استمتعوا
“أريد أن أُذلّ تلك الحقيرة!”
عادت كاثرين إلى الغرفة وهي تلوّح بذراعيها بغضب،
ثمّ بدأت برمي جميع الكتب الموضوعة على المكتب إلى الأرض.
“اهدئي.”
ارتجّ ظلّ قاتم من أمام خزانة الكتب،
ثمّ ظهر إكليبت وهو يخرج من العتمة كالتموّج المائي.
“أشعر بأنّ رأسي سينفجر! أمي وآيسيل،
أريد أن أطردهما جميعًا من هذا القصر!”
“ومن ترغبين في التخلص منه أولًا؟“
سألها إكليبت بابتسامة ساخرة.
ومع سؤاله، بدأ تنفّس كاثرين الغاضب يهدأ تدريجيًا.
حرّكت عينيها ذهابًا وإيابًا ثمّ فتحت فمها ببطء.
“التخلص من أمي يحتاج إلى مزيد من الوقت.”
“إذًا، فالإجابة واضحة.”
ابتسم إكليبت وقد وضع يده على ذقنه، وأظهر أسنانه.
بينما عينا كاثرين البنفسجيتان تلمعان.
“قريبًا سيُقام مهرجان السحر.”
“مهرجان السحر؟“
بدأت كاثرين تشرح وهي تمشي داخل الغرفة وذراعاها متشابكتان.
“هو احتفال ومسابقات للمميزين بموهبة السحر.”
“أوه، يبدو ممتعًا بالفعل.”
“من يُعترف به كساحر مبتدئ هناك،
سيحظى بالكثير من الانتباه في حفلة الظهور.”
بدأت كاثرين تفتّش بين الوثائق التي جمعتها سابقًا عن مهرجان السحر.
“وإذا هزمت آيسيل هناك، سيعترف جدي بي أخيرًا.”
كانت عيناها تلمعان كما لو أنّها قد فازت فعلًا بالمهرجان.
ثمّ التفتت سريعًا نحو إكليبت.
“أعطني المزيد من الطاقة السحرية.”
كان وجهها أشبه بالشيطان نفسه، مليئًا بالطمع النقي.
ضحك إكليبت وهو ينظر إليها.
“أنتِ حقًا فتاة ممتعة.”
لم يسبق له أن رأى إنسانًا يطلب من شيطان بكل هذه الجرأة تلبية رغباته المليئة بالطمع، لا سيما إن كان بهذا العمر الصغير.
عادة، لا يمكن استدعاء شيطان عظيم إلا مقابل طاقة سحرية هائلة.
لكن إكليبت اختار أن يستجيب لنداء كاثرين رغم أنها لم تملك حتى ذرة من السحر.
لم يكن ليسمح لهذا المسرح المسلي الذي صنعه أن ينتهي بمجرد دراما انتقام عادية.
كاثرين كانت خصمًا مضادًا لديانا،
وبالتالي، كانت معارضة لرويري أيضًا.
وحده هو مَن كان راضيًا عن هذا الإخراج البديع.
أومأ برأسه لكاثرين وكأنّه يطلب منها أن تمدّ يدها.
مدّت كاثرين راحة يدها إليه،
فانطلقت من جسد إكليبت طاقة مانا سوداء.
تصاعدت الطاقات السوداء كالبخار،
ثمّ سرعان ما امتصتها راحة يد كاثرين.
عندها، ظهر على يدها وشم صغير على شكل عنكبوت.
“الآن، ستستطيعين استخدام سحر أقوى من آيسيل.”
“رائع، سأتغلب على تلك الحقيرة مهما كلّف الأمر.”
نظرت كاثرين إلى أثر المانا على يدها برضا كبير.
لكنها لم تكن تعرف أن هذه القوة قد مُنحت لها مقابل شيء من ذاتها.
نظر إليها إكليبت وهو يبتسم ابتسامة خبيثة.
***
“مرحبًا، معلم!”
قالت كاثرين بصوت مليء بالدلال، وهي تلقي التحية على رويري.
ردّ عليها رويري بإيماءة بسيطة ووجه خالٍ من الانفعال.
بعد قليل، ظهرت آيسيل وديانا تمشيان من بعيد.
تفاجأت آيسيل لرؤية كاثرين وصلت قبلهما، فنظرت إلى ساعتها.
لا يزال أمام الدرس عشر دقائق.
رغم أنها جاءت براحة، فإن وجود كاثرين قبلها كان مفاجئًا للغاية.
يبدو أنّ تلك النبيلة المتعجرفة مصمّمة حقًا على التفوق عليها.
حين التقت عينا كاثرين بنظرة آيسيل التي اقتربت،
ابتسمت كاثرين بهدوء وقالت:
“تأخرتِ، أختي. أنا وصلت مبكرًا وبدأت التدرّب.”
لم تجبها آيسيل على كلامها.
فقط رمقتها بنظرة جانبية فيها احتقار،
ثمّ ألقت التحية على رويري المتنكر بابتسامة هادئة.
“مرّ وقت طويل، معلم.”
كانت آيسيل قد علمت من ديانا مسبقًا عن هوية معلم السحر.
فغمز لها رويري بخفة كي لا تلاحظ كاثرين.
“بات إخراج المانا بسيطًا الآن، أليس كذلك؟“
“بالطبع.”
أجابت كاثرين أولًا بثقة،
ثمّ بدأت بإخراج طاقتها دون أن يُطلب منها ذلك.
ظهرت حولها بلورات جليدية أكثر قتامة وكثافة من المرة السابقة.
“ما رأيك؟“
“أوه…”
نظر إليها رويري باهتمام،
فقد كانت بلوراتها داكنة بشكل ملحوظ مقارنة بالمرة الماضية.
فهمت كاثرين نظراته على أنّه مندهش من تطورها في السحر.
واثقة بنفسها، قامت بتجميد الأرض من حولها،
حتى ارتفعت أعمدة من الجليد في عدة أماكن.
ثم نظرت إليه كجرو صغير ينتظر المدح.
لكن على عكس توقعاتها، تغيرت ملامح رويري إلى الجدية.
“لقد تطورت كثيرًا، أليس كذلك؟“
وحين لم ينطق بكلمة مدح، استعجلته كاثرين مجددًا.
ابتسم أخيرًا وقال:
“نعم، لقد تطورتِ كثيرًا.
بهذه القوة، يمكنك اجتياز اختبار المبتدئين بسهولة.”
“حقًا؟“
“بلى، حتى إنك تملكين مانا أقوى من المانا التي أمتلكها أنا كمبتدئ. لديكِ موهبة هائلة.”
حين سمعت الجواب الذي أرادته، احمرّ وجه كاثرين خجلًا.
إذا كانت مؤهلة كمبتدئة،
فهذا يعني أنّها يمكن أن تصبح نجمة حفلة الظهور.
يبدو أن إكليبت قد منحها كمية كبيرة من المانا فعلًا.
امتلأت كتفاها بالثقة. ثمّ ابتسمت جانبًا ونظرت إلى آيسيل.
“ألا تريدين المحاولة؟“
“بالطبع.”
تقدّمت آيسيل على الفور ردًا على تحدي كاثرين.
ما تستطيعين فعله، لا يُعقل أن أعجز عنه.
أطلقت آيسيل طاقتها السحرية بسرعة أكبر من كاثرين،
ورفعت أعمدة جليدية أعظم وأضخم منها.
فتح رويري فمه بدهشة وهو يراقب المنظر بصمت.
كانت موهبة آيسيل تشبه موهبة رويري نفسه عندما كان صغيرًا.
طاقة كاثرين مأخوذة من الشيطان، لكن طاقة آيسيل حقيقية.
“معلم؟“
مالت آيسيل برأسها وهي تنظر إليه.
تنبّه رويري فجأة وسعل بخفة.
“يا له من أمر مذهل، أنتما الاثنتان موهوبتان حقًا.
كلاكما تستحقان لقب المبتدئ.”
“حتى آيسيل؟ أقصد أختي؟“
“وهل هناك مشكلة؟“
أن تكون آيسيل مؤهلة مثلها؟ لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا.
أخرجت كاثرين شفتها السفلى بتذمّر.
هذا لا يكفي.
لا خيار أمامها سوى أن تطلب من إكليبت مانا أقوى.
‘إكليبت.’
‘نعم.’
‘هذا لا يكفي. أعطني مانا أكبر.’
ضيّق إكليبت عينيه وهو يراقب كاثرين من بعيد حيث لا يراه رويري.
طمع تلك الفتاة لا حدود له.
بل إنها تجاوزت حتى شيطانًا مثله.
المانا التي تمتلكها هي بمثابة دين تستدينه مقابل حياتها.
أن تضحي بحياتها لتنتصر فقط،
هل يوجد إنسان أكثر جشعًا وطمعًا منها؟
رأى إكليبت سمًّا داكنًا يتخثر حول كاثرين.
فابتسم بخبث.
‘حسنًا، سأساعدك.’
صكّ إصبعيه، فازدادت وضوحًا العلامة على كف كاثرين.
نظرت إلى كفّها نظرة ذات مغزى،
ثمّ اقتربت من رويري الذي كان يراقب آيسيل،
وربّتت على كتفه بلطف.
“معلم.”
“ما الأمر؟“
“أستطيع أن أفعل أفضل من ذلك.”
نظر إليها رويري بتمعّن.
“لقد فعلتِ ما يكفي. لم يعد هناك شيء يمكنني تعليمه لكِ…”
“أرجوك، راقبني أكثر.”
وقبل أن يُكمل حديثه، أطلقت كاثرين مانا مظلمة إلى السماء.
صعدت الأضواء الزرقاء الداكنة نحو الأعلى،
وبدأت تُكوّن سحبًا سوداء.
تجمّعت السحب شيئًا فشيئًا،
وحجبت الشمس الساطعة، فحلّ الظلام.
“ما الذي تفعلينه؟…”
لكن قبل أن يُكمل رويري كلامه،
بدأت رقاقات الثلج تتساقط من السماء.
نظرت آيسيل بدهشة إلى كاثرين.
أما كاثرين، فكانت تلوّح بذراعيها بثقة،
ونظرة آيسيل المذهولة منحتها شعورًا بانتصار أكبر.
“توقفي، آنسة.”
“لا زلت أستطيع فعل المزيد.”
قالت كاثرين وهي تحدق بعينيها بشدة،
ثم أطلقت مزيداً من الطاقة السحرية.
فبدأت رياح قوية تعصف في المكان.
وسرعان ما بدأت عاصفة ثلجية تشتد حول القصر الكبير فقط.
“كفى.”
قطّب رويري حاجبيه وأمسك بذراع كاثرين بقوة.
وبسبب انقطاع تركيزها، اختفت العاصفة الثلجية التي كانت تعصف داخل القصر على الفور.
“دعني وشأني!”
قالت كاثرين بنبرة ممتعضة وهي تزيح يده التي أمسك بها ذراعها.
وكان أثر قبضته شديداً لدرجة أن ذراعها تركت عليها علامة حمراء.
نظرت كاثرين إلى رويري من أعلى إلى أسفل بنظرة ممتعضة.
ورغم أنها لم تنطق، إلا أن ملامح وجهها كانت تقول بوضوح:
“أمثالك يجرؤون على إمساك ذراعي؟“
لكن رغم ذلك التعبير الحاد، لم يتراجع رويري،
بل واجه نظرتها بتحدٍ واضح. ثم تمتم بهدوء:
“آنسة.”
“مـ، ماذا؟“
تلعثمت كاثرين وهي تمسح ذراعها حيث أمسكها،
متأثرة بلهجته الجادة الواضحة.
فتح رويري فمه ببطء:
“من الأفضل ألا تستخدمي سحراً قوياً بهذا الشكل.”
“لدي طاقة سحرية فائضة، فلماذا لا أستخدمها؟“
سألت كاثرين بنبرة متعالية.
لم يرد رويري بسهولة على كلامها.
بل، في الواقع، لم يستطع قول أي شيء.
لأنه، مهما قال، فهي بالتأكيد لن تتقبل كلماته.
“من الأفضل أن تتذكري كلامي جيداً.”
وبعد أن قال ذلك، استدار رويري مبتعداً عنها.
ثم التفت إلى ديانا التي كانت تراقب الدرس وقال:
“يبدو أنني لم أعد الشخص المناسب لإعطاء دروس للانستين.
لقد تجاوزتا مستواي بالفعل.”
“…حقاً؟ هذه أخبار جيدة إذاً.”
ابتسمت ديانا ابتسامة خفيفة نحو رويري.
لكن وجهها كان قاتماً وكأنها تفكر بشيء يزعجها.
“معلم، هل يمكننا الحديث قليلاً على انفراد…؟“
“نعم، بالطبع.”
“أما أنتما، فعودا للراحة الآن. أحسنتما عملاً.”
“نعم، أمي.”
أجاب كل من كاثرين وآيسيل في آنٍ واحد،
ثم أدارتا ظهريهما لبعض ودخلتا إلى القصر.
وبعد أن تأكدت ديانا من أن الفتاتين قد دخلتا بالكامل،
فتحت شفتيها بحذر.
“رويري.”
“…نعم.”
“ما السبب الذي دفعك إلى محاولة إيقاف سحر كاثرين قبل قليل؟“
“…نونا.”
كان رويري قد عاد بالفعل إلى مظهره الأصلي،
بشعره الأحمر المتوهج.
وكانت عيناه الزرقاوان تحدقان بثبات في ديانا.
“استمعي إلي جيداً.”
“…حسناً.”
وبسبب ملامحه غير العادية،
ابتلعت ديانا ريقها بصعوبة، منتظرة أن يكمل كلامه.
تردد قليلاً وكأنه متردد، ثم قال أخيراً:
“تلك الآنسة…”
لماذا كل هذا التردد؟ رمشت ديانا بسرعة وهي تنظر إلى رويري الذي أطلق زفرة عميقة.
ثم، ما إن قال كلمته التالية، حتى انفتح فم ديانا ببطء.
“ستموت قريباً.”
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 73"