استمتعوا
“يا إلهي، أمي! ساق الطبيبة احترقت!”
ركضت كاثرين فورًا لتتفقد فخذ أليشا.
كانت مجرد حروق بسيطة، ولكن وجه كاثرين بدا أكثر قلقًا مما كان عليه عندما فقدت ديانا بصرها.
“لا، لا بأس. آنسي.”
أليشيا أمسكت بفخذها المرتجف،
لكنها ابتسمت لكاثرين ابتسامة خفيفة.
رغم كل شرورها، يبدو أنها لا ترغب في إقلاق ابنتها.
من يدعي أنه إنسان وهو ليس كذلك؟
مشهدهم كان مثيرًا للسخرية.
ابنتي تصبح خادمة، وابنتها تُعامل كنبيلة؟
بل ثمرة علاقة آثمة أيضًا.
كان بريق عيني ديانا من خلف العصابة حادًا كالسيف.
“لماذا احترقت ساقك فجأة؟ ألم تكوني حذرة يا ألي؟ هل أنت بخير؟”
قالتها بنبرة طبيعية كما لو أنها لم تلاحظ شيئًا.
نظرت أليشيا إلى وجه ديانا بعينيها الحمراوين،
لكنها لم ترَ أي شرّ في ملامحها.
“…نعم، أنا بخير، سيدتي.”
صحيح، لا يمكن لتلك الغبية أن تكون قد تعمدت الأمر.
أجابت أليشيا بهدوء رغم أن جبهتها كانت مملوءة بالغضب.
“هذا مطمئن.”
أخفت ديانا سخرية كادت أن تنفجر،
وابتسمت بوجه يوحي بالاطمئنان.
كان من الواضح أن ديانا هي من سكبت الإبريق،
لكن من يجرؤ على لَوم دوقة، خاصة في هذا القصر؟
وكانت ديانا على دراية تامة بذلك، لذا راحت تتلذذ بمشاهدة أليشيا وهي تكتم غضبها، من خلف تلك العصابة التي تشعرها بالراحة.
عضت أليشيا على شفتيها بقهر ونهضت من مكانها.
ثم نظرت إلى ديانا بعينين باردتين وقالت:
“أعتقد أن عليّ أن أذهب لتلقي العلاج، سيدتي.”
“نعم، تفضلي.”
أشارت ديانا إليها بالذهاب.
جلست كاثرين مجددًا بوجه متوتر،
وظلت تحدق في ظهر أليشيا وهي تبتعد.
كانت عيناها مليئتين بالقلق تجاه والدتها.
كم هو أمر مثير للسخرية.
كانت مشاعرها مزيجًا من المرارة والدهشة.
منذ متى كانت تعلم الحقيقة؟ ومنذ متى كانت تخدعني؟
أرادت أن تسألها حالًا،
متى عرفت أن أليشيا هي والدتها الحقيقية؟
لقد كانت تعاملها بلطف شديد.
وكلما زاد الحب، زاد الشعور بالخيانة والغضب.
نظرت ديانا مباشرة إلى كاثرين التي جلست أمامها،
ثم حملت فنجان الشاي وبدأت الحديث ببطء.
“كاثرين.”
“نعم، أمي.”
صوتها كان لا يزال محببًا رغم الرغبة في كسر عنقها النحيل.
“هل تساعديني في خدمتي كل صباح من الآن فصاعدًا؟”
“نعم؟”
تجهم وجه كاثرين بشدة،
ملامح مختلفة تمامًا عن تلك التي تظهرها لأليشيا.
“…هل يمكنك فعل ذلك؟ هذه الأم أعطتكِ حتى عينيها.”
كان في نبرتها نوع من السخرية،
لكن كاثرين لم تتخيل أبدًا أن ديانا كانت تتحدث بهذه الطريقة.
بدا أنها اعتقدت فقط أنها سمعت خطأً.
ففي عيني كاثرين، كانت ديانا مجرد امرأة غبية تعتقد أنها قديسة.
لكن هذا الانطباع سيكون مصيرها.
ضغطت ديانا على شفتيها بمرارة.
“كنت أعتقد أنك ستوافقين بسهولة.”
“ليس الأمر كذلك، لكنني اعتقدت أن من الأفضل أن توكلي الأمر إلى الخادمات.”
عقدت كاثرين حاجبيها. مجرد التفكير بالأمر كان مزعجًا.
كأن التظاهر بكونها ابنة محبة أمام هذه المرأة الغبية لا يكفي، والآن عليها رؤيتها كل صباح!
“لا بأس، أنا أفهم مشاعرك دون أن تقوليها.”
المشاعر الحقيقية التي تكنّينها لي، والتي تكرهين بها كل ما يخصني. ديانا أخفت بقية الكلمات وتابعت بهدوء:
“لكن الخادمات الموجودات حاليًا يبعثن على القلق.
حتى أستبدلهن، أحتاج إلى مساعدتك.”
لم يعد بإمكان كاثرين رفض طلب ديانا. الآن هي الغبية الحقيقية.
لقد علقت في الدور الذي مثلته بنفسها، دور الابنة المحبة.
وأخيرًا، ابتسمت كاثرين على استحياء وهزت رأسها.
“…فهمت، أمي.”
“حسنًا، سأذهب الآن. لديّ الكثير لأفعله.”
“نعم، أمي.”
رفعت ديانا طرف شفتيها برضا وهي تنظر إلى كاثرين التي أجابت بطاعة.
عندما وقفت مستندة على عصاها،
هرعت إحدى الخادمات لمساعدتها.
يبدو أن انفعالها السابق أتى بنتيجة.
وحوش.
أطبقت ديانا شفتيها وهي تمسك بذراع الخادمة.
كان هذا القصر يبدو وكأنه غابة.
الضعيف يُفترس، والقوي يُدلل.
وفي الماضي، كانت هي الطرف الضعيف.
لكن من الآن فصاعدًا، سيكون العكس.
“إلى المكتب.”
“نعم، سيدتي.”
توجهت ديانا إلى مكتب كاليبسو.
كانت تنوي حل مشكلة الخادمات.
“عزيزي.”
طرقت باب المكتب برفق، ثم فتحته فجأة.
لم يكن كاليبسو خلف المكتب المليء بالأوراق.
نقلت ديانا نظرها بهدوء.
كان كاليبسو جالسًا على الأريكة في وسط المكتب.
عندما رآها تدخل، بدا وجهه مصدومًا كمن أُمسك بجرم شنيع.
وقف بسرعة وقال:
“ما الذي جاء بكِ إلى هنا، عزيزتي؟”
وتساءلت ديانا عن سبب ارتباكه، حتى رأت السبب.
عندما وقف، ظهرت أليشيا جالسة،
مكشوفة الفخذ حيث أصيبت بالحرق.
كان هناك مرهم فوق الطاولة.
ويبدو أنه كان يضعه لها بنفسه، بطريقة رومانسية.
نظرت أليشيا إلى ديانا وهي تعقد ساقيها وتنظر إليها باهتمام.
يا لها من جريئة. أتت إلى هنا في لمح البصر. كادت ديانا تضحك.
عادةً لا تزور ديانا مكتب كاليبسو خلال ساعات عمله حتى لا تزعجه.
لكنهم استغلوا ذلك ليقوموا بأعمالهم القذرة.
ولكن هناك شيء غريب.
لماذا لم يطردوها بعد أن فقدت بصرها؟
هذا يعني أنهم لا يزالون بحاجة لها لشيء ما.
توالت الأفكار في رأسها. لكن ديانا ابتسمت وكأن شيئًا لم يكن.
“هل أتيتُ إلى مكان لا يجوز لي المجيء إليه؟”
قبضت على طرف فستانها بقوة لتكتم غضبها.
ثم أسرعت متعمدة نحو الأريكة التي تجلس عليها أليشيا.
“جئت لأنني أريد التحدث. ساقاي تؤلمني، لذا سأجلس قليلاً.”
تفاجأت أليشيا من تصرف ديانا، فنهضت بسرعة لتتفاداها.
رغم أن ديانا لا ترى،
بدا الأمر وكأنها تدرك كل شيء، مما جعل الشعور غريبًا.
خاف كاليبسو من أن تُكشف الحقيقة،
فأشار بهدوء لأليشيا بالخروج.
اقتربت أليشيا منه وقبلته بخفة،
ثم خرجت من الغرفة وهي تتمايل بإغراء.
يا لها من منحطة.
أرادت ديانا أن تنتزع شعرها البرتقالي المتمايل. لكنها تماسكت.
لا يمكن أن تنتقم منهما بهذا القدر التافه.
ستجمع غضبها وتفجّره دفعة واحدة.
لم يحن وقت الانتقام بعد.
مسحت ديانا شعرها الأشقر بلطف وقالت:
“أتحدث عن الخادمات اللواتي جلبتهن معي عند زواجي إلى قصر الدوق.”
“همم؟”
“أخبرهم أن يعودوا.”
نظر إليها كاليبسو بتعجب. لم تكن ديانا تعارضه أبدًا من قبل.
خاصة في الأمور التي لديها مبرر واضح.
“لكن لقد أخبرتك انني أرسلتهن لأنني بحاجة لأشخاص حديدين بالثقة.”
“لكن ذلك كان قبل أن أفقد بصري.”
“…أنا أيضًا في امس الحاجة إلى…”
“عزيزي.”
جمعت ديانا يديها ورفعت رأسها.
رغم أن عينيها كانتا مغطاتين، إلا أنه كان يشعر تمامًا بنظراتها.
كانت تملك أحيانًا نظرات ترعبه.
كأنها تقول بأنها أعلى منه مكانة،
وهو أكثر ما كان يكرهه في نظراتها المتعجرفة.
“إذن، ستتواصل مع قصر الماركيز وتطلب عودتهن؟”
“فقط شين وميلان؟”
“نعم. شكرًا لك، عزيزي.”
كانتا خادمتين خدمتاها منذ كانت في قصر الماركيز.
بوجودهما، يمكنها أن تطمئن مؤقتًا.
وقفت ديانا فورًا مستندة إلى عصاها، وغادرت الغرفة دون وداع.
لم ترغب بالبقاء معه في نفس الغرفة حتى ثانية واحدة.
خرجت من المكتب، وراحت تتحسس الدرج بعصاها المزينة بالجواهر متجهة إلى الطابق الثالث.
طلبت شيئًا من قصر الماركيز،
وكانت تنوي البحث عن معلومات تخصه في المكتبة.
كان الطابق الثالث يحتوي فقط على مكتبة وعليّة صغيرة.
كانت قد قرأت من قبل هناك مع كاثرين، لذا لن يشك بها أحد.
لكن لا ضرر من الحذر.
أخبرت الخادمات ألا يتبعنها، وصعدت وحدها.
نظرت حولها عندما وصلت.
لحسن الحظ، لم يكن هناك أحد، فقد انتهى تنظيف الطابق.
“بما أن الوقت مضى، سأبدأ من الأساسيات.”
دخلت ديانا إلى المكتبة بهدوء.
نظرت حولها إلى الأرفف المكتظة بالكتب،
وما إن نطقت بعنوان كتاب، حتى طار نحوها واستقر بين يديها.
لم تكن كتب المكتبة عادية، بل كلها مشحونة بسحر بسيط.
ابتسمت ديانا برضا، وراحت تجمع كتبًا عن أساسيات السحر.
وبينما كانت تفتش في المكتبة، بدأ الليل يحل.
حملت ديانا كتبها متجهة إلى غرفتها.
كانت الخادمات قد غادرن إلى سكنهن.
مرت عبر الممرات الصامتة.
والأمر المدهش، أنه لم يأتِ أحد ليناديها لا للغداء ولا للعشاء.
على أي حال، ستطرد الخادمات غدًا.
لن تموت من الجوع ليوم واحد.
في حياتها السابقة، صامت لأيام.
هزت رأسها وتابعت طريقها إلى غرفتها.
وصلت إلى الغرفة وأسقطت الكتب فوق الطاولة، ثم فتحت الستائر.
كانت غرفتها في الطابق الثاني تطل على شرفة صغيرة ترى منها حديقة الورود.
خرجت إلى الشرفة،
فداعبت الرياح الباردة خصلات شعرها الذهبي.
شعرت أن مجرد بقائها على قيد الحياة معجزة.
لو لم تنجُ، فأين كانت ستفرغ كل هذه الأحقاد؟
كان الهلال يزين السماء.
وفجأة، صدر صوت “بونغ” أمام وجهها وظهر شخص ما.
“أوه!”
ارتبكت ديانا وسقطت على الأرض من شدة المفاجأة.
كان أمامها شاب ذو شعر أحمر طويل.
جلس على سور الشرفة، وتطاير شعره مع الريح.
كانت عيناه الزرقاوان المتلألئتان تحت ضوء القمر كحجر الياقوت.
ابتسم بمكر، ومد يده ليساعدها على الوقوف.
ثم قال بمزاح:
“يا للعجب، لم أكن أعلم أن تلميذتي ستكون بهذا الجمال.”
كان هذا هو رويري دي كونستانتين، الساحر العظيم، المرشح ليكون سيد برج السحر القادم، والمرسل من قصر الماركيز خصيصًا من أجل ديانا.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 5"