استمتعوا
“آه، آه آه……!”
خرج من بين شفتيه أنين ممزوج باليأس.
تحوّل رأسه إلى بياض نقي، وشعر بدوار يغمره.
وكأنّه شرب خمراً شديداً، إذ بدأت الدنيا تدور من حوله.
تحركت قدما رويري بصعوبة،
وتقدّم ليجلس بجانب جثة ديانا مترنحًا.
“ديانا……. ديانا……!”
هل ستستيقظ إن نادى باسمها؟ أخذ رويري يردد اسم ديانا بألم.
يداه المرتجفتان لمستا جسد ديانا.
لكن جسدها كان أبرد من الجليد، وأقسى من قطعة خشب.
أمسك رويري بيدها الباردة، وبدأت دموعه تنهمر بلا توقف.
ارتجفت كتفاه بصمت،
حتى أنّه لم يستطع إصدار صوت بكائه من شدّة الألم.
أنتِ الطيبة النقية، لماذا حدث لك هذا…!
أرادها بجنون، أراد أن يحبها حتى الجنون.
لكنّه ضحّى بها من أجل سعادتها.
لو علم أنّ الأمر سينتهي هكذا، لكان اعترف بحبه.
لقال لها إنه يحبها، وإنه واثق من قدرته على إسعادها.
لكان ناداها بفرح كما أرادت أن تسمع منه ‘نونا‘،
ولكان ضحك أكثر في حضورها.
لماذا كان عنيفًا معها؟ ما الذي كان يمنعه من الضحك؟
لماذا كانت كلمة ‘نونا‘ صعبة عليه إلى هذا الحد؟
خشي أن تنكشف مشاعره، فلم يكن يومًا لطيفًا معها.
كل شيء، من البداية إلى النهاية، ندم عليه.
غطى رويري وجهه بكفّيه.
وانهارت دموعه من بين أصابعه كأنّها مطر يهطل بلا توقف.
عندها، وقعت عينه على الكيس الذي كانت ديانا تعانقه بشدّة.
“ما هذا……؟“
فتح رويري الكيس بحذر.
في داخله كان هناك طفلة صغيرة، وجهها شاحب كالميتة.
كيف يمكن لأحد أن يكون بهذا القدر من القسوة؟!
اشتعلت نيران الغضب في عينيه الزرقاوين.
وقف ببطء، وقد بدأ المانا الحمراء تتسرّب من جسده بسبب غضبه غير المسيطر عليه.
خلقت المانا نيراناً صغيرة.
وبدأت شرارات تشبه البرق تخرج من حوله بصوت طقطقة.
توجّه رويري مباشرة نحو القصر.
باب القصر الضخم كان مغلقًا بإحكام.
مدّ راحة يده.
وانطلقت منها شعلة نارية على شكل تنين،
أصدرت صوت هدير قوي.
بانفجار مدوٍ، تحطّم الباب إلى شظايا.
على صوت الانفجار، هرعت الخادمات مفزوعات.
صرخوا من الذعر عند رؤية المهاجم المفاجئ.
“آآااه!”
“آه! من أنت؟!”
“من هي أليشيا؟“
كان كاليبسـو قد قال إن أليشيا أنهت كل شيء.
هذا يعني أنّ أليشيا هي من قتلت ديانا.
“الـ، الطبيبة؟“
“أجيبي حالًا.”
بصوته المنخفض والمرعب كصوت وحش يهدد،
أشارت الخادمات بفزع نحو نهاية الممر.
“هـ، هناك… في تلك الغرفة!”
اقترب رويري من الغرفة التي أشارت إليها الخادمة.
لم يكن الباب مغلقًا بالكامل، إذ كان الضوء يتسرّب من خلاله.
وعندما همّ رويري بفتح الباب، سمع أصوات النساء من الداخل.
“أخيرًا، انتهى كل شيء!”
“مبارك يا أمي!”
“لم يتبقَ سوى جعل موت ديانا يبدو كأنه انتحار.
بعدها سأصبح دوقة.”
صاحبة الصوت الحماسي لم تكن سوى أليشيا.
عند سماعه لكلمة ‘انتحار‘، لم يستطع رويري أن يحتمل أكثر.
فجّر المانا، ودمّر الباب.
“آآااه!”
صرخت أليشيا وكاثرين وتشبثتا ببعضهما خوفًا من الهجوم المفاجئ.
تناثر الغبار بعد تحطّم الباب، وسار رويري ببطء داخل الدخان.
نظروا إلى الرجل ذو الشعر الأحمر القرمزي كأنهم أمام شبح.
“من أنت؟!”
دار نظر رويري ببطء حتى استقر على كاثرين.
فستانها الفاخر ومجوهراتها البراقة لا تدلّ على كونها ابنة طبيبة عادية.
“من أنتِ؟“
سألها بصوت منخفض كصوت وحش يزمجر.
وبدأت كاثرين ترتجف وتتلعثم.
“أ، أنا…”
“أجيبي فورًا!”
أخرج تنينًا ناريًا من يده، فكشر بأنيابه مهددًا كاثرين.
ردّت بصوت مرتجف بالكاد مسموع.
“أ، أنا ابنة دوق إيرنست……!”
ابنة دوق إيرنست؟ هذا يعني أنها ابنة ديانا.
ولكنها نادت الطبيبة بـ‘أمي‘!
استدعى رويري سيفًا ناريًا من راحة يده،
ووجّهه إلى عنق كاثرين المرتجفة.
“لماذا ناديتِ تلك المرأة بأمي؟ أليست ديانا والدتك؟“
“هذا…”
ورغم أن السيف على رقبتها، لم تستطع كاثرين التحدث.
كيف يمكنها قول الحقيقة؟ كيف تقول إنها ليست ابنة الدوقة،
بل ثمرة علاقة غير شرعية، طفلة زنا ولدت في الخفاء؟
“تحدثي! لا أملك صبرًا لأنتظر إجابتك!”
صُعقت كاثرين من صراخه الناري، وارتعش جسدها.
“…إنها ابنتي. لذا أرجوك، خفّض سيفك…”
“ماذا؟“
لم تستطع كاثرين الرد خوفًا، فتحدثت أليشيا بدلًا عنها.
عندها التفت رويري نحوها بنظرة قاتلة.
“ماذا…؟ لا يمكن…!”
اتسعت عيناه بصدمة.
كيف يكون هناك طفل غير شرعي في إمبراطورية إيديث؟
في الرسائل التي تبادلها مع ديانا،
كانت تقول دائمًا إنها أنجبت فتاة جميلة.
ولن تكون ديانا النقية، حتى لو كانت ملاكًا،
لترضى بتربية طفلة صديقتها الخائنة وتعتبرها ابنتها.
“…هل كانت ديانا تعرف؟“
أليشيا ضمّت كاثرين المرتجفة، والعرق البارد يتصبب منها.
شعرت أنّ أي كلمة خاطئة قد تودي بها بسبب النيران التي تطوف حوله.
“لن تقولي الحقيقة طواعية، أليس كذلك؟“
نظر إليهما بنظرة باردة كأنّه يرى حشرات.
ثم مدّ يده.
ظهرت من راحة يده زجاجة صغيرة خضراء،
فيها سائل شفاف يشبه الماء.
أمسك بالزجاجة، ورفع ذقن أليشيا بقوة.
“من تكون؟ من تكون حتى تفعل هذا؟!”
“أغلقي فمك.”
“أغغ!”
سكب الدواء مباشرة في فمها.
ورغم أنها حاولت أن تبتعد، إلا أن جزءًا من السائل دخل فمها.
“هاه، هاه… ماذا… ماذا أعطيتني…؟“
“غلاديولوس.”
“ماذا؟…”
“جرعة الحقيقة.”
الجرعة الذي تجعل الكذب مستحيلًا.
الآن، لن تستطيع أن تقول سوى الحقيقة.
“اخبريني كل ما حدث حتى الآن.”
لمعت عينا رويري.
حاولت أليشيا أن تُطبِق شفتيها وتمنع نفسها من الكلام،
لكن تأثير الدواء جعل فمها يفيض بالحقيقة دون توقف.
“أنا… كنت على علاقة حب مع كاليبسو، وخططنا لقتل ديانا.
استخدمنا كاثرين لنسرق بصرها،
ثم قام فرسان القصر بحبسها في الكوخ.”
هل كان كل من في القصر قد اتحد لقتل ديانا؟
أغمض رويري عينيه بإحكام.
شعر بالشفقة والحزن على ديانا التي عاشت في مكان كهذا.
لماذا لم يخطر له أن يزور هذا المكان من قبل؟
كان الندم ينهش قلبه بجنون.
ومع أنها كانت تلاحظ نظرات رويري الباردة،
واصلت أليشيا الحديث حتى النهاية بتأثير الدواء.
“وأخيراً، اليوم قتلناها باستخدام السم.
اليوم الذي حصلت فيه كاثرين على منجم ماركيز بريتشي.”
يبدو أن أليشيا وكاثرين كانتا في صف واحد تماماً.
خدعتا ديانا ببراءة وسرقتا بصرها،
ولم تكتفيا بذلك بل قتلتاها في النهاية.
كانت ديانا فقط تريد أن تعيش بسعادة كأي شخص عادي.
لكنها خُدعت من صديقتها، ومن ابنتها، ومن زوجها،
وانتهى بها الأمر تموت وحيدة وهي عمياء.
شخصي الثمين والنادر، تجرأتم أنتم على إيذائها…!
كتم رويري غضبه الشديد وهو يعض على أسنانه.
ثم سأل ببطء:
“كيف يمكن لتلك الفتاة أن تكون ابنة ديانا؟“
عضّت أليشيا على شفتيها محاولة إغلاق فمها،
لكن الماضي بدأ يتدفق من فمها رغماً عنها.
“عندما أنجبت ديانا طفلتها، قمت بتبديلها بطفلتي.
قمت بأخذ ابنة ديانا، وابنتي أصبحت ابنة ديانا.”
تدلى فك رويري تلقائياً.
لم يستطع أن يخفي صدمته.
كيف يمكن لإنسان أن يفعل مثل هذا الفعل الشنيع؟
هذا يعني أن ديانا ربّت ابنة امرأة كانت عشيقة لزوجها،
على أنها ابنتها الحقيقية.
بينما لم تكن تعلم شيئاً عن حياة ابنتها الحقيقية.
“…وأين هي ابنة ديانا الحقيقية؟“
“قتلتها وأعطيت جثتها لديانا.
وأخبرتها بكل شيء في النهاية كنوع من الرحمة.
بما في ذلك أن كاثرين ليست ابنتها.”
في تلك اللحظة،
عاد إلى ذاكرته جثة الطفلة الصغيرة الذي رآها في الكوخ.
شعر بقشعريرة تسري في جسده، ولم يستطع تحملها.
نظر رويري إلى أليشيا بنظرات باردة كالسيف وهي تروي الأحداث بكل برود.
كانت عيناه الزرقاوان تشعان بجليد قاتل.
“رحمة…؟“
“نعم، رحمة! تعرضت للغدر من صديقتها، ومن زوجها،
وحتى من كاثرين التي ظنتها ابنتها.
كانت غبية للغاية! لهذا أخبرتها بالحقيقة، كنوع من الرحمة.”
“أمي!”
سحبت كاثرين ذراع أليشيا بقلق وهي تبوح بكل شيء.
هي أيضاً أسرعت في تغطية فمها الذي خرج عن السيطرة.
لكن رويري كان قد غاص بالفعل في بحار من الغضب العارم.
“…الرحمة لا تُستخدم في مثل هذه المواضع.”
كانت قبضته ترتجف من شدة التوتر.
“حسناً، سأُريك أنا أيضاً نوعاً من الرحمة. يجب إحراق القمامة.”
“مـ، ماذا…!”
لوّح رويري بذراعه بقوة.
عندها التف تنين ناري حول عنقي كاثرين وأليشيا مثل أفعى.
“آاااه!”
“آآآه!”
صرختا بأعلى صوت من شدة الألم الناتج عن احتراق جلدهما.
ثم رفعهما التنين الناري وقذفهما من النافذة إلى الخارج.
تحطم زجاج النافذة بصوت مدوٍ،
وتناثرت الشظايا في أنحاء أجسادهما.
لكن الألم الحقيقي لم يكن من الزجاج،
بل من الحروق حول عنقيهما.
تمسكت كاثرين وأليشيا بعنقيهما المحترقين،
وهما تسعلان بصعوبة.
خرج رويري بهدوء إلى الحديقة حيث سقطتا.
خلفه كانت ألسنة اللهب تتصاعد بقوة،
وقد بدأت النيران تلتهم القصر بأكمله.
“أنـ،أنقذني… أرجوك!”
زحفت كاثرين على ركبتيها وتعلّقت بساق رويري.
كان وجهها مبللاً بالدموع.
أمسكت بطرف سرواله بعيون متوسلة.
“أرجوك، دعني أعيش!”
لكن نظرات رويري لم تحمل أي بصيص من الرحمة.
لم تكن سوى ظلام بارد يغمر عينيه.
“مجرد مزيفة… وتتجرئين على السخرية من ديانا؟“
“كاثرين!”
في تلك اللحظة، ركض كاليبسو من مدخل القصر.
يبدو أنه سارع بعدما رأى النيران تلتهم المكان.
“من تكون بحق الجحيم؟!”
“…المنتقم لديانا.”
“ماذا…؟“
عند سماع اسم ديانا، اهتزت نظرات كاليبسو بوضوح.
نظر سريعاً إلى القصر المشتعل، وإلى المانا المتوهجة حول وويري.
الوضع أصبح خارج السيطرة.
بدأ عقل كاليبسو يعمل بسرعة.
حتى لو استدعى فرسان القصر كلهم،
فلن يستطيعوا التغلب على هذا الرجل وحده.
أما أليشيا فلتذهب للجحيم، لكن كاثرين وهو يجب أن ينجوا.
ابتلع كاليبسو ريقه وقال وكأنه اتخذ قراره:
“هي! هي من قتلت ديانا! نحن لا ذنب لنا!”
“هاه،“
ابتسم رويري بسخرية وهو يتأمل كاثرين وأليشيا المحتميتين بذراعي كاليبسو.
“…هل تقول إن ملاكاً كديانا مات بسبب حثالة مثلكم…؟“
ارتجف وجهه.
وفي تلك اللحظة، دوى انفجار كبير خلفه.
بدأ القصر ينهار تماماً.
سقطت دمعة من عين رويري.
سأنتقم لك، ديانا.
“أنتم أيضاً… موتوا بعذاب.”
“سـ، ساعدني!”
لمعت عيناه.
وانطلقت النيران من جسده لتلتهمهم في لحظة واحدة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 68"