استمتعوا
“حسنًا، إذًا لنخرج نحن. ألي.”
“نعم؟”
“علينا أن نمنح الأطفال فرصة ليقتربوا من بعضهم.
سنكون في الغرفة المجاورة، نادينا إن احتجتِ شيئًا.”
“نعم، أمي.”
أمسكت ديانا بيد أليشيا،
التي كانت مصدومة وغير قادرة على الحراك، وسحبتها معها.
“أنا… لدي شيء أقوم به لبعض الوقت…”
“حسنًا، أنا في الغرفة المجاورة. أراكِ لاحقًا.”
افترقت أليشيا عن ديانا وعادت إلى غرفتها.
كانت في حالة اضطراب شديد.
أول شيء يجب التحقق منه هو كيف تمكنت آيسيل من دخول عائلة الماركيز.
هل من الممكن أن تكون ديانا قد عرفت أن آيسيل هي ابنتها الحقيقية؟
بدأت أليشيا تمشي جيئة وذهابًا في الغرفة دون أن تتمكن من الجلوس بسبب التوتر.
“كيف يمكن لتلك الحقيرة أن…!”
بدأت أليشيا بقضم أظافرها من التوتر،
ثم فجأة أضاءت عيناها وكأن فكرة جيدة خطرت لها.
“أجل، هذا هو الحل…!”
أخرجت ورقة من الرق وبدأت تكتب عليها بسرعة.
تذكرت حديثًا قديمًا عن عالم خفي يمكنه إنجاز المهام مقابل المال.
مكان يمكنه تزويدك بالمعلومات،
بل وحتى قتل أحدهم إن دفعت له ما يكفي.
قررت أليشيا أن تتحرى أكثر عن ذلك المكان.
وبعد أن أرسلت الرسالة على عجل،
بدأت مشاعر القلق التي كانت تحاصرها تتبدد تدريجيًا.
عندها فقط،
استرخت ملامح أليشيا قليلًا وتوجهت مجددًا إلى ديانا.
***
لم يتبق في الغرفة سوى كاثرين وآيسيل.
كانت آيسيل تتجول ببطء في غرفة كاثرين، تتفحصها بعناية.
وأخيرًا توقفت خطواتها أمام خزانة الكتب.
بدأت تلمس الخزانة بحنين، ثم فجأة فتحتها بقوة.
كانت الغرفة السرية خلف الخزانة كما تركتها عندما هربت.
ابتسمت آيسيل ابتسامة ساخرة وأغلقت باب الخزانة مجددًا.
ثم التفتت نحو كاثرين،
التي كانت ترتجف وهي تقبض على يديها بقوة.
“مرت فترة طويلة، كيف حالك كاثرين؟”
تحدثت آيسيل وكأنها تلتقي بصديقة قديمة، بلطف وود.
فتحت كاثرين فمها المرتجف بصوت متردد:
“كيـ… كيف يمكن لك أن تكوني قريبة لجدي؟
ما الذي خدعتيه به؟!”
“خداع؟”
فجأة، عمّت الغرفة ضحكة آيسيل.
كان صوتها نقيًا،
لكن في أذني كاثرين بدا وكأنه ضحكة ساحرة شريرة.
شعرت كأن حشرات تزحف على كامل جسدها.
“من برأيك كان المخادع؟”
تقدمت آيسيل نحو كاثرين ببطء،
كما لو كانت وحشًا يطارد فريسته.
رغم أن جسدها بدا صغيرًا وهزيلًا مقارنة بكاثرين،
إلا أن كاثرين بدأت تتراجع خطوة بعد خطوة دون أن تشعر.
هل يمكن أن تكون تلك الحقيرة تعرف شيئًا؟
هل من الممكن أن ديانا علمت بأنها ابنتها الحقيقية؟
بدأت مخاوف غامضة تدور في رأسها بلا توقف.
وأثناء تراجعها، ارتطم ظهرها بالخزانة.
لم يكن هناك طريق للهرب بعد الآن.
ابتسمت آيسيل بثقة، تدور بخصلات شعرها البلاتيني الناعم.
ثم اقتربت بفمها إلى أذن كاثرين وهمست:
“أنتِ الكاذبة، كاثرين.”
“ما… ما الذي تقولينه…؟!”
إذًا، كانت تعرف! تعرف أنها هي الحقيقية!
اهتزت عينا كاثرين البنفسجية كأوراق الشجر في عاصفة.
ابتسمت آيسيل بسخرية واستدارت مبتعدة عنها.
“أتحدث عن السحر.”
بدا على كاثرين قليل من الارتياح أخيرًا.
مهما كان ما فعلته آيسيل لإقناع الجد بأنها من عائلة بريتشي،
فهي لا تعلم أنها الابنة الحقيقية لديانا.
هذا يعني أن لديها فرصة للنجاة.
فديانا ما زالت تعتقد أنها هي الابنة الحقيقية.
“طلبتِ مني أن أطلق السحر، لتخدعي أمي.”
“سأتعلم السحر بسهولة أيضًا!”
صرخت كاثرين بصوت مرتفع وقد امتلأت بالشجاعة فجأة.
“حقًا؟ وماذا عن هذا إذًا؟”
“عن ماذا تتحدثين؟”
“عن إخباري لأمي بأنك أنت وأليشيا سجنتوني وعذبتوني هنا.”
“هاه…!”
ضحكت كاثرين بسخرية.
من تظن نفسها تلك الحقيرة؟!
لقد دمرناها تمامًا في تلك الغرفة،
كيف يمكن أن تعود بهذه القوة والثقة؟!
“هل تحاولين ابتزازي الآن؟
يمكنني أن أدمر تلك الغرفة في الحال.”
“حقًا؟ لا بأس بذلك.”
بدأت آيسيل تلتقط أغراض كاثرين وتتفحصها وكأنها تتجول في غرفتها الخاصة. ثم وقعت عيناها على كوب زجاجي على الطاولة.
“حسنًا، لنجعل الأمر بهذه الطريقة.”
رمت بالكوب الزجاجي على الأرض عمدًا.
تحطم الكوب على الأرض إلى شظايا،
تمامًا كما كانت كاثرين تفعل سابقًا في نوبات غضبها.
أخذت آيسيل أكبر شظية من الزجاج ورفعتها.
كان الطرف الحاد موجهًا نحو كاثرين.
نظرت كاثرين إلى الشظية بترقب، وبدأ جسدها يرتجف.
“هل… هل تنوين إيذائي بذلك الشيء؟”
ابتسمت آيسيل كشيطان، ثم فجأة جرحت ذراعها بالشظية.
“كييييياااا!”
يبدو أن الجرح كان عميقًا،
فقد تطاير الدم من ذراعها وسقط على الأرض.
صرخت كاثرين في ذعر.
فور سماع الصرخة، اندفعت أليشيا وديانا من الغرفة المجاورة إلى الداخل بوجوه مذعورة.
“ما الذي حدث؟!”
“لا شيء، حقًا.”
أمسكت آيسيل بذراعها وابتسمت حزنًا.
ارتجفت رموشها الذهبية بلطف.
نظرت ديانا إلى ذراعها، حيث كان الدم يسيل بغزارة.
“إنك تنزفين!”
“أنا… بخير.”
“أنتِ… أنتِ…”
“ما الذي يجري هنا؟ قولي لي فورًا!”
لأول مرة، رفعت ديانا صوتها في وجه كاثرين.
وبينما همّت كاثرين بالكلام، اعترضتها آيسيل.
“أمي، تلك الحقيرة…!”
“أمي، لا تلومي كاثرين. إنه خطأي أنا.”
نظرت كاثرين إليها بذهول.
أكملت آيسيل كلامها بلا اكتراث:
“أنا طلبت أن أشاركها الغرفة. أردت أن أقترب منها.”
ماذا؟! الأكاذيب تتدفق من فمها بسلاسة.
تابعت آيسيل بجرأة أكبر:
“لكن فجأة، كسرت الكوب الزجاجي و… ألقت الشظايا عليّ.
لقد كنت متسرعة فقط.”
“يا إلهي، كيف تفعلين شيئًا كهذا؟!”
بدت ديانا غاضبة حقًا.
كانت هذه أول مرة تراها كاثرين في تلك الحالة.
عندها فقط، استعادت كاثرين توازنها وصرخت:
“لا! إنها تكذب، تلك الحقيرة تكذب!”
“…نعم. فلتعتقدي أنني أكذب، أمي. أنا المخطئة هنا.”
خفضت آيسيل رأسها والدموع تترقرق في عينيها.
سقطت دمعة واحدة بهدوء على الأرض.
“أنتِ… أنتِ…!”
بلغت كاثرين حافة الانهيار.
لم تعد قادرة على التحمل.
رفعت يدها لتصفع آيسيل.
رأتها آيسيل تتحرك ببطء نحوها.
لم تكن هي الضعيفة كما كانت من قبل،
كان بإمكانها أن تتفاداها أو تمنعها.
لكنها لم تفعل.
ومع صوت الصفعة العالية، استدار رأس آيسيل بقوة.
وبدأت بشرتها البيضاء بالاحمرار على الفور.
ديانا لم تستطع إخفاء صدمتها، فمدّت يدها تمسح خد الطفلة.
“كاثرين!”
أما آيسيل، فاكتفت بضمّ خدها براحتها،
والدموع تتساقط من عينيها واحدة تلو الأخرى.
“هذا لا يمكن السكوت عنه. أيّ انسة راقية ترفع يدها هكذا؟
لم أربيك بهذه الطريقة، كاثرين!”
“لكن، أمي!”
“كعقوبة، ستكون هذه الغرفة لآيسيل من الآن فصاعدًا.”
“ماذا تقولين؟”
كاثرين عبست بحدة، لم يكن هذا معقولًا.
هذه الغرفة هي الأكبر والأفخم في القصر الكبير.
وكانت من حقها وحدها، هي التي تربّت كابنة دوق حقيقية،
وليس تلك الفتاة التي نشأت كخادمة وضيعة.
“أنت من رفض عرض آيسيل بمشاركة الغرفة، كاثرين.”
“لم أرتكب أي خطأ! كل ذلك بسببها!”
“كفى. لم أكن أعلم أن ابنتي يمكن أن تصرخ هكذا بوجه والدتها.”
أليشيا، التي شاهدت كل ما جرى، أغمضت عينيها بإحكام.
كاثرين، التي نشأت على الحب والدلال،
لم تكن تملك قوة السيطرة على غضبها.
وكان ذلك بسبب خطئها،
إذ حاولت أن تربيها على المكر فقط دون تربية حقيقية.
نظرت أليشيا في عيني كاثرين،
ثم هزت رأسها نافية، وكأنها تطلب منها ألا تردّ أكثر.
“استعدي لمغادرة الغرفة. سنعيد تجهيزها لتصبح غرفة آيسيل.”
“أمي……!”
“ومن الآن فصاعدًا، من الأفضل أن تنادي آيسيل بأختك الكبرى.”
قالت ديانا ببرود لكاثرين، التي كانت على وشك الانفجار بالبكاء.
“هيا بنا، آيسيل. تعالي، لنعالج جرحك.”
احتضنت ديانا كتف آيسيل المرتجف.
كانت دائمًا تعتبر تلك الأم المزيفة مجرد امرأة غبية.
لكن رؤيتها وهي تدافع عن شخص غيرها،
جعل الدم يغلي في عروقها.
بل، إن ما شعرت به لم يكن غضبًا، بل غيرة.
قبل أن تعرف الحقيقة كاملة قبيل موتها،
كان من المفترض أن تحبّها هي.
ليس تلك الفتاة التي تربّت كخادمة،
بل أنا، أنا من نشأت كابنة دوق!
الجميع أدبر عن كاثرين.
حتى أليشيا لم تكن مختلفة.
عندها، توقفت آيسيل التي كانت على وشك الخروج مع ديانا.
“لحظة، أمي.”
“هم؟”
“أودّ أن أواسي كاثرين قليلًا.”
“……آه، يا آيسيل. ما أروعك من أخت كبرى.
اذهبي بسرعة. لكن لا تنسي معالجة جرحك.”
“نعم، أمي.”
خرجت ديانا وأليشيا.
وبعدها، أغلقت آيسيل الباب بعنف.
“تواسينني؟ أنت؟”
ضحكت كاثرين بصوتٍ عالٍ، لكنّ عينيها كانتا مغرورقتين بالدموع.
“يا للسخرية…….”
اقتربت آيسيل منها بخطى ثابتة.
ثم، فجأة…
صفعة—!
توقّف ضحك كاثرين تمامًا.
وبدأ خدها، الذي انحرف للجانب، بالانتفاخ تدريجيًا.
لقد كانت صفعة قوية من آيسيل.
“أنتِ…! أنتِ صفعتني…!”
هل أصبحت تملك عضلات بعد هروبها من القصر!
كان الخد المصاب ساخنًا ويؤلم بشدة.
وضعت كاثرين يدها على خدها وهي تتلعثم بالكلام،
بينما أطلقت آيسيل ضحكة ساخرة.
“هذه عقوبة على رفعك يدك علي. مقارنة بما فعلته بي طوال تلك السنوات، أليست هذه مجرد تفصيلة صغيرة؟”
“آيسيل!”
صرخت كاثرين وأغلقت عينيها بشدة.
لكنها لم تعد تشكل أي تهديد لآيسيل الآن.
أصبحت فقط هدفًا للانتقام القاسي.
آيسيل لم ترفّ لها عين.
بل حدقت فيها بعينين باردتين وقالت بجمود:
“لا تفكري مجددًا في رفع يدك عليّ،
كاثرين. لن أبقى ساكنة بعد الآن.”
ثم، بخفة، ربّتت على خد كاثرين الذي ما زال يؤلمها، وابتسمت برقة.
ثم خرجت من الغرفة وشعرها المتلألئ يتمايل خلفها.
لقد كانت هزيمة كاثرين الكاملة.
بقيت كاثرين وحدها،
ثم بدأت تصرخ وتلقي بكل ما في الغرفة بعنف.
وبعد أن دمّرت كل شيء في الغرفة، وقفت تلهث في مكانها.
لم تستطع التحمل.
أرادت تحطيم غرور آيسيل،
تلك التي تعتمد على سحرها وتتفاخر به.
فتحت الباب بعنف، وخرجت تخطو بخطى غاضبة نحو المكتبة.
وبمجرد وصولها إلى هناك،
نادت بصوتٍ عالٍ بالكلمات المفتاحية للكتاب الذي تبحث عنه.
“أحضر لي كل الكتب التي تتعلق بالمحظورات السحرية.”
وبمجرد أن صدح صوتها في أرجاء المكتبة،
بدأت الكتب المتعلقة بالسحر المحرّم تطير في الهواء وتتجه نحوها برفق.
“تظنين أنني… لن أستطيع؟”
كانت عينا كاثرين تتلألأان بنظرة مظلمة وهي تنظر إلى الكتب التي بدأت تتراكم أمامها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 27"