استمتعوا
بحثت كاثرين عن سوير وهي تدير رأسها يمينًا ويسارًا.
كما هو متوقع من عائلة دوق آيبرك،
كانت الزهور الجميلة تملأ المكان.
ومع ذلك، لم تستطع تلك الزهور أن تشد انتباه كاثرين.
كانت اهتماماتها تقتصر على شيء واحد فقط.
الزواج من الأمير سوير.
بينما كانت عيون كاثرين تدور بسرعة مثل الوحش، توقفت عندما رأت سوير وآيسيل يتحدثان في زاوية الحديقة على الشرفة.
على الرغم من أنهم كانوا بعيدين بحيث لا يمكن سماع حديثهم، يبدو أن العلاقة بينهما قد أصبحت أقرب، حيث كانت آيسيل تتلامس بشكل خفيف مع سوير.
كانت تزيل بتلات الزهور التي سقطت على كتفه وتبتسم بابتسامة خفيفة.
والمؤسف أن الثنائي كان متناسقًا للغاية.
بل بدا الجو بينهما جيدًا جدًا.
كان وكأن هناك هواءً مختلفًا يحيط بهما فقط.
كانت أسنان كاثرين تصطك ببعضها البعض.
لو كنت أعلم هذا، لما تركت سوير وآيسيل بمفردهما وذهبت إلى قاعة الحفل في تصرف غبي.
أصلحت كاثرين وجهها الذي كان قد تعكر، ثم اقتربت منهما.
عندما سمعت خطواتها المتسارعة، التفت سوير إليها أولًا.
تصلب وجه سوير الذي كان يبتسم لآيسيل للحظة.
بناءً على تصرفه الواضح، اهتزت عيون كاثرين قليلاً.
“آه، سمو الأميرة.”
كانت عيون سوير قد امتلأت بالكراهية تجاه كاثرين.
بالنظر إلى تلك العيون،
من الواضح أن آيسيل كانت تتحدث عنهما من وراء الكواليس.
آيسيل…!
كانت كاثرين تحدق في آيسيل التي كانت تبتسم بثقة،
وهي تلتصق بسوير.
لكن كان عليها أن تتحمل.
لا يمكنها أن تتصرف بتلك الطريقة أمام سوير.
حتى مع تصرفه البارد،
كانت كاثرين تبتسم بابتسامة متوترة وتقترب منهما.
لا تعرف كاثرين ما الذي تحدثت عنه آيسيل،
لكن سوير لا يزال لا يعرف عنها الكثير.
كان لا يزال هناك وقت كافٍ لاستعادة قلبه.
ابتسمت كاثرين بشكل مصطنع وقالت:
“ماذا كان الحديث المثير للاهتمام الذي كنتما تتناقشان فيه؟“
“آه، كنا نتحدث عن الموسيقى.”
“الموسيقى؟“
هل هي فعلاً تعرف شيئًا عن الموسيقى؟
نظرت كاثرين إلى آيسيل بنظرة غير مبالية.
أجابت آيسيل، التي بدت غير مكترثة، وهي ترفع كتفها:
وإن كانت أيامًا قليلة فحسب، فقد كان لعقاب كاثرين بالحبس برفقتها أثرٌ محمود، إذ استفادت كثيرًا من دروس الموسيقى التي تلقتها خلال تلك الفترة.
“نعم، كما هو الحال مع أمير آيبرك، يحب الموسيقى والأغاني. أليس كذلك، سوير؟“
كانت كلمات آيسيل تجعل فم كاثرين يفتح بدهشة.
هل سمعت بشكل خاطئ؟
كانت آيسيل تنادي سوير باسمه بكل جرأة.
“أمي تحب الموسيقى كثيرًا، آيسيل.”
كان سوير أيضًا يتعامل مع آيسيل بكل راحة.
بل كانت عيناه تجاه آيسيل مليئة بالدفء،
كما لو كان ينظر إلى صديق مقرب جدًا.
ماذا قالت هذه الفتاة عن الأمير؟
كان قلب كاثرين ينبض بسرعة متسارعة.
بدأت أنفاسها تصبح أكثر صعوبة.
كانت مشاعرها التي كانت قد كبتها طيلة الوقت على وشك الانفجار.
‘اهدئي.’
أعاد صوت إكليبت في عقلها هدوءها.
‘…إكليبت.’
لمح كاثرين أن إكليبت كان يقف وراءها.
وضع يده على كتفها وقال بصوت منخفض:
‘من الأفضل أن تتركي سوير الآن.’
‘…هل تقصد الأمير؟‘
‘يجب أن نكتشف ما الذي قالته آيسيل.’
‘نعم، صحيح. كما هو متوقع من إكليبت.’
شعرت كاثرين أن كلامه منطقي،
فحركت رأسها برفق وبدأت في التلويح بيدها.
“الجو حار قليلاً.”
“سأحضر لك مشروبًا.”
كان سوير فتى مؤدبًا ويعرف كيفية التصرف.
حتى لو كانت كاثرين لا تعجبه،
فلا يمكنه تجاهل انسة تشعر بالعطش.
راقبت كاثرين ظهره وهو يبتعد ليحضر المشروب،
ثم فجأة التفتت بسرعة.
كان مكان نظرها هو آيسيل، بالطبع.
كانت آيسيل تبتسم بتعبير مختلف تمامًا عن الذي كانت عليه عندما كانت تنظر إلى سوير، ورفعت زاوية فمها بشكل خفيف وقالت:
“شكرًا، كاثرين.”
كانت كلمات الشكر غير متوقعة من آيسيل.
تجعدت جبين كاثرين وأمالت رأسها قليلاً.
“بفضلك، استطعت أن أصبح صديقة مقربة جدًا من سوير.”
“ماذا؟“
“كان لدى سوير أخت غير شقيقة، وتحدثنا بشكل جيد.”
كان هذا يعني أن آيسيل قد تحدثت عن نفسها مع سوير.
“ماذا قلتِ للأمير؟“
“من يدري؟ لم أكذب عليه بشيء. يبدو أنك تخفين في قلبك الكثير من الذنوب، أليس كذلك؟“
“أنتِ حقًا…”
“ترى، هل أخبرته بقصة الحليب المتعفن الذي أحضرته لي لتجبريني على شربه؟ أم قصصت عليه كيف أنكِ، متواطئة مع الطبيبة، تجرأتِ على اقتحام غرفة الأميرة وتفتيشها؟“
راحت آيسيل تدور حول كاثرين ببطء، وهي تسخر منها. كان وجه كاثرين قد انتفخ حتى بدا كأنه بالون يكاد ينفجر.
“أم تراهـا عدت إلى أبعد من ذلك،
وقصّصت عليه كيف أنكِ سجنتني وعذبتني؟“
كانت عيون آيسيل تتلألأ بلمعة ساخرة.
لم يكن لدى كاثرين ما تقوله، لأن كل شيء كان صحيحًا.
ثم ابتسمت كاثرين فجأة وكأن شيئًا ما خطر في بالها.
“صحيح. لماذا لم تبدأي بهذا الكلام؟
فأنتِ لا تملكين دم عائلة بريتشي، أليس كذلك؟ مجرد يتيمة.”
لا يزال الأمر لغزًا.
كيف استطاعت آيسيل، التي كانت محبوسة دائمًا في غرفتها،
أن تُقدَّم على أنها من أقارب عائلة بريتشي؟
بالطبع، كاثرين كانت تعرف أن آيسيل هي الابنة الحقيقية لديانا، لكن آيسيل والماركيز بريتشي لم يكن لهما وسيلة لمعرفة ذلك.
“وكيف عرفتِ أنتِ هذا؟“
“ماذا؟“
“أقصد، كيف تعرفين إذا كان دم عائلة بريتشي يجري في عروقي أم لا؟“
اقتربت آيسيل من كاثرين ورفعت رأسها بثقة.
الفتاة الصغيرة والنحيلة التي كانت تعيش بين رفوف الكتب أصبحت الآن بطول مماثل لكاثرين، تنظر إليها مباشرة في عينيها.
“نعم، كما قلتِ، أنا نشأت كيتيمة.”
اقتربت آيسيل من أذن كاثرين وهمست بصوت خافت.
“حتى أنا لا أعرف من هم والديّ، فكيف يمكنكِ أنتِ أن تجزمي؟ هل يجري في دمي دم بريتشي أم لا؟“
عند تلك الكلمات، دفعت كاثرين صدر آيسيل بقوة.
“لا تخدعي نفسك. في أفضل الأحوال، أنتِ مجرد مُتبناة.
تظنين حقًا أن دمًا نبيلًا يجري في عروقك؟“
“آسفة، كاثرين، لكن هناك شيء لا تعرفينه.”
“شيء لا أعرفه؟“
“نعم. في دمي يجري دم بريتشي الحقيقي.”
“ماذا…؟“
توسعت عينا كاثرين بذهول عند سماع كلمات آيسيل.
هل يُعقل أنها اكتشفت أنها الابنة الحقيقية لديانا؟
لا، لا يمكن أن يكون.
“كل عائلة نبيلة تحتفظ بختم ورثته عن أول رئيس للعائلة،
أليس كذلك؟“
“وما شأن ذلك الآن!”
“الجوهرة الموجودة في ذلك الختم.”
فجأة تذكرت كاثرين أن كل ختم يحمل جوهرة تمثل العائلة.
جوهرة عائلة بريتشي كانت الزمرد،
بينما كانت جوهرة عائلة إيرنست هي الجمشت.
“تلك الجوهرة تتفاعل مع دماء أفراد العائلة.
لم تكوني تعرفين ذلك، أليس كذلك؟“
أخذت كاثرين ترمش بسرعة وكأنها لم تسمع بهذه المعلومة من قبل.
أيمكن حقًا أن الجوهرة كشفت أن دم بريتشي يجري في عروق آيسيل؟
بدأ اليأس يظهر في عينيها. لم تكن تعرف شيئًا عن ذلك.
وإذا كانت كلمات آيسيل صحيحة، فهذا يعني أن عدم وجود دم بريتشي في عروقها، هي الأخرى، قد يُكشف.
نظرت آيسيل إلى كاثرين المرتبكة وتابعت كلامها بهدوء وثقة.
“بالطبع لم تكوني تعرفين.
هذه المعلومات لا تُنقل إلا لرئيس العائلة فقط.”
“… لنفترض أن دم بريتشي يجري في عروقك.”
بدأت كاثرين التي كانت ترتجف بالهدوء تدريجيًا.
نعم، لم يكن هناك داعٍ للذعر بعد. لا تزال تملك فرصة.
على أي حال، لم يكن من المتوقع أن يشك جدها بها فجأة،
وآيسيل نشأت بطريقة دنيئة منذ الطفولة.
مهما تلقت من تعليم خلال بضعة أيام،
فلن تكون ندًا لها، التي نشأت منذ ولادتها كابنة نبيلة.
“لكن تذكري، أنتِ نشأتِ كخادمة.”
قالت كاثرين بسخرية وهي ترفع زاوية فمها.
“تظنين أن دخولك عائلة إيرنست سيمحو تلك الدماء الوضيعة؟“
ثم أطلقت ضحكة خفيفة مملوءة بالسخرية.
في تلك اللحظة، شعرت ببرودة خلف ظهرها. فاستدارت بسرعة.
خلفها كان يقف سوير، يحمل كوبين من العصير المثلج،
ووجهه ملبد بالغيوم.
“آه، سـ… سموّ الأمير.”
ارتبكت كاثرين، خائفة من أنه سمع ما كانت تقوله،
فسارعت لتصحيح ملامح وجهها وابتسمت له.
لكن سوير لم يبادلها الابتسامة.
“كلامك قاسٍ جدًا.”
لم يكن هناك شك، لقد سمع كل شيء.
خفق قلب كاثرين بشدة.
“لـ… ليس الأمر كذلك…”
حاولت أن تبرر موقفها، لكنها قاطعها بصرامة.
“ربما لا يحق لي التدخل،
لكن أيسيل أختك، أليس كذلك يا آنسة كاثرين؟“
“سمو الأمير. لا أعرف ماذا قالت آيسيل،
أو بالأحرى، أختي، لكن كل ما قالته كذب.”
بدأت كاثرين تختلق الأعذار على عجل،
لكن سوير ابتسم بسخرية وكأن الأمر لا يُصدق.
“كلها أكاذيب، تقولين؟“
“نعم، كلها أكاذيب!”
“آيسيل لم تقل عن أختها إلا أشياء جميلة.
فهل تقصدين أن كل ما قالته كان كذبًا؟“
عند سماع هذا الكلام، انفتحت شفتا كاثرين ببطء.
لم يكن من الممكن أن تكون آيسيل قد مدحتها له.
“أشياء جميلة… هل… هل مدحتني؟ أختي؟“
“نعم.”
أجاب سوير بحزم. لسبب ما، كان غاضبًا.
مظهر كاثرين المصدومة ذكّره بأخته.
بعد زواج والديهم،
أصبحوا أخوة بين ليلة وضحاها، لكنها لم تعترف به يومًا.
كانت تعامل سوير كأنه جاء ليسرق مكانها.
رغم أنه لم يكن لديه أي طمع في ما تملكه.
“سوير، توقف. لا بأس.”
قالت آيسيل بابتسامة حزينة وارتعاش في رموشها،
مما زاد من ألمه، لأنها ذكّرته بنفسه في الماضي.
في تلك اللحظة،
أدرك سوير أن تعبير وجهه تجاه كاثرين كان غاضبًا جدًا.
كان يبدو وكأنه هو من أُهين.
“سـ… سموّ الأمير…”
تلعثمت كاثرين من التوتر، فعاد سوير إلى وعيه.
شعر بالحرج، لماذا انفعل بهذا الشكل؟
تنحنح قليلاً وقال:
“… أعتذر. لم يكن من شأني التدخل.”
لقد أدخل مشاعره الشخصية بشكل مفرط.
فانحنى لآيسيل معتذرًا بصدق.
“آسف، آيسيل. وأعتذر مجددًا للآنسة كاثرين.”
وانحنى كذلك أمام كاثرين.
إظهار مشاعر بهذه الطريقة أمام انسان نبيلات لم يكن أمرًا لائقًا.
لكن رؤية آيسيل ذكّرته بنفسه، فخانته مشاعره.
لقد تدخلت في شيء لا يعنيني.
رفع سوير رأسه ونظر إلى كاثرين وآيسيل بإحراج.
كاثرين، وقد شحب وجهها، أجابت بصوت خافت.
“… بل أنا من أعتذر، سموّ الأمير…”
“لا بأس. كنت فقط… أتمنى ألا يكون بينكما أي سوء فهم،
فانتهى بي الأمر إلى التدخل.”
امتلأت عينا سوير بالندم بعد أن كانتا مشعتين بالغضب.
تنفست كاثرين الصعداء عند رؤية ملامحه قد هدأت،
وابتسمت بخفة.
لكن من الواضح أن سوير لن يُكن لكاثرين أي مشاعر طيبة بعد الآن.
وهذا كافٍ. ارتسمت على شفتي آيسيل ابتسامة هادئة.
حتى وإن لم ترتبط هي بسوير،
فلن يكون هناك احتمال أن يرتبط بكاثرين أبدًا.
في تلك اللحظة، ركض أحدهم بسرعة نحوهم.
“ها أنتم هنا!”
“آنا.”
الفتاة التي نادتها آيسيل كانت إحدى خادمات عائلة الدوق.
يبدو أنها بحثت طويلًا عن سوير.
لهاثها كان واضحًا، لكنها سارعت بالكلام.
“الحدث الرئيسي سيبدأ قريبًا.
يجب أن نذهب إلى وسط الشرفة فورًا.”
“حسنًا. هيا بنا، آيسيل. تفضلي، آنسة كاثرين.”
“حسنًا.”
“نعم.”
أجابت كاثرين وآيسيل في نفس الوقت، وتبعن سوير إلى الشرفة.
في وسط الشرفة، كانت هناك بيانو ضخم، وكمان، وتشيلو، وغيرها من الآلات الموسيقية موضوعة في المنتصف.
“اوه، أمي حقاً…”
هز سوير رأسه وكأنه محرج.
اقتربت آيسيل وسألته:
“ما هذه الأشياء كلها؟“
“إنها تحب الموسيقى كثيرًا.
أعتقد أنها تنوي دعوة الضيوف لعزف شيء.”
“شكرًا لحضوركم حفلة عيد ميلاد ابني!”
قبل أن يُكمل سوير كلامه، دوى صوت سيرينا في الشرفة.
يبدو أنها تناولت دواءً سحريًا يرفع صوتها.
“لقد أعددنا هدايا صغيرة للضيوف الذين حضروا الحفلة!”
بإشارة من سيرينا، دخلت الخادمات حاملات صوانٍ مليئة بصناديق الهدايا المزينة بأغلفة متنوعة.
“سأهدي الهدايا لمن يعزف أي آلة موسيقية من أجل ابني!”
كان هذا الحدث المميز لحفلات عائلة دوقية آيبرك.
النبيلات والنبلاء الذين حضروا عدة حفلات سابقة بدؤوا يضحكون ويرفعون أيديهم وكأنهم توقعوا ذلك.
بيانو، تشيلو، كمان… بدأت الآلات تُملأ بسرعة.
لكن سيرينا بدا وكأنها غير راضية.
“هممم… أليس هناك من يمكنه أن يُضيف صوتًا جميلًا إلى هذه الآلات الرائعة؟“
بدأت تتلفت حولها تبحث عن أحدٍ للغناء.
لكن لم يجرؤ أحد من النبلاء على رفع يده.
حينها، رفعت إحدى الفتيات يدها عاليًا.
التفتت أعين الجميع إلى الجهة التي جاءت منها اليد.
الفتاة التي رفعت يدها لم تكن سوى كاثرين.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 55"