني بكاثرين جيداً، أليشيا.”
ثم خرجت ديانا وكالِيبسو من الغرفة أيضاً.
ولم يبقَ في الغرفة سوى صوت تنفس كاثرين النائمة.
أليشيا كانت تحدق بشرود نحو الباب، كما لو أنها تلقت صدمة.
كان هناك شيء غريب في سلوك ديانا.
لماذا خرجت بهذه البساطة؟
مهما كانت آيسيل متبناة، فإن ديانا ما تزال تعتقد أن كاثرين ابنتها، ولم يكن من المنطقي أن تخرج هكذا ببساطة.
كان هناك شيء مريب.
بدأت أليشيا تراجع سلوك ديانا منذ أن فقدت بصرها.
ديانا لم تؤذِها قط من قبل، حتى عن طريق الخطأ.
لكن منذ أن فقدت بصرها، بدأت تحدث أمور صغيرة مؤذية؛
سكبت عليها الشاي وأحرقتها، وجمّدت الأرض بسحر فتسببت في إسقاطها، وكل ذلك دون أن تظهر أنها تفعل شيئاً عن عمد.
بل حتى في الحفلة الأخيرة، كانت ديانا أول من اصطحبها إلى الحفل، ثم اصبحت تتصرف بشكل فيه ازدراء خفي.
ديانا قد تغيرت، وبشكل واضح.
وما إن وصلت أفكارها إلى هذا الحد،
حتى شعرت بالقشعريرة تسري في كامل جسدها.
“تلك المعلومات أيضاً، سقطت أمام غرفتي.
هل كان ذلك عن قصد؟“
همست أليشيا لنفسها، وهي ترتجف.
تلك المعلومات المزوّرة التي جعلتها تجثو أمام ديانا.
لماذا، يا ترى، تم الحديث عن ذلك العطر بالتحديد أمام غرفتها؟
وكأنّ الأمر كان مقصوداً لتسمعه هي.
حتى لو كان الأمر مصادفة،
فإن غرفة ديانا تقع في الجهة المعاكسة تماماً من الجناح.
بسبب تلك الواقعة، تم وصمها هي وكاثرين تماماً من قبل دوقة إيبرك، وتعطّلت خطبة كاثرين من الأمير سوير.
بل وكان ذلك الحدث هو الذي جعل كاثرين وكالِيبسو يديران ظهرهما لها تماماً.
“لا يمكن… لا يمكن!”
ماذا لو كانت ديانا قد أدركت علاقتها بكالِيبسو،
وعرفت أن كاثرين ليست ابنتها الحقيقية؟
حينها، كل شيء يصبح واضحاً.
ذلك التغير الحاد من امرأة كانت ستضحي ببصرها من أجل كاثرين، إلى هذه البرودة تجاهها وتجاه أليشيا.
كانت ساقاها ترتجفان بشدة،
بالكاد استطاعت الوقوف مستندة إلى كرسي صغير.
إن كانت ديانا قد عرفت كل شيء وتنتقم الآن،
فلن يكون لدى أليشيا أي فرصة لمواجهتها.
قلبها كان يخفق بعنف، وكأنّه سينفجر.
أمسكت رأسها المشتّت، وخرجت مسرعة إلى الممر.
ثم اتجهت إلى غرفة ديانا.
مدّت يدها نحو مقبض الباب لتفتحه،
لكن في تلك اللحظة بالضبط…
بدأت تسمع همسات خافتة من نهاية الممر.
كانت أصوات خادمات ديانا، وعلى رأسهن بليندا.
“لقد نالت جزاءها، كان عقاباً مستحقاً.”
عقاب؟ أليشيا أصغت باهتمام دون أن ترمش.
“من يفعل مثل تلك الأمور… يستحق ما حصل له.”
“لقد أخذت ما ليس لها، فكانت هذه نتيجة ما زرعت.
هذه هي الكارما.”
أخذت ما ليس لها؟ اتسع فم أليشيا تلقائياً.
امرأة سرقت زوج امرأة أخرى… كانت تلك هي نفسها.
شحب وجه أليشيا حتى أصبح أزرق كما لو أن أحدهم يخنقها.
هربت عائدة إلى غرفتها كأنها تهرب من كارثة.
ديانا تعرف الحقيقة.
بمجرد أن أغلقت الباب خلفها،
أسندت نفسها إليه وكتمت أنفاسها بيدها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 75"