استمتعوا
عادت كاثرين إلى قاعة الحفل وهي تكاد تحترق قلقًا.
لقد أضاعت اللحظة المناسبة للتحدث إلى سوير بعدما تجمع أصدقاؤه حوله، وفي تلك الأثناء، اندمجت آيسيل بسلاسة بينهم.
سرعان ما أصبحت تتحدث مع سوير وأصدقائه وكأنها صديقة قديمة لهم منذ الطفولة.
وكان هذا بفضل أن آيسيل، بخلاف بنات النبلاء الأخريات،
لم تكن تخجل أو تتردد عند التحدث إلى الرجال.
كانت كاثرين تدور في مكانها بتوتر،
تفكر في كيفية التسلل إلى وسطهم.
وفي تلك اللحظة، خاطبها صوت منخفض.
‘كاثرين.’
كان المتحدث هو إكليبت.
أصغت كاثرين إليه على أمل أن يقدم لها نصيحة حكيمة.
‘نعم، إكليبت.’
‘بدلًا من ذلك، ألا ترين أنه من الأفضل أن تباعدي تلك الفتاة عن سوير أولًا؟‘
‘أُباعد بينهما؟‘
‘بمقدورك كسب قلب سوير في أي وقت، لكن إن بقيت تلك الفتاة ملتصقة بهم هكذا، فقد تصبح الأمور أكثر صعوبة.’
ضحك إكليبت بخفة وكأن الأمر يثير سخرية.
فكرت كاثرين في كلامه ورأت أنه منطقي،
وظلت تحدق بآيسيل التي كانت تضحك بسعادة وسط الصبية.
‘صحيح. هذا هو الأفضل.’
أجابت كاثرين، ثم اقتربت من مجموعة سوير.
كان سوير يتحدث بمرح مع أصدقائه عندما التفت برأسه نحو كاثرين.
“آه، انستي؟“
تطلعوا إليها وكأنها دخيلة. حاولت كاثرين أن تخفي حرجها وقالت:
“آه، جئت لأنادي أختي.”
“أختك؟ لماذا؟“
كنا نستمتع بالحديث…
أمالت آيسيل برأسها قليلًا وحدقت بكاثرين بنظرة مريبة.
“لأقدّم لكِ بعض الانسات الشابات.”
ابتسمت كاثرين بخفة وأجابت على تساؤل آيسيل.
ما الخدعة هذه المرة؟ حدقت آيسيل بها بشدة.
لأنها نشأت بحرية في دار الأيتام حتى سن العاشرة،
لم تكن تهتم كثيرًا سواء كان المتحدث رجلًا أو امرأة.
ولكن الوضع كان مختلفًا في المجتمع الأرستقراطي.
كانت النساء، أكثر من الرجال، ماهرات في استخدام لغة ملتوية تسبب الجروح بطريقة خفية.
خاصة إذا كانت الانسات اللاتي تقدمهن كاثرين،
فيمكن تخمين طبيعتهن بسهولة.
لا بد أنهن من النوع الذي يقدّر النسب والثروة أكثر من أي شيء.
لكن آيسيل كانت تملك وسيلة مؤكدة لكسب هؤلاء الفتيات إلى جانبها.
“حسنًا. سأذهب.”
“أراكِ لاحقًا، آيسيل.”
ودعها سوير بنظرة مفعمة بالأسف.
“ما الذي تخططين له الآن؟“
بمجرد ابتعاد سوير،
أسقطت آيسيل القناع المتصنع باللطف وسألتها بنبرة جافة.
ضحكت كاثرين بسخرية. كان ذلك مقززًا للغاية.
كيف لفتاة بهذه المكر أن تعيش خمس سنوات بين رفوف الكتب وكأنها فأر صغير لا يُرى؟
“كما قلت. فقط أردت أن أقدمك للفتيات. نية طيبة، ألا تعرفينها؟“
“نية طيبة؟“
قهقهت آيسيل وكأنها سمعت نكتة مضحكة.
“أن تتحدثي عن النية الطيبة؟ كان الأجدر أن تقولي إن الشيطان صار يخدم في الجنة، كاثرين.”
رغم السخرية الواضحة، لم ترد كاثرين واكتفت بارتعاش شفتيها،
ثم قادتها إلى حيث تجمعت الأميرات الشابات.
“أوه، انستي.”
كانت مجموعة من الفتيات في سن آيسيل، اللواتي لم يظهرن بعد لأول مرة في المجتمع، يتناولن الحلوى في ركن من قاعة الحفل.
وكانت كاثرين الأعلى مقامًا بينهن.
توقفن بدهشة عندما رأين كاثرين ومعها آيسيل.
“ومن هذه؟“
“إنها أختي بالتبني من منزل إيرنست، اسمها آيسيل.”
“بالتبني؟“
في مجتمع النبلاء، حيث يُقدَّر النسب أكثر من أي شيء، لم يكن التبني أمرًا مرحبًا به.
عندما شددت كاثرين على كلمة ‘تبني‘،
ضاقت عيون الفتيات وبدأن ينظرن إلى آيسيل بريبة.
لكن آيسيل لم تكن لتقف مكتوفة الأيدي.
تقدمت بخطوة وألقت التحية عليهن بلطف.
“مرحبًا. أنا آيسيل دي إيرنست، تم تبنيي من منزل ماركيز بريتشي إلى منزل دوق إيرنست.”
“بريتشي؟“
آسفة كاثرين، لديّ تعويذة سحرية لا تعرفينها.
إنها كلمة ‘بريتشي‘.
رفعت آيسيل طرف شفتيها بخفة لا تكاد تُلاحظ.
“بريتشي… ذلك المنزل؟“
على الفور، بدأ مفعول التعويذة.
تلاشت النظرات الباردة من عيون الفتيات.
تدافعت الفتيات نحوها فضولًا لمعرفة سبب انتقال فتاة من منزل بريتشي العريق إلى منزل إيرنست الأقل شأنًا.
“لكن لماذا تم تبنيكِ؟“
بدا سؤالهن وكأنهن يتساءلن لماذا انتقلت إلى مستوى أدنى.
لم تستطع كاثرين إخفاء انزعاجها وحدقت بالفتيات بغضب.
لكن لم يلقِ أحد منهن بالًا لكاثرين.
كل الأنظار كانت منصبة على آيسيل وحدها.
أحطن بها وأمطرنها بالأسئلة، وكانت تجيبهن براحة وثقة.
وبذلك، تراجعت كاثرين إلى الخلف.
ضاحكةً بسخرية لا تصدق، انسحبت كاثرين.
قبل لحظات فقط، كن يرحبن بها بحرارة.
لكن كلمة واحدة ‘بريتشي‘ غيّرت الموقف رأسًا على عقب!
يا لهم من أناس مخادعين.
احمرت وجنتا كاثرين بشدة،
وارتجفت يدها المخفية تحت فستانها من الغضب.
بينما كانت آيسيل تتبادل الأحاديث مع الأميرات،
كانت تلقي بنظرات خاطفة إلى كاثرين.
لقد خسرت كاثرين تمامًا في هذه الحفلة.
الفائزة كانت بلا شك، آيسيل.
في لحظة، التقت عيون آيسيل وكاثرين في الفراغ.
بعد ما حدث في الشرفة،
كانت معنويات كاثرين قد وصلت إلى الحضيض.
خططت لإبعاد آيسيل عن سوير واستخدام الأميرات لمهاجمتها،
لكنها فشلت في كل شيء.
لم يكن لدى كاثرين طاقة لمواصلة المعركة النفسية.
كل ما استطاعت فعله هو أن تعقد حاجبيها بمرارة.
وفي النهاية، استدارت مغادرة وسط ضحكات الأميرات المتبادلة.
***
بعد انتهاء الحفل، توجه جميع أفراد منزل الدوق إلى مدخل القصر حيث كانت العربات تنتظرهم.
كان يبدو أن كاليبسو قد غادر مسبقًا، إذ لم يكن موجودًا.
كانت كاثرين شاحبة الوجه بعدما خرجت من الحفل دون تحقيق أي مكسب.
وفي تلك اللحظة، مدّت ديانا يدها نحو كاثرين،
متنكرة في هيئة أم عطوفة.
“كاثرين، اركبي معي هذه المرة، مضى وقت طويل منذ آخر مرة.”
“……نعم.”
أجابت كاثرين بصوت ميت منكسرةً.
ساعدتها ديانا على الصعود إلى العربة، ثم نظرت باتجاه آيسيل.
على عكس كاثرين، كانت آيسيل تبتسم ببشاشة.
“أراكِ في القصر، أمي.”
“احرصي على العودة بسلام.”
ابتسمت ديانا لآيسيل ابتسامة خفيفة، ثم ركبت العربة مع كاثرين.
داخل العربة، كانت كاثرين منحنية الرأس، فاقدةً لكل طاقتها.
لو كانت لا تزال ابنتها المحبوبة،
لشعرت ديانا بالشفقة وربما حاولت تحقيق كل رغباتها.
لكن الآن، وهي تطمع فيما ليس لها،
أصبحت كاثرين في نظرها مجرد شيء مقزز.
كانت ديانا تريد أن تحطم كبرياء كاثرين أكثر.
كانت ترى أن هذه هي الطريقة الوحيدة لتعويض الآلام التي تعرضت لها آيسيل بسببها.
ظلت تحدق في وجه كاثرين طويلا،
وحين تحركت العربة، فتحت فمها ببطء.
“كاثرين.”
“…نعم. أنا آسفة حقاً على ما حدث اليوم.
هل كانت الدوقة غاضبة جداً؟
فهي ستكون حماتي في المستقبل…”
“لا.”
“إذاً هل هدأ غضبها الآن؟“
عادت الحياة إلى وجه كاثرين، لكن ملامح ديانا كانت باردة كالثلج.
ذلك الوجه الجامد لم يكن مألوفًا بالنسبة لها.
كان واضحًا أن أمرًا خطيرًا يحدث.
“أمّي، هل حدث شيء ما؟“
سألتها كاثرين بصوت مرتجف.
تنهدت ديانا تنهيدة عميقة حتى كاد صدرها ينهار.
“أمّي……!”
ازداد قلق كاثرين بشكل لا يمكن تجاهله،
وظلت تحدق برجاء في ديانا تنتظر حديثها.
ترددت ديانا طويلًا وكأنها ستتحدث أو لن تفعل،
ثم فتحت شفتيها ببطء.
“إنه بشأن زواجك.”
اهتزت نظرة كاثرين بوضوح عند سماعها حديث الزواج.
كان هناك شعور بارد يسري في مؤخرة رأسها،
شيء ما كان غريبًا.
راحت كاثرين تمسد يديها المرتجفتين قليلًا بسبب التوتر.
“الأمر متروك للأمير آيبرك ليقرر بنفسه بينك وبين آيسيل.”
“ماذا قلتِ…؟“
“قررنا أن نمنح الأمير حق الاختيار بنفسه.”
تدلت شفتا كاثرين بذهول.
لم تستطع تصديق ما سمعته للتو.
من سيقرر ماذا؟ هل يعني هذا أن الأمير سيختار بيني وبين آيسيل ليتزوج إحدانا؟
كانت قد ارتكبت خطأً فادحًا بالفعل في حفلة اليوم.
وفوق ذلك، لم تكن تعلم ما الذي قالته آيسيل تحديدًا،
لكن نظرة سوير نحوها لم تكن مريحة على الإطلاق.
لو طُلب منه الاختيار الآن، فمن الطبيعي أن يختار آيسيل.
كانا يتصرفان وكأنهما صديقان حميمان منذ زمن بعيد.
وقد أصبح وجه كاثرين شاحبًا تمامًا وهي تصرخ بتلعثم.
“هذا… هذا غير معقول!”
“حتى أنا، كأمك، أشعر بالحزن. أعلم كم تحبين الأمير… لكن كان لا بد من إرضاء الدوقة بسبب ما حدث مع أليشيا اليوم.”
في النهاية، كان كل شيء بسبب أمها.
عضت كاثرين على أسنانها بغيظ.
وبدأ الغضب على أليشيا يتصاعد داخلها.
لقد دمرت أليشيا كل شيء.
لم يعد لديها أي فرصة للفوز.
فقد خيّبت أمل الدوقة وسوير معًا.
“آه، ما هذه المصيبة… لماذا فعلت أليشيا مثل هذا الأمر…”
احتضنت ديانا كتفي كاثرين المرتجفة بتعاطف ظاهر،
وراحت تربت عليها بلطف.
ومع ذلك، لم تنسَ بمهارة أن تذكر اسم أليشيا أثناء حديثها.
وكما كان متوقعًا،
قبضت كاثرين على قبضتها الموضوعة بلطف فوق فستانها.
عضت على شفتيها بمرارة، ثم قالت بصوت مليء بالغضب.
“لا يمكنني أن أسامحها… كل هذا بسبب الطبيبة… لا، بسبب أليشيا!”
لقد تغير لقب أليشيا على لسان كاثرين
من ‘الطبيبة‘ إلى ‘أليشيا‘.
في النهاية، أنتِ تتخلين حتى عن والدتكِ الحقيقية.
سحبت ديانا كاثرين إلى صدرها واحتضنتها بإحكام.
“ألي هي أعز صديقاتي، لكن إن رغبتِ،
يمكنني أن أنزل بها عقوبة. فأنتِ الأهم عندي.”
ارتجف جسد كاثرين قليلًا من وقع كلمات ديانا الحازمة.
لكنها ما لبثت أن فتحت فمها بعزم واضح في عينيها وقالت ببطء.
“اطرديها.”
“…ماذا؟“
كانت تتوقع أن تطلب إنزال عقوبة ما،
لكنها لم تكن تتوقع أن تطلب طردها من القصر.
مهما يكن، فـ أليشيا كانت أمها التي أنجبتها.
لدرجة أن ديانا سألتها مرة أخرى دون أن تشعر من شدة الدهشة.
لقد كانت كاثرين أكثر مكرًا ودهاءً مما كانت تتصور.
“أرجوكِ، اطردي أليشيا من القصر، أمي.”
كانت نظرة عينيها صادقة تمامًا.
كانت الأحداث تسير بطريقة ممتعة للغاية.
وضغطت ديانا على ذقنها ببطء متظاهرة بالتفكير،
تخفي ابتسامة كادت أن تفلت منها.
ثم، وكأنها تستسلم لرغبتها على مضض،
ارتسمت على وجهها ابتسامة مُرة متعمدة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 58"