استمتعوا
“أنتِ، أنتِ…!”
دفعت آيسيل إلى الداخل، ودخلت الغرفة.
ثم جلست على الأريكة في وسط الغرفة،
وقد عقدت ساقاً فوق الأخرى.
نظرت آيسيل إلى أليشيا وهي تبتسم بهدوء،
وكأنها تراقب شخصاً مصدوماً.
دارت أفكار أليشيا بسرعة.
ربما لم يتمكن الساحر من اختطاف آيسيل لأنه أخطأ في التوقيت.
ولو كان الأمر كذلك، فحتى وإن كان ما حدث مؤسفاً قليلاً،
لم يكن هناك داعٍ للارتعاش خوفاً.
“لماذا أنتِ هنا في هذا الوقت المبكر من الصباح…؟”
“لماذا؟ هل تفاجأتِ لأنني عدت سليمة تماماً؟”
لكن يبدو أن ذلك لم يكن سوى أمل لدى أليشيا.
فقد تجمدت تعابير وجه آيسيل وكأنها تعرف كل شيء.
وفي تلك اللحظة، سقط قلب أليشيا من مكانه.
لكنها بلعت ريقها محاولة التظاهر بالبراءة.
“…لا أعرف عمّ تتحدثين.”
“لا تعرفين عمّ أتحدث؟”
بدأت الأرض تحت قدمي آيسيل تتجمد ببطء.
“ما، ما هذا الذي تفعلينه؟!”
“لستُ أنا من قامت بالفعل، بل أنتِ، أليشيا لو بلير.”
وقفت من مكانها وتقدمت نحو أليشيا ببطء.
حاولت أليشيا الإمساك بمقبض الباب لتفر من الغرفة.
لكن حتى المقبض كان قد تجمّد بفعل السحر المنبعث من آيسيل، فلم يتحرك قيد أنملة.
“غريب فعلاً. ما إن أفكر بكِ وبكاثرين، حتى أجد أنني أستطيع استخدام قوتي السحرية بسلاسة.”
“لكنني لم أفعل شيئاً لتتصرفي هكذا…”
“هذا الصباح، جاءت الخادمة وسلمتني شيئاً كهذا.”
أخرجت آيسيل قطعة من الرق من صدرها.
كان يغلفها غشاء رقيق من المانا.
“هل تعرفين ما هذا؟”
“لا، ولا أريد أن أعرف…”
“ستريدين أن تعرفي.”
ابتسمت آيسيل بثقة وقاطعت كلام أليشيا،
ثم رفعت الرق المشدود وبدأت تقرأ ما بداخله.
“أليشيا لو بلير…”
اتسعت عينا أليشيا.
كان ذلك بالتأكيد العقد الذي طلب منها الساحر التوقيع عليه.
“في مقابل قتل آيسيل، ابنة دوق إيرنست…”
“توقفي! توقفي!”
“لماذا؟ إنه ممتع جداً.”
“هذا، هذا مؤكد أنه مزور.
لا أملك حتى المال الكافي لدفع هذا المبلغ…!”
“يا لغبائك.”
خرجت سخرية من فم آيسيل.
نقرت بأصابعها على العقد.
“أنا لم أذكر شيئاً عن المبلغ أبداً… فكيف تعرفين كم هو إن لم تكوني قرأته من قبل؟”
فغر فم أليشيا تلقائياً، ودار نظرها بحثاً عن مخرج.
“يبدو أن الساحر كان بارعاً أكثر مما ظننت.
مع أن الكوخ احترق بالكامل، لم تُمسّ العقود التي كان قد أبرمها.”
حركت آيسيل إصبعها على طول المانا التي تحيط بالعقد.
“كان يغلفها بهذه الطريقة بطبقة من المانا.”
ثم ابتسمت لأليشيا المرتجفة.
“قالوا إنه من النادر أن تبقى المانا موجودة حتى بعد موت صاحبها.”
يا لها من حماقة… لقد دفعت المال،
وفشلت في القتل، والآن انكشف تورطها أيضاً.
والأسوأ من كل ذلك، أن الساحر قد مات! ما يعني أنها لن تستعيد أموالها أبداً.
لكن المشكلة الأكبر الآن هي ذلك العقد.
إن ذهبت آيسيل به إلى ديانا، فستقع كارثة.
ارتجف جسد أليشيا، وهزت آيسيل رأسها ساخرة منها.
“لكنني، على عكسكِ…”
عند كلمات آيسيل، نظرت إليها أليشيا بدهشة.
“سأمنحك فرصة أخرى.”
“فرصة…؟”
“لذا من الأفضل لكِ أن تلتزمي الهدوء لبعض الوقت.”
لكنها لم تكن فرصة حقيقية.
ما دامت لن تقتلها في الحال، أرادت فقط أن تتركها تتعذب.
حتى تتمنى الموت من شدة الانهيار.
“أنتِ تعرفين. الفتيات في سني…”
أغلقت آيسيل العقد بابتسامة.
“يتصفن بالمزاجية.”
“…أوغ.”
“إذاً، سأذهب الآن.”
اختفت المانا التي كانت قد جمدت الغرفة،
ولم تترك وراءها سوى الرطوبة.
فتحت آيسيل الباب وهي تضحك بصفاء.
وابتعد صوت ضحكتها شيئاً فشيئاً عن أذني أليشيا.
انزلقت أليشيا جالسة على الأرض مستندة إلى الحائط.
“تباً…!”
“ما الذي يحدث هنا!”
انفتح الباب المغلق بعنف مرة أخرى.
ودخلت كاثرين إلى الغرفة وهي تغلي من الغضب،
ويبدو أنها صادفت آيسيل في الردهة.
“كاثرين، الأمر هو أن…”
“لقد قلتِ أمس إنها لن تعود أبداً، أليس كذلك؟
فما معنى هذا؟! بل إنها بدت أقوى من قبل!”
كانت تكره منظرها وهي تغادر بحماسة إلى برج السحر،
مما كان يثير الغيظ في صدرها.
ولكن عندما سمعت أن أحداً قد تم توكيله للتخلص من آيسيل، شعرت بفرحة لا توصف.
لكن أن تفشل الخطة؟!
“كل شيء تفعله أمي ينتهي هكذا!
فقط أضعت ماسة ثمينة من مجوهراتي!”
“أنا آسفة يا عزيزتي، فقط…”
“لا داعي! سأفعل الأمور بطريقتي من الآن فصاعداً!”
صرخت كاثرين بصوت عالٍ وخرجت من الغرفة.
وبقيت أليشيا وحيدة، يعلو في الغرفة صوت تنهيداتها العابثة.
لم تعد حياتها بيدها، بل كانت معلقة بين يدي آيسيل.
لم يكن بوسع أليشيا سوى أن تطأطئ رأسها وتلوم نفسها.
***
“أخيراً، اليوم هو اليوم.”
“نعم، أمي.”
كان هذا هو اليوم الذي سيصل فيه الساحر المبتدئ إلى قصر الدوق ليبدأ تعليم الأطفال السحر. أرادت آيسيل أن تصبح أقوى.
حتى تتمكن من حماية نفسها وحدها إذا حاولت أليشيا استهدافها مجدداً.
وفوق ذلك، كان كافياً لكسر غرور كاثرين التي لا تملك ذرة من المانا.
“سيكون الأمر ممتعاً للغاية، خاصة عندما تبدأ بالتصرف بعناد.”
“أظهري قوتك الحقيقية. يا ابنتي الحبيبة، آيسيل.”
نظرت ديانا إلى آيسيل التي كانت تبدو واثقة، وهي تبتسم بحب، ثم مررت يدها بلطف على شعرها الأشقر البلاتيني.
هكذا، كانت نظرات ديانا وهي تحدق في آيـسيل تنطوي على شيء من الحزن. ضغطت شفتيها بإحكام.
ربما لم تكن مؤهلة لتكون أماً.
فهي قد زرعت في قلب ابنتها بذور انتقام مظلمة،
نمت أولًا في قلبها هي.
ديانا كانت تعلم. جميع أفعال البشر، في النهاية، تعود إليهم.
مثلما بدأت أفعال أليشيا وكاثرين تعود إليهما الآن.
ربما سيعود يومًا هذا الانتقام المملوء بالحقد أيضًا إلى ديانا وآيـسيل.
ولكن، لأن آيـسيل قد اختبرت جراح الماضي مسبقًا، فهي،
إن استطاعت، كانت تود أن تتحمل كل الشرور القادمة بنفسها.
“أمي…؟”
“نعم، آيـسيل.”
عندما رأت آيـسيل ملامح وجه والدتها القلقة،
رفعت يدها لتلمس وجنتها بلطف.
“لا تقلقي.”
قالت وكأنها تقرأ ما في قلب ديانا.
“أنا لست بذلك الضعف.”
“آيـسيل…”
“لن أسمح بأن أتأذى مجددًا. لا في الحاضر، ولا في المستقبل.
ما عانيته من أليشيا وكاثرين في الماضي كان كافيًا.”
شدّت آيـسيل قبضتيها بقوة.
لم تكن تعرف ما الذي تفكر فيه كاثرين لتطلب دروس السحر،
لكنها لم تكن تنوي أن تُستَغل منها بأي حال.
كيف أُلقّنك درسًا يجعلك تستفيقين يا كاثرين…
رفعت آيـسيل طرف شفتيها بابتسامة خفيفة.
على الأقل، في هذا اليوم، لم يكن بوسع كاثرين فعل أي شيء.
فهي لا تملك ذرة واحدة من الطاقة السحرية.
أمسكتا بأيدي بعضهما البعض وتوجّهتا إلى الحديقة.
كانت كاثرين وأليشيا قد وصلتا قبلهما وتنتظران هناك.
نظرت آيـسيل بهدوء نحو أليشيا.
فتجنبت أليشيا نظراتها وهي تمسح العرق البارد عن جبينها.
“أوه، أليشيا. ما الذي جاء بك إلى هنا؟”
سألتها ديانا متظاهرة بعدم العلم بشيء.
لكن نظرات ديانا وهي تحدق في من حاولت قتل ابنتها كانت تفيض بعنف لا يمكن إخفاؤه. حاولت أليشيا إخفاء توترها بينما أجابت:
“آه، الآنسة قالت إنها تريد أن تُظهر جانبها الرائع، فجئت لأشاهد.”
رغم التهديدات التي تعرضت لها من آيـسيل،
يبدو أنها ما زالت قلقة على كاثرين.
“حقًا؟ فكرة جميلة.
ابنتي الحبيبة كاثرين ستظهر حتمًا جانبها المذهل، كما تعلمين.”
قالت ديانا وهي تنظر إلى كاثرين بطرف عينها.
لكن، بشكل مفاجئ، لم تكن كاثرين خائفة أو متوترة على الإطلاق.
بل كانت ترفع كتفيها بثقة وترسم على وجهها نصف ابتسامة.
ما الذي تخططان له؟ تبادلت ديانا وآيـسيل نظرات سريعة.
فعلاً، لم يكن من المنطقي أن تحضر أليشيا وكاثرين إلى هنا دون خطة.
أرسلت ديانا نظرة تحذيرية،
ففهمت آيـسيل الإشارة وأومأت برأسها دون أن تنطق.
“أنا متحمسة، كاثرين. أخيرًا حان وقت إظهار الطاقة السحرية التي ورثتها عن أمك.”
“وأنا كذلك، أمي. سأجتهد لأتجاوز اختبار الساحر المبتدئ.”
قالت كاثرين بصوت مشوب بالدلال وهي تؤدي دور الابنة المحبوبة.
ورغم سذاجة تمثيلها،
حافظت ديانا على ابتسامتها دون أن تُظهر أي استياء.
“فلنبذل جهدنا، كاثرين.”
اقتربت آيـسيل من كاثرين ومدّت يدها نحوها.
تحدّقَت كاثرين في يدها لبرهة، ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة.
“حسنًا، أختي. انسَي أفعالي الطائشة في الماضي،
لقد ندمت كثيرًا خلال فترة انضباطي.”
رفع ديانا وآيـسيل حاجبيهما مفاجأتين من ردّ كاثرين غير المعتاد. كانت تبدو أكثر هدوءًا وثقة.
لطالما كانت تثور وتنفجر كوحش فاقد للعقل كلما غضبت،
لكنها الآن بدأت تتصرف مثل البشر.
رفعت ديانا زاوية فمها بسخرية خفية.
“يبدو أنك تأملت كثيرًا، كاثرين.”
“نعم، أمي. أريد أن أكون على وفاق مع أختي.”
“أحسنتِ التفكير. فآيـسيل تحمل دماء بريتشي ‘تمامًا مثلك’.
عليك الاعتراف بها كأختك.”
شددت ديانا عمدًا على عبارة ‘تمامًا مثلك’.
وفي لحظة، ارتجف فم كاثرين قليلًا.
لكنها سرعان ما أخفت تعابير وجهها.
همم… آيـسيل كانت تمس ذقنها بدهشة خفيفة.
تذكرت كتابًا قرأته في مكتبة منزل الماركيز،
كان يتحدث عن تطور الوحوش.
هل هذا هو ما يُسمى بالتطور؟ ضحكت آيـسيل في سرها،
ثم أعادت ترتيب تعبير وجهها وهي ترى رجلًا يقترب من بعيد.
لا بد أن ذلك الرجل هو المعلم الجديد الذي سيُدرّسها ويُدرّس كاثرين من هذا اليوم.
“أهلًا بك.”
كانت آيـسيل أول من رآه،
فرفعت أطراف فستانها بكل أناقة وانحنت مرحبة.
اقترب الرجل، الذي كانت هيئته بسيطة، بخطى ثابتة نحوهم.
ثم حيّا الانسات اللواتي كن مجتمعات هناك بابتسامة خفيفة.
“مرحبًا، يا آنساتي الصغيرات.”
كان هذا الرجل هو ساحر مبتدئ جاء بتوصية من رويري.
نظرت إليه ديانا بتمعّن وهي تميل رأسها قليلاً.
كان يملك شعرًا بنيًا عاديًا وملامح لا تترك أي انطباع مميز.
لكن، لسبب ما، شعرت ديانا بأنها قد رأته من قبل.
“أنا رييل.”
رييل؟ بينما كانت ديانا تتساءل بسبب الاسم المألوف،
غمز الرجل بعينه نحوها.
فتحت ديانا فمها ببطء.
لم يكن ذلك الساحر بتوصية من رويري…
بل كان هو رويري نفسه.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 46"