استمتعوا
“حقًا، هل قالت كاثرين مثل هذا الكلام؟“
“نعم، أليس هذا ممتعًا جدًا؟“
اتسعت عينا آيسيل بدهشة وكأنها لا تصدق ما سمعته.
في النهاية، رغم أن الأمور لم تسر على ما يرام،
إلا أن ما فعلته أليشيا كان موجهًا بالكامل لصالح كاثرين.
بل إنها والدتها الحقيقية.
ومع ذلك طلبت طردها.
دارت أفكار آيسيل سريعًا، ثم انفجرت ضاحكة وهي تمسك بطنها.
وبينما كانت تضحك طويلًا،
بدأ الضحك يتلاشى عن وجه آيسيل وحل محله برود قاتل.
ثم رفعت حاجبيها وتحدثت ببرود قائلة:
“حقًا، إنها فتاة أكثر خبثًا مما توقعت.”
من وجهة نظر معينة، كان ذلك مريحًا.
فلن تحتاج للشعور بالذنب أثناء تنفيذ خطة تدمير كاثرين.
“الابنة تشبه أمها، كما يقال.”
“كما أن ابنة جميلة مثلي خرجت من تحت رعاية أم عظيمة مثلكِ، أليس كذلك؟“
“هاه، صحيح.”
أصدرت آيسيل صوت ضحكة خفيفة وهي تتدلل داخل حضن ديانا.
ضحكت ديانا بمحبة وهي تحتضنها بشدة.
عندما تكون مع آيسيل، تشعر بسعادة لا توصف،
لدرجة أنها أرادت أن تظل غارقة في هذا الواقع.
ومع ذلك، عندما تغمض عينيها،
تعود ذكرى ذلك اليوم لتتجلى بوضوح.
أرضية خشبية صلبة، وكيس سقط أمامها،
والجسد البارد والصلب داخل ذلك الكيس.
رغم أنها لم تكن ترى حينها،
إلا أن تفاصيل ذلك اليوم كانت واضحة تمامًا في حواسها،
وكأنها لم تحتج إلى بصرها.
رغم مرور الزمن، لم تستطع نسيان تلك الذكرى.
أمك ستحميكِ، آيسيل.
إن لم تلتهميهم، سيلتهمونك.
شدّت ديانا قبضتها حول آيسيل وكأنها تتعهد ألا تتركها أبدًا.
“أتساءل كيف ستتصرف كاثرين.”
“صحيح. ربما… أليشيا لن تبقى ساكنة أيضًا.”
“نعم، ستحاول الهروب بكل ما أوتيت من قوة.”
تلألأت برودة قاسية في عيني ديانا.
لم يتبقَّ لأليشيا سوى الخراب.
بالطبع، هذا الخراب لن يكون بيد ديانا، بل بيد ابنتها.
يا لها من قصة ممتعة. أن تهوي امرأة بسبب خيانة ابنتها.
لمجرد تخيل الأمر، شعرت ديانا برغبة في الضحك.
“أتطلع إلى رؤية محاولات أليشيا الأخيرة.”
كانت تعلم تمامًا كيف ستكون ردة فعل أليشيا.
لكنها اختارت فقط أن تنتظر.
فأليشيا كانت قد سقطت بالفعل في المستنقع الذي أعدته لها.
وكلما حاولت التملص، غرقت أكثر.
“دعينا ننتظر حتى ذلك الحين،
وعند اللحظة الأخيرة، نسخر منها معًا، أمي.”
***
انفتح باب المكتب بقوة.
رفع كاليبسو رأسه مندهشًا ليرى من هذا الذي تجرأ على اقتحام مكتبه.
“كاليبسو!”
التي دخلت كانت أليشيا، وهي تغلي من الغضب.
رمقها كاليبسو بنظرة مذهولة،
يتفحصها من رأسها حتى أخمص قدميها.
هل لديها ذرة من الخجل؟
صحيح أن من تعرض للإهانة أمام الجميع كان هو،
لكن الجميع كان يعرف أن أليشيا طبيبة إيرنست.
بطبيعة الحال،
انعكست تداعيات الحادثة حتى وصلت إلى دوق إيرنست.
بسبب هذه المرأة الحمقاء، اضطر للاعتذار والانحناء أمام الدوق الذي يكنّ لزوجته محبة عظيمة.
تجهم كاليبسو وهو يتذكر ذلك اليوم المهين.
من البداية، لم يكن ينبغي اصطحابها إلى هناك. لو لم تكن ديانا، لما اصطحبها حتى لو كان بينهما علاقة غير شرعية.
والآن، بات يرغب في قطع العلاقة معها تمامًا.
خلافًا لما كان يخطط له سابقًا، فكّر في جعل أليشيا دوقة بعد وفاة ديانا، خاصة بعد أن أنجبت كاثرين.
لكن مهما فكر، لم تكن أليشيا مناسبة لأن تكون دوقة.
حتى الخطة لقتل ديانا بدأت تنهار منذ أن فتحت أليشيا عينيها.
كانت مجرد أداة يستخدمها دون أن يلوث يديه،
فلماذا يحتفظ بلعبة تالفة؟
تنهد كاليبسو وهو يحدق في الأوراق وقال:
“ما هذا التصرف، بلا ذرة من تهذيب.”
“تهذيب؟ هل تجرؤ على الحديث عن التهذيب الآن؟“
ردت أليشيا بصوت مرتفع يغلي بالغضب.
كانت تتفهم أنه لا يستطيع الوقوف إلى جانبها علنًا.
لكنها لم تستوعب كيف لم يزرها حتى لمرة واحدة بعد ما حدث.
استندت على مكتبه وبدأت تصب جام غضبها المكبوت.
“حبيبتك تتعرض للإهانة، وأنت تبقى صامتًا؟ تهذيب؟ نعم،
أنا مجرد عشيقة الدوق، فما الذي اعرفه عن التهذيب!”
بينما كانت تتكلم، ازداد صوتها ارتفاعًا بفعل مشاعر الغبن،
مما جعل كاليبسو يقفز من مقعده مذعورًا.
“اصمتي! ما الذي تفعلينه!”
رغم أنهما كانا وحدهما في المكتب، إلا أن كاليبسو كان يتلفت حوله وكأنه يخشى أن يسمعه أحد، ثم حاول أن يسد فمها.
دفعت أليشيا يده بعصبية.
“يبدو أنك تخشى أن يسمعنا أحد، أليس كذلك؟“
“كنت مشغولًا فقط.”
عاد كاليبسو إلى مقعده متجاهلًا الوضع، منشغلًا بالأوراق أمامه.
هذا التصرف دفع أليشيا للسقوط حزنًا على الأريكة.
كان الرجل الذي كان دائمًا يقدم لها الشاي بابتسامة كلما زارته.
بعد جلسة الشاي، كانا يتبادلان القبلات والكلمات الغرامية.
ولكن الآن، لم يكن حتى ينظر إليها.
حدقت به أليشيا بذهول ثم همست بصوت منخفض ومكسور:
“لقد تغيرت.”
“ماذا؟“
“هل لا تزال تحبني؟“
نظر إليها ببطء.
كانت ترتجف خوفًا.
لكن رغم ذلك، أجاب ببرود لا يرحم:
“لا أدري.”
“لا تدري…؟“
رددت أليشيا كلامه بدهشة، غير مصدقة.
“لا تدري ماذا يعني هذا…؟“
اهتز صوتها بشكل واضح.
تحدث كاليبسو بقسوة:
“انظري إلى أفعالك. هل تظنين أني أستطيع أن أحبك هكذا؟“
كان صوته باردًا كالثلج.
قبضت أليشيا على طرف فستانها بقوة.
“لقد فعلت ذلك من أجل كاثرين!”
“من تدعين أنك تفعلين شيئًا لأجله؟ أنت مجرد طبيبة هذا القصر!”
“أنا أم كاثرين!”
ضربت أليشيا صدرها وهي تصرخ.
“لا. طالما أن ديانا هي الدوقة،
فالأم الحقيقية لكاثرين هي ديانا، وليست أنتِ.”
اتسعت عينا أليشيا وهي تغرق في صدمة مروعة.
لم تصدق أن كاليبسو قال ذلك.
كيف يمكن لشخص أن يتغير بهذا الشكل؟
لم يكن من السهل قطع رابطة الدم بين أم وابنتها بكلمات فقط.
خاصة وأن زواج كاليبسو وديانا كان زواجًا سياسيًا فقط،
بينما علاقتها به كانت علاقة حب.
ولكن الآن، بدا وكأن كاليبسو أصبح في صف ديانا تمامًا.
متى وعدها بجعلها دوقة؟ والآن،
كأنها لم تعد تساوي شيئًا بالنسبة له.
“إذن اجعلني دوقة!”
“تظنين أن الدوقة مكان يمكن لأي أحد أن يصل إليه؟“
“ماذا قلت…؟“
ارتعشت عينا أليشيا الحمراوان بحدة من كلامه المفاجئ.
ورغم ارتجافها، واصل كاليبسو حديثه ببرود:
“لقد كنت مخطئًا بشأنك. لم أكن أعلم أنكِ هكذا.”
“أنا لم أتغير. كنت هكذا منذ البداية!
وأنت من أحببتني على حالي!”
صرخت أليشيا وهي تلهث،
لكن كاليبسو لوّح بيده وكأنه لم يعد يرى لها قيمة.
ثم انشغل من جديد بالأوراق فوق مكتبه، غير مبالٍ بها.
“لقد اتفقنا على التخلص من ديانا!
ووعدتني بأن تجعلني دوقة! أنا المرأة التي أنجبت لك طفلًا!”
ولكن رغم صراخها الحارق،
لم يتحرك كاليبسو قيد أنملة، وظل يحدق بالأوراق.
غلت الدماء في عروقها.
تقدمت بسرعة وانتزعت الأوراق من يديه.
“انظر إلي، كاليبسو!”
“كيف تجرؤين!”
وقف غاضبًا محاولًا انتزاع الأوراق منها.
أمسكت أليشيا بالورق بقوة بكلتا يديها،
محاولة ألا تفرط به، لكنها لم تستطع مقاومة قوة الرجل.
تقدمت بجسدها للأمام.
“آه…!”
نتيجة لذلك، سقطت زجاجة الحبر الموضوعة على المكتب.
“هاه…!”
اتسعت عينا كاليبسو ببطء.
لقد انسكب الحبر على كامل الأوراق التي كان يعمل عليها،
مفسدًا كل شيء.
نظرت أليشيا سريعًا إلى عينيه.
بدا عليه الغضب الشديد، إذ كانت حاجباه يرتجفان بعنف.
عندها، تركت الأوراق التي كانت تمسك بها بإحكام وبدأت تتلعثم بالكلام.
“آسـ… آسفة.”
“… اخرجي الآن.”
“لكن، كاليبسو…!”
“الآن!”
بأمره القاسي، بدأت أليشيا تفتح فمها وكأنها تريد قول شيء، لكنها في النهاية خفضت رأسها وخرجت.
طوال الطريق إلى غرفتها، لم تستطع أن ترفع كتفيها.
كانت دائمًا تعتقد أنها في هذا القصر قريبة من أن تكون الدوقة الكبرى.
فالذي يحبها مالك هذا القصر ليس الدوقة بل هي.
لكن الآن، حتى هذا أصبحت غير قادرة على تصديقه.
كانت نظرة كاليبسو إليها،
هي نفس النظرة التي كان يوجهها إلى ديانا سابقًا.
لم تكن في عينيه لا حب ولا شهوة تجاهها.
كان كل شيء قد اختفى كما لو أنه احترق.
لا يمكن أن ينتهي الأمر هكذا.
عند عودتها إلى غرفتها، رفعت أليشيا القلم الريشي.
ثم أخرجت ورقة جلدية وكتبت عليها شيئًا بحدة.
“ليس لدي خيار، علي تسريع الخطة.”
همست أليشيا لنفسها بينما كانت تبحث في الدرج.
ثم أخرجت كيسًا صغيرًا يحتوي على شيء،
قلبته وسقطت منه عملات ذهبية.
كانت تلك النقود مخبأة في حالة الطوارئ.
جمعت أليشيا العملات الذهبية وأمسكت بها بإحكام.
يدها التي كانت تمسك بالذهب كانت ترتعش.
“إذا ماتت ديانا،
فالأمر الوحيد الذي سيكون لديه هو البديل… وهي أنا.”
وضعت أليشيا الرسالة والعملات الذهبية معًا.
ثم كتبت العنوان الذي كانت قد تلقت سابقًا من شخص ما.
نظرَت إلى الطرد الذي أعدته، وهمست كما لو أنها كانت تضع نفسها في حالة تنويم مغناطيسي.
“سأصبح دوقة، هذا مؤكد.”
لكن عينيها، اللتين امتلأتا بالشهوة،
كانت تلمعان بحيوية كما لو كانت عين حيوان مفترس.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 59"