استمتعوا
كانت ديانا،
وهي ترتدي فستان الزفاف الأبيض النقي، جميلة للغاية.
كانت تمامًا كما تخيلها رويري وهي تبتسم في خياله.
شعرها الأشقر الجميل مرفوع بأناقة،
والتاج المزين بالبلاتين واللؤلؤ بدا ملائمًا تمامًا لمظهرها النقي.
بعد قليل، قبّلت ديانا الرجل الذي سيصبح زوجها.
وبدأ النبلاء الذين كانوا يراقبون المشهد يهلّلون ويصفقون.
لكن تلك الهتافات لم تصل إلى أذني رويري.
بل كان يسمع طنينًا في أذنه،
وكأن أحدهم ضربه بقوة على مؤخرة رأسه.
الآن فقط، الآن فقط أصبحت ساحرًا عظيمًا.
لقد أصبحت أملك القدرة لأقف بجانبها بثقة.
فلماذا حدث هذا؟ لماذا من يقف إلى جانب ديانا ليس أنا؟
هل كان خطأً منذ البداية أن أدخل برج السحر؟
ظل يعود بذاكرته بلا توقف إلى ماضيه.
اجتاحت قلبه أمواج من الندم،
يتساءل إن كان يجب ألا يطمح إلى منصب الساحر الأعظم.
لكن ديانا كانت تبتسم وهي تنظر إلى الرجل بجانبها،
كما لو كانت في غاية السعادة.
وفي النهاية،
لم يكن أمام رويري سوى أن يطوي قلبه من أجل سعادتها.
***
بعد انتهاء حفل الزفاف، ذهب رويري ليقابل ديانا.
رغم ألم قلبه، أراد أن يهنئها.
وأراد أن يتمنى لها السعادة الأبدية.
“رويري!”
وكما كان متوقعًا، لم تتغير ديانا إطلاقًا.
كانت لا تزال نقية وبريئة كما كانت عندما التقيا لأول مرة في الميتم.
“ماذا حدث؟! بعد أن دخلت برج السحر،
لم أعد أسمع عنك شيئًا. هل تعلم كم كنت…!”
كانت ديانا تبتسم بفرح، لكن عينيها كانتا ممتلئتين بالدموع.
يبدو أنها كانت قلقة عليه كثيرًا.
“سمعت أن التدريب في برج السحر صعب جدًا،
هل أنت بخير؟ أجبني؟”
عندما رآها أمامه، بدأ قلبه يخفق بشدة ولم يهدأ بسهولة.
تنفس رويري بعمق بصوت خافت حتى لا تلاحظ،
ثم أومأ برأسه وقال:
“هل كنتِ بخير؟ ديانا.”
“ما زلت كما أنت. يجب أن تناديني نونا، رويري!”
“أي نونا هذه.”
قالت ديانا بمرح وهي تنظر إليه بنظرة دافئة كما لو كانت تخاطب شقيقها الصغير.
ضحك رويري بخفة.
لم يكن يريد أبدًا أن يناديها ‘نونا’.
لأنه أراد أن يكون رجلاً في نظرها، لا أخًا صغيرًا.
“لقد أصبحت ساحرًا عظيمًا.”
“ماذا؟ هل هذا حقيقي؟”
أمسكت ديانا بيده بقوة، فرحة كأن الأمر يخصها شخصيًا.
“أرأيت؟ كنت أعلم أنك ستصبح شخصًا عظيمًا!”
“سأتوجه غدًا إلى القصر الإمبراطوري.
يبدو أن الساحر الأعظم يجب أن يقابل الإمبراطور.”
“أنت مذهل، رويري! أهنئك من كل قلبي!”
ربتت ديانا على رأس رويري بلطف كما كانت تفعل في الماضي.
شعر وكأنها تعامل طفلًا، فاحمر وجهه خجلًا.
“… شكرًا، ديانا. هذا بفضلك.”
أعرب رويري عن امتنانه البسيط لتهنئتها،
ثم بدا وكأنه يريد أن يقول شيئًا آخر.
وبعد تردد طويل، نطق أخيرًا كما لو كان قد قرر.
“مبروك زواجكِ.”
مهما قرر أن يطوي قلبه،
فإن تهنئة المرأة التي يحبها على زواجها كانت مؤلمة بشدة.
لكن ديانا لم تكن تعرف شيئًا عن مشاعر رويري،
فابتسمت بسعادة.
“شكرًا لك، رويري. سأذهب الآن إلى دوقية إيرنست.
تعال لزيارتي كثيرًا، حسنًا؟”
“… حسنًا.”
أومأ رويري رأسه محاولًا إخفاء مرارته.
ثم ودّع ديانا وغادر المكان.
شعر بالفراغ بعد أن فقد هدفه.
لكنه لم يستطع التخلي عن لقب الساحر الأعظم الذي ناله بصعوبة.
فإذا أصبح لاحقًا سيد برج السحر،
قد يكون في مقدوره مساعدتها يومًا ما.
***
في اليوم التالي، توجه إلى القصر الإمبراطوري.
وعندما دخل قاعة الاستقبال في القصر،
انحنى أمام الإمبراطور الجالس على العرش بكل هيبة.
“أنا رويري من برج السحر. أتشرف بمقابلة جلالة إمبراطور إمبراطورية إدِيث، شمس هذه الأمة.”
“أجل. إذن أنت رويري، الذي أصبح ساحرًا عظيمًا مؤخرًا.”
“نعم.”
أجاب بإيجاز دون أن يرفع رأسه.
كان يرغب بشدة في إنهاء هذه المقابلة المملة والعودة.
ربما لأن مشهد زفاف ديانا لا يزال يؤثر على مشاعره،
لم يكن مرتاحًا البتة.
“إنجاز عظيم في مثل هذا العمر.”
“أشكرك.”
رفع رويري رأسه قليلًا ليعبر عن امتنانه.
والتقت عيناه بعيني الإمبراطور.
وفي تلك اللحظة، تجهم وجه الإمبراطور.
بدا وكأنه قد صُدم بشيء.
“جلالتك؟”
“… قلت إن اسمك رويري، صحيح؟”
“نعم، هذا صحيح.”
“من أي عائلة تنحدر؟”
لماذا يسأله هذا الآن؟ نظر إليه رويري باستغراب، لكنه أجاب بثقة.
لم يكن هناك ما يخجل منه.
فمنذ أن التقى ديانا، لم يشعر أبدًا أن يتمه كان أمرًا محزنًا.
“أنا يتيم.”
“إذن، أنت لا تعرف حتى اسم والديك…؟ ولا حتى والدتك…؟”
عندما سمع كلمة ‘والدتك’، ارتجف حاجباه قليلاً.
لكنه أجاب ببرود، منزعجًا من الأسئلة التي لا علاقة لها بالسحر.
“… لا. لا أعرف شيئًا.”
“لا تعرف؟”
“تُركت في الميتم منذ ولادتي.”
أشار الإمبراطور إليه أن يقترب أكثر.
بدأ يتفحص وجهه بعناية كما لو كان يبحث عن شيء.
وفي تلك اللحظة،
بدأ الألماس المثبّت في ختم الإمبراطور يضيء ببريق ساطع.
وهذا دليل على أن دم العائلة الإمبراطورية يجري في عروق رويري.
نظر الإمبراطور إلى الألماس المتوهج بعينيه،
وبدت عليه علامات التأكد.
ثم قال بصوت منخفض ووجهه مصدوم:
“الشعر الأحمر.
العيون الزرقاء كالصفير… أنا أعرف امرأة تشبهك تمامًا.”
وسقطت دموع من عيني الإمبراطور المجعدتين.
أما رويري، فلم يستطع أن ينطق بكلمة من شدة الارتباك.
“المرأة الوحيدة التي أحببتها بصدق. المرأة التي هربت مني…”
“… ماذا؟”
تجعد جبين الإمبراطور بألم.
ثم أخذ رويري إلى مكتبه.
وسرعان ما أحضرت خادمة من القصر الشاي بسرعة.
“… أحتاج إلى تفسير، جلالتك.”
تنهد الإمبراطور بعمق.
ثم بدأ يروي قصته ببطء.
عندما أصبح إمبراطورًا،
كان عليه أن يتزوج زواجًا سياسيًا خاليًا تمامًا من الحب.
لكن الإمبراطورة التي تزوجها توفيت بعد فترة قصيرة من الزواج بسبب مرض.
رغم أنه لم يكن هناك حب، فإن الإمبراطور لم يكن على خلاف سيء معها، فحزن على موتها بصدق.
لكن النبلاء لم يمنحوه وقتًا للحزن.
حتى قبل انتهاء مراسم الجنازة،
بدأوا يعرضون بناتهم عليه كما لو كنّ دمى،
مطالبين بإحضار إمبراطورة جديدة بسرعة.
شعر الإمبراطور بالاشمئزاز الشديد من تصرفاتهم.
ولأول مرة، راوده شعور بالاختناق، ورغب بالخروج من القصر.
فخرج في رحلة سرية، فقط ليشعر ببعض الحرية.
لم يذهب إلى الأسواق المزدحمة بالنبلاء،
بل تجوّل في الأحياء الفقيرة.
كان يريد أن يتنفس رائحة الناس، ويلتقي بأشخاص حقيقيين.
وهناك، التقى بوالدة رويري.
شعرها الأحمر المتطاير كأطراف الغروب،
وعيونها الزرقاء التي تتناقض معه،
سحرت قلب الإمبراطور على الفور.
وقع الإمبراطور والمرأة في الحب من النظرة الأولى.
كما لو أن ذلك كان قدرًا محتومًا.
أصبح يزورها كل يوم.
وحين نضج حبهم كالثمرة المكتملة، اعترف لها بأنه الإمبراطور.
ثم عرض عليها أن تعود معه إلى القصر.
لكن في اليوم التالي، اختفت المرأة دون أثر.
لم تترك خلفها سوى رسالة.
في الرسالة، كتبت أنها مصابة بمرض خطير،
ولن تعيش لأكثر من ثلاث سنوات.
رغم أنه قرأ الرسالة، لم يكن الإمبراطور يريد أن يفقدها.
أرسل الفرسان للبحث عنها في كل مكان.
لكن لم يُعثر لها على أي أثر.
وهكذا، دفن الإمبراطور المرأة التي أحبها بصدق في قلبه،
وعاش يتذكرها.
لكن الآن، ظهر أمامه رجل يشبهها تمامًا.
والمشاعر التي دفنها عادت لتطفو على السطح.
“هل تقصد جلالتك أنني… ربما أكون ابن جلالتك؟”
لم يُجب الإمبراطور، ولكن كان بالإمكان معرفة الجواب دون كلمات.
كان يرى في وجهه صورة المرأة التي أحبها.
ثم فتح الإمبراطور فاهه ببطء.
“هل تسمح بإجراء فحص بسيط؟”
من المستحيل أن أكون ابن الإمبراطور… شعر رويري بالشفقة على هذا الرجل الذي يتمسك بأملٍ زائف، لكن رأى أنه كلما تم اقتلاع بذور الأمل أسرع، كان أفضل.
“سأخضع للفحص.”
أشرق وجه الإمبراطور، واستدعى الكاهن في الحال.
وصل الكاهن مسرعاً بأمر من الإمبراطور،
وأخذ قطرة دم من الإمبراطور وأخرى من رويري،
وأسقطهما في ماء مقدس نقي.
حين لمست القطرات الماء، لم يتحول إلى اللون الأحمر كما يُفترض،
بل صدرت عنه فقط موجة صغيرة وظل صافياً.
وهذا كان دليلاً على أن الدمين مرتبطان بعلاقة دم.
عند رؤية الماء المقدس، احتضن الإمبراطور رويري على الفور.
فتجمد رويري في مكانه.
كان يعتقد أنه قد تم التخلي عنه.
لكنه لم يُتخلَّ عنه أبداً.
كانت والدته مريضة بمرض عضال،
ووالده لم يكن يعلم حتى بولادته.
كانت مجرد ظروف خارجة عن الإرادة.
وصلت دموع الإمبراطور الحارة إلى كتف رويري،
فشعر برعشة تجتاح جسده.
لقد أدرك أنه كان ثميناً بالنسبة لشخصٍ ما.
وفي تلك اللحظة، تذكر ديانا.
لولاها، لما أصبح ساحراً عظيماً، ولما وجد والديه.
كان من المؤكد أنه كان سينهي حياته في كآبة،
وهو يعتقد أن العالم قد تخلّى عنه.
نور حياتي، ديانا، التي هي أثمن من الألماس.
كانت ديانا هي المنقذة في حياته.
الوحيدة التي مدت له يدها، مضيئة بنورها الساطع.
رفرفة جناحيها الصغيرين هي ما جعلت من رويري ساحراً عظيماً،
وهي من ساعدته ليجد والده.
علمته أنه أيضاً، شخص ثمين بالنسبة لشخصٍ ما.
ظل رويري يردد في قلبه شكره اللامتناهي تجاه ديانا.
ثم، وهو بين أحضان والده الذي استرده أخيراً،
بكى طويلاً وكأنه استعاد كل المشاعر التي فقدها في حياته السابقة.
***
ومرت السنوات بهدوء.
أصبح رويري الساحر الأعظم في برج السحر،
وابن الإمبراطور في الوقت ذاته، يعيش حياة مزدحمة بالمهام.
وبالرغم من وجود الإمبراطورة وولي العهد، فلم يُعلَن رسمياً أنه ابن الإمبراطور، لكنه نال اعترافاً بأنه من النبلاء الجزئيين،
وكان يقضي وقتاً دافئاً مع والده.
وفي بعض اللحظات، كانت ديانا تخطر بباله فجأة.
كان يفتقدها بشدة، حتى أن النظر إليها كان يؤلم عينيه.
لكن، خوفاً من أن رؤيتها ستجعل من الصعب عليه أن يتجاوز مشاعره، لم يذهب لزيارتها في عقار إيرنست.
كان يكتفي فقط بتبادل بعض الرسائل النادرة،
ويصلي في قلبه أن تبقى حياتها هادئة وسعيدة دون أي مكروه.
ديانا كانت دائماً تسكن قلبه.
ولهذا، طوال تلك السنوات، لم يقترب من أي امرأة أخرى.
فهو، كونه من النبلاء الجزئيين وساحراً أعظم،
أصبح قادراً على الزواج من أي امرأة نبيلة.
لكن إن لم تكن ديانا، تلك التي مدت له يدها عندما لم يكن يملك شيئاً ولا حتى والدين، فلن يكون لأي علاقة أخرى أي معنى.
وفي أحد الأيام،
عندما ذهب رويري لزيارة والده في القصر الإمبراطوري…
“قلتَ إن اليوم هو يوم حفلة ظهور ابنتك في المجتمع، أليس كذلك؟
مبارك لك كالبيسو. ولكن، لماذا أنت هنا بدلاً من حضور الحفل؟
لقد تأخر الوقت.”
كالبيسو؟ توقف رويري عن السير دون وعي.
إن كان المقصود هو كالبيسو،
فهو بالتأكيد دوق إيرنست، زوج ديانا.
ألقى رويري نظرة خاطفة على الرجل.
رغم أن الزمن ترك أثره على وجهه،
إلا أنه كان بلا شك نفس الوجه الذي رآه في حفل الزفاف.
اقترب قليلاً وأرهف سمعه، لعلّه يسمع شيئاً عن ديانا.
لكن ما سمعه كان مفاجئاً للغاية.
“أنا بحاجة إلى حجة غياب.”
“حجة غياب؟”
“ربما عندما أعود إلى المنزل، يكون كل شيء قد انتهى.”
“تقصد ذلك المخطط؟”
“نعم. أراهن أن أليشيا قد تخلّصت من تلك المرأة الحقيرة من بريتشي. أشعر براحة كبيرة. كل ما عليّ فعله الآن هو التخلص من تلك التي اغتالت زوجتي. لا زلت متردداً فقط في الكيفية.”
ظنّ رويري أنه قد سمع خطأ، ففرك أذنه بتوتر.
لكن ما إن رأى ابتسامة كالبيسو الخبيثة، حتى تأكد من الأمر.
المرأة التي تحدث عنها، ‘تلك المرأة من بريتشي’،
كانت زوجته… ديانا.
ارتعش جسده كله.
وفي الحال، انتقل رويري إلى قصر الدوق باستخدام السحر.
تفاجأ الفرسان الذين يحرسون القصر من ظهوره المفاجئ،
ووجّهوا إليه سيوفهم.
“من أنت؟!”
انطلقت النيران من رويري فجأة.
وبقوة اللهب الهائل، ارتبك الفرسان وتراجعوا إلى الخلف.
“أين ديانا؟!”
“ماذا؟ الدوقة؟!”
انبثقت الحمم من الأرض،
وكان يبدو أنها ستبتلعهم في أي لحظة، فأرعبتهم.
“تحدثوا حالاً!”
“فـ… في الكوخ!”
في النهاية، وتحت صرخته المدوية،
اعترف الفرسان بالمكان الذي كانت ديانا محتجزة فيه.
أسرع رويري نحو المكان الذي أشاروا إليه.
أرجوك، أرجوك، لا تكن متأخراً…!
كانت ساقاه ترتجفان، لكنه لم يستطع التوقف.
بعد أن توغل قليلاً، ظهرت له كوخ صغير كما وصفه الفرسان.
وكان محاطاً بضباب أخضر كثيف.
“سمّ…!”
توهجت عينا رويري وهو يشعل ناراً هائلة.
واكتسحت عاصفة اللهب الضباب السام في لحظة.
لم يسبق له أن آمن بوجود الحاكم.
لكن اليوم… أراد أن يؤمن.
أراد أن يتوسل.
أن تتنفس ديانا بعد، أن تكون بخير… أرجوك، أرجوك…!
“ديانا!”
نادى باسمها وفتح باب الكوخ بعنف.
لكن ما رأته عيناه كان جسد ديانا ممدداً على الأرض،
بارد وقد فارق الحياة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 67"