استمتعوا
“أمي…؟“
ما إن رأت ديانا،
حتى ذابت الأعمدة الجليدية التي كانت تهدد أليشيا بسرعة.
وفي الوقت ذاته، تلاشى الجليد الذي غطى الأرض دون أن يترك أثراً من البلل.
“أمي! هل أنت بخير؟“
أسرعت آيسيل نحو ديانا، تنظر إلى ملامحها وتسأل بقلق.
كانت تبدو وكأنها تعاني قليلاً أكثر من المعتاد،
لكن لحسن الحظ لم تكن تبدو متضايقة أو متألمة.
“نعم، أنا بخير. لقد أقلقتك، أليس كذلك؟“
ابتسمت ديانا ابتسامة خفيفة، ومسحت برفق على رأس آيسيل التي كانت تنظر إليها بعينين دامعتين.
“بالطبع أقلقتني…!”
“بفضل رويري، أصبحت معدتي أفضل بكثير.
لقد كان الأمر خطيراً قبل قليل.”
“لو تأخرت قليلاً، لكانت كارثة حقيقية.
لم يكن سماً… بل الطعام كان السبب.”
نظرة رويري الباردة توجهت ببطء نحو أليشيا.
وضعت يدها على رقبتها، تحاول إخفاء الأثر الذي كاد أن يصيبها بالجليد، وبلعت ريقها بصعوبة.
كانت رأس أليشا تعمل بلا توقف.
ذلك الساحر اللعين جعل الأمور تزداد تعقيداً.
تنفست ببطء، محاوِلة استجماع نفسها.
كان عليها أن تحافظ على رباطة جأشها.
لو انكشف أنها استخدمت تلك المكونات عمداً، فلن تُطرد فحسب،
بل ستفقد أيضاً ديانا، الثروة الوحيدة المتبقية لها.
نعم، لا يزال هناك أمل.
لو كانت ديانا تنوي حقاً عدم مسامحتها،
لما أوقفت آيسيل عمّا كانت تفعله.
بعد أن وصلت إلى هذا الحد،
لا يمكن أن تنتهي الأمور بهذه البساطة.
أغلقت أليشيا قبضتيها بإحكام كما لو كانت قد اتخذت قراراً.
ثم جثت على ركبتيها أمام ديانا، وملأت وجهها بالقلق.
“سموكِ، أنا آسفة! لم أكن أعلم حقاً… لم أطبخ من قبل…!
فقط أردت أن أقدم لكِ طعاماً لذيذاً بكل إخلاص!”
نظرت ديانا إلى أليشيا وهي تطلق أكاذيبها بكل وقاحة.
رغم محاولاتها العديدة للنسيان،
لم تُمحَ من ذاكرتها لحظة موتها في حياتها السابقة.
مع كل نفس كانت تأخذه، كان السم يتسرب إلى جسدها،
وكان الألم يتزايد تدريجياً حتى أصبح مخيفاً لدرجة أن شعر جسدها كان ينتصب.
ورغم ذلك، تحاول قتلي مجدداً؟
نظرة ديانا إلى أليشيا امتلأت بنية القتل دون أن تشعر.
لم تكن تتوقع أن تحاول أليشيا قتلها وهي ما تزال ترى بعينيها.
سواء استخدمت السم أو الطعام،
لم تتوقع أن تتصرف بهذه السرعة.
من المؤكد أن أليشيا كانت محاصرة.
يا للغباء.
في مثل هذه الحالات،
كان يجب عليك أن تتشبثي بي أكثر، يا ألي.
برد لم تستطع إخفاءه ظهر في عينيها.
ومن شدة برودتها،
حاولت أليشيا التخفيف من الجو بإجبار نفسها على الابتسام.
“أنا أقول الحقيقة، صدقيني، سموكِ.
لماذا قد أؤذيك؟ لا يوجد لدي سبب لذلك!”
نعم، لا يوجد سبب.
لو كنتِ حقاً صديقتي. لكنكِ عشيقة زوجي.
رغبت ديانا في قول الكثير، لكنها تمالكت نفسها وأبقت فمها مغلقاً.
ساد صمت ثقيل في الغرفة.
ومن شدة التوتر، ابتلعت أليشيا ريقها بصمت.
في تلك اللحظة،
وضعت ديانا يدها على كتف أليشيا، وساعدتها على الوقوف.
لمع بريق أمل في عيني أليشيا.
لا بد أن ديانا، قديسة بريتشي، ستغفر لها.
تماماً كما سامحتها في الحفل السابق،
فلا بد أنها ستسامحها الآن أيضاً.
إنها تملك قلباً واسعاً إلى درجة السذاجة.
انفرجت شفاه أليشيا قليلاً دون أن يلاحظ أحد.
“ركبتاكِ…”
فتحت ديانا فمها ببطء.
“يبدو أنها رخيصة للغاية.”
في نبرة واضحة من السخرية، رفعت أليشيا رأسها مصدومة.
وجه ديانا التي كانت تنظر إليها كان جامداً وبارداً.
لا يمكن…! كان ذلك لحظة انقطاع آخر خيط من الأمل.
هل تنوي معاقبتي فعلاً؟
بدأ العرق البارد يتصبب من جبين أليشيا، وهزت رأسها بقوة.
“سموكِ…! لا! لا تعتقدين أنني فعلت ذلك عمداً… أليس كذلك؟“
اهتزت نظراتها المضطربة وهي تحاول الدفاع عن براءتها بكل قواها.
“هل حقاً لم تفعليها عمداً؟“
“بالطبع! لماذا قد… لماذا قد أفعل هذا بكِ،
سموكِ؟ نحن صديقتان!”
عند سماع كلمة ‘صديقتان‘،
بدت ملامح ديانا وكأنها أصبحت أكثر لطفاً للحظة.
ابتلعت أليشيا ريقها وهي تنظر إلى ديانا التي لم ترد.
ثم فتحت ديانا فمها أخيراً، وهي تنظر مباشرة إلى أليشيا.
“فهمت. إذن تقولين إنها كانت مجرد خطأ.”
فوجئ كل من رويري وآيسيل بردها المفاجئ، ونظرا إليها بصدمة.
“لكن يا أمي…! هذه الطبيبة استخدمت دواءً.”
“أي دواء؟“
الذي تحدث لم يكن ديانا، بل رويري.
ضيّق لويري عينيه وهو ينظر إلى أليشيا بشك،
ثم التفت مجدداً إلى آيسيل.
ردّت آيسيل بصوت منخفض:
“حتى إن كانت المكونات غير متوافقة،
فمن غير المعتاد أن تسقط شخصاً بهذا الشكل.”
“تقصدين…؟“
“نعم. لم يكن سماً، بل دواء.
دواء يعزز من تأثير الطعام. يمكننا استنتاج هذا بسهولة.”
“فهمت.”
رفع رويري يده استجابة لحديث آيسيل.
وفجأة، بدأت الرياح تعصف داخل الغرفة رغم أن النوافذ كانت مغلقة.
تطايرت أغراض أليشيا على الأرفف والطاولة بسبب سحر الرياح الذي أطلقه.
“ما إن نعرف ما نبحث عنه، حتى نجد الشيء بسرعة.”
في تلك اللحظة،
انجذب زجاجة دواء فارغة نحو يد رويري كما لو أنها امتصّت بقوة.
رغم أنها كانت فارغة، إلا أن بضع قطرات قليلة بقيت في أسفلها.
“ها هو.”
ناول رويري الزجاجة إلى ديانا.
عندما ظهر الدليل الملموس،
تكلمت آيسيل بصوت أكثر حدة، مؤكدة خطأ أليشيا.
“لماذا قد تستخدمين هذا النوع من الدواء في الطعام؟
لقد كنتِ تحاولين إيذاء أمي.”
كلام آيسيل كان منطقياً.
نظرت ديانا إلى الزجاجة بشرود، وكأنها فقدت القدرة على الرد.
“لماذا استخدمتِ هذا الدواء، ألي؟“
“…لأن الطبق يحتوي على مكونات مفيدة،
أردتُ تعزيز تأثيره الصحي.”
ردّت أليشيا بهدوء، تحاول إخفاء ارتباكها بصعوبة.
“حقًا؟“
“أمي!”
“نونا!”
“نعم… لا يمكن أن تكون أليشيا قد تعمدت إيذائي.
حان الوقت للعودة إلى الغرفة. أشعر بالتعب.”
قالت ديانا تلك الكلمات فقط ثم استدارت وغادرت الغرفة.
نظر آيسيل ورويري إلى بعضهما البعض بدهشة،
ثم سرعان ما تبعاها.
وبمجرد خروجهم جميعًا، خفّ ثقل الجو داخل الغرفة.
تنفست أليشيا الصعداء براحة.
“كنت أظن أنني سأنجح هذه المرة…!”
لقد أفسد كل شيء بسبب آيسيل والساحر.
عضت أليشيا على أسنانها وهي تحدق في الباب الذي خرجوا منه.
آيسيل كانت أذكى وأكثر دهاءً مما توقعت.
لذا لم يعد بإمكانها تجاهلها بعد الآن.
وفوق ذلك، بدا أن الساحر يعاديها منذ البداية دون سبب واضح.
ما دام هذان الشخصان يقفان إلى جانب ديانا،
فلن يكون من السهل التخلص منها.
لكن، أنا أيضًا لن أستسلم بسهولة.
ورغم أن جسدها كان يرتجف،
إلا أن وجهها ارتسم عليه ابتسامة دنيئة مملوءة بالطمع.
***
“ماذا يعني هذا؟ هل ستسامحينها هكذا فحسب، نونا؟
تلك المرأة كادت أن…”
لا يزال رويري ممتلئًا بالغضب، يلهث بانفعال.
فربّتت ديانا على كتفه وتحدثت بهدوء.
“لم أقل إنني أنوي مسامحتها.”
“إذًا؟“
“فقط… لم يحن الوقت بعد. لا تقلق، رويري.”
كانت نظرات ديانا نحو رويري ناعمة.
وبدا أنها تخطط لشيء ما،
مما جعل رويري في النهاية يكبح غضبه ويلتزم الصمت.
“لكن… كيف عرفت بالأمر؟“
فقد كانت ديانا قد أسرعت بالذهاب للبحث عن آيسيل بمجرد استيقاظها، ولم تسنح لها الفرصة لشكر رويري أو سؤاله عن كيفيته في رعايتها.
نظرت ديانا إلى رويري بعينيها الشفافتين كالجواهر.
“هذه الفتاة الصغيرة أرسلت رسالة إلى برج السحر.”
“آيسيل…”
كانت تعتقد أنه لا بد أن ساحرا كبيرًا مثل رويري لديه طريقة ما.
وبفضل تدخله السريع، نجت ديانا من الخطر.
وبدلًا من قول شكرًا، أحاطت ديانا كتفي آيسيل بذراعيها.
شعرت آيسيل بالسعادة لأنها أنقذت والدتها،
وأمسكت بيد ديانا الدافئة التي كانت فوق كتفها.
وتبادلت ديانا وآيسيل الابتسامة بلطف ودفء.
ثم انتقل بصر ديانا إلى رويري.
“شكرًا لك، رويري. لأنك أتيت إليّ.”
وكانت ديانا ممتنة له أيضًا.
رغم أن رويري كان دائمًا لطيفًا معها،
إلا أنها لم تتوقع أن يأتي راكضًا لمجرد أن آيسيل أرسلت له رسالة.
“رغم أنك مشغول، فإنك دائمًا تهتم بي رويري.”
عند كلماتها تلك، نظر رويري مباشرة إلى عينيها دون أن يقول شيئًا، ثم فتح فمه ببطء.
“لأنكِ مهمة بالنسبة لي.”
على عكس عيون كاليبسو وأليشيا وكاثرين التي كانت مليئة بالكذب والطمع، فإن عيني رويري الحمراوين لم تعكسا إلا الصدق.
وبدت ملامحه جادة أكثر من المعتاد.
كلمة ‘مهمة‘ جعلت قلب ديانا ينبض بسرعة شديدة.
خفضت ديانا نظراتها على عجل، خجلًا من نظرات رويري.
لكن رويري عاد إلى شخصيته المرحة المعتادة دون أن تشعر.
“أنتِ أول تلميذة لي، وهذا طبيعي.”
شعرت وكأن شيئًا في قلبها قد بدأ يبرد.
لم تكن تعرف تمامًا ما هو، لكنها تأكدت من أمر واحد.
وهو أن مشاعره نحوها تختلف عن مشاعرها نحوه.
ترى، ما الذي كانت تأمل به منه؟
شعرت بحرج داخلي، فبدأت تتجنب نظراته.
ألقى رويري نظرة مريرة على ديانا التي أدارت وجهها بعيدًا،
ثم ربت على كتفها بلطف.
“سأذهب الآن. سأرسل لكِ بعض الدواء، لا تنسي تناوله، حسناً؟“
“…نعم. شكرًا لك حقًا.”
ابتسم رويري ابتسامة عريضة،
ثم اختفى عبر الانتقال اللحظي.
“أمي.”
“نعم، آيسيل؟“
“هل ستبقين صامتة هكذا بالفعل؟“
“بالطبع لا.”
“…إذًا؟“
“لا يمكنني طردها لمجرد هذا القدر.”
ساد الظلام وجه ديانا، الذي بدا هادئًا قبل لحظات.
“حين تصبح أكثر يأسًا، وأكثر غرقًا في الألم،“
اتسعت عينا آيسيل بدهشة.
لقد كانت والدتها تخطط لخطة أكبر بكثير.
مظهرها الملائكي قد اختفى كليًا.
أكملت ديانا بصوت منخفض:
“حين تأتي، نهايتها… ليس على يدي، بل على يد ابنتها.”
ذهبت إلى المكتب.
وكان على سطح المكتب مزهرية زجاجية قدمتها أليشيا كهدية.
دفعتها ديانا بيدها لتسقط على الأرض.
تحطمت المزهرية بصوت عالٍ وتبعثرت إلى أجزاء صغيرة هنا وهناك.
وتناثرت الورود التي كانت داخلها بشكل عبثي.
وكانت الورود الملقاة على الأرض تشبه جسدًا بشريًا ساقطًا.
“يجب أن تُلقى بعيدًا وهي مغطاة بالجراح.”
سحقت ديانا الورود بقدميها.
ثم تحدثت وكأنها تعقد العزم:
“يجب أن تصل إلى هذا الحد،
حتى تُشفى مشاعر الغضب التي كانت بيني وبينك في الماضي.”
ارتجفت رموشها وهي تنظر إلى آيسيل.
لكن نظرة عينيها بقيت حادة ومتوهجة.
وكأنها شفرة انتقام مستعدة لقطع عنق أليشيا في لحظة واحدة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 63"