استمتعوا
ضغطت ديانا على صدغها بإحكام.
ثم جمعت شجاعتها وفتحت فمها لتسأل عن معنى تلك النظرة.
“روير…”
لكن رويري كان قد ارتدى مجددًا قناعه المعتاد،
بابتسامته المليئة بالمزاح.
“وبما أن ساحر عظيم مثلي،
يمكنني إنهاء أي عمل مهما تراكم بسرعة!”
رمشت ديانا بعينيها بسرعة وهي تحدق بذهول.
في تلك اللحظة، لم تستطع أن تتذكر إطلاقًا ما كانت تنوي سؤاله.
“آه…؟”
“…ما بكِ، نونا؟”
“كنت على وشك أن أسأل شيئًا… لكن لا أستطيع تذكّره.”
“ألم تكوني ستسألين كيف أصبحت كاثرين تمتلك قوة سحرية؟”
لكن… لم يكن هذا هو السؤال، أليس كذلك؟
شعرت ديانا وكأن الأرض تتهاوى أمام ناظريها.
مهما حاولت أن تتذكر،
لم تستطع إطلاقًا معرفة ما كانت على وشك قوله للتو.
وكأنها وقعت تحت تأثير سحر ما.
شعرت وكأنها اصطدمت بجدار غير مرئي.
“الآنسة كاثرين…”
سارع رويري بتغيير الموضوع.
“آه، نعم.”
ولحسن الحظ، أنصتت ديانا إلى كلماته.
تنفس رويري الصعداء وأكمل حديثه.
“لقد خرقت المحظور.”
“محظور؟”
“محظور لا يجب على أي فتاة بريئة الاقتراب منه.”
“و… ما هو هذا المحظور؟”
ابتلعت ديانا ريقها.
ورد عليها رويري بنبرة هادئة جدًا.
“السحر الأسود.”
“الـ… السحر الأسود؟”
اهتز بصر ديانا من الصدمة.
والآن حين تتذكر، كانت بلورات كاثرين مختلفة في اللون عن سحر آيسيل… كانت داكنة.
هل يُعقل أن تلك الفتاة…!
السحر الأسود كان مختلفًا تمامًا عن السحر العادي.
كان النوع الوحيد من السحر الذي لا يحتاج إلى طاقة سحرية من الشخص نفسه.
لأن السحر الأسود لا يعتمد على طاقتك الخاصة،
بل يُستمد من خلال عقد مع شيطان، فتستعير قوته السحرية.
ولكي يُستدعى شيطان،
لا بد من رسم دائرة سحرية قوية باستخدام طاقة هائلة،
أو أن يهتم الشيطان بنفسه بالبشر ويظهر لهم.
أي أنه ليس أمرًا يمكن لأي شخص فعله.
“السحر الأسود… هل يمكن لأي شخص استخدامه؟
كيف يُستخدم بالضبط؟”
انهالت ديانا بالأسئلة كالعاصفة.
“لاستخدام السحر الأسود، يجب عقد صفقة مع شيطان وتقديم شيء كضمان مقابل ذلك. لكنها بالفعل مثيرة للإعجاب.”
“…ماذا تقصد؟”
“هل تظنين أن الشيطان سيعقد صفقة مع أي شخص؟”
اتسعت عينا ديانا من الذهول.
حقًا، رويري محق. لو كان من السهل استخدام السحر الأسود،
لما بقي شخص واحد عاجز عن استخدام السحر في هذا العالم.
“فكيف تمكنت تلك الفتاة؟”
“…الرغبة.”
حدق رويري بعينيه الحمراوين في ديانا.
“رغبة تلك الفتاة الصغيرة كانت عظيمة لدرجة أنها تمكنت من إغواء شيطان.”
“هاه…”
ضحكت بسخرية من شدة الذهول.
حتى الغباء له حدود، أن تعقد صفقة مع شيطان فقط لتتفوق على آيسيل باستخدام القوة السحرية!
هل تعرف أليشيا بهذا الأمر؟
لا، من المؤكد أنها لا تعرف.
عندما كانت كاثرين على وشك استخدام السحر،
كانت أليشيا تقضم أظافرها.
وكان ذلك من عاداتها اللاواعية عندما تشعر بالتوتر.
الأمور أصبحت أكثر إثارة. ديانا كانت تعرف ما لا تعرفه أليشيا.
رغم أن كل الشروط كانت تميل لصالح أليشيا من البداية،
إلا أن هذه المعلومة منحت ديانا ميزة كبيرة.
“ما مصير من يستخدم السحر الأسود؟”
“الشيطان… دائمًا ما يتحدث بكلمات عذبة.”
ارتشف رويري جرعة من الشاي وأكمل حديثه.
“غالبًا لم يُخبر كاثرين عن النهاية.
أظن أن الفتاة لا تعرف. لا يوجد كتاب يذكر ذلك.”
“إذاً…؟”
“لكنني أعرف. أعرف نهاية من يستخدم السحر الأسود.”
نظرت ديانا بتمعن إلى ملامح رويري التي اتسمت بشيء من المرارة. بدا وكأنه ابتلع دواءً مُرًّا.
“هل أنت بخير، رويري؟”
“…نعم.”
كانت يد رويري التي تمسك بفنجان الشاي ترتجف قليلًا.
“هل كان ذلك الشخص قريبًا جدًا منك؟”
“نعم، قريب للغاية.”
وكأنه يحاول تهدئة نفسه،
سكب مزيدًا من الماء الساخن في الشاي.
وعندما ارتشفه،بدأت يده تهدأ تدريجيًا.
نظرت ديانا إليه بقلق، ثم تكلمت.
“إن كان الأمر مؤلمًا، لا داعي لأن تخبرني.
أعتقد أنني أستطيع أن أتخيل.”
“…لا.”
قاطعها رويري بحزم.
“هذا شيء لا يمكن للبشر تخيله.”
“إذا كانت صفقة تتضمن مقابلًا… فهل الأمر لا يتعدى فقدان الحياة؟”
سألت ديانا بحذر، لكن رويري هز رأسه نافيًا.
“هم يبحثون عن المتعة.”
“المتعة؟”
“يبحثون عن الإثارة، كما نشاهد نحن سباقات الخيل بحماس.”
“إذاً…؟”
تنهد بعمق وأجاب وكأنه يبوح بسر دفين.
“في الظاهر، يبدو أنهم يحققون رغبات البشر،
لكنهم في الحقيقة لا يحققون الشيء الذي يريده الإنسان فعلًا.”
“…لا يحققون ما نريده حقًا، هذا يبدو شيطانيًا بحق.”
“هم يستمتعون برؤية البشر يتحطمون… كما لو كانوا يشاهدون مسرحية.”
أكمل رويري بحزن.
“لكن بالنسبة لنا، هذا ليس مسرحًا… بل واقع نعيشه.”
هل حياة البشر لا تعدو أن تكون مسرحية أو رياضة ترفيهية للشيطان؟
رفعت ديانا رأسها ونظرت إلى رويري.
كان في عينيه بريق مظلم.
لابد أن ذلك الشخص كان مهمًا جدًا له.
شعرت ديانا أنها جعلته يسترجع ذكريات أليمة،
فانتباها شعور بالذنب.
نهضت ديانا من مكانها، وجلست بجانبه.
نظر رويري إليها بدهشة.
“أنا آسفة… لأنني جعلتك تتذكر شيئًا مؤلمًا.”
“نونا…”
لفت جسدها نحو رويري واحتضنته بقوة.
كانت ستكذب إن قالت إنها لم تشعر بالخجل.
لكن في هذه اللحظة، أرادت فقط أن تمنحه دفئًا… بدا لها كأوراق الخريف تتناثر في مهب الريح.
أمسك رويري بيد ديانا التي كانت تحتضن عنقه.
نظرت ديانا إليه بذهول.
أسند رويري وجهه على كتفها.
“بما أنكِ احتضنتني…”
همس بصوت منخفض ومختلف عن المعتاد.
“دعيني فقط… أبقى هكذا قليلًا. نونا.”
احمرّ وجه ديانا.
وفي الوقت نفسه، شعرت بقلبها يهبط فجأة.
ما الذي أريده من هذا الرجل؟
اهتزت حدقتا عينيها، لكنها لم تبعده.
لا، لم تستطع.
كانت مشاعرها قد بدأت تتعمق دون أن تدرك ذلك.
***
“رائع!”
صرخت كاثرين بحماس فور عودتها إلى غرفتها.
لم تسمع كلمات المدح التي أرادت من ذلك الحقير الذي لا تستحق تسميته بمعلم، لكنها رأت وجه آيسيل المذهول… وكان ذلك كافيًا.
كم كانت تتوق لتسخر منها! لتثبت أنها الأفضل!
“كاثرين!”
جاءت أليشيا إلى غرفتها بعد قليل، ووجهها لا يزال يشع بالفرح.
“ما الذي حدث؟”
تلألأت عينا أليشيا الحمراوان كالنجوم.
لكن كاثرين لم تكن تنوي كشف الحقيقة بعد.
“يبدو أن لديّ طاقة سحرية أيضًا.
ذلك الأحمق، المدعو بمعلم ديانا، لا بد أنه غبي.”
“…ماذا؟”
مستحيل.
اثنان من السحرة أكدا أنها لا تمتلك طاقة سحرية،
فكيف تظهر فجأة؟
أمالت أليشيا رأسها بتساؤل.
ثم نظرت إلى وجه كاثرين.
شفاه كاثرين كانت ترتجف.
وكان هذا من عاداتها عندما تكذب.
“كاثرين، ألا تنوين إخبار والدتكِ بالحقيقة؟”
“قلت لكِ. يبدو أن لديّ طاقة سحرية.”
“كاثـ…”
“كفى.”
وضعت كاثرين يديها على أذنيها وكأنها لا تريد سماع المزيد.
بدلًا من المدح، تطالبها بقول الحقيقة؟ كم هذا مزعج.
لا تملك أي قدرة، ومع ذلك تلقي المحاضرات؟
تجهمت كاثرين بشدة.
تنهدت أليشيا. كان وجه كاثرين كافيًا لتفهم.
أن مشاعر كاثرين نحوها لم تكن إيجابية.
وأنها تخفي شيئًا بالتأكيد.
لكن هناك حقيقة واحدة مؤكدة: كاثرين استخدمت سحرًا.
سحرًا أقوى من الذي استخدمته آيسيل.
هل عليها التغاضي عن الأمر؟ اهتزت عينا أليشيا.
في تلك اللحظة، تقدمت كاثرين وحدقت بها مباشرة.
“ما أهمية الحقيقة؟”
“ماذا؟”
“أنتِ خائنة قذرة، وأنا طفلة غير شرعية من منزل الدوق.
شيء لا ينبغي أن يُكشف أبدًا.”
“كيف تجرؤين على قول ذلك…!”
ارتعش جسد أليشيا.
لم تعد تعرف إن كانت هذه هي كاثرين التي تعرفها.
كاثرين كانت ماكرة وعاطفية،
لكن منذ أن علمت بأنها أمها، لم تقل شيئًا بهذه القسوة من قبل.
لم تتلاشَ الصدمة بسهولة.
لم تستطع أليشيا قول شيء، واكتفت بالتنفس بصعوبة.
لكن كاثرين لم تتوقف.
“نحن كذبة من الأساس، فما أهمية الحقيقة؟!”
لم تعرف ما تقول. كانت تلك الكلمات حقيقية.
وأخيرًا، صمتت أليشيا.
حدّقت كاثرين بها بعينين مشتعلتين وابتسمت بسخرية.
“…لا تهتمي بعد الآن. سأهتم بشؤوني بنفسي.
فأنتِ تفشلين دائمًا، أليس كذلك؟”
خرجت أليشيا من الغرفة مترنحة، دون أن تنطق بكلمة.
بعد خروجها، التفتت كاثرين وتحدثت إلى الهواء.
“هكذا، صحيح؟”
ظهر ظل أسود خلف ظهرها.
“نعم. أحسنتِ. والدتكِ لا قيمة لها في حياتكِ.
أنتِ تعرفين ذلك، أليس كذلك؟”
ابتسمت كاثرين بصفاء نحو ذلك الهمس المتسلل كالأفعى.
“أنت على حق. كم أنا محظوظة لأنك ظهرت لي، إكليبت!”
الرجل المعروف باسم ‘إكليبت’ كان يشبه البشر،
لكنه بدا غريبًا بعض الشيء.
عيناه كانتا حمراوين كالدّم،
وشعره الأسود أطول من ستار الليل ذاته.
لو رآه شخص عادي، لظنه شبحًا، لا إنسانًا.
لكن كاثرين لم تأبه، وقالت:
“بفضلك، تمكنت من هزيمة آيسيل أيضًا.”
“وستنتصرين أكثر في المستقبل. ستتخلصين من تلك المزعجة وتصبحين الحقيقية. إذا أصغيتِ لنصائحي، بالطبع.”
“بالطبع يا إكليبت. أنا أثق بك تمامًا. لن أتجاهل نصيحتك أبدًا.”
“هاها، جيد. فقط حافظي على هذا، وسأحقق لكِ كل رغباتكِ.”
مسح إكليبت على شعر كاثرين برفق.
لكن الابتسامة التي علت وجهه كانت شريرة حد القشعريرة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 48"
يمةةة يخوف اكليبت 😭