استمتعوا
عادت كاثرين إلى غرفتها ودفنت وجهها في اللحاف وبدأت تبكي بحرقة.
وبسبب العقوبة، أعلنت ديانا أنها ستخصص معلم الموسيقى فقط لآيسيل.
لم يستمع أحد إلى ما تقول.
كانت على وشك أن تجن من شدة الظلم.
راحت تضرب الوسادة المظلومة بقبضتيها،
لكن ذلك لم يكن ليهدئ من غضبها.
كان وجه آيسيل، الذي كان يبتسم ببريق وكأنه مشبع بالضوء، يتراقص أمام عينيها.
ذلك الوجه الذي كان يلمع لدرجة جعلتها تتمنى أن تمزقه إرباً.
“آاااه!”
قبضت كاثرين على طرف اللحاف المبلل بالدموع بإحكام ودفنت شعورها بالظلم داخله حتى لا يخرج للخارج.
ارتفعت وانخفضت كتفاها من شدة النحيب.
وبينما كانت تبكي هكذا طويلاً،
وصل إلى أذنيها صوت فتح باب الغرفة.
رفعت أذنيها باهتمام، متمنية أن يكون والدها.
تسرب إليها أمل كاذب بأن والدها ربما شعر بالندم على ما فعله، ولهذا أتى إلى غرفتها.
أصوات خطوات ثقيلة كانت تقترب منها تدريجياً.
قررت كاثرين ألا ترفع رأسها أبداً.
كان ذلك الحد الأدنى من كرامتها.
لكن، بخلاف ما توقعت، من دخل الغرفة كانت أليشيا.
“هاه…”
وصل صوت تنهد أليشيا إلى أذني كاثرين.
“ماذا كنتِ تفكرين بحق السماء…!”
جلست على حافة السرير،
وأمسكت بكتف كاثرين التي لم تتحرك قيد أنملة، ورفعتها.
كانت عينا كاثرين قد تورمتا تماماً.
“كاثرين!”
كان مزيجاً من مشاعر الشفقة والرغبة في التوبيخ.
كانت قد حذرتها من أن تُظهر مشاعرها،
لكنها تسببت في كارثة من جديد.
بعيداً عن ديانا،
كان من غير المسموح أبداً الخروج من قلب كاليبسو.
“لا تصرخي…”
همست كاثرين بصوت مبلل وهي تترك كتفيها ينخفضان.
“حتى أنتِ، أمي…”
تلك الكلمات المؤلمة هزت قلب أليشيا.
منذ عودة آيسيل، بدا أن كل شيء قد انهار.
ما بنته أليشيا بصبر، بدا وكأنه قلعة من الرمل انهارت فجأة.
جذبت أليشيا ابنتها البائسة إلى حضنها.
وما إن شعرت كاثرين بدفء والدتها، بدأت في النحيب من جديد.
لكن هذه المرة، لم تكن تبكي من الظلم.
بل كانت تشعر بالبؤس الشديد.
أن الشخص الوحيد الذي يسمع ظلامها في هذا القصر،
ليس سوى والدتها البيولوجية التي لا تملك سوى لقب طبيبة.
“أوه، كاثرين…”
“أكرههم جميعاً. أبي، تلك المرأة، وأنتِ أيضاً، أمي…”
“كاثرين…”
“لماذا لم تصبحي دوقة؟ لماذا خرجتِ من عائلة بسيطة بلا نفوذ؟!”
لو كانت والدتي حقيقية، لما حدث كل هذا.
لو لم أكن طفلة غير شرعية من علاقة آثمة،
لما شعرت بهذا القلق الدائم.
كانت تشعر بخوف قاتل.
شعرت أن آيسيل ستأخذ مكانها وتحبسها في تلك الغرفة المظلمة.
تساقطت دموع كاثرين في الفراغ.
نعم، كاثرين… لماذا وُلدتُ أنا أيضاً في تلك العائلة؟
كلمات كاثرين آلمت قلب أليشيا كأنها تمزقه.
لم تستطع أليشيا قول أي شيء.
كانت كاثرين، وهي تصرخ بحرقة، تشبه تماماً نفسها في صغرها.
تعرفت أليشيا على ديانا عندما كانت في العاشرة من عمرها.
والدها، الذي كان عاجزاً وفقيراً، لم يكن لديه شيء يفتخر به سوى علاقته بماركيز بريتشي.
رغم أنه لم يكن يملك شيئاً، إلا أنه كان طيباً جداً، ما جعله محبوباً لدى الماركيز، وبهذا تمكنت أليشيا من زيارة قصر الماركيز مع والدها.
ما إن دخلت أليشيا قصر الماركيز، حتى فتحت عينيها على وسعهما وهي تقف خلف ظهر والدها بتردد.
منذ المدخل، بدا الفرق شاسعاً عن قصر العائلة.
كان من الواضح أن كل شيء مصنوع من مواد فاخرة.
حتى الحصى والصخور على الأرض بدت فاخرة بشكل لا يصدق.
أدارت أليشيا رأسها يميناً ويساراً،
تحاول أن تملأ عينيها بعظمة قصر الماركيز.
“من هنا، عزيزتي.”
أمسك البارون بلير بيد الطفلة واتجه نحو الحديقة.
كانت الحديقة أيضاً أكبر وأفخم بمراحل من حديقة قصرهم.
عبق الزهور الفواح انتشر في الأرجاء، وكانت مليئة بالورود الملونة.
“أهلاً بكم.”
“نحييك يا صاحب السمو.”
في وسط الحديقة، كان هناك قبة مصنوعة من الكريستال.
وجهت أليشيا نظرها نحو الطاولة داخل القبة.
كان الماركيز قد وضع أنواعاً فاخرة من الحلويات على الطاولة، وكانت عيناه مثبتتين على الفتاة ابنة البارون.
“يجب أن تلقي التحية.”
ربت البارون بلير على ظهر أليشيا،
التي كانت تنظر إلى الحلويات بشغف.
عندها فقط، نزعت أليشيا عينيها عن الحلويات ونظرت إلى الماركيز مباشرة.
كانت ملامحه حادة لدرجة أن حتى عينيه الزمرديتين الدافئتين بدتا مرعبتين.
رغم أنها سمعت من والدها أنه شخص طيب.
ارتبكت أليشيا وابتعدت بسرعة عن نظرته، ثم خفضت عينيها.
ثم انحنت قليلاً لتؤدي التحية.
“أه، مرحباً. اسمي أليشيا لو بلير…”
“أهلاً بك. اجلسي براحتك، بارون.
وأنتِ أيضاً، تعالي واجلسي هنا.”
“نعم، سموك.”
جلس البارون مع ابنته.
قدّم ماركيز بريتشي الحلويات باتجاه أليشيا.
كانت ملامحه لا تزال متجهمة.
لكن بدا أنه ليس مرعباً كما توقعت.
ترددت أليشيا قليلاً في اختيار ما تأكله، ثم التقطت قطعة ماكارون.
رغم أن الحلويات في قصر البارون لم تكن سيئة،
إلا أن حلويات قصر الماركيز بدت مختلفة تماماً.
عندما كانت على وشك أن تضع الماكارون الزرقاء في فمها،
جاء صوت فتاة مرِحة من مكان ما.
“أبي!”
أدارت أليشيا رأسها نحو مصدر الصوت.
وعلى عكسها، التي كانت ترتدي فستاناً باهت اللون من كثرة ارتدائه، كانت فتاة ترتدي فستاناً أزرق سماوياً جديداً تماماً تركض نحوهم.
كانت تمسك بطرف فستانها وتركض بأناقة، وعينيها تلمعان.
بدت كأميرة خرجت من قصة خيالية.
“أوه، ديانا!”
انفرجت ملامح الماركيز التي كانت متجهمة.
فتح ذراعيه مبتسماً كأنما يذوب من السعادة.
قفزت الفتاة، التي تُدعى ديانا، إلى أحضانه.
وكانت خصلاتها الذهبية المجعدة تتطاير بجمال.
تفحصت عينا أليشيا جسد ديانا من رأسها حتى قدميها بلا شعور.
كانت ترتدي فستاناً واضح أنه من أرقى البوتيكات في العاصمة، وعلى عنقها قلادة مزينة بالألماس والأكوامارين،
وفي يدها خاتم ياقوت من أعلى درجة.
ذلك الخاتم وحده، لو بيع، لكفى لتغطية كل مصاريف الأكاديمية التي كانت تحلم بالالتحاق بها.
شعرت بغيرة قاتلة.
عينا أليشيا انعكست فيهما مشاعر الحسد تجاه تلك الفتاة المختلفة عنها تماماً.
“مرحباً!”
انفصلت ديانا عن حضن والدها وحيّت البارون بلير بلطف.
“مرحباً، آنسة بريتشي.”
أجابها البارون بلغة الاحترام رغم أنها كانت أصغر منه بكثير.
وليس ذلك غريباً، فقد كانت عائلة بلير في وضع مالي حرج،
وكانت تعتمد بشكل كبير على دعم الماركيز.
لذا، كان عليه بالطبع أن يُظهر الاحترام حتى لابنة الماركيز الصغيرة.
نظرت أليشيا إلى والدها بنظرة احتقار.
رغم أنها كانت تعرف حال عائلتها،
إلا أنها لم تتوقع أن يصل به الأمر بتملق حتى الأطفال.
مهما كانت ابنة ماركيز، فليس من اللائق استخدام هذا المستوى من الاحترام الرسمي مع فتاة صغيرة جداً.
الحماس الذي شعرت به للحظة عند رؤية الحلوى بدأ يخفت تدريجياً.
من دون أن يدرك ما يجول بخاطرها، ربت البارون بلير على ظهر أليشيا بخفة، مشيراً لها بأن تلقي التحية.
“يجب أن تلقي التحية، أليشيا.”
وعندما كرر البارون بلير أمره بالكلام،
فتحت أليشيا فمها ببطء لتتكلم.
“مرحباً، آنسة بريتشي. أنا أليشيا من عائلة البارون بلير.”
“واو، سررت بلقائك، آنسة بلير!”
ابتسمت ديانا لأليسيا بابتسامة مشرقة.
لم يكن من الشائع أن تأتي فتاة في مثل عمرها لزيارة منزل الماركيز.
“أبي، هل يمكنني الذهاب إلى غرفتي مع الآنسة بلير لنلعب معاً؟”
“بالطبع، اذهبي. سأرسل الحلوى إلى هناك.”
“هيا بنا، آنسة!”
مدّت ديانا يدها باتجاه أليشيا.
نظرت أليشيا بعينين واسعتين نحو والدها.
ابتسم البارون بلير راضياً وأومأ برأسه.
وقفت أليشيا من مكانها وأمسكت بيد ديانا الممدودة.
أخذت ديانا أليشيا إلى غرفتها.
وبمجرد أن فتحت الباب، تسللت رائحة جميلة إلى أنف أليشيا،
مما جعلها تشعر براحة فورية.
من المؤكد أن حتى العطر المستخدم هنا من النوع الفاخر.
عبست أليشيا قليلاً ونظرت إلى أرجاء الغرفة.
وفتحت فمها لا إرادياً من الدهشة.
بدت الغرفة أكبر بثلاث مرات، لا، ربما أربع مرات من غرفتها.
وكانت الزينة والقطع الموجودة في كل مكان مرصعة بالجواهر.
كان الأمر تماماً كما تخيلته.
غرفة ديانا كانت ممتلئة بجمال ونعومة تشبه غرف الأميرات.
لم تستطع أن تخفي دهشتها، ولكن في الوقت نفسه،
اجتاحت الغيرة قلبها بعنف.
“هذه أول مرة تزورني فتاة في مثل عمري.”
سحبت ديانا بنفسها كرسياً لأليشيا وقدّمته لها لتجلس.
ترددت أليشيا قليلاً ثم جلست.
دخلت الخادمات بعد لحظات، وبدأن يضعن على الطاولة حلوى بدت ألذ من تلك التي رأتها في الخارج.
يبدو أنهن اعتنين بالأمر بشكل خاص،
ربما لأن من سيتناولها فتاتان صغيرتان.
“كنت أسمع كثيراً أن البارون بلير رجل طيب.”
قالت ديانا هذا الكلام وهي تشرب الشاي الذي قدمته لها الخادمة برقي وأناقة.
“هكذا إذن…”
“أرغب بأن نصبح صديقتين! ليس لدي الكثير من الأصدقاء في سني…”
نظرت أليشيا إلى ديانا بتمعن.
بدت بريئة للغاية.
والأثرياء الأبرياء يستحقون الاستغلال دون شك.
لن أكون مثلك يا أبي، أتذلل وأطلب الرحمة.
سأستغل هذه الفرصة كما يجب.
“سيكون ذلك رائعاً!”
أجابت بابتسامة مشرقة.
وابتسمت ديانا بسعادة عند سماع رد أليشيا.
وفي المقابل، كانت عينا أليشيا الحمراوان تتلألأان بجشع خفي.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 37"
هي ليه العيله دي زباله بزياده اوي كده