استمتعوا
“أمم……”
فتحت ديانا عينيها فجأة.
شعرت كما لو أنها رأت حلمًا طويلًا.
رفعت جسدها ببطء.
“همم؟“
المكان الذي كانت مستلقية فيه لم يكن سوى سرير غرفتها الخاصة. من ضوء الشمس المتسلل عبر الستائر،
يبدو أنها نامت طوال اليوم.
لكنها كانت مع رويري، أليس كذلك؟
شعرت للحظة أن هذا ربما كان مجرد حلم، ففركت عينيها.
كان العقد الياقوتي الذي ترك دفء رويري لا يزال معلقًا حول عنقها.
بدأت تستعيد ذاكرتها ببطء.
ذهبت مع رويري إلى المطعم، ثم إلى البوتيك،
وبعدها إلى برج السحر، حيث استمتعا بمنظر كان أشبه بالخيال.
ثم، عندما انبهرت بذلك المشهد المهيب،
بدا أن رويري قال لها شيئًا بوجه جدي للغاية.
لكنها لم تستطع تذكر تلك الكلمات على الإطلاق.
كما حدث من قبل عندما كانت مع بليندا، بدأ رأسها يؤلمها.
وضعت ديانا يدها فوق قلبها.
كان قلبها ينبض بقوة، كما لو أنها قامت بتمرين عنيف.
وقعت عينا ديانا على الطاولة بجانب السرير.
كان هناك طعام من المطعم موضوع في صندوق مغلف بطريقة جميلة.
“……رويري.”
يا له من شخص طيب.
لم يكن لديها ما تقدمه له، ومع ذلك كان يعاملها بلطف لا يوصف.
كان دافئًا لدرجة أنها رغبت في أن تتخلى عن كل شيء وتذهب إليه.
مسحت ديانا الصندوق بلطف بوجه فيه شيء من المرارة.
ثم نهضت لتأخذه إلى آيسيل.
في تلك اللحظة، طرق أحدهم الباب.
“من هناك؟“
“أنا، أمي.”
التي جاءت إلى الغرفة كانت كاثرين.
فتحت ديانا الباب، وهي تميل برأسها باستغراب.
لم يكن من المعتاد أن تأتي كاثرين إليها،
إلا إذا كان الأمر متعلقًا بسوير.
“ادخلي.”
لم يمر سوى يومين منذ الحفلة،
ومع ذلك بدا وجه كاثرين منهكًا بشدة.
“تبدين وكأنكِ لست بخير. هل كل شيء على ما يرام؟“
سألتها ديانا متظاهرة بالقلق.
جلست كاثرين على الكرسي من دون طاقة،
ثم قالت بصوت خافت بالكاد يُسمع:
“هل فكرتِ بما قلته في العربة؟“
“تقصدين أمر أليشيا؟“
“……نعم.”
يبدو أنها كانت شديدة الغضب، حتى أنها جاءت مرة أخرى.
“ما زلت أفكر. لا يمكنني التغاضي عنه بسهولة،
لكن ألي هي صديقتي.”
حكت ديانا فكّها كما لو كانت في حيرة.
غير أن هذا الموقف الفاتر جعل كاثرين تعقد حاجبيها وبدأت بالاعتراض:
“مجرد طبيبة، ومع ذلك ألحقت الإهانة بسموكِ أمام الجميع!
هل ستسامحينها فقط لأنها صديقتك؟! بل إنها كانت السبب في انهيارك الأخير. ما حدث كبير جدًا ليُعتبر مجرد ‘خطأ‘!”
كلام كاثرين كان منطقيًا.
لو كانت أليشيا طبيبة عادية، لطُردت على الفور.
حتى ديانا، من داخلها،
كانت ترغب في رميها على الطريق البارد دون تردد.
لكن، لو كان من السهل التخلص منها، لما كانت لتتردد حتى الآن.
كانت الأفكار الخبيثة تدور في ذهن ديانا،
تفكر في كيف يمكنها أن تسير بأليشيا نحو الهلاك.
ربما حان الوقت لرمي الطُعم.
سألت ديانا بابتسامة مرة:
“إذن، ماذا تقترحين أن أفعل؟“
ينبغي لأليشيا أن تعرف كيف يكون الشعور بأن تُطرد بيد ابنة ربتها بكل حب.
أخفت ديانا سخرية في وجهها ونظرت مباشرة في عيني كاثرين البنفسجيتين.
تظاهرت كاثرين بالتفكير،
أطبقت شفتيها بقوة، ثم فتحت فمها ببطء.
“……سأفكر بالأمر. كيف يمكنني أن أجعل الأمر مُحرجًا لتلك الطبيبة دون أن يُحرجكِ أيضًا، أمي.”
“حسنًا، فكري. فأنتِ أذكى من هذه الأم.
لا شك في أنك ستجدين فكرة أفضل مما لديّ.”
“……نعم.”
***
عادت كاثرين إلى غرفتها منكسة الرأس.
وفجأة، تصاعد لهب أسود من زاوية المكتبة، وصدح صوت:
“ما الذي تنوين فعله؟“
“……سأفضحها.”
“تفضحينها؟“
نظر إكليبت إليها وكأنه لا يفهم، فاستدارت إليه ببطء.
كانت تخطط لإلقاء اللوم بالكامل على أليشيا،
بدقة ومكر، حتى يتم طردها.
“سأفضح علاقتها بأبي. تلك العلاقة القذرة، علاقة الخيانة.”
ارتسمت ابتسامة بطيئة على جانب شفتي كاثرين.
وعند رؤية هذا المظهر الشرير،
رسمت شفاه إكليبت قوسًا لطيفًا وكأنه راضٍ تمامًا عما يحدث.
ومع ذلك، سألها بنبرة وكأنه قلق عليها:
“لكنها أمك الحقيقية. هل أنتِ بخير مع ذلك؟“
لكن كاثرين كانت باردة تمامًا:
“على أي حال، أمي لن تستطيع الاعتراف بي كابنتها.”
وبينما كانت ترتب الكتب على الطاولة، أضافت بلا مبالاة:
“لأنها تحبني.”
“بالطبع، هذا واضح.”
“إذا انكشف أنها عشيقة، فإن ديانا ستكرهها بالتأكيد،
وستتخلص منها أمام عيني.”
“وإن قامت ديانا تلك المرأة بالإبلاغ عن والدك وأمك إلى القصر الإمبراطوري، ماذا ستفعلين حينها؟“
سؤاله كان حادًا.
وكان فيه بعض الصحة.
فالخيانة الزوجية في الإمبراطورية تُعد جريمة.
لو أن ديانا قررت الإبلاغ بدافع الانتقام من خيانة كاليبسو،
فإن دوقية إيرنست حتمًا ستسقط.
لكن كاثرين تجمد وجهها ببرود.
“لا يهمني. لا أبي، ولا أمي.”
لم تكن تبالي إطلاقًا بدوقية إيرنست.
لم يكن السبب الوحيد في فقر الدوقية هو إسراف الدوقات السابقين، بل أيضًا الأرض غير الخصبة، قلة السكان المحليين، الضرائب التي تبقى دائمًا غير كافية.
وأضيف إلى ذلك، ضعف قدرات الدوق ونقص رأس المال.
كاثرين لم تكن تطمح بوراثة اللقب أو امتلاك هذه الأرض البائسة.
كانت تريد فقط أن ترث من ماركيز بريتشي منجم الألماس،
وأن تحصل على قوة مالية ثابتة، وتتزوج بسوير لتصبح دوقة.
لتتخلص من الزيف، وتصبح حقيقية،
ذلك كان هدف حياتها الوحيد.
“ما يهمني هو سلامتي فقط.”
في يومٍ ما، كانت تؤمن أن أليشيا هي من ستحقق لها هذا الحلم.
لكنها لم تكن كذلك.
الطرف عديم الفائدة كان هي.
أمها، التي لم تكن تملك خلفية أو مالًا أو حتى مكانة،
لم تعد ذات قيمة لها.
“من أحتاجها هي ديانا، التي ستجعلني دوقة.”
كاثرين، التي سخرت يومًا من والدتها المزيفة وتخلّت عنها،
كانت الآن تستعد لنبذ والدتها الحقيقية بطريقة أكثر قسوة.
وبينما خرجت هذه الكلمات الباردة من فمها،
ابتسم إكليبت ضاحكًا، كاشفًا عن أنيابه الحادة.
***
ما الذي تفكر به؟ كانت ديانا تحدق بشرود في المكان الذي جلست فيه كاثرين قبل قليل.
لم يكن وجهها يوحي بالتردد.
بل بدا كما لو أنها اتخذت قرارًا.
أياً يكن ما كانت تخطط له،
فقد كان واضحًا أنه سيتسبب بأذى بالغ لقلب أليشيا.
ضحكت ديانا بسخرية من بين شفتيها.
بالنسبة لها، لم يكن بينها وبين كاثرين أي رابط دم، لذا حتى لو تعرضت للخيانة بهذه الطريقة المقيتة، يمكن تبرير الأمر.
لكن أليشيا كانت مختلفة.
كانت أمها الحقيقية.
كيف يكون الشعور أن تتخلى عنك ابنتك الحقيقية، وليس مجرد ابنة مزيفة؟ لا بد أنه شعور أشد بؤسًا من أي ألم شعرت به هي.
بينما كانت تفكر في الخطوة التي ستتخذها كاثرين،
ارتشفت ديانا الشاي بهدوء.
“سموكِ، هذه ميلان.”
عندما سمعت صوت ميلان من الخارج،
وضعت ديانا فنجان الشاي جانبًا.
“ادخلي.”
نظرت ديانا إلى الشيء الذي كانت تحمله شين.
كان في يدها طرد كبير مغلف برق من الجلد.
“وصل البريد.”
“البريد؟“
أمالت رأسها باستغراب، وأخذت الطرد من شين.
قطعت الخيط بسكين، فظهر أصيص نبات.
“أخيرًا وصل.”
كان ذلك هو النبات الجديد ‘لوريل بندر‘ الذي طلبته من ماركيز بريتشي في المرة السابقة.
داخل الطرد، كانت هناك بذور نبتة ‘لوريل بندر‘ مع البصيلات الخاصة بها.
“ما هذه النبتة؟“
سألت ميلان وهي تضرب بلطف الزهور البنفسجية الصغيرة داخل الأصيص وكأنها تجدها لطيفة.
“من الأفضل أن تغسلي يديكِ، يا ميلان.”
“هاه؟“
“قد تُسبب التسمم.”
“آه! سأذهب لأغسل يدي فوراً!”
على وقع كلمات ديانا المرعبة، هرعت ميلان خارجة من الغرفة وكأنها تهرب، وكان مظهرها المرتبك لطيفًا إلى درجة جعلت ديانا تضحك خلسة.
ثم رفعت الأصيص كما لو كان كنزاً ثميناً.
وكيف لا يكون ثميناً؟
فقد كان هذا الشيء النادر قادراً على الإطاحة بكاليبسو،
وسرقة أعزّ ما يملكه.
لقد كان توقيتاً مثالياً لتصبح منقذته.
خاصة بعد الخطأ الكبير الذي ارتكبته عشيقته أليشيا في قصر دوق إيبرك.
وإذا ما جلبت له هذا الأصيص مع البذور في هذا الوقت الذي يمكن فيه جني أموال طائلة، فإن كفة الميزان ستميل بالتأكيد لصالح ديانا.
خصوصاً إذا كان هذا يتضمن خيانته للماركيز الذي يكرهه كاليبسو بشدة.
ابتسمت ديانا بخبث وهي تنظر إلى الأصيص،
ثم حملته وتوجهت إلى مكتب كاليبسو.
“عزيزي، إنها أنا.”
“ادخلي.”
ما إن رأى كاليبسو الأصيص حتى تبدلت ملامحه الباردة وانفتحت بابتسامة مشرقة.
نعم، لقد حان الوقت لبدء التحرك.
جلست ديانا بخفة على الأريكة بخطوات أنيقة،
فنهض كاليبسو فورًا لاستقبالها بحفاوة.
“مرحباً بكِ، زوجتي العزيزة.”
كم كان من السهل قراءة ما يدور في رأسه.
وجهه المبتسم بشكل متصنع كان مقززًا لدرجة أن ديانا رغبت في لكمه بقوة.
“ما هذا…؟“
تظاهر كاليبسو بالجهل وسألها بخفة.
فأجابت ديانا وهي تضع الأصيص على الطاولة:
“إنها النبتة الجديدة التي أخبرتك عنها سابقًا.
وقد حصلت على بذورها أيضاً.”
“هذه هي بالفعل…!”
تلألأت عينا كاليبسو بالطمع، وكان يكتم ابتسامة ترتجف على شفتيه وهو يصدر صوت سعال مفتعل.
“همم، لكن… هل أنتِ متأكدة أن هذا بخير؟“
“بشأن ماذا؟“
“أليس في هذا خيانة لوالدك؟“
حتى في هذه اللحظة، يبدو أنه لا يزال يخاف من الماركيز.
فابتسمت ديانا بهدوء وقالت:
“هل تعتقد أن والدي أهم بالنسبة لي من زوجي؟
اسمي الآن إيرنست، لا بريتشي.”
اهتزت نظرات كاليبسو بتأثر، وكأن كلامها قد لامس قلبه.
لم يكن يتوقع أن يسمع منها مثل هذا الكلام من قبل.
فهي كانت دوماً المرأة التي تحترم والدها أكثر من أي شيء.
لكنه لم يتخيل أنها ستخونه بهذه الطريقة وتكرّس نفسها له.
“أنتِ…”
وقبل أن يتمّ عبارته، تابعت ديانا بصوت ناعم وكأنها قرأت أفكاره:
“والدي يثق بي. وإذا استمررنا في سرقة أفكاره،
فنهوض إيرنست لن يكون حلماً بعيد المنال.”
ارتسمت على وجه ديانا ابتسامة ملائكية، نقية ومشرقة.
تطلّع إليها كاليبسو بدهشة.
لقد بدت له كمن بعثتها السماء لإنقاذه.
كانت أكثر فائدة بكثير من أليشيا التي لا تكفّ عن تعطيله.
نعم، بعد تفكير عميق،
من المؤسف حقاً أن يتخلى عنها مقابل مجرد حق إدارة منجم.
أمسك كاليبسو بيدها فجأة.
“أنتِ الوحيدة التي أحتاجها.”
“وهل هناك شك في ذلك؟“
كان ما يدور في رأسه واضحًا تمامًا.
الآن، لن يعترض كاليبسو حتى لو تخلّى هو وكاثرين عن أليشيا.
نظرت ديانا إلى عينيه وهما معلقتان بالأصيص،
بينما تلاشت ابتسامتها لتتحول إلى برود قاتل.
أنت التالي، يا كاليبسو، بعد أليشيا.
في تلك اللحظة، التقت عيناهما.
فسارعت ديانا إلى رسم ابتسامة مشرقة في عينيها.
ابتسم لها هو الآخر، دون أن يخطر له أي شك تجاهها.
وبذلك الوجه الغبي،
استطاعت ديانا أن تبتسم بثقة ورضى أكثر من أي وقت مضى.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 71"