استمتعوا
“من…؟”
ديانا، التي ترى رويري للمرة الأولى، وضعت يدها على صدرها لتهدئة قلبها الذي لا يزال ينبض بعنف، وأمسكت بيده لتنهض.
“سأقوم… بإعادة كل شيء. سأبدأ من جديد تمامًا…”
في تلك اللحظة،
دوّى صوت غريب في رأسها مصحوبًا بألم شديد يخترق رأسها.
تأرجح جسد ديانا بشدة من شدة الصداع.
وفي اللحظة نفسها، أمسك رويري خصر ديانا المتمايل بإحكام.
“آه… شـ… شكرًا لك…”
أمسكت ديانا بذراع رويري واستعادت توازنها.
لكن رغم أنها نهضت، كان لا يزال ممسكًا بخصرها بقوة.
نظرت إلى يده بخجل وهي تحمر خجلًا وقالت:
“هلّا… أزلت هذه اليد؟”
“آه، آسف. فعلت ذلك دون أن أشعر.”
ابتسم ابتسامة مازحة وهو يبعد يده عن خصرها.
لكن لمسته تركت إحساسًا غامضًا وعذبًا عندما ابتعد.
“تسألين من أكون؟ أنا المرشح القادم لسيادة برج السحر،
ذاك الذي أرسله والدكِ بنفسه.”
“إذًا أنت هو…؟”
“أنا من سيكون معلمك.”
اختارت ديانا، كأحد الطرق لحماية نفسها،
أن تتعلم مجددًا السحر والكيمياء التي كانت موهوبة فيها.
في الرسالة التي أرسلتها إلى منزل الماركيز،
كانت قد طلبت إرسال معلم سحر.
لكن، أن يكون مرشحًا لمنصب سيد برج السحر… كان والدها ذا رؤية استثنائية. لم تكن تتوقع أن يرسل شخصًا بهذه العظمة.
“لكن، لماذا ترتدين عصابة على عينيك؟”
“نعم؟”
“أعني العصابة، لماذا تضعينها؟”
آه، هل كنت أضع شيئًا على عيني؟
تحسست ديانا القماش الذي كان يغطي عينيها.
لقد كانت ترتديه كأنه جزء من جسدها طوال اليومين الماضيين، حتى إنها نسيت وجوده.
لكن ربما من الأفضل أن تُخفي الحقيقة عن هذا الساحر في الوقت الحالي.
“لقد… أُصبت.”
“هل تقصدين أن رؤيتك تضررت؟ لا أظن ذلك.”
هل يمكن لساحر عظيم أن يعرف حتى ما إذا كانت عيناها سليمتين أم لا؟
تقلصت عيناها قليلاً خلف العصابة.
لكنها أخفت دهشتها وأجابت بهدوء:
“نعم، لا أستطيع الرؤية.”
“…حقًا؟ هذا غريب.”
أمال رويري رأسه كما لو أنه يعلم شيئًا،
ثم قال بنبرة خفيفة وكأنه لا يهتم:
“على أي حال، تشرفت بمعرفتك نونا.*
اسمي رويري دي كونستانتين. سأظهر في وقت الدروس.
مرة في الأسبوع، عند الظهيرة. ما رأيك؟”
*للي مايعرف نونا معناتها اختي الولد يقولها للبنات الي اكبر منه
“موافقـ… ـة. يا أستاذ…”
ترددت ديانا في مخاطبة رجل يبدو أصغر منها بكثير بـ’أستاذ’،
وشعرت بالخجل والغرابة وهي تتحدث.
وكأنه قرأ أفكارها، ابتسم وويري قائلاً:
“أستاذ؟ ناديني باسمي فقط، نونا.”
“باسمك؟”
“رويري دي كونستانتين. يمكنك مناداتي بـ رويري فقط.”
“حسنًا، رويري.”
ابتسمت ديانا بخفة.
رغم أنه بدا مرحًا ومشاغبًا قليلًا، إلا أن والدها المعروف بدقته هو من أرسله، لذا فلا شك في أنه ليس شخصًا خطيرًا.
نظر رويري إلى ديانا وهي تنطق باسمه دون أن يشيح بنظره.
“نونا… وجهكِ…”
ظنّت ديانا أن هناك شيئًا عالقًا على وجهها، فمررت يدها عليه.
“نعم؟ هل هناك شيء؟”
عند سؤالها، اختفت ملامح المزاح من وجه رويري فجأة.
وقال بجدية:
“لا، فقط… جميلة.”
“…ماذا؟”
لم تكن ديانا قد اقتربت من أي رجل غير كاليبسو من قبل.
حتى الاعتراف لم تتلقاه قط، وكاليبسو الجاف لم يقل لها كلمات حنونة كهذه أبدًا، إلا في الماضي البعيد.
لكن أن تسمع كلمة ‘جميلة’ من رجل بهذا الجمال والشباب؟!
هل كنتُ امرأة فعلًا؟ ربما كان بسبب نسيم الليل،
أو لأن النجوم كانت جميلة، لكن قلبها بدأ يخفق بشكل غريب.
بل كان هناك شيء مألوف وغريب في الوقت ذاته.
وكأنها تعرفه من قبل، ولكن عقلها كان كالمغطى بالضباب،
ولم تستطع التذكر.
لا يمكن نسيان رجل يملك شعرًا أحمر كهذا بسهولة.
وأثناء تفكيرها في مكان قد تكون رأته فيه،
عاد وجه رويري ليحمل ملامح الشقاوة من جديد.
مرر يده عبر شعره الأحمر وقال بنعومة:
“أوه، يبدو أن الدروس ستكون ممتعة. أليس كذلك، نونا؟”
“نعم، سأنتظرها بشوق، رويري.”
رأى رويري ابتسامتها، فغمز بعينه، ثم اختفى في لمح البصر.
اتسعت عينا ديانا وهي تنظر إلى المكان الذي اختفى فيه،
ثم وجهت نظرها إلى السماء.
كانت النجوم المنتشرة في السماء جميلة للغاية.
تمامًا كعينيه اللتين أضاءتا بلون أزرق في عتمة الليل.
بعد أن تأملت السماء طويلًا،
أغلقت باب الشرفة واستلقت على السرير.
يا له من رجل غريب… كأنه شخص عرفته من قبل…
تذكرت وجه رويري مجددًا، وحاولت تهدئة قلبها المضطرب.
ثم أغمضت عينيها ببطء، متوقعة لقاءه القادم.
***
“سموكِ!”
دخلت شين وميلان الغرفة وفتحا الباب على عجل.
كان يبدو عليهما الإرهاق، وقد بدت ملامحهما شاحبة.
“شين! ميلان!”
فور رؤيتها بعصابة على عينيها، بدأت ميلان،
التي كانت تخدم ديانا منذ الطفولة، في البكاء دون توقف.
أن تتعرض سيدتها لإصابة كهذه كان أمرًا لا يُصدق.
“لا يمكنك تخيل مدى رعبنا عندما سمعنا الخبر…”
ربتت شين على كتفها بلطف ليهدئها.
كانت هي أيضًا تريد البكاء،
لكنّها كبحت دموعها حتى لا تشعر ديانا بالحزن أكثر.
“شين، ميلان.”
نادتهما بصوت بارد.
صوت منخفض لم يُسمع من ديانا التي كانت دومًا لطيفة مع الجميع.
لم تستطع الكذب عليهما أيضًا.
وإن كانت ستخفي حقيقة عودتها بالزمن،
فمسألة بصرها لا يمكن إخفاؤها.
مسحت ميلان دموعها ونظرت إلى ديانا،
بينما وقفت شين مستقيمة بانتظار ما ستقوله.
“نعم، سموكِ…!”
فكّت ديانا عصابة عينيها.
فتوجّهت أنظارهما مباشرة نحو عينيها.
لو كانت ديانا قد فقدت بصرها حقًا كما سمعا،
لكانت عيناها خاليتين من أي تركيز.
لكن في عينيها الزمرديتين، كان هناك نور واضح ومتألق.
“سموكِ…؟ عيناكِ…؟”
نظروا إليها بدهشة، وكأنهم لا يفهمون شيئًا.
أعادت ديانا وضع العصابة على عينيها وقالت:
“عينيّ سليمتان تمامًا.”
“…ماذا؟”
“لقد استدعيتكما من جديد لأنني أحتاج مساعدتكما.”
“في ماذا…؟”
خفضت ديانا رأسها قليلًا، وظهر الحزن على ملامحها.
لم يكن من السهل استرجاع ما حدث.
لكن، إن كانت ستشرح لهما ما تمر به، فعليها أن تتحدث.
تماسكت وبدأت تشرح لهما كل ما جرى.
“…الدوق إيرنست ارتكب الخيانة.”
“ماذا؟!”
ظهرت ملامح الصدمة على وجه ميلان.
في هذه الإمبراطورية،
حتى الإمبراطور لا يُسمح له باتخاذ محظيات.
إن أراد أحد الطرفين أن يحب شخصًا آخر،
فعليه الطلاق بعد اتفاق متبادل.
لكن الخيانة، بينما لا يزال أحدهم مرتبطًا بشخص آخر،
كانت جريمة. بل واحدة من أقذر الجرائم التي يُشار إليها باحتقار.
“هذا غير معقول……!”
“المرأة الأخرى كانت أليشيا، وقد أنجبت منه طفلًا بالفعل.”
“حتى طفل!”
“سموك……”
صرخت ميلان بذلك الخبر الصادم،
بينما نظرت شين إلى ديانا بقلق وهي تسرد القصة ببرود.
كان هذا أمرًا لا يمكن لأي امرأة في العالم أن تتقبّله بهدوء.
“تلك الطفل هي كاثرين.
يا لها من مصادفة مثيرة للسخرية، أليس كذلك؟”
هل يمكن أن يكون هناك ما هو أكثر صدمة من هذا؟
شين وميلان لم يجدا ما يقولانه.
خيانة، والمرأة الأخرى هي صديقتها،
والطفلة التي كانت تظنها ابنتها ليست سوى ثمرة تلك الخيانة.
لم يكن هناك عزاء يكفي، ولا كلمات مناسبة تُقال.
“هم لا يعلمون أنني أرى. وسأستغلّ ذلك.”
“هل تنوين…… الانتقام؟”
سألت شين بصوت مرتعش.
كانت كلمة ‘انتقام’ لا تناسب السيّدة التي خدمها طوال حياته.
ولكن ما إن رأت وجه ديانا، حتى تبدد ذلك التردّد من ذهنه.
كانت ديانا تبتسم بابتسامة ساخرة تنضح منها كراهية عميقة.
شعر كل من شين وميلان بقشعريرة تسري في أجسادهما. كما لو أن ملاكًا سقط من السماء وفسد أمام أعينهما.
”هل كنتما ستتحملان ذلك؟”
“المعذرة؟”
”لو كنتما مكاني، شين وميلان.”
هزّا رأسيهما بيأس،
إذ لا يمكن تخيّل الشعور بالخيانة من جميع من حولك.
“ديانا التي عرفتماها لم تعد موجودة. شين، ميلان.”
“سموك……”
“سأصبح شريرة. وسأرتدي قناع القديسة التي يريدونها.”
ارتجفت يد ديانا من شدة الغضب،
فسارعت شين وميلان إلى الإمساك بها بإحكام.
“سوف نساعدكِ!”
“مهما أمرتِ، سننفّذ، سيدتي.”
“……شكرًا لكما.”
ابتسمت ديانا أخيرًا، ثم أصدرت أمرها الأول لهما.
“أولاً، شين، أريدك أن تجد لي فارسة.”
“فارسة؟”
سأل شين بدهشة.
كان من السهل طلب فارس من قصر الماركيز.
وكأنها قرأت أفكاره، شرحت ديانا ببطء.
“نعم. ولكن لا يجب أن تكون مسجلة رسميًا.
فارسة يمكنها التنكّر كخادمة والقيام بأي شيء من أجلي.”
“سأبحث عنها فورًا.”
“وأخطط لتبديل جميع الخادمات الحاليّات.
أريدك أن تجمع خدم جدد للقصر.”
“فهمت، سأهتم بالأمر.”
فهمت شين على الفور مقصدها،
وغادرت الغرفة بسرعة لتنفيذ الأوامر.
بقيت ميلان وحدها، تنظر إلى ديانا وكأنها تطلب منها أمرًا أيضًا.
“ميلان……”
“نعم، سيدتي.”
“أريدك أن تجدي لي طفلة.”
“طفلة؟”
عندما كانت في مسكن الخدم في الماضي، لم ترَ ابنتها.
لكن أليشيا كانت قد أخبرتها سابقًا أن ابنتها تعمل كخادمة في قصر الدوق، مما يعني أنها كانت تدخل وتخرج من القصر.
“أعتقد أنها تبلغ من العمر نحو الخامسة عشرة. ربما كانت نحيفة جدًا. وستكون من الأطفال الذين يتردّدون على القصر.”
نظرت ديانا إلى راحة يدها.
لا تزال تشعر بلمسة يد تلك الفتاة الميتة.
خشنة، وهزيلة، كغصن يابس.
قبضت يدها بإحكام.
ابنتي، التي خاطرت بحياتها لتجلب لي كسرة خبز.
هذه المرّة، سأجدكِ وأحميكِ.
“لا يهم شكلها. فقط إذا تطابقت المواصفات،
اجلبيها فورًا. هل فهمتِ؟”
“نعم، سأبذل قصارى جهدي!”
أجابت ميلان بحماس وغادرت الغرفة.
بعد أن خرج الجميع، التقطت ديانا عصاها.
عندما نظرت إلى الساعة،
أدركت أن كاليبسو لا بد أن يكون في مكتبه الآن.
وهذا يعني أن أليشيا ستكون هناك أيضًا.
حان وقت إيقاظهم قليلًا.
ارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتيها،
واتّجهت نحو المكتب وهي تتكئ على عصاها.
عند وصولها، فتحت الباب فجأة دون أن تطرق.
”عزيزتي……!”
كما توقعت، كان مع أليشيا. وكانا شبه عاريين.
كاليبسو بلا قميص، وأليشيا بالكاد ترتدي شيئًا من فستانها.
على الرغم من أنه يعلم أن ديانا لا ترى،
إلا أنه أسرع في ارتداء ملابسه.
كادت تضحك من شكله المثير للشفقة.
في تلك الغرفة، كانت ديانا الوحيدة التي بدت واثقة.
أليشيا كانت ترتدي فستانها بصمت وهي تنظر مباشرة إلى ديانا.
ارتفع حاجب ديانا.
تذوقي هذا الشعور بالعجز، تمامًا كما شعرتُ أنا سابقًا.
ابتسمت بخبث، ومدّت يدها في اتجاه صوت كاليبسو.
“هل تساعدني، كاليبسو؟”
أمسك كاليبسو بيدها بتوتر، بعد أن ارتدى ملابسه على عجل.
“أتيتُ لأشكرك. لقد عادت شين وميلان اليوم.”
“……آه، فعلًا؟”
“أردت فقط أن أشكرك على استجابتك لطلبي.”
أسندت ديانا رأسها برقة إلى صدره، وسمعت نبضات قلبه.
نبضات قلبه التي كانت تنبض لأليشيا جعلتها تشعر بالقرف والاشمئزاز.
لو لم يكن يحبها، لو أحب أليشيا، لكان عليه أن يطلب الطلاق.
عندها، لما كانت وصلت الأمور لهذا الحد من الإهانة.
ولكنه بالتأكيد احتاج لقوة والدها.
ولهذا لم يتجرأ حتى على طلب الطلاق، وفضّل الخيانة.
كم أنت جبان تافه ودنيء.
عانقته ديانا بإحكام، وهمست له بصوت ناعم:
“أحبك، عزيزي.”
“……هاه؟”
رأت أليشيا ترتجف من بين الشقوق خلف عصابتها.
تحسّست ديانا وجه كاليبسو بيدها، ثم قبّلته بشغف.
بدا وكأنه تفاجأ، لكنه ما لبث أن ردّ قُبلتها.
راقبت أليشيا ذلك المشهد بعينين محمرتين،
ثم غادرت الغرفة غاضبة، غير قادرة على الاحتمال.
ما إن أنهت ديانا قبلة الخيانة تلك،
حتى عضّت شفتَي كاليبسو بقوة.
”آه…….”
“أوه، عذرًا. لقد نسيت كم مرّ وقت طويل منذ قبلتنا الأخيرة.”
سال الدم من شفتيه، فعبس ومسحه.
“حسنًا، سأذهب الآن، نعم؟”
قالت ديانا بصوت عادي، وربّتت على كتفه،
ثم غادرت الغرفة وهي تتكئ على عصاها.
وعلى وجهها ابتسامة ساخرة موجّهة نحو غرفة أليشيا.
كانت تعلم أن أليشيا الآن تغلي من الغضب.
لكن مهما كانت غاضبة،
فلن يساوي شيئًا أمام ما شعرت به ديانا سابقًا من ذل وإهانة.
لن تستطيعي فعل شيء. طالما أنا الدوقة هنا في هذا القصر.
استدارت، وتذكّرت الدم الذي سال من شفتيه.
كل هذا كان مجرد مقبلات بسيطة. انتقامي الحقيقي بدأ الآن.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 6"