استمتعوا
لقد كانوا يتألمون بشدة وهم يموتون وسط نيران تلتهم أجسادهم بالكامل. وسط ألسنة اللهب الحمراء، كانت صرخاتهم المستغيثة تنبعث متوسلة للنجاة.
أيريدون النجاة بعد كل هذا الفعل الشنيع؟
كانت صرخاتهم المؤلمة ترتجف لها الأبدان،
لكن بالنسبة إلى رويري، لم تعد أصواتهم تُسمع كأصوات بشر.
بوجه بارد يناقض لهب النيران المشتعلة، أدار ظهره لهم.
ثم أحرق كل شيء في القصر الكبير،
باستثناء الكوخ الذي كانت فيه ديانا.
كاليسبو وأليشيا وكاثرين الذين خانوا ديانا، وخدم القصر الذين خدعوها بتحالفهم، وحتى وردة واحدة من حديقة كانت ديانا ستحبها على الأرجح — لم يترك شيئًا.
كل شيء في القصر الكبير تحول إلى رماد متطاير في الهواء.
المكان الذي كان يقف عليه بدا وكأنه جحيم حي.
ألسنة اللهب المتأججة تلتهم كل شيء من حوله.
بعد أن أحرق القصر بالكامل،
نظر رويري إلى جثث الخونة المتفحمة.
ثم وقعت عيناه الباردتان على كاليسبو.
كانت يده المحترقة تمسك برقٍ من الرق القديم وقد احترق طرفه.
اقترب رويري من جسد كاليسبو الميت،
وتفحص الوثيقة التي كان متمسكًا بها حتى الموت.
“…حق تشغيل منجم الألماس.”
تمتم بها بهدوء.
يبدو أن هذا ما حصل عليه لقاء قتل ديانا من ماركيز بريتشي.
هل هذه الورقة التافهة كانت ثمن حياة ديانا؟
صرّ على أسنانه، واستدعى النيران مجددًا.
وثيقة التشغيل التي طالما حلم بها كاليسبو احترقت بلحظة واحدة بين يدي رويري.
ثم بخطوات يملؤها الحزن، عاد إلى ديانا.
الكوخ كان لا يزال سليمًا،
محميًا بسحر دفاعي وضعه رويري مسبقًا، رغم النيران المحيطة.
تقدم مترنحًا كما لو أنه ثمل،
واقترب من جسد ديانا.
ثم هوى على ركبتيه دون مقاومة.
“أنا… أنا قتلتهم جميعًا، ديانا.
كل أولئك الذين تسببوا في موتك، قتلتهم جميعًا.”
انهار كتفاه بضعف.
كل شيء بدا عبثيًا.
حتى لو انتقم من الجميع، فلن تعود ديانا إلى الحياة.
أمسك بيدها وهو يبكي بحرقة.
لم يكن فيها أي دفء، كانت باردة تمامًا.
“لو أنني أستطيع قتل كل البشر في هذا العالم مقابل أن تعودي أنتِ فقط، ديانا… فقط أنتِ.”
رفع وجنته المبللة بالدموع إلى يدها.
“كنت سأفعل أي شيء، أي شيء لأعيدك للحياة…!”
ملأ صوته الحزين أرجاء الكوخ.
لكن كل ما عاد إليه هو صمت قاتل.
بعد نحيب طويل، فتح رويري عينيه بعزم واتخذ قراره.
نهض بصعوبة.
ثم أخرج من الحقيبة طفلة صغيرة، ووضعها بجانب ديانا.
وأغمض عينيه بإحكام.
بدأت هالة غامضة داكنة مثل ظلمة الليل تنبعث من حوله.
“سأعيدكِ، ديانا.”
في اللحظة التي فتح فيها عينيه،
ارتسمت دائرة سحرية سوداء تحت قدميه.
بدأت الدائرة تضيء تدريجيًا من الخارج إلى الداخل.
ومعها تدفقت قوة هائلة.
بسبب ذلك، راحت خصلات شعره الأحمر تتطاير بقوة.
وبتأثير تلك الطاقة السحرية العنيفة،
بدأت الأرض تحت قدميه تتشقق ببطء.
ومن بين تلك الشقوق،
انبعث ضوء غير عادي شبيه بما صدر من الدائرة السحرية.
“آه…”
بسبب تفريغ كميات هائلة من السحر،
انفجرت الشعيرات الدموية في وجهه،
وتدفقت الدماء القاتمة من فمه.
كان عازمًا على استخدام سحر محظور،
مستنفدًا كامل طاقته السحرية.
رغم التغييرات الجسدية، لم يتوقف.
كانت رغبته الوحيدة هي إعادة ديانا للحياة.
“كح…”
حتى لو كان رويري ساحرًا عظيمًا،
لم يكن باستطاعته استخدام السحر إلى ما لا نهاية.
بسبب الاستخدام المفرط للقوة، عاد الدم يتدفق من فمه مرة أخرى.
تساقط الدم على ذقنه وهو يلهث.
لم يكن قد استخدم قوته بهذه الكثافة من قبل.
بدأت رؤيته تضعف تدريجيًا.
نظر إلى الأرض أسفله.
كانت الدائرة السحرية على وشك الاكتمال.
قليلٌ فقط… قليلٌ من القوة المتبقية…!
استجمع ما تبقى من طاقته السحرية وأطلقها بالكامل.
اندلعت موجة قوية من الطاقة مصحوبة بشرارات متطايرة من حوله.
أخيرًا…!
في اللحظة التي اكتملت فيها الدائرة السحرية بالكامل،
تلألأ وجه رويري ببريق الأمل.
لكن في تلك اللحظة، انطفأ الضوء فجأة، وتلاشت الدائرة السحرية التي كانت منقوشة على الأرض كأنها لم تكن أبدًا.
“هاه، هاه…! كيف يمكن أن…؟“
انهار على الأرض لاهثًا.
ساقاه ارتجفتا وجسده كله أخذ يرتعش بعد أن استنفد كل قوته.
رغم ذلك،
كان يخدش الأرض بيديه بحثًا عن بقايا تلك الدائرة السحرية.
لكنها اختفت تمامًا، كما لو لم تكن هناك منذ البداية.
مسح الدم عن ذقنه، ورفع رأسه محاولًا فهم ما حدث.
لكنه لم يستطع إدراك السبب وراء فشل السحر.
كان على يقين أنه قادر على استخدام السحر المحظور إذا استعمل كل قوته السحرية.
“لا… لا يمكن…!”
صرخ وهو يخدش الأرض.
لم يعد يملك أي طاقة لتنفيذ سحر آخر.
حتى لو اضطر إلى حرق حياته، كان يريد إنقاذها.
والآن، حتى أمله الأخير قد تبدد.
انهمرت دموعه بحرارة.
كان يشعر بالجنون من شدة حزنه لأنه لم يستطع حمايتها.
كان قلبه يكاد ينفجر من شدة الحب العالق فيه.
أراد أن يغمض عينيه إلى الأبد بجانبها.
في تلك اللحظة، وقعت عيناه على خنجر ملقى على الأرض.
تمتم بصوت مبلل بالدموع:
“…ديانا. حتى لا تشعري بالوحدة في طريقك، سأرافقك.
كما كنت تمسكين بيدي عندما كنت أشعر بالوحدة.”
بيد مرتعشة، التقط الخنجر ببطء.
وعندما أخرج النصل من غمده، تلألأ طرفه الحاد.
أمسك رويري بالخنجر بكلتا يديه ووجّهه نحو قلبه.
وقبل أن يغرز الخنجر في صدره—
“أوه، يبدو أنني وصلت متأخرًا قليلاً.”
صوت مخيف ارتج له المكان،
وخرج أحدهم من الظلام بخطى بطيئة.
سقط الخنجر من يد رويري.
وارتجفت عيناه من الصدمة وهو ينظر إلى الظهور غير المتوقع.
“كمية سحر كهذه كافية لاستدعائي، يا له من أمر مدهش.”
كان رجلًا يبعث على القشعريرة، يشبه الأفعى.
عيناه الحمراوان كانتا بلون الدم الذي نزفه رويري.
نظر الرجل ببطء إلى الجثتين الممددتين على الأرض.
ثم ارتسمت على وجهه ابتسامة لئيمة،
وكأن كل شيء بات واضحًا له.
“لقد استدعيتني لتحيي تلك المرأة، أليس كذلك؟“
“…نعم. أيها الشيطان الأعظم، إكليبت.”
ما استدعاه رويري كان الشيطان الأعظم بين كل الشياطين — إكليبت.
بسبب استخدامه المفرط للسحر،
لم يكن جسد رويري في حال جيدة.
لكنه مع ذلك تجهم ووقف بصعوبة.
ساقاه كانتا ترتجفان، لكنه تماسَك بصمت.
كان لدى زويري فكرة مبهمة عن ماهية الشياطين.
كانوا أقوياء أمام الضعفاء وضعفاء أمام الأقوياء.
لا يجب مطلقًا أن يبدو ضعيفًا.
“ههه، تحاول بجهد، رغم أنك مجرد مبتدئ.”
لكن على الرغم من جهد رويري، ضحك إكليبت بسخرية خفيفة.
فبالنسبة له، كان البشر مجرد مخلوقات تافهة كالنمل.
كما أننا لا نشعر بالذنب عند دهس نملة على الأرض،
كان الأمر ذاته ينطبق على الشياطين.
“لقد أحدثتَ فوضى كبيرة. كل هؤلاء القتلى من أجل امرأة واحدة؟“
“…اصمت، وقل ما تريد فقط.”
“هاها، من الواضح أنك تريدني أن أعيدها للحياة.”
ضحك إكليبت بصوتٍ عالٍ وهو يحدّق في ديانا كما لو كانت شيئًا تافهًا.
ابتلع رويري ريقه الجاف.
قلبه بدأ ينبض بقوة من جديد،
أملاً في أن تحيا ديانا وتبتسم له من جديد.
كان مستعدًا لدفع أي ثمن،
فقط إن تمكن من رؤيتها تبتسم له مجددًا.
“لكن، لا يمكن.”
“…ماذا؟“
قال إكليبت وهو يدور حول رويري متقاطع الذراعين:
“حتى لو رهنت روحك، من المستحيل إعادة الميت إلى الحياة.”
عند هذه الكلمات القاطعة، أمسك رويري بياقة إكليبت بخشونة.
“أنت شيطان! خذ جسدي، خذ روحي، خذ ما تشاء فقط أعدها!”
عندها، ارتسمت ابتسامة بالكاد مرئية على وجه إكليبت،
ثم قال بابتسامة خبيثة:
“إذن، فلنفعل هذا.”
انتظر رويري بتوتر ما سيقوله،
وقلبه يخفق بشدة حتى جف حلقه.
“سأُعيد لك الزمن.”
“الزمن…؟“
“نعم، إلى الماضي حيث كانت تلك المرأة لا تزال على قيد الحياة.”
عاد اللون إلى وجه رويري الذي كان شاحبًا.
هزّ رأسه بقوة.
“نعم! افعل ذلك…!”
“لكن.”
حدق إكليبت في لويري بعينيه الحمراوين،
وكانت زاوية فمه ترتفع بابتسامة ساخرة.
“هناك شرط.”
“ما هو الشرط؟ إن كانت روحي، فسأعطيها لك.”
“لا، لا حاجة لروحك.”
ضحك إكليبت بخفة وأشار إلى جثة ديانا بإصبعه.
“الشرط هو أن تختفي من زمن تلك المرأة.”
“…ماذا؟“
اهتزت عينا لويري بشدة،
بينما انفجر إكليبت ضاحكًا وكأنه لا يستطيع كتم ضحكه.
“في ذاكرتها، لن يكون لك وجود أيها الإنسان!”
“إن كان الأمر كذلك…”
“وأضيف إلى ذلك…”
رفع إكليبت إصبعه ليقاطع حديث رويري،
ثم قال وهو لا يزال يضحك:
“لن تستطيع أبدًا امتلاك تلك المرأة. حتى لو أعدنا الزمن.”
كانت ملامحه مستمتعة.
بالنسبة للشيطان، لم يكن ويري سوى بطلٍ في مسرحية مسلية.
الشرط كان: مقابل إحياء المرأة التي يحب،
لا يمكنه امتلاكها أو حتى حبها.
وإن وافق على هذا، سيجلس إكليبت في أفضل مقعد يشاهد مسرحيته التي صنعها بنفسه، ويستمتع بها حتى النهاية.
مدّ إكليبت يده كما لو كان يعرض المصافحة.
حدق رويري في تلك اليد مطولًا.
نعم، لا يهم شيء آخر.
أولاً، عليه أن يعيدها.
سواء أصبح دميةً أو لعبةً لذلك الشيطان، ما الفرق؟
ركع رويري على ركبته وأخذ جسد ديانا البارد بين ذراعيه.
ثم همس بصوتٍ مبلل قرب أذنها:
“سأُعيد كل شيء. سنبدأ من جديد، ديانا.”
ثم وقف بوجه جاد وأمسك بيد إكليبت بقوة.
“أعد الزمن.”
“حسنًا!”
فورًا، أضاء الضوء حول إكليبت بشدة.
ومعه، صدح صوته الضاحك في أذن رويري.
في لحظة، شعر وكأن وعيه يتلاشى.
ارتجف جسده بقوة حتى كاد أن يتحطم.
أغلق رويري عينيه بإحكام دون أن يشعر.
“آه…!”
وعندما فتح عينيه مجددًا،
كان قد عاد إلى برج السحر في الماضي.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 69"