استمتعوا
“كاثرين!”
ما إن عادت أليشيا إلى القصر،
حتى هرعت مباشرة إلى غرفة كاثرين.
“آه! لقد أفزعتني! ما الأمر؟”
قفزت كاثرين من مكانها بوضوح وقد أغلقت الكتاب الذي كانت تقرأه.
“الأمر عاجل. آسفة، لكن هل تملكين بعض الذهب أو المجوهرات التي كنت تدخرينها؟”
“ماذا؟”
تجهم وجه كاثرين على الفور، وعبرت بوضوح عن انزعاجها.
لم تكتفِ والدتها بأنها لم تقدم لها أي هدية،
بل تطلب الآن منها ما تملكه من ذهب ومجوهرات.
الغضب تصاعد في داخلها.
“ولماذا تحتاجينها؟”
انفلت لسانها على غير إرادة منها بنبرة حادة.
“قلت لك إنه أمر بالغ الأهمية!”
صاحت أليشيا بلهفة.
كان لا بد من دفع المبلغ قبل وصول الساحر إلى القصر للتخلص من آيسيل.
وبالرغم من أنهما كانتا وحدهما في الغرفة،
اقتربت أليشيا من أذن كاثرين وهمست لها.
“وجدت طريقة للتخلص من آيسيل.”
“……آيسيل؟”
برقت عينا كاثرين عند سماع ذلك.
كانت واثقة من أنها لن تخسر أمام تلك الفتاة،
لكن لو ماتت آيسيل، فذلك سيكون أفضل.
فتاة نشأت بطريقة مبتذلة، وتجرؤ على التصرف وكأنها نبيلة متألقة، وتزعجها في كل حين.
لقد كانت مثيرة للاشمئزاز، إلى درجة أن كاثرين أرادت قتلها حقاً.
نظرت بثبات إلى أليشيا، تنتظر جوابها.
عندها أجابت أليشا بصوت متحمس وواثق:
“نعم، وجدت الشخص المناسب تمامًا.
شخص متخصص في مثل هذه الأمور.”
“……وتحتاجين المال لتنفيذ الأمر، أليس كذلك؟”
“نعم، وبأسرع وقت ممكن.”
نهضت كاثرين من مكانها، وأخرجت صندوق المجوهرات من فوق طاولة الزينة ووضعته على الطاولة.
فتحت أليشيا الصندوق الفاخر المزين بالجواهر الصغيرة هنا وهناك.
وكانت داخله مجوهرات بألوان وأنواع متعددة، تتلألأ ببريقها الخاص.
لكنها كانت تعلم أن هذا وحده لا يكفي.
لا بد من اقتراض المال، حتى من المقرضين.
أجل، عليها أن تفعل.
أغلقت فمها بحزم وقد اتخذت قرارها.
لكن كاثرين لم تتوقف.
ذهبت نحو خزانة الملابس حيث تتدلى الفساتين،
وأخرجت صندوقًا من إحدى الزوايا.
سألتها أليشيا وهي تميل برأسها في حيرة:
“ما هذا الصندوق؟”
“إنه صندوق جمعته من الأشياء التي ورثتها عن جدي.”
كانت مجوهرات فائقة الجودة ادخرتها لتستخدمها في حالات طارئة.
لم تكن تتخيل أنها ستستخدمها في مثل هذا الموقف.
“رغم أنها طفلة، فإن القضاء على ساحرة يكلف الكثير.”
“أنتِ حقاً ابنتي! كنت أنوي اقتراض المال من السوق السوداء.”
ابتسمت أليشيا بإعجاب وهي تنظر إلى كاثرين التي كانت تتحدث بثقة وحزم.
ثم فتحت الصندوق الذي جلبته كاثرين.
وكانت بداخله مجموعة من القلائد، والأقراط، والخواتم،
مرصعة بأفخر أنواع الألماس المستخرج من مناجم بيريشتي.
بهذه المجوهرات، لن تكون هناك مشكلة في دفع الثمن.
انعكس بريق الألماس الخلاب في عيني أليشيا.
“هذا يكفي، بل أكثر من كافٍ!”
ضحكت أليشيا بسعادة لم تعهدها منذ مدة طويلة.
فمنذ عودة آيسيل، لم تذق طعم النوم بسبب القلق والتوتر.
أغلقت الصندوق وسحبته نحوها.
لكن يد كاثرين أوقفتها.
تحدثت بنبرة باردة:
“أمتأكدة من أن آيسيل سيتم التخلص منها فعلاً؟”
“بالطبع، إنه ساحر من برج السحر. طبيعي أن يتمكن من ذلك.”
“……هاه، خذيه إذن.”
أبعدت كاثرين نظرها بصعوبة عن الصندوق وهي تشعر بالأسى.
عانقت أليشيا الصندوق بقوة.
هذا الألماس بداخله، سيحمي ابنتها من آيسيل الخبيثة.
“شكراً لك يا كاثرين. سأذهب الآن لإرساله.”
“نعم، يا أمي.”
غادرت أليشيا الغرفة بخطوات مبتهجة وهي تحمل الصندوق.
ثم قامت بلفه في قماش حريري جميل وأرسلته إلى الساحر.
لم يتبقَ الآن سوى تحديد توقيت اختطاف آيسيل.
كي يتمكن الساحر من تنفيذ العملية بسهولة،
كان لا بد أن تخرج آيسيل بمفردها.
يجب ألا تخرج مع ديانا على الإطلاق.
فحتى لو كان ساحرًا من برج السحر، فإن مواجهة اثنتين من الساحرات قد يصعب الأمر، ويعرضه للفشل.
وفي تلك اللحظة، لمعت فكرة جيدة في ذهن أليشيا.
رفعت زاوية شفتيها بعينين لامعتين.
***
“آنستي، لقد وصلكم خطاب من برج السحر.”
“من برج السحر؟”
تناولت آيسيل الرسالة من يد شين، وبدأت تقرأ محتواها بتمهل.
“يقولون إنهم سيسمحون لنا بزيارة البرج.”
“زيارة؟”
“نعم. إنها فعالية ينظمونها للأطفال الذين يملكون طاقة سحرية.”
وضعت آيسيل الرسالة فوق المكتب، وانغمست في التفكير.
قريبًا، ستبدأ في تعلم السحر بشكل صحيح،
وربما تحصل على شهادة ساحرة مبتدئة.
وإذا حصلت على هذه الشهادة،
سيكون بإمكانها اختيار أن تصبح ساحرة في برج السحر.
لم تكن قد قررت بعد ما الذي تريده لمستقبلها.
لكن زيارة البرج كانت من الأمور التي رغبت في القيام بها منذ زمن.
“هل وصلت رسالة إلى كاثرين أيضًا؟”
“لا، الرسالة وصلت فقط إليك.”
ابتسمت آيسيل ابتسامة خفيفة عند سماع ذلك.
إن أخبرت كاثرين أنها وحدها من زارت برج السحر،
فمن المؤكد أن تلك المتغطرسة ستغضب بشدة.
قررت آيسيل أنها لا بد أن تذهب إلى البرج هذه المرة.
“سأتحدث مع والدتي. لطالما رغبت في زيارة البرج.”
“صاحبة السمو على الأرجح ستوافق.”
“نعم، لكن من الأفضل الحصول على الإذن.”
ابتسمت آيسيل لشين وهي تحمل الرسالة وركضت مسرعة نحو غرفة ديانا.
“أمي!”
“أوه، آيسيل.”
رحبت ديانا بابنتها آيسيل بسعادة عندما دخلت إلى غرفتها.
“ما الأمر؟”
“وصلني خطاب من برج السحر!”
“خطاب؟”
بدأت تقرأ ببطء الخطاب الذي قدمته لها آيسيل.
كان يتضمن دعوة من برج السحر لآيسيل.
كان عبارة عن نوع من الرحلات الاستطلاعية للأطفال الذين يمتلكون قوى سحرية.
وبينما كانت تفكر، تذكّرت ديانا أنها أيضاً زارت برج السحر في طفولتها.
عندما تلقت الخطاب حينها،
كانت سعيدة جداً وأقامت حفلاً صغيراً مع أليشيا.
في ذلك الوقت، هنأتها أليشيا من صميم قلبها.
لا، كانت تتظاهر بأنها تبارك لها.
لكنها الآن فقط أدركت مشاعرها الحقيقية.
“هل يمكنني الذهاب؟”
قالت آيسيل وهي تومض بعينيها الزمرديتين المشرقتين وكأنها جوهرة، حتى أن عينيها بدتا وكأن غباراً ذهبياً ينبعث منهما.
نظرت إليها ديانا بحب بالغ ثم ابتسمت وأومأت برأسها.
لم يكن هناك سبب يمنع ذهابها إلى البرج.
فهي أيضاً، عندما كانت في سنها، كانت تلمع عيناها أمام عالم جديد بعيداً عن المجتمع الأرستقراطي.
كان شعوراً غريباً.
أن يكون الشيء الذي أسعدها في طفولتها هو ما يسعد ابنتها الآن.
ذلك الشعور الغريب، جعل قلبها ينتفخ بلطافة كغيمة من القطن.
“بالطبع. اذهبي واستمتعي.”
“ياااااهو! أنا سعيدة جداً! هذه أول مرة أخرج فيها!”
عند سماع تلك الكلمات، تجمدت ملامح وجه ديانا في لحظة.
في الواقع، لم تخرج آيسيل من منزل الماركيز بريتشي أو قصر دوق إيرنست من قبل.
لم تكن ديانا قد فكرت في ذلك مسبقاً.
لقد كانت حياة هذه الطفلة محدودة وضيقة للغاية.
“أوه، آيسيل…”
فاض الحزن من أعماق قلب ديانا، واحتضنت آيسيل بشدة.
شعرت آيسيل بالندم على ما قالته دون تفكير.
لم تكن تقصد أن تُحزن والدتها أبداً.
“أمي، لا بأس! حقاً…”
احتضنت آيسيل ديانا بكلتا يديها، وأمسكت وجهها بلطف.
بدا أن ديانا على وشك البكاء.
“أمي… لا تبكي… هذا يؤلمني أكثر…”
دموع ديانا كانت تؤلمها أكثر من أي شيء آخر.
كانتا تمثلان كل شيء لبعضهما البعض.
وكانتا توبّخان نفسيهما دائماً لأنهما لم تستطيعا حماية بعضهما البعض.
“ليس هذا خطأك يا أمي…”
المآسي التي أصابتهما لم تكن أبداً نتيجة أخطائهما، بل بسبب أولئك الأشرار الذين لم يفكروا إلا في مصلحتهم الخاصة.
“نعم… سأريكِ أماكن أفضل وأجمل في المستقبل.
وعندما ينتهي كل شيء… هل تذهبين معي لرؤية البحر؟”
“البحر؟ أحب ذلك كثيراً!”
“يقال إن في الجنوب شاطئ يشبه لون عينيك تماماً.”
“لنأخذ جدي معنا أيضاً.”
قالت آيسيل بمرح وهي تمسح دموع والدتها بيدها الصغيرة.
“نعم، يا طفلتي الطيبة.”
عانقتها ديانا مرة أخرى بكل ما تملك من حب.
تعهدت في نفسها بأنها لن تفرط بابنتها أبداً مرة أخرى.
***
في اليوم التالي،
كانت ديانا أكثر حماساً من آيسيل وهي تجهزها لأول نزهة لها.
“خذي هذا معك، قد تحتاجينه.”
وضعت الكثير من القطع الذهبية في حقيبة صغيرة وقدمتها لآيسيل. لكن آيسيل هزت رأسها نافية.
“أوه لا، لا حاجة للنقود في برج السحر، أمي.”
“لكن ربما تشعرين بالجوع في الطريق.
إن أردتِ أن تأكلي شيئاً أو تشترين شيئاً، خذيه.”
“واو، إذاً هذا يعني أنني أستطيع التوقف في المدينة أيضاً؟”
ابتهجت آيسيل، واحمر وجهها من السعادة.
فضحكت ديانا ولمست طرف أنفها بمزاح.
“بالطبع.”
“يااااه، هذا ممتع!”
أمسكت آيسيل بطرف فستانها وبدأت تدور في مكانها.
بدا أنها سعيدة للغاية.
شعرت ديانا بالأسف لأنها لم تكن تهتم بها بهذا الشكل من قبل.
خرجت ديانا برفقة آيسيل إلى الخارج.
عند المدخل، كانت هناك عربة فاخرة قد أُعدت خصيصاً لها.
“واو، هذه أول مرة أرى مثل هذه العربة!”
“إنها أفضل عربة نملكها في المنزل.
لقد طلبت تجهيزها خصيصاً لك.”
كانت تلك العربة الوحيدة من نوعها في منزل إيرنست.
جاءت بها ديانا عندما تزوجت من كاليبسو.
ورغم أنها ليست جديدة، إلا أنها كانت تلمع وكأنها كذلك.
فالعربة صُنعت من خشب مسحور لا يتآكل ولا يتهالك أبداً.
وكانت مقاعدها مصنوعة من المخمل الفاخر،
وتحتوي على ثلاجة صغيرة تعمل بالسحر.
لهذه الأسباب، كان كاليبسو يستخدمها فقط عند ذهابه إلى القصر الإمبراطوري.
“شكراً، أمي!”
قبلت آيسيل خد ديانا، ثم صعدت إلى العربة بخطى مرحة.
“انتظري لحظة.”
بدأت ديانا تنظر حولها وكأنها تنتظر أحدهم.
وسرعان ما رأت بليندا تركض نحوهما من بعيد.
كانت ترتدي فستاناً، على غير عادتها في ملابس الخادمات.
“أنا آسفة، سيدتي.
قالت شين إن عليّ ارتداء فستان عندما أخرج مع الأميرة.”
بدت بليندا غير مرتاحة في ملابسها الجديدة.
فضحكت ديانا بلطف وهي تنظر إليها.
“تبدين جميلة.”
“لا تقلقي، سأحمي الأميرة بنفسي.”
كانت تضع سيفاً طويلاً حول خصرها،
لا يتناسب أبداً مع الفستان الذي ترتديه.
“بالطبع. أرجوكِ، اعتني بآيسيل.”
عندما صعدت بليندا إلى العربة أيضاً،
اقتربت ديانا من آيسيل وقبلت جبهتها.
“استمتعي، آيسيل.”
“نعم، لا تقلقي. سأكون مطيعة وسأقضي وقتاً ممتعاً.”
“جيد.”
ابتسمت ديانا بهدوء وهي تغلق باب العربة ببطء.
فتحت آيسيل النافذة ولوّحت لها بيدها.
ولوّحت ديانا لها حتى اختفت العربة عن الأنظار.
بما أن بليندا ذهبت معها، فلا بد أن كل شيء سيكون على ما يرام.
نعم، لن يحدث شيء.
ظنّت ديانا أن القلق على ابنتها في أول نزهة هو أمر طبيعي،
ثم عادت إلى القصر.
لكنها لم تكن تعلم… أن أحدهم كان يراقبها بخبث من شرفة غرفته.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 41"