استمتعوا
مع حلول الصباح، تم إفراغ غرفة كاثرين بالكامل بواسطة الخدم.
كانت كاثرين تنظر بذهول إلى أمتعتها التي كانت تُنقل بعيدًا.
الغرفة الجديدة التي نُقلت إليها كانت الغرفة المجاورة مباشرة.
على الرغم من أنها كانت ثاني أكبر غرفة في القصر الكبير،
إلا أنها لم تكن لترضيها أبدًا.
كانت كاثرين ترتجف غضبًا وهي تراقب أمتعة آيسيل الجديدة تدخل إلى غرفتها القديمة.
كانت كل قطعة أثاث تُنقل تبدو كأنها من أفخر العلامات الفاخرة، حتى أنها كانت تتساءل كيف تمكنت آيسيل من الحصول على هذه الأشياء.
“جدي هو من اختارها بنفسه. من المؤكد أنك لم تري شيئًا بمثل هذه الجودة من قبل. عائلة إرينست فقيرة، أليس كذلك؟”
اقتربت آيسيل منها على حين غفلة وتحدثت معها بنبرة ودودة.
تراجعت كاثرين خطوتين دون شعور،
مبتعدة عن آيسيل التي اقتربت منها كثيرًا.
ثم نظرت إليها بنظرة نارية حانقة.
لم تكن قد تخلصت بعد من غضب الأمس.
“……لا تتحدثي إليّ. من تظنين نفسك لتفعلي ذلك…!”
كانت كاثرين على وشك أن تصرخ في وجهها من جديد،
لكن أليشيا اقتربت منهما.
وكانت تعابير وجهها تحمل شيئًا من الانزعاج.
“آنسة كاثرين.”
انحنت أليشيا قليلًا لكاثرين، ثم استدارت ببطء نحو آيسيل.
كانت عيناها تفيض بعدائية واضحة تجاه آيسيل.
لكنّ أعين الخدم الذين كانوا ينقلون أمتعة آيسيل كانت تراقبهم، فاضطرت أليشيا على مضض أن تنحني قليلًا أيضًا لآيسيل.
ابتسمت آيسيل برضا عندما رأت ذلك.
وظلت أليشيا تحدق بها لبرهة، ثم توجهت بكلامها إلى كاثرين.
“آنسة كاثرين، من فضلك، تعالي معي قليلًا…”
تبعت كاثرين والدتها إلى غرفتها.
وما إن دخلتا، حتى قامت كاثرين بدفع كل الكتب الطبية الموضوعة على الطاولة إلى الأرض بعنف.
“……كاثرين.”
“أمي، ألديك كرامة؟ كيف تنحنين أمام تلك الحقيرة؟!”
لم تستطع قول كلمة واحدة بالأمس، والآن تنحني لها أمام عينيها!
شعرت بغضب شديد لرؤية والدتها تُقارن بأم آيسيل.
كانت تشعر بذلك مسبقًا، لكن مع دخول آيسيل،
بدا وكأن وجود أليشيا في هذا القصر بات لا يُذكر.
“أشعر بالغثيان من شدة الغضب، حقًا!”
تنهدت أليشيا بعمق أمام كلمات ابنتها الطفولية.
فبينها وبين ابنتها كان هناك فرق كبير في الوضع.
صحيح أن ديانا لم تكن والدتها الحقيقية،
لكن كاثرين على الأقل كانت تحمل دماء إرينست.
ولهذا كان بإمكانها أن تتصرف بكل هذه الثقة.
أما أليشيا، فلم تكن سوى عشيقة لكاليبسو.
لتصبح دوقة كبرى، لا بد أن تموت تلك الحقيرة ديانا.
ولتحقيق ذلك، كانت بحاجة لأن تحصل كاثرين على حق تشغيل منجم الألماس التابع للماركيز.
“كاثرين!”
صرخت أليشيا فجأة، لأول مرة، في وجه كاثرين.
فتفاجأت الأخيرة ورفّت عيناها بخوف وهي تنظر إلى والدتها.
صرخت عليها ديانا بالأمس، وها هي والدتها تصرخ بها اليوم.
شعرت بالحزن العميق يتسلل إلى أعماقها.
لم تكن تستحق أن تُعامل بهذه الطريقة.
لكن منذ أن دخلت آيسيل، بدأ كل شيء ينقلب رأسًا على عقب.
شعرت أن كل هذا بسببها.
“من تظنين نفسك لتصرخي في وجهي؟!”
وفي النهاية، صرخت كاثرين وانهارت باكية.
تنهدت أليشيا مرة أخرى، وهزت رأسها.
بهذه المشاعر المكشوفة،
لن تتمكن من هزيمة آيسيل التي عادت لتنتقم ببرودها.
“اهدئي، كاثرين.
الآن ليس وقت الانهيار! هل تريدين أن تخسري أمام آيسيل؟”
قطبت كاثرين جبينها، وكانت دموعها لا تزال تتساقط.
لم تكن لتتحمل فكرة الخسارة أمامها.
“لا، مستحيل!”
“إذن عليكِ أن تتعلمي كيف تخفين مشاعرك.
لا يمكنكِ تركها تنكشف هكذا!”
عندها فقط، بدأت كاثرين تمسح دموعها.
نعم، كان عليها أن تبقى باردة أكثر في مثل هذه اللحظات.
لقد أظهرت مشاعرها بالأمس،
وانتهى بها الحال بأن خسرت غرفتها وتم طردها إلى غرفة أصغر.
ارتخت كتفاها اللتان كانتا مشدودتين،
واختفى الغضب الذي كان يملأ وجهها تدريجيًا.
ألِيشيا راحت تُداعب شعرها المتلألئ كضوء القمر برفق،
تُهدهدها وتُطمئنها.
“اختبار السحر، سأجد له حلاً مهما كلف الأمر.”
“لا.”
أجابت كاثرين بحزم.
نظرت إليها أليشيا بوجه يحمل الدهشة.
“لدي طريقة. لي.”
“لديك طريقة…؟ ماذا تعنين…؟”
“أمي، فقط راقبي بصمت، لا تتدخلي.”
كانت تعرف أن أليشيا سترفض فورًا إن علمت بما تفكر فيه.
أخفت كاثرين أنها قضت الليل تبحث في الكتب المتعلقة بالمحظورات، واكتفت بابتسامة واثقة.
“فقط دعي الأمور تسير كما هي. لا تقعلي شيئًا. فهمتِ؟”
“كاثرين…”
وما إن أنهت حديثها حتى غادرت الغرفة بسرعة.
نظرت أليشيا إليها بقلق بالغ وهي تخرج.
***
“لقد زُينت الغرفة بطريقة جميلة حقًا!”
“نعم، يجب أن أرسل رسالة لجدي.”
بدأت ديانا تتفقد غرفة آيسيل التي تم تجهيزها بالكامل.
تم تغيير ورق الحائط والأرضية، ما جعل أجواء الغرفة تتغير كليًا.
كانت الأثاثات والتحف الفاخرة، التي جلبها ماركيز بريتشي خصيصًا من أجود الأنواع، تعكس إصراره على ألا تهزم أمام ابنة غير شرعية.
كانت غرفة كاثرين في السابق أشبه بغرفة فتاة محببة،
أما غرفة آيسيل الآن، فكانت تنضح بجو أنثوي أنيق وفاخر.
ولأن موعد دخولها المجتمع لم يكن بعيدًا،
فقد كانت هذه الغرفة مثالية تمامًا.
“انظري هنا، أمي.”
فتحت آيسيل خزانة ملابسها على مصراعيها.
كانت مليئة بالفساتين الفاخرة، والتي أرسلها الماركيز أيضًا.
وبجوار طاولة الزينة،
كانت صناديق المجوهرات مرصوصة، تحتوي على حُليّ فاخرة.
“حتى غرفة الملابس التي أعدّها لي الخدم مليئة بالفساتين والمجوهرات.”
يا اوه يا ابي! ابتسمت ديانا بمرارة أمام هذا السخاء المبالغ فيه.
كانت تتخيل كم كان وجهه عابسًا وهو يقلّب كتالوجات البوتيكات.
“قال إنني سأرتدي الملابس الجاهزة مؤقتًا،
وعندما أظهر في المجتمع، سيتم تفصيل كل شيء جديدًا لي.”
لوّحت آيسيل بيديها، وقد ارتسمت ابتسامة مشرقة على وجهها.
كانت هذه المرة الأولى التي تمتلك فيها أشياء فاخرة كهذه،
فبدت مفعمة بالحماس.
“حقًا، لم أتوقع أنك ستتطورين بهذا الشكل خلال أسبوعين فقط، آيسيل.”
ربتت ديانا على ظهرها برقة، وقد بدا عليها الاعتزاز.
هزّت آيسيل كتفيها بخفة.
“لم يكن الأمر صعبًا، خاصة إن فكرتِ في كاثرين وأليشيا.”
رغم أن كلماتها بدت عادية، إلا أن بريق عيني ديانا خفت فجأة.
كانت تشعر أن كل هذا ذنبها. لأنها لم تستطع حماية ابنتها.
“أوه، أمي، لا تظهري هذا الوجه الحزين.”
وما إن رأت تعبير ديانا، حتى أسرعت آيسيل واحتضنتها بشدة.
شعر آيسيل الناعم لامس ذراع ديانا،
ومنه انبعث دفء لطيف يبعث على الارتياح.
أمسكت ديانا بيد آيسيل التي كانت تلف خصرها بإحكام.
“لن أترك هذه اليد مجددًا.”
“……وأنا كذلك.”
في تلك اللحظة، سُمع صوت طرق على الباب من الخارج.
“نعم؟”
“سموك، الساحر قد وصل.”
“أوه، كيف نسيت؟”
أدركت فجأة أن اليوم هو موعد مجيء رويري.
كانت منشغلة بآيسيل لدرجة أنها نسيت تمامًا.
“سأذهب حالًا.”
“نعم، أمي. اذهبي، سأظل أتفقد الغرفة.”
“حسنًا، آيسيل.”
طبعَت ديانا قبلة على جبين آيسيل،
ثم أمسكت بطرف فستانها وركضت نحو الحديقة.
***
في الحديقة، كان رويري يتفقد الورود المتفتحة.
“أوه، نونا!”
رويري ما إن رأى ديانا تركض نحوه حتى لوّح لها مبتسمًا.
كانت ديانا على وشك الرد عليه بالتلويح، فتركت طرف فستانها لترد، لكنها داست على حافة فستانها بالخطأ.
“آه……!”
اختل توازن جسدها فجأة للأمام.
حتى لو كانت الأرض عشبًا، فأنفها كان سينكسر بالتأكيد.
أغلقت ديانا عينيها بإحكام.
لكن، لم يأتِ الألم الذي كان يفترض أن تشعر به.
بل على العكس، شعرت وكأنها تطفو في الهواء.
فتحت عينيها ببطء بحذر،
لتجد نفسها في أحضان رويري، معلقة قليلًا عن الأرض.
“يالها من راحه، نونا، كدتِ تحطمين أنفك الجميل.”
نقر أنفها بخفة، ثم أنزلها بهدوء إلى الأرض.
احمرّ وجه ديانا كالطماطم.
“هل أنت بخير؟ وجهك أحمر جدًا.”
سألها رويري بابتسامة مرحة ولكن بنبرة قلقة.
ضغطت ديانا على وجنتيها الحمراء بيديها، وهزت رأسها.
“أنا بخير. آسفة على التأخير، رويري.”
“أشعر بالقليل من الغيرة. هل هناك ما هو أهم مني؟”
“……لقد حصلت على ابنة.”
ابتسمت ديانا وهي تفكر في آيسيل.
“ابنة؟”
“نعم.”
“ماذا تقصدين بـ ‘حصلت على’؟”
سألها رويري بحيرة، وعلى وجهه علامات الاستغراب،
وكأن ذلك مستحيل.
ورغم استغرابها من ردة فعله، أجابت ديانا بهدوء:
“تبنيتها. فتاة تُشبهني كثيرًا.”
عندها، ومضَ بريق غامض في عينيه.
“……إن كانت تشبهك، فلا بد أنها ساحرة الجمال. أود رؤيتها.”
“على أي حال، هي تنوي تعلم السحر أيضًا.
ما زالت صغيرة، لذا سأُلحق لها ساحرًا من المستوى المتوسط.”
“حسنًا، عرّفيني بها لاحقًا. والآن، فلنبدأ درس اليوم.”
“نعم، رويري.”
قبل أيام، كانت ديانا قد طلبت من رويري أن يُعلمها السحر الهجومي بشكل مكثف.
وكانت تخطط اليوم لتعلم المزيد منه.
“أغمضي عينيك، وتخيلي طاقتك السحرية.
فكّري في شيء حاد جدًا.”
“إبرة…؟”
“ما نوع الهجوم الذي يمكن أن تُحدثه إبرة؟”
ضحك رويري بصوت عالٍ على ردها المفاجئ.
في البداية، لم يتفاجأ كثيرًا عندما طلبت أن تبدأ بالسحر الهجومي، لكنه بدأ يلاحظ أن لديها بعض الجوانب الساذجة.
يبدو أن القديسة بريتشي لا تزال تحتفظ ببعض من براءتها.
“لا تُسخر مني، رويري.”
ظلّا يضحكان معًا لبعض الوقت،
حينها ظهرت بليندا تركض باتجاه ديانا.
يبدو أنها رأتها وهي تتدرب بعد إنهاء تمرينها.
“صاحبة السمو الدوقة، هل أنتم تتدربون، أهه؟”
دارت عينا بليندا بسرعة لترى رويري.
كان مظهره مألوفًا جدًا بالنسبة لها.
وما إن رأته، حتى بدأ العرق يتصبب من جبين رويري.
“أنت… رويري؟”
اقتربت منه بليندا بسعادة،
وكأنها تلتقي بصديق قديم بعد غياب طويل.
“……بليندا.”
بين فرحة بليندا وارتباك رويري، كانت ديانا الوحيدة التي ترمش بعينيها دون أن تفهم ما يجري.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 28"