استمتعوا
“ههيك…”
“أوه، آلي، لا تقلقي. سأجهز لك كل شيء.”
كانت قديسة بريتشي هدفاً مثالياً للاستغلال.
الشيء الوحيد الذي تركه والد أليشيا لها بعد وفاته،
من دون أن يورثها أي ممتلكات تُذكر، كان ديانا.
ديانا كانت تملك قلباً طاهراً كملامحها الملائكية.
كل ما كانت تحتاجه أليشيا لتكسب تعاطفها هو دموع بسيطة في عينيها.
بمجرد أن تبكي قليلاً،
كانت ديانا تواسيها بوجه حزين كأنها تعاني من ألم العالم كله.
لقد دفعت لها أقساط دراسة الطب، وكانت تعيرها الفساتين والمجوهرات كلما أرادت حضور حفلة في القصر الإمبراطوري أو حفل شاي، بل وأحياناً كانت تهديها تلك الأشياء دون مقابل.
وببيع تلك الفساتين والمجوهرات، استطاعت أليشيا بالكاد أن تدير أمور منزل البارون وتبقي على الحد الأدنى من الخدم.
لكن ديانا لم تكن مفيدة فقط من هذه الناحية.
كانت تصطحبها معها إلى كل مكان، لذا حتى وإن كانت مجرد ابنة بارون، لم يكن بإمكان بنات النبلاء الآخرين معاملتها بازدراء.
لو لم يكن لديها هذه الحماية المتمثلة في ديانا، لما تمكنت من التواصل مع فتيات الطبقات الرفيعة على الإطلاق.
على الأرجح، كانت ستجلس في الزوايا مع بنات البارونات القادمات من الأرياف أو بنات البارونات أمثالها، ويتحدثن في أحاديث بلا فائدة.
رتبة البارون لا تعني أكثر من ذلك.
لكن أليشيا لم تكن ترى نفسها مثل والدها.
فهو كان يتذلل للمركيز، أما هي فكانت ذكية تستغل سذاجة هذه الفتاة الغبية بذكاء ودهاء.
مسحت أليشيا دموعها بمنديل وهي تواصل بكاءها.
“لا يمكنني… في حفل الشاي السابق أعرتِني الفستان والمجوهرات، ولا يمكنني التسبب بمزيد من المتاعب هذه المرة.”
أمسكت ديانا بيدها بإحكام وهزت رأسها رفضاً.
“أنتِ أعز صديقاتي، هذا لا يُعد شيئاً صعباً، آلي.”
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتي أليشيا وهي تبكي رأسها منحنٍ.
لكن وجهها كان مخفياً تحت شعرها، لذا لم ترَ ديانا تلك الابتسامة.
أخرجت ديانا عدة فساتين جديدة من خزانتها، ووضعت معها مجوهرات متناسقة، وفرشتها جميعاً على السرير.
“اختاري، آلي.”
“أنا… سأرتدي ما تختارينه لي.
لا يمكنني أن أختار من بين هذه الأشياء الجميلة.”
“همم… لكن بما أنني أعطيكِ شيئاً،
أريد أن أعطيكِ ما يعجبك فعلاً.”
كتمت أليشيا ضحكتها بصعوبة.
كم هو رائع أن تتصرف كما تريد تماماً.
كانت ديانا تبدو كدمية بين يديها، تتحرك كما تشاء.
“إذاً، اللون الوردي والأزرق هما المفضلان لديك، أليس كذلك؟”
“ها؟ لا، آلي، أنتِ أيضاً تحبين اللون الوردي.”
“لكن اللون الوردي هو لونكِ المفضل، آنستي.”
“مهما أحببت اللون الوردي، فلن أحبّه بقدر ما أحب صديقتي.
إذاً لنأخذ هذا.”
طوت ديانا الفستان الوردي المزخرف بحجر الروز كوارتز والكريستال وقدّمته لها بلطف.
ثم بدأت تغني بخفة وهي تختار المجوهرات التي تناسب الفستان.
وضعت القلادة والأقراط في صندوق مجوهرات جميل،
ثم ابتسمت وهي تعطيه لأليشيا.
ولأن ذوق ديانا راقٍ جداً،
فإن مجرد ارتداء هذا الطقم كافٍ ليمنع الآخرين من التقليل منها.
“هاكِ، خذيه، آلي.”
“حقاً… لا أصدق أن لدي صديقة مثلكِ. ما زلت غير مصدقة.”
احتضنت أليشيا الفستان والمجوهرات وكأنها كنز لا يقدر بثمن.
“وأنا أيضاً. مساعدتي لكِ هي أكبر سعادة لي.”
اختارت اللون الوردي عمداً، رغم معرفتها بأنه اللون المفضل لديانا.
لأنها كانت متأكدة من أن هذه القديسة ستتنازل لها عنه بكل رضا.
بينما كانت ديانا تجد سعادتها في مساعدة أليشيا،
فإن أليشيا كانت تجد سعادتها في أخذ كل ما تحبه ديانا.
وضعت أليشيا الفستان والمجوهرات التي أعطتها إياها ديانا أمام الباب. وعندما استدارت ببطء، لفت نظرها ظرف رسالة على الطاولة.
كان الظرف مفتوحاً كأن أحدهم كان يقرأه، وممتلئاً بسطور مكتوبة بخط منمق. كانت هناك كلمة واضحة بينها: ‘زواج’.
ارتفع حاجب أليشيا.
تذكرت حين كانت تدخل قصر الماركيز،
أنها سمعت الخدم يتحدثون عن زواج ديانا القريب.
استدارت ببطء نحو ديانا وسألتها:
“بالمناسبة، هل صحيح أنكِ ستتزوجين قريباً؟”
احمرّت وجنتا ديانا بلطف.
وعندما رأت ذلك، شعرت أليشيا بغيرة موجعة.
لا شك أنها ستتزوج من إحدى العائلات النبيلة الرفيعة.
“نعم، كنت سأتحدث معكِ بالأمر اليوم… صحيح.
إنه زواج سياسي، لكن…”
أجابت ديانا بخجل.
كادت غيرتها أن تظهر على وجهها،
لكنها تمالكت نفسها وسألت ببرود مصطنع:
“ومن هو الطرف الآخر؟”
“إنه دوق كاليبسو من عائلة الدوق إيرنست.”
عائلة الدوق إيرنست.
حتى أليشيا سمعت بها من قبل.
لم تكن تعرف التفاصيل،
لكنها كانت تعلم أنها عائلة نبيلة تمتزج بدم ملكي.
“هل قابلته من قبل؟”
“نعم. إنه شخص جيد. قال إنه سيحترمني دائماً.”
احترام؟ يا للسخافة.
الزيجات بين النبلاء كلها متشابهة.
كانت تتم بقرارات الأهل ولا مكان للحب فيها.
ديانا ليست استثناء.
حتى لو كانت قديسة، فلن يكون زوجها مثالياً.
بالتأكيد سيكون بديناً وبشعاً.
لم تستطع أليشيا إخفاء عبوس شفتيها.
لكنها سرعان ما تداركت تعبيرها.
لا يمكن أن تُكشف مشاعرها الحقيقية تجاه ديانا أبداً.
بالطبع، تلك الحمقاء لن تلاحظ شيئاً.
سخرت أليشيا في نفسها من براءة ديانا،
التي كانت تضحك دون أن تعرف أن أمامها شخصاً يحتقرها.
“أنا فضولية. أود أن أعرف كيف هو.”
ديانا أمالت رأسها قليلاً كأنها لم تفكر في ذلك من قبل،
ثم صفقت يديها فجأة وقالت:
“آه، بالمناسبة، الدوق سيأتي إلى القصر غداً.”
“غداً؟”
“نعم. تعالي إلى القصر غداً. هو سيكون زوجي، ومن الطبيعي أن أقدمه لأقرب صديقاتي، أليس كذلك؟ ستأتين، أليس كذلك؟”
سألتها بابتسامة أنقى من ضوء الشمس.
كانت ساحرة لدرجة أبهرت النظر.
بجانب ديانا، شعرت أليشيا كأنها مجرد ظل. ظل مظلم وبارد.
فجأة اجتاحها غضب داخلي.
إلى متى ستعيش هكذا، كدورٍ ثانوي؟
أجابت بصوت منخفض:
“…حسناً. سأكون هنا في نفس الموعد غداً.”
“نعم! لا أطيق الانتظار حتى الغد!”
عانقت ديانا أليشيا بقوة.
عندها فقط أزاحت أليشيا قناعها، وكشفت عن وجهها الحقيقي.
وجه يحتقر تلك الفتاة الغبية التي تعتبرها صديقتها.
***
“آلي، هذا هو.
سمو الدوق، هذه هي صديقتي المقربة أليشيا لو بلير.”
“تشرفت بلقائك، آنسة بلير.”
بمجرد أن رأت كاليبسو واقفاً أمامها،
انفتح فم أليشيا من تلقاء نفسه.
لم تستطع أن تبعد عينيها عنه.
شعره الفضي بدا وكأنه مضاء بضوء القمر،
وعيناه الأرجوانيتان تلمعان كأنهما ياقوتتان.
قامته الطويلة وكتفاه العريضان… كان مثالاً للجمال الذكوري.
كم كانت تصلي في داخلها ألا يكون زوج ديانا رجلاً مثالياً…
لكن أن يكون بهذا الجمال؟
رمشت أليشيا سريعاً، وانحنت بخجل لتحيّيه.
“آه، نعم… أنا أليشيا لو بليير، يا صاحب السمو.”
“ألم تكن المسافة طويلة عليك؟”
“من أجل رؤيتكِ، هذه المسافة لا تُذكر.
لم تكن متعبة على الإطلاق.”
كان صوته دافئاً ولطيفاً.
مرر يده بلطف على شعر ديانا وهو ينظر إليها بعينين قلقتين.
ديانا وكاليبسو… بدَوا وكأنهما لوحة فنية.
هل هذه هي الصورة التي تخرج من قصص الأميرات والأمراء؟
حتى لون شعرهما،
الأشقر والفضي، كانا متناغمين بشكل مدهش.
فجأة شعرت أن شعرها البرتقالي يبدو باهتاً ومتواضعاً.
عضّت على شفتيها.
يا لها من امرأة محظوظة.
زواج مدبَّر، ومع ذلك قابلت رجلاً أنيقاً ومهيباً كهذا.
“هل يمكنني دعوتك إلى قصر الدوق بعد الزواج أيضاً؟”
“إذا كنتِ ترغبين بذلك.”
ابتسم كاليبسو ابتسامة خفيفة.
وخفق قلب أليشيا بجنون وهي تنظر إليه.
اشتعلت رغبتها تجاه كاليبسو.
أرادته بجنون.
كانت تكره ديانا من قبل، لكنها الآن شعرت بكراهية حارقة جعلتها تتمنى زوالها، فقط لأنها تجلس إلى جانبه.
هل كان ذلك غيرة من ديانا؟
أم أنها وقعت في حبّه من النظرة الأولى؟
لم تستطع أليشيا التعبير بدقة عن مشاعرها.
لكنها كانت متأكدة من شيء واحد فقط: أنها تريده. هذا فقط.
كيف يمكنها إغواؤه؟
إن كانت تنوي سرقته من ديانا، فلابد أن تستغل هذه اللحظة،
بينما لا يوجد بينهما أي مشاعر بعد.
بدأ عقل أليشيا يعمل بسرعة.
وفجأة، بدت وكأنها تذكرت شيئاً وهي ترفع حاجبيها وتتحدث بنبرة متعجبة.
“الشاي تأخر. سأذهب وأسأل عنه.”
“لا، ألي. لا يمكن أن أسمح للضيفة بأن تتكلف بذلك. سأذهب أنا.”
كما هو متوقع.
ديانا لم تكن أبداً لتكلفني بأمر كهذا.
نهضت ديانا بسرعة وفتحت الباب وخرجت.
الآن، لم يبقَ في الغرفة سوى كاليبسو وأليشيا، فقط.
“الغرفة حارة قليلاً.”
بدأت أليشيا تلوّح بيدها وكأنها تروّح عن نفسها،
ثم سحبت فستانها قليلاً للأسفل.
وظهر خط صدرها الممتلئ بوضوح.
أدار كاليبسو وجهه جانباً كأنه فوجئ أو خجل.
الرجال جميعهم متشابهون.
حتى إن تظاهروا بالرزانة، فإنهم ينجذبون في النهاية لجسد المرأة.
تنهدت أليشيا بعمق متعمدة،
ثم قالت بصوت ناعم وملفوف كأنها تغويه:
“هل يمكنني فتح النافذة قليلاً؟”
“… تفضلي.”
رفعت أليشيا أطراف فستانها أعلى من المعتاد عمداً،
لتظهر ساقيها الناعمتين.
لم يعرف كاليبسو أين يوجّه نظره، فتلفّت بتوتر.
رفعت أليشيا زاوية فمها بابتسامة خفيفة وفتحت النافذة.
وما إن فتحتها، حتى اندفع الهواء إلى الداخل.
“آه، منعش.”
فتحت ذراعيها وكأنها تستقبل الرياح، تنفست بعمق،
ثم عادت تسير ببطء نحو مكانها.
وتعمّدت أن تدوس على طرف فستانها.
“آه…!”
انزلقت أليشيا وهي تدوس على فستانها،
وسقطت مباشرة في حجر كاليبسو.
“أوه…”
من دون أن يشعر، أمسك كاليبسو بخصرها بقوة.
والتقت عيناه بعينيها.
“اهم، هل أنت بخير؟”
تنحنح وهو يسحب يده المرتبكة من خصرها بسرعة.
“بالطبع. بفضلك يا صاحب السمو،
أمسكتَ بي في الوقت المناسب.”
رفرفت برموشها وهي تبتسم بعينين مغمضتين قليلاً.
ثم نهضت ببطء، ومررت يدها بلطف على فخذه.
وفي تلك اللمسة المثيرة، تزعزعت نظرات كاليبسو واهتزت.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 38"