استمتعوا
دخلت الخادمات وهن يحملن صينية تحتوي على الشاي والحلوى.
رفعت ديانا فنجان الشاي الموضوع أمامها وأرسلت إليهن نظرة امتنان صامتة.
ثم أخرجت شيئاً من بين طيات ملابسها،
مستمتعة بعطر الشاي الذي بدأ ينتشر برقة.
“ها هي، طريقة الزراعة.”
ناولت ديانا كاليبسو ورقة من الرق ملفوفة بعناية.
ابتسم كاليبسو ابتسامة مشرقة وبدأ يقرأها ببطء.
لكن كلما نزلت عيناه إلى الأسفل،
بدأت ابتسامته تتلاشى تدريجياً.
“……ما هذا…….”
بدأت يد كاليبسو، التي تمسك بالرق، ترتجف قليلاً.
وكأن ديانا توقعت رد فعله مسبقاً، تنهدت وقالت:
“نعم. لزراعة هذه النبتة، نحتاج إلى ظروف لا تتوفر في أراضينا.”
ابتلع كاليبسو ريقه الجاف وهو يضغط على صدغيه بأصابعه.
هل كنت تعتقد أن كسب المال سيكون بهذه السهولة، كاليبسو؟
كادت تضحك من غبائه عندما رأت ذلك الوجه المصدوم.
عضّت ديانا شفتها لتمنع ضحكتها من الخروج،
ثم تابعت حديثها بهدوء.
“نحتاج إلى أرض خصبة جداً.”
تحطمت توقعات كاليبسو التي كانت تغرق في أحلام الذهب والثراء.
إقليم إيرنست الكبير دائم الجفاف ونادر المطر،
لذا كانت أراضيه جافة ومفتتة.
لذلك، كانت المحاصيل الوحيدة التي تنمو فيه هي المحاصيل المقاومة للجفاف.
لكن أن يُطلب أرض خصبة، فهذا يعني أن عليهم زراعة
‘لوريل بندر‘ في أرض أخرى، خارج أراضيهم.
“نحتاج إلى مثل هذه الأرض، عزيزي.”
“……يا إلهي.”
خرجت الكلمات من فم كاليبسو ممزوجة بزفرة حزن.
فشراء الأرض أو حتى استئجارها يتطلب المال،
ووجهه بدأ يكتسي ظلًا قاتمًا.
أظهرت ديانا ملامح القلق وكأنها تهتم لأمره بشدة،
ثم انتقلت لتجلس إلى جانبه.
“وبما أننا سرقنا فكرة والدي،
فلا يمكننا حتى أن نستدين منه المال… ما العمل؟“
حك كاليبسو ذقنه وكأنه في مأزق.
لم يكن لدى عائلة إيرنست فائض مالي يسمح بشراء أرض.
ولو كان لديهم هذا المال،
لما كانت إدارة الإقليم تمر بأزمة بهذا الشكل.
هل سيفشل هذا المشروع إذن؟
بدأت التجاعيد تظهر على جبين كاليبسو.
لو حصل فقط على هذه النبتة،
لكانت الثروة مضمونة خلال وقت قصير.
لم يكن بحاجة للتحقيق، فهذه كانت نبتة الماركيز بريتشي نفسه.
بل وأكثر من ذلك، كانت دواءً يزيل الألم.
كان عليه بدء هذا المشروع مهما كلف الأمر.
كانت ديانا تدير فنجان الشاي بين أصابعها وهي تراقب ملامح وجهه. كان كل ما يدور في ذهنه ظاهرًا عليه.
“هناك طريقة واحدة فقط.”
بعد صمت طويل،
وضعت ديانا فنجانها فجأة على الطاولة وفتحت فمها.
“طريقة؟ وما هي؟“
انعكست بارقة أمل في عيني كاليبسو البنفسجيتين اللتين كانتا ممتلئتين باليأس.
لم يكن يدرك أن هذا الاقتراح سيغرقه أكثر في الوحل.
“……لكنها خطيرة جداً.”
بدأت ديانا تردد كلماتها بتردد، وكأنها مترددة في البوح،
بينما كان كاليبسو قد أمسك يدها فجأة.
كان يتوق لسماع الإجابة بشدة. ضغط عليها بعجلة وسألها بقلق:
“ما هي هذه الطريقة؟“
تحت ضغطه، فتحت ديانا فمها أخيرًا.
“هل تعرف دار الأيتام الذي كنت أدعمه منذ صغري؟“
“بالطبع، أعرفه.”
“سمعت أن أحد الخارجين منه يعمل الآن بإقراض المال بفوائد مرتفعة.”
“فوائد… مرتفعة؟“
بمعنى آخر، كان رجل قروض خاصة.
يقرض المال بفائدة عالية،
ثم يقرض الفائدة لشخص آخر لزيادة أرباحه.
لكن ديانا لم تكن تخطط فقط لأخذ الفائدة منه.
فلو فشل المشروع،
فلن يكون كاليبسو قادرًا حتى على سداد هذه الفوائد.
كانت تطمح لأمر أكبر.
الشيء الوحيد الذي يملكه.
“نعم. لكن لا يملك إقليمنا ما يكفي لتحمّل تلك الفوائد.”
وكان هذا صحيحًا، فلم يكن هناك ما يمكنه قوله.
لم يستطع كاليبسو حتى إظهار انزعاجه،
فاكتفى بإحناء رأسه قليلاً.
أن تحتاج إلى مال لتقترض المال، كم هو أمر متناقض.
مع ذلك، لو نجح المشروع، فلن تكون تلك الفوائد شيئًا يذكر.
حتى لو اضطر لبيع كل الكماليات في القصر لسدادها،
فقد ينتظره مستقبل واعد.
فتح كاليبسو فمه كمن حسم أمره.
“هل يمكنك أن تعرفيني على هذا الشخص؟“
“هل تنوي فعلها فعلاً؟“
“……بالطبع. لا يمكنني الاستمرار في مد يدي لوالدك إلى الأبد.”
“لكن بوضعنا الحالي، لن نتمكن من تحمّل تلك الفوائد.”
“……سأتدبر الأمر بطريقة ما.”
أن تتزوجي رجلاً كهذا… تمنّت لو استطاعت صفع نفسها في الماضي.
أن يدخل مشروعًا لم يبحث فيه كفاية،
بل ويستدين من مرابٍ أيضاً؟
أرادت أن تنقر لسانها غيظاً،
لكنها تماسكت.
أطلقت ديانا تنهيدة عميقة.
ثم بدت وكأنها تفكر في شيءٍ بعمق،
وبعد لحظة من الصمت، بدأت تتحدث ببطء:
“سمعت أنه لا يقبل المال فقط، بل أشياء أخرى أيضاً.”
“أشياء أخرى؟“
“نعم.”
“ما هي؟“
أجابت ديانا بصوت مرتجف وكأنها قلقة:
“الأراضي والألقاب.”
غمر الارتباك عيني كاليبسو عند سماعه لكلماتها.
“الأراضي… والألقاب؟“
“نعم. يقولون إن حتى الألقاب تُشترى بالمال. وإذا توفرت لديه ثروة ضخمة، فربما يستطيع حتى أن يحصل على استثمار في مشروعنا. إقليم إيرنست كبير، بعد كل شيء.”
رغم شرح ديانا، لم يستطع كاليبسو الرد بسهولة.
فالمال قد يأتي ويذهب، لكن الألقاب لا تُشترى بسهولة.
فهذا هو الشيء الوحيد الذي يملكه.
لو لم يكن يحمل لقب دوق،
هل كان سيتمكن من الزواج من ابنة عائلة بريتشي؟
“كما توقعت، إنه أمر خطير للغاية، أليس كذلك؟
أعتقد أنه من الأفضل أن نتخلى عن فكرة المشروع.”
“لا.”
“نعم؟“
“سأفعلها.”
وقف كاليبسو من مكانه، ثم أخرج صك اللقب والسيف والخاتم العائلي الموروث من الإمبراطور لعائلته ووضعهم على الطاولة.
“هذا سيكون كافيًا، أليس كذلك؟“
“حقًا… هل تنوي فعل ذلك؟ ماذا لو حدث شيء خاطئ…”
نظرت إليه ديانا بنظرة شاردة وكأنها قلقة بصدق.
فرد كاليبسو بابتسامة خفيفة:
“لا تقلقي. كل شيء سيسير على ما يرام.”
“حسنًا، إذن سأقابل ذلك الشخص بنفسي.
لا يليق بسيد دوقية إيرنست أن يطلب قرضًا، لذا دع الأمر لي.”
“شكرًا لكِ… عزيزتي.”
ضم كاليبسو ديانا برفق إلى صدره.
لقد شعر بالامتنان الصادق تجاهها لأنها عرضت أن تستدين المال لأجله.
وفي أحضانه، تجمد وجه ديانا ببرود وانفرجت شفتيها بسخرية،
وهي تتخيل مستقبل كاليبسو وهو يُطرد مفلسًا.
***
“ما هذا؟“
نظرت آيسبل إلى الرسالة التي أحضرتها شين بعينين مليئتين بالاستغراب.
“كما ترين، إنها رسالة.”
ردت شين بهدوء وهي ترمش ببطء.
فتحت آيسيل الرسالة بسرعة وقلبتها لتتفحصها.
كان الظرف من ورق فاخر للغاية،
ويمكن تمييز عبيره العطر بوضوح.
وعلى مقدمته ختم عائلة آيبرك.
“عائلة آيبرك، إذاً.”
انفرجت شفتاها بابتسامة ناعمة.
الشخص الوحيد الذي يمكن أن يرسل لها رسالة من عائلة آيبرك هو الأمير سوير.
من المؤكد أنه هو من كتب لها هذه الرسالة.
تناولت آيسيل سكين الرسالة من شين وفتحت الظرف بسرعة لتقرأ المحتوى.
كان مفادها أنه استمتع كثيرًا بالوقت الذي قضاه معها في الحفل السابق، وأنه يرغب في زيارتها في دوقية إيرنست في المرة القادمة.
كانت تعلم أن سوير يشعر بانسجام معها،
لكنها لم تتخيل أنه يحمل لها هذا القدر من الود.
وللأسف، كان هذا أمرًا رائعًا بالنسبة لها.
الآن يمكنها أن تطعن كاثرين في قلبها.
“همم، ممتاز. عليّ أن أستعد للرد.”
خرجت آيسيل من الغرفة حاملة الرسالة، متجهة نحو الحديقة.
في تلك اللحظة، سمعت صوتًا مزعجًا خلفها.
“إلى أين أنتِ ذاهبة بهذه العجلة؟“
“أوه، كاثرين.”
ظنت أن كاثرين قد فقدت حماسها بعد الحفل مع الأمير سوير،
لكنها بدت الآن وكأنها استعادت شراستها.
لوّحت آيسيل بيدها بابتسامة دافئة وكأنها تفرح برؤيتها.
“لسنا على علاقة ودية لنتبادل التحيات، أليس كذلك؟“
قالت كاثرين بسخرية وهي ترفع زاوية فمها بازدراء.
لكن آيسيل اقتربت منها بخطوات رشيقة وأنيقة.
“أنا فقط في مزاج رائع اليوم.”
“مزاج؟“
رفعت كاثرين حاجبها وهي تراقب حالتها المفعمة بالحيوية.
ابتسمت آيسيل ابتسامة صغيرة ولوّحت بالرسالة التي بيدها كما لو كانت تلوح بعلم.
“تخمينك؟ ما هذه؟“
خطفَت كاثرين الرسالة من أمام وجهها بيد غاضبة.
وعندما رأت الختم على الظرف، اتسعت عيناها باضطراب واضح.
“هـ… هل هذه…؟“
عبس وجهها وسحبت الرسالة من الظرف لتقرأ محتواها بسرعة.
وكلما قرأت أكثر، أصبح تنفسها أكثر اضطرابًا.
“أنتِ… هل هذا حقيقي؟“
“هل تعتقدين أنني سأصنع رسالة مزيفة؟“
سحبت آيسيل الرسالة من يد كاثرين المرتجفة،
ثم قالت وهي تعقد ذراعيها بثقة:
“بما أن سوير أرسل لي رسالة معطّرة،
كنت ذاهبة لقطف بعض الزهور لأضغطها معها.”
“هذا مستحيل… لشخص مثلك!”
“هل تودين مرافقتي، أختي الصغرى؟“
كانت نظرات آيسيل مليئة بالسخرية،
مما جعل قبضتي كاثرين ترتجفان من الغضب.
كانت تضغط بقوة شديدة حتى أن أظافرها كانت توشك على جرح راحتيها.
كان من المتوقع أن تطير صفعة على الأقل في مثل هذا الموقف.
رفعت آيسيل ذقنها وكأنها تتحدى كاثرين لتضربها.
لكن كاثرين، وكأنها تستمع لنصيحة من أحدهم،
لم تفعل شيئًا سوى التحديق بها بعينين مرتجفتين.
ثم أدارت رأسها بسرعة وغادرت بخطوات غاضبة.
راقبتها آيسيل بإمعان، شاعرة أن هناك شيئًا غريبًا.
رأت ظلًا أسودًا مظلمًا ومخيفًا يزحف خلف ظهر كاثرين.
“ما هذا؟“
ضاقت عينا آيسيل وهي تحدق في ذلك الظل المتماوج مثل السراب.
وفي تلك اللحظة، وسط الظل،
ظهرت عيون حمراء كالدم تشبه عيون وحش.
ارتجفت كتفا آيسيل من شدة الرعب.
لكن تلك العيون اختفت كأنها لم تكن.
اعتقدت أنها ربما كانت تتخيل، ففركت عينيها بقوة.
كانت كاثرين قد دخلت غرفتها بالفعل.
“…لابد أنني كنت أتخيل.”
حدقت آيسيل في باب غرفة كاثرين المغلق بشرود،
ثم أدارت جسدها مبتعدة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 72"