استمتعوا
كان مشهدها وهي تحلم بأحلام واهية مثيرًا للسخرية إلى حد لا يُصدق.
كادت ديانا أن تنفجر ضحكًا،
لكنها تظاهرت بالسعال وحولت نظرها إلى الساعة.
كان ذلك وقت نزهة آيسيل مع كاليبسو.
كاثرين كانت فتاة شريرة لا تستحق أن تشعر بالسعادة.
حتى وإن كان ذلك للحظة عابرة.
“كاثرين؟”
“نعم؟ ـ-نعم، أمي.”
عندما نادت ديانا، سارعت كاثرين التي كانت تتخيل نفسها واقفة إلى جانب اللورد سوير، بالرد.
“هل نخرج في نزهة معًا بعد مدة طويلة؟ يبدو أن الطقس جميل.”
“… حسنًا!”
شعرت أن هذه الفرصة هي الوقت المناسب لتعويض النقاط التي خسرتها.
إن أظهرت جانبها المحبب خلال النزهة ببعض الدلال،
فإن ديانا ستذوب كالشوكولاتة وتنسى كل شيء.
“لنذهب، أمي!”
نهضت كاثرين بحماس من مكانها،
وكأنها هي الأكثر حماسة، وأمسكت بيد ديانا وقادتها.
كانت تعتقد أن هذا التصرف الطفولي سيؤثر على ديانا.
يا لها من فتاة سهلة.
ديانا تركت نفسها تُقاد وهي تتظاهر بأنها مبهورة بلطافة كاثرين.
وعندما وصلوا إلى الحديقة،
سطعت أشعة الشمس الساطعة في وجوههم.
“الطقس رائع حقًا، أمي!”
صرخت كاثرين بحيوية وهي تتقدم قليلًا أمام ديانا.
“نعم، هيا نذهب إلى الحديقة.”
كانت كاثرين غارقة في لعب دور الابنة المحبوبة،
وهي تفكر في اللورد سوير. أما ديانا، فكانت تسايرها فقط.
لكن فجأة توقفت كاثرين فجأة وكأنها رأت شيئًا مرعبًا.
“ما الأمر، كاثرين؟”
تقدمت ديانا وكأنها لا تعرف شيئًا، وسألتها بهدوء.
لكن نظرات كاثرين كانت مثبتة على آيسيل وكاليبسو.
آيسيل كانت تضع سترة كاليبسو حولها وتعانق خصره،
بينما كان هو ينظر إليها بنظرات حب.
كان تعبير كاثرين يُعبّر عن صدمة لا يمكن وصفها.
وجهها الأبيض تحول إلى رمادي.
وكأنها فقدت والدتها، والآن ها هي توشك أن تفقد والدها أيضًا.
جسدها كله كان يرتجف من الغضب الذي لم تستطع كتمانه.
نظرت إليها ديانا وابتسمت بفتور.
“… أبي!”
بصوتها العالي والحاد، بدا وكأن الهواء الدافئ الذي يحيط بآيسيل وكاليبسو قد تحطم.
أدار كاليبسو رأسه ببطء،
فرأى كاثرين تقترب منه وهي تغلي غضبًا.
“كاثرين.”
“ما الذي تفعله الآن؟”
نظرت كاثرين إلى السترة التي كانت آيسيل ترتديها.
لم تكن قد ارتدت سترة والدها قط من قبل.
بالطبع، ذلك لأنها لم تخرج في نزهة مع كاليبسو يومًا.
ولم تشعر بالبرد الشديد الذي يتطلب استعارة سترته.
لكن ذلك لم يكن مهمًا بالنسبة لها.
ما كان يهمها هو أن آيسيل كانت قريبة جدًا من والدها أمام عينيها.
اندلعت النيران في عيني كاثرين،
واقتربت من آيسيل وهي تضغط شفتيها بقوة.
“ما هذا الذي تفعلينه؟
من تظنين نفسك حتى تخرجي مع والدي في نزهة؟”
“… كاثرين.”
كانت كلمات كاثرين مجرد تذمر طفولي.
لكن الصداع الذي توقف سابقًا عاد يطرق رأسها من جديد.
كاليبسو عبس بشدة وكأنه يحاول حماية آيسيل، ووضعها خلفه.
رؤية هذا المشهد جعلت كاثرين تضحك بسخرية.
ما هذا السلوك الذي يعاملها كما لو كانت الشريرة؟
“هاه، أبي!”
“أنا من طلبت الخروج في نزهة. آيسيل لا ذنب لها.”
لقد أصبح يناديها باسمها بلطف واضح.
كان ذلك خيانة واضحة.
كاليبسو لا يعرف أن آيسيل هي ابنته الحقيقية.
فكيف أصبحا مقربين هكذا فجأة؟
كانت كاثرين تصر بأسنانها من الغضب.
آيسيل، التي كانت تقف خلف كاليبسو،
واجهت كاثرين بابتسامة خفيفة.
كانت زاوية فمها المرتفعة تسخر من كاثرين بوضوح.
وانتفخ وجه كاثرين كالبالون في لحظة.
عندها خرجت آيسيل من خلف كاليبسو بخفة.
“كاثرين، أنا آسفة. لم أكن أعلم أنك تحبين النزهات. لم لا نخرج معًا من الغد؟”
“ولماذا عليّ أن أخرج معك؟!”
“لقد قررنا أن نخرج سويًا كل يوم.”
قاطعتها آيسيل برشاقة، وطعنت كاثرين في مشاعرها.
“كل يوم…؟”
ارتجفت عيناها كما تهتز زهرة الليلك تحت الرياح.
كانت تعلم أنها لم تكن حنونة مع والدها كثيرًا.
لكن والدها كان دائمًا مشغولًا.
فمنزل الدوق ليس غنيًا.
لذلك لم ترد أن تكون عبئًا عليه.
حتى من أجل مستقبل زواجها، كان عليه أن يعمل.
كان عليه أن ينهض بعائلة الدوق.
لكن مع تلك الفتاة يخرج في نزهة يوميًا؟
فجأة، انبعثت مشاعرها تجاه والدها من جديد.
إن كانت هناك نزهة، فعليها أن تكون معها. وليس مع آيسيل.
“صحيح، هذا لا يستحق كل هذا الغضب. كاثرين.”
نظر كاليبسو إلى وجه كاثرين الذي أصبح أحمر وأزرق بالتناوب، وربت عليها بلطف.
لكن ذلك لم يكن كافيًا لتهدئة غضب كاثرين.
“كيف لا أغضب؟ انظر لما تفعله!”
“كاثرين! ما هذه الطريقة في الحديث مع والدك…!”
هرعت ديانا، التي لحقت بهم متأخرة، لتوقف كاثرين.
ظنت أنها قادرة على التماسك، لكنها انفجرت.
تلاقت عينا ديانا وآيسيل.
كانتا تفكران في نفس الشيء.
كاثرين الغبية.
“فجأة تظهر فتاة متسولة تحاول سرقة مكاني!
مع من تقول إنك تخرج في نزهة، أبي؟!”
“فتاة متسولة؟ هل هذه الكلمات تخرج من فم انسة؟!”
كانت كاثرين تتجاوز الحد الذي يمكن أن يتسامح معه كاليبسو. تجمد وجهه على الفور.
مهما أحب ابنته،
لا يمكنه السماح لها بتصرف كهذا أمام آيسيل وديانا.
وعندما تغير تعبير كاليبسو،
توقفت كاثرين، التي كانت تصرخ، فجأة.
وناداها بصوت منخفض كزمجرة حيوان مفترس.
“كاثرين.”
“… أنت من أخطأ، يا أبي!”
لكن بعد كل ما قالت، لم يكن بوسعها التراجع الآن.
كانت تدير عينيها لتتحسس ردّ فعل كاليبسو، ومع ذلك،
صرخت مرة أخرى بصوت مرتفع بسبب كبريائها الأجوف.
لم يكن ذلك اختياراً جيداً على الإطلاق.
كان وجه كاليبسو قد أصبح جامداً،
لا بل متحجراً من شدة البرودة.
“من الأفضل أن تتوقفي الآن. إلا إن كنتِ تختبرين مدى صبري.”
كان صوته بارداً، لا بل قارساً، صوتاً لم تسمعه كاثرين من قبل قط.
رمق كاليبسو كاثرين بنظرات باردة تحمل الصقيع.
فمدّت يدها نحوه وهي تتلعثم في كلماتها.
“أبـ… أبي…”
لكنّه كان قد بلغ ذروة غضبه.
أبعد كاليبسو يد كاثرين عنه ببرود تام.
كان ذلك تعبيراً لم تره من قبل.
فقد كان دائماً لطيفاً معها.
لكن كاليبسو الآن لم يكن كما كان في السابق.
كان تغيّره صادماً لكاثرين.
ظنّت أنه سيكون دوماً في صفّها مهما فعلت.
كانت هذه ثاني صدمة بعد ديانا.
كانت كاثرين تعتقد أن كل هذا بسبب آيسيل،
لكنها لم تستطع البوح بذلك.
عمّ الصمت على الجميع.
“أبي.”
كان صوت آيسيل هو من كسر هذا الصمت.
“أنا بخير.”
جذبت قميصه بلطف بيدها الصغيرة.
فتغيّرت ملامح كاليبسو التي بدت على وشك الانفجار، على الفور.
“ما قالته لم يكن خاطئاً. أنا… نشأت في فقر، في النهاية.”
تعمّدت التأكيد على كلمة ‘فقر’.
كانت تلك الكلمة بمثابة شوكة في قلب كاليبسو أيضاً.
ماضي آيسيل الفقير كان كافياً ليشعر كاليبسو بأنه يرى ماضيه فيها.
كلام كاثرين عن ‘المتسولة’ كان كافياً لاستفزاز شعور النقص بداخله. وهو ما جعل غضبه يشتعل.
ردّدت آيسيل كلام كاثرين مرة أخرى، وكأنها تجرّعت دواءً مرّاً.
“شبيهة بالمتسولين… أجل، إنه كلام صحيح…”
كان كاليبسو على وشك قول شيء ما،
لكن كاثرين قطعت الحديث وهي تلهث من الغضب.
“على الأقل تعرفين مكانتك، هذا مطمئن…”
في تلك اللحظة، انطلق صوت صفعة قوية،
واستدار وجه كاثرين على الفور.
حتى ديانا فتحت فمها من شدّة الصدمة، واضعة يدها عليه.
وكان من صفع كاثرين على خدها هو كاليبسو نفسه.
“أن تتفوهين بتلك الكلمات لطفلة عانت الأمرّين في حياتها…!”
حدّقت آيسيل في كاليبسو بصمت.
كان وكأنها سيطرت عليه تماماً.
لم تتوقع أن يكون من السهل السيطرة عليه بهذه الطريقة.
كانت ترى بوضوح كيف بدأت العلاقة الهشة بينه وبين كاثرين تتصدع.
“كـ … كيف…؟”
وضعت كاثرين يدها على خدها،
والتفتت نحو كاليبسو وهي تمتلئ نظراتها باللوم.
الألم في قلبها فاق ألم الصفعة.
أمها الزائفة، وأبيها أيضاً، كلاهما كان يدافع عن آيسيل.
أما هي، فلم تعد ضمن حساباتهما.
لأنني لست الحقيقية… لأنني لم أرث دم بريتشي الحقيقي،
لهذا يتجاهلني أبي…
كان الظلم يخنقها.
سالت الدموع من عينيها بغزارة.
وشفتاها كانت تنزفان دماً من شدة ما عضّتهما.
لكن رغم كل ذلك، لم يُبدِ كاليبسو أي تعاطف. قال ببرود:
“يبدو أن زوجتي دلّلت كاثرين أكثر مما يجب.
لم أتوقع منها هذا التكبر والغرور.”
“كل الخطأ خطئي، عزيزي.”
أخفضت ديانا رأسها كما لو كانت مذنبة،
لكن شفتيها كانتا ترتفعان قليلاً بخبث.
التقت عينا آيسيل بكاثرين.
حرّكت آيسيل شفتيها دون صوت، وهمست:
“غبية.”
توسعت عينا كاثرين بغضب.
هرعت نحو آيسيل على الفور، عازمة على نزع شعرها بالكامل.
لكنها لم تتمكن من لمس آيسيل،
فقد أوقفها كاليبسو وديانا في اللحظة الأخيرة.
كان كاليبسو في قمة دهشته.
هل هذا بسبب أنها تحمل دماء البارون فقط؟
إنها مختلفة تماماً عن آيسيل الهادئة والراقية.
بهذه السلوكيات،
لن تليق بأي زفاف أرستقراطي، بل ستجلب العار فقط.
كأب، لم يعد بإمكانه التغاضي عن تصرفات كاثرين العنيفة.
“كاثرين، من الآن فصاعداً، ستقضين أسبوعاً في غرفتك.
يُمنع عليك الخروج تماماً!”
“لكن، أبي!”
“هيا بنا، آيسيل.”
“…نعم، أبي.”
خطت آيسيل خلفه بخفة وسعادة.
وكان وجهها مليئاً بنشوة الانتصار،
بعد أن رأت ملامح كاثرين تتشوه غيظاً.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 36"