استمتعوا
“رو، أقصد رييل. سررت برؤيتك.
ولكن… كيف حصلت على توصية من رويري؟”
ضيّقت ديانا عينيها وسألته.
فأجاب رويري بسهولة وبابتسامة ماكرة.
“كنت أبحث عن عمل… وفي تلك اللحظة، السيد العظيم رويري أوصى بشدة بهذا المكان الذي تقيم فيه قديسة بريتشي.”
أن يصف نفسه بالعظيم؟ هذا تمامًا يشبه أسلوب رويري. كادت ديانا أن تضحك لكنها كتمت ضحكتها وأطلقت سعالًا مصطنعًا.
“همهم، أرجو أن تعتني بنا، السيد رو… أقصد الأستاذ رييل.
هيا، حيّوه جميعًا.”
حدقت كاثرين بريبة في هيئة رويري الرثة من الأعلى للأسفل.
حتى وإن كان ساحرًا، هل يمكنه دخول القصر الدوقي بهذه الهيئة؟ تجاوز الأمر حدود الذهول إلى الاشمئزاز.
لكن لم يكن بإمكانها إظهار مشاعرها على وجهها أبدًا.
فهي بحاجة إلى كسب رضا الأستاذ لتنال اهتمامه أكثر من آيسل.
أخفت كاثرين ارتعاشة شفتيها وتقدّمت بخطى واثقة.
“مرحبًا، أنا كاثرين دي إيرنست.”
“مرحبًا، أستاذ. أنا آيسيل دي إيرنست.”
نظرت آيسيل إلى كاثرين بنظرة ساخرة ثم قدمت نفسها بخفة.
ومع ذلك لم تنسَ أن تبتسم بعينيها.
فقد كانت تحمل نفس نوايا كاثرين.
لكي تنال إعجاب الأستاذ وتُسحق كبرياء كاثرين.
لكن رد فعل الأستاذ كان غريبًا جدًا.
ضيّق رويري عينيه وهو ينظر إلى آيسيل.
لا، بل بدا وكأنه يراقبها عن كثب ويلاحظ كل تفصيلة.
خصوصًا شعرها ولون عينيها.
حدق فيها طويلًا، ثم صرف بصره أخيرًا.
على شفتيه ظهرت ابتسامة غريبة، كمن شعر بالراحة والاطمئنان.
ثم أخيرًا تحدث رويري وهو ينظر إلى كاثرين وآيسيل.
“يسرّني التعرف إليكما. حسنًا، لنبدأ باختبار بسيط.
أود أن أعرف مستوى القوة السحرية لديكما. من ستبدأ أولًا؟”
نظرت آيسيل وكاثرين إلى بعضهما البعض.
فتراجعت كاثرين إلى الوراء كأنها تعرض عليها البدء أولًا.
هل أصبحت تُبادر بالعطاء؟ كانت موضع شك، ولكن حتى تكشف كاثرين عن خطتها، لن تتمكن آيسيل من فهم نواياها.
تقدمت آيسيل أولًا، وأطلقت قواها السحرية بسرعة.
فقد أنهت بالفعل دروس السحر الأساسية في قصر الماركيز.
انبعث ضوء أزرق أحاط بجسدها.
تموجت أنوار المانا حولها، وسرعان ما تشكلت شظايا من الجليد.
كانت تلك الشظايا تتلألأ كالجواهر لكنها مصقولة بحدة كالسكاكين.
راودتها رغبة في استخدام تلك الشظايا لقطع أعناق أليشيا وكاثرين اللتين كانتا تحدقان بها بخوف.
لكن لو كانت تنوي ذلك، لكانت والدتها قد تخلّصت منهما منذ زمن.
كان عليهما أن تتضاعف معاناتهما.
فالموت سيكون راحة لهما إن حدث الآن.
سحبت آيسيل يدها، فانصهرت شظايا الجليد وتلاشت في لحظة.
رمش رويري بسرعة.
لقد كانت ابنة ديانا موهوبة أكثر مما توقع،
وربما حتى أكثر من ديانا نفسها.
“هذا… مذهل!”
“آيسل، متى أصبحتِ بهذا الشكل…”
تفاجأت ديانا أيضًا حتى فغرت فمها.
منذ أن عادت حيّة من هناك،
كانت آيسيل تتدرب على إطلاق الطاقة السحرية كل ليلة بلا توقف.
كانت تخشى أن تعجز مجددًا عن حماية نفسها أو والدتها بسبب ضعفها.
وبفضل ذلك، أحرزت تقدمًا هائلًا خلال أيام معدودة.
“ما زلت بحاجة إلى تطوير أكثر.”
انحنت آيسيل برأسها تواضعًا.
لكنها كانت على دراية تامة بحجم الموهبة التي ورثتها عن والدتها.
ولهذا كانت واثقة جدًا.فلم يكن هناك أدنى شك في أن كاثرين لن تتمكن من استخدام أي سحر.
“بمستواكِ هذا، من المرجح أن تنالي شهادة الساحرة المبتدئة بسهولة.”
المجاملات دائمًا ما تكون لطيفة.
وعلى إثر مديح رويري، ابتسمت آيسيل بسعادة.
“حقًا؟ أمي، هل سمعتي ذلك؟”
“نعم، سمعته. أنا فخورة بك جدًا، آيسيل.”
اقتربت ديانا وربّتت على رأس ابنتها التي كانت تبتسم ببراءة.
لقد كانت فخورة حقًا بها.
أن تكون بهذه القوة رغم أنها لا تزال في مرحلة التفتح فقط… كم سيكون مستواها حين تزهر بالكامل؟ مجرد التفكير أسعدها.
هل رأيتِ، أليشيا؟ ابنتي في مستوى مختلف تمامًا عن ابنتك.
نظرت ديانا خلسة إلى أليشيا،
التي كانت تقضم أظافرها بتوتر واضح.
ثم حولت نظرها إلى كاثرين.
توقعت أن تكون مذهولة تمامًا.
لكن كاثرين كانت ترتدي تعبيرًا واثقًا مثل آيسيل.
ما هذا الوجه؟ نظرت ديانا إلى كاثرين بعينين متسائلتين.
وفجأة، التقت نظراتهما.
ابتسمت كاثرين،وكأنها تقول إنها أيضًا ستُريهم شيئًا.
تجعد جبين ديانا قليلًا.
ما الذي تخطط له؟ لم تستطع أن تتكهن إطلاقًا.
“حسنًا، لنرَ مهارات الآنسة الأخرى.
قلتِ إن اسمك كاثرين، أليس كذلك؟”
من خلال اختبار سابق،
كان رويري يعلم بالفعل أن كاثرين لا تمتلك أي قوة سحرية.
أن تجرؤ على حضور الدروس رغم ذلك،
يدل على شجاعة تستحق الثناء.
“نعم، أستاذ.”
أجابت كاثرين بحزم وتقدمت للأمام.
ثم أغلقت عينيها كما لو كانت تركز على شيء ما.
ولكن، حتى وإن فعلت هذا، لن تظهر قوة سحرية من العدم.
ضحكت آيسيل ساخرًة من محاولتها الأخيرة البائسة.
لكن، حدث أمر غريب.
“هـه…؟”
بدأت أضواء المانا تتوهج من جسد كاثرين.
والأغرب أنها كانت أقوى وأشد زرقة من تلك التي أطلقتها آيسيل.
انتشرت الأنوار حول جسدها،
وسرعان ما شكلت شظايا حادة من الجليد.
كانت المشهد شبيهًا بما فعلته آيسيل، لكن مع فارق ملحوظ.
فقد كانت الشظايا التي صنعتها كاثرين أكبر بكثير.
وإن كانت شظايا آيسيل بلون أزرق نقي وشفاف،
فإن شظايا كاثرين كانت معتمة وداكنة.
ما الذي يحدث؟ عبست ديانا دون وعي.
حتى قبل أيام فقط، لم تكن كاثرين تملك أي قوة سحرية.
ولا يمكن أن يخطئ الساحر الأعظم رويري في تقييمه.
ما الذي حدث خلال تلك الأيام القليلة؟
تفاجأت أليشيا أيضًا.
لم تخبرها كاثرين على الإطلاق بما كانت تنوي فعله.
وسرعان ما ارتسمت ابتسامة مفعمة بالفرح على وجهها.
‘أرأيتِ، ديانا؟ ابنتي صنعت بلورات أكبر من ابنتك!’
مهما كان ما حدث، فكانت هذه هي المرة الأولى التي تتفوق فيها كاثرين على آيسيل منذ عودتها إلى هذا القصر الكبير.
أدارت ديانا رأسها بسرعة نحو رويري.
كان يعبّس وجهه وكأنه رأى قذارة مقززة.
“أمي، هل رأيتِ؟ لقد نجحت!”
ركضت كاثرين نحو ديانا كما فعلت آيسيل سابقًا،
وقد تلألأت عيناها كجرو صغير يطلب المديح.
“…نعم، مذهل فعلًا. لكن، كيف حدث هذا؟ في المرة الماضية…”
“أعتقد أنني كنت متوترة للغاية حينها.”
أجابت كاثرين بلا مبالاة وهي تهز كتفيها رداً على تساؤل ديانا المتحير.
“ما رأيكم في مستواي، أستاذ؟”
توجهت كاثرين بسؤالها إلى رويري.
بدا أنه كان يحاول اتخاذ مظهر الجدية،
لكنه سرعان ما ارتخت ملامحه.
“مستوى رائع جدًا.”
“أنا فضولية لأعرف مستواي بدقة، أستاذ.”
من الواضح أن البلورات التي صنعتها كاثرين كانت أكبر حجمًا.
وأرادت سماع أنهّا تتفوق على آيزل.
راح رويري يحدّق بها، بنفس النظرة التي راقب بها آيسيل من قبل.
“أستاذ؟”
لم تستطع كبح رغبتها الجامحة في تلقي المديح، فكررت النداء.
أدارت ديانا وآيسيل رأسيهما نحوه.
لكن بدا واضحًا أنه لا ينوي قول ما تريد سماعه.
اكتفى رويري بابتسامة خافتة خالية من أي دفء.
***
عندما انتهى الدرس،
عادت كل من كاثرين وآيسيل وأليشيا إلى غرفهن.
حينها فقط أصبحت ديانا وحدها مع رويري.
بحجة الرغبة في الحديث أكثر مع المعلم الذي سيدرّس الأطفال، اصطحبته إلى غرفتها.
دخلت الخادمة شين بذكاء ورتبت الشاي على الطاولة.
“شكرًا، شين.”
بعد أن خرجت شين، أغلقت ديانا الباب واستدارت.
وقد أصبح وجهها جادًا تمامًا.
“ما الذي يحدث بحق السماء؟”
مرر رويري يده الكبيرة على وجهه بخفة.
وفجأة، تحوّل شعره البني القصير إلى شعر طويل أحمر،
وظهر وجهه الحقيقي.
“رويري…”
ابتسم بابتسامته المعتادة وأجاب:
“كنت واثقًا أنكِ ستتعرفين علي، نونا.”
“لقد غمَزت لي بوضوح، كيف لا أتعرف عليك؟”
“غمزاتي ليست لأي أحد، أنتِ فقط من تستحقينها.”
قال ذلك ثم جلس على الأريكة بثقل.
جلست ديانا أمامه مبتسمة بخفة.
“لكن… لماذا جاء رويري بنفسه؟ ثم…”
“ثم تسألين كيف لتلك الفتاة، كاثرين، أن تستخدم السحر، أليس كذلك؟”
آه، كم هو سريع البديهة.
أومأت ديانا برأسها بهدوء.
“…نعم، هذا صحيح.”
رفع رويري كوب الشاي الساخن وتذوّقه ببطء، ثم تحدث ثانية.
“جواب السؤال الأول… لأنني أردت أن أتحقق من شيء.”
“تتحقق من ماذا؟”
“أخبرتِني بأنكِ تبنيتِ طفلة، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
“أردت أن أراها بعيني.”
ففي المرة السابقة كانت آيسيل في حالة إغماء،
لذا لم يتمكن من رؤيتها جيدًا.
لكن لماذا يهتم رويري بآيسيل بالأصل؟ نظرت ديانا إليه بريبة.
“…لماذا تهتم رويري؟”
“لماذا؟”
رد رويري وكأنه مندهش من سؤالها.
“لأنني كنت قلقًا عليكِ، بالطبع.”
“…ماذا؟”
لم تستطع ديانا إخفاء ارتباكها وردت بذهول.
بدأ قلبها ينبض بعنف.
كلماته بدت وكأن فيها مشاعر تجاهها.
لقد كان دائمًا هكذا منذ البداية.
قال فجأة بأنها من نوعه المفضل، وساعدها دون أي مقابل.
ربما كانت مجرد طريقته المعتادة بالكلام،
لكنها رغم ذلك، لماذا ينبض قلبها بهذا الشكل؟
لطالما كانت هي من تهتم بالآخرين.
لكن رويري كان يعاملها وكأنها الأهم بالنسبة له.
سواء كان اهتمامًا أم قلقًا، لم تستطع تحديد ما يشعر به بالضبط.
لكن الشيء الوحيد الذي تأكدت منه هو أنها كانت أولويته.
لماذا بحق السماء…؟
“كنت خائفًا أن تكوني قد تبنيتِ طفلة غريبة.
لحسن الحظ، يبدو أنها فتاة جيدة.”
“لكن… رويري، أنت ساحر عظيم في برج السحر.”
“صحيح، وماذا في ذلك؟”
“ألست مشغولًا؟”
حاولت ديانا تهدئة نبضات قلبها ونظرت إلى كوب الشاي بلا سبب واضح.
“بالطبع أنا مشغول.”
“ومع ذلك، جئت بنفسك فقط لرؤية طفلة بالتبني…”
“لكن بالنسبة لي، أنتِ أهم.”
اختفت ملامح المزاح من وجه رويري.
أحيانًا كان ينظر إلى ديانا بذلك النوع من النظرات… وكأنه يرى شيئًا بعيدًا جدًا.
رغم كثرة الأسئلة المحيطة به،
فإن رؤيتها لتلك النظرة كانت تجعل عقلها يخلو من أي فكرة.
وكأن ذهنها يصبح أبيض تمامًا.
بدأت صداعها يعود مجددًا عند طرف جبينها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 47"