استمتعوا
“……إنه جميل جداً.”
بعد أن أنهت آيسيل حمامها، ارتدت الفستان بمساعدة ليزا.
ثم وقفت أمام المرآة الطويلة التي تعكس جسدها بالكامل.
رغم أن جسدها النحيل ما زال يبدو هزيلاً، إلا أن منظرها بدا مختلفاً تماماً بعدما استحمت وارتدت ملابس نظيفة وأنيقة.
كانت تنظر إلى نفسها في المرآة وكأنها شخص آخر، وراحت تمسح بطرف أصابعها نسيج الفستان الناعم بإحساس جديد.
لطالما كانت ملابسها خشنة وقاسية.
كان ذلك لأن كاثرين وأليشا لم تسمحا لها حتى بارتداء ملابس الخادمات المعتادة.
لم يكن يُسمح لها بارتداء شيء إلا بعد أن تكون الخادمات قد استخدمنه حتى اهترأ وتقطعت أطراف الأكمام والتنورة،
وعندها فقط كان يُعاد ترتيبه لها على عجل وتُعطى إياه.
بعيداً عن جودة الفستان،
كانت هذه أول مرة ترتدي فيها ملابس نظيفة بهذا الشكل.
عندما أضافت ليزا إلى الفستان بروشاً مزيناً بروبي كبير في منتصف شريط أبيض، شعرت آيسيل بسعادة تكاد تطير بها من الأرض.
“بما أن سمو الماركيز في انتظارك، فسأرافقك إلى غرفة الطعام.”
“سموه؟”
“ربما لم يغمض له جفن طوال الليل.”
لقد كان متحمساً جداً لتناول الطعام مع حفيدته.
اختفت كلمات ليزا الأخيرة خلف ابتسامة خفية.
سارت آيسيل خلف ليزا متجهة نحو غرفة الطعام،
بينما يتملكها شعور مزيج من الخوف والتردد.
في الداخل، كان الماركيز ينتظر بالفعل.
كان يمسح لحيته البيضاء، ويبدو مهيباً للغاية.
وكانت التجاعيد العميقة بين حاجبيه تجعل ملامحه تبدو أكثر شراسة.
“وصلتِ.”
“……نعم، سموك.”
أجابت آيسيل بحذر، وهي تشعر بالتوتر وتضم كتفيها.
وفي تلك اللحظة،
بدت ملامح الماركيز الأكثر حدة وكأنها ازدادت تجهماً.
هل قلت شيئاً خاطئاً؟
رفّت آيسيل بعينيها بسرعة،
وجلست على الكرسي بهدوء حتى لا تصدر أي صوت.
“تبدين أفضل بكثير بعد التزيين.”
“أعجبني كثيراً. شكراً جزيلاً، سموك.”
“……لا داعي للشكر.
كانت بعض الفساتين تتجول في أرجاء القصر فحسب.”
قال ذلك وهو يقطب حاجبيه بشكل أكبر، وكأنه يخفي الحقيقة.
لكن آيسيل كانت تعلم الحقيقة بالفعل من ليزا.
وكادت أن تنفجر ضاحكة، لكنها تمالكت نفسها بصعوبة.
يبدو أن جدها يتمتع بشخصية خجولة جداً.
لقد بدأت تشعر ببعض الألفة تجاهه،
لكنها لم تصل بعد إلى مرحلة الراحة الكاملة في التعامل معه.
وسرعان ما امتلأت الطاولة بأصناف من الطعام.
نظرت آيسيل إلى الأطباق بعيون تتلألأ.
احتوت المائدة على أطعمة ذات سعرات حرارية عالية مثل الخنزير المشوي المليء بالدسم وشرائح اللحم مع الزبدة.
كان الماركيز عادة لا يفضل الأطعمة الدهنية، لكن هذه المرة رُتبت المائدة خصيصاً من أجل أن تكتسب آيسيل بعض الوزن.
“فلنأكل.”
“نعم.”
رغم أنها تناولت بعض الحلوى ليلة البارحة قبل النوم،
إلا أن رؤية هذه الأطعمة الشهية جعلت لعابها يسيل وبطنها تتوسل للحصول على الطعام.
في قرارة نفسها، كانت ترغب أن تمسك ساق الدجاج المليئة بالتوابل وتنهشها بأسنانها.
لكن آيسيل لم تستطع التصرف بهذه الطريقة.
كانت تخشى أن تبدو غير مهذبة.
لذلك، جلست تحدق في أدوات المائدة الموضوعة أمامها
– ملاعق وشوك وسكاكين بأحجام مختلفة – وهي شاردة الذهن.
لقد رأت كاثرين تأكل عدة مرات من قبل،
وكانت تعلم أن نوع الأداة المستخدمة يختلف حسب نوع الطعام.
ومع ذلك، لم تكن تعرف بدقة أي أدوات مائدة تُستخدم مع كل نوع من أنواع الطعام.
راحت يد آيسيل تتحرك بتوتر في الهواء بطريقة محرجة.
وفجأة، امسك الماركيز ساق دجاج بيده مباشرة وناولها لآيسيل.
أن يمسك أحدهم طبقاً مغطى بالتوابل بيديه، وليس مجرد قطعة خبز، كان أمراً لا يُتصور من نبيل رفيع المقام في العاصمة.
حتى وإن كانت منديل قد رُبط بطرف ساق الدجاج.
بدا وكأنه قرأ ما يدور في رأس آيسيل.
“تفضلي، تناولي طعامك براحتك.”
نظرت آيسيل إلى الماركيز بعينين مليئتين بالامتنان،
ثم تناولت ساق الدجاج منه.
كان الماركيز يراعيها بكل حب.
“أشعر بالجوع اليوم أكثر من المعتاد.”
وأضاف على ذلك بأن التهم هو الآخر قطعة من الدجاج بشهية.
هذا المنظر جعل فم آيسيل ينفتح من الدهشة.
كان الماركيز يمضغ طعامه وكأنه لا يولي اهتماماً بها،
متظاهراً بعدم المبالاة.
لقد شعر بالأسف تجاه حفيدته، التي لم تتعلم شيئاً رغم أنها تنحدر من نسب نبيل، بسبب مكائد أليشيا الشريرة.
أما آداب السلوك،
فيمكنها أن تتعلمها ببطء أثناء إقامتها في القصر.
حالياً، كل ما أراده هو أن تأكل حفيدته براحة.
“كل شيء يمكن تعلمه بالتدريج. لا يوجد ما يدعو للحرج أبداً.”
قال الماركيز ذلك بلا مبالاة وهو لا يزال يمضغ طعامه.
“……شكراً جزيلاً. سأبدأ بالطعام. سموك.”
قالت آيسيل بصعوبة،
وهي تحاول كبت الشعور العاطفي الذي غمرها.
ثم أدخلت ساق الدجاج التي ناولها لها الماركيز إلى فمها.
تمزق لحم الدجاج المطهو بعناية بنعومة داخل فمها.
“……جدي.”
قال الماركيز هذه الكلمة بصوت منخفض بالكاد يُسمع،
لكن للأسف، لم تصل إلى أذني آيسيل.
سرعان ما أنهت آيسيل كل اللحم عن ساق الدجاج، ثم نظفت يديها بمنديل قدمته لها ليزا بسرعة. ثم، عقدت حاجبيها قليلاً وسألت:
“……نعم؟”
تنحنح الماركيز وقال بارتباك:
“هم، هم، سموك؟ أليس هذا رسمياً أكثر من اللازم؟”
“إذاً……”
“أنتِ حفيدتي الوحيدة، آيسيل.”
نظرته التي بدت حادة لأنها كانت مرتفعة قليلاً التقت بعيني آيسيل، ولكن في أعماقها كانت تحمل دفئاً واضحاً نحوها.
“……هم، ناديني فقط بجدي، براحه.”
غطّت ليزا فمها بيدها لتمنع ضحكة كادت تفلت منها.
في النهاية، كل ما أراده هو شيء واحد.
كان يريد أن يسمع كلمة ‘جدي’.
“……نعم، جدي.”
قالتها آيسيل ببطء وبخجل.
ارتعش طرف فم الماركيز إلى الأعلى.
حاول أن يغلق شفتيه بإحكام ليخفي ابتسامته.
لكن كان واضحاً للجميع، بما فيهم آيسيل وخدم غرفة الطعام،
أن الماركيز كان في مزاج رائع.
وبعد أن أنهت كلامها،
أكلت آيسيل كل ما كان على الطاولة دون أن تترك شيئاً.
لم تستطع التوقف بسهولة أمام هذا الطعام الشهي والثمين.
نظر الماركيز إليها بإعجاب وهي تُنهي طعامها وتترك الصحون نظيفة تماماً.
وبينما كانت تحدق في الصحون الفارغة بعد أن أكلت بنهم،
رفعت رأسها والتقت نظراتها بنظرات الماركيز.
احمر وجه آيسيل من الإحراج.
رغم أن الوجبة كانت مشتركة، شعرت وكأنها أكلت كل شيء وحدها.
ابتسمت بخجل وهي تغلق عينيها قليلاً وعبرت عن امتنانها.
“شكراً على الطعام، جدي.”
“طالما أعجبك، فهذا يكفيني.”
نظر الماركيز بحدة إلى ذراع آيسيل النحيلة.
بدا أنه لا بد من إطعامها أكثر.
وعيناه قالتا بوضوح، هذا لا يكفي على الإطلاق.
لقد كنت ساذجاً جداً في تقديري.
شعر بالذنب، فقطّب وجهه وفتح فمه قائلاً:
“ابتداءً من الغد، سنزيد كمية الطعام.”
نظرت آيسيل إليه باندهاش.
بدا وكأنه يقرأ ما في عقلها حقاً.
“ابدؤوا من الغداء اليوم، حضّروا لها ضعف الكمية المعتادة.”
“نعم، سموك.”
أجاب جميع الخدم بابتسامة مرسومة على وجوههم.
“لا بأس، أنا متخمه فعلاً.”
“يبدو أنني كبرت في السن، مؤخراً أشعر بالجوع سريعاً.
الطعام لا يكفيني.”
مسحت آيسيل بلطف الزيوت عن طرف فمها،
وألقت نظرة حذرة إلى عيني الماركيز.
بدا وكأنها لديها ما تريد قوله.
انتظر الماركيز أن تبدأ بالكلام.
لكن آيسيل ترددت طويلاً.
وفي النهاية، تكلم هو أولاً.
“هل لديكِ شيء تريدين قوله؟”
“……لدي طلب، من فضلك.”
“طلب؟”
ارتفع حاجباه عالياً.
ثم بدأت آيسيل تتحدث، بهدوء،
عن الطلب الذي كانت تحتفظ به داخلها.
“أرجوك، خلال أسبوعين، اجعل مني انسة نبيلة بكل معنى الكلمة.
لا مانع لدي إن لم أنم الليل.”
بدت عينا حفيدته مصممتين بنفس الطريقة التي كانت تتحدث بها ابنتُه عندما كانت تخطط للانتقام.
لكن الماركيز لم يكن يحتمل رؤية حفيدته العزيزة تمر بالمعاناة.
تنهد بعمق.
“أليس انتقام والدتك كافياً؟”
في الحقيقة، عندما سمع بخطة ديانا، أراد إيقافها بأي طريقة.
والآن حفيدته تسير في نفس الطريق.
“جدي، أنا……”
نظرت إليه آيسيل بعينين ثابتتين.
“أريد أن أحمي أمي. لا، يجب أن أحميها.”
كانت لا تزال طفلة.
ولكن عينيها كانتا تحملان حزناً عميقاً لا يحمله إلا من مر بالكثير في الحياة.
كما حدث مع ديانا،
لم يستطع الماركيز تقدير عمق حزنهم أو غضبهم.
لأن ما تعرضوا له كان شيئاً خاصاً بهم.
ولذلك، لم يكن له الحق في إيقافهم.
الاختيار يجب أن يكون لهم وحدهم.
تعمقت تجاعيد وجهه أكثر.
وبعد لحظة من التفكير، أومأ برأسه ببطء.
“……حسناً. سأفعل ما تطلبينه.”
“شكراً جزيلاً، جدي.”
هكذا، خلال الأسبوعين في قصر الماركيز،
لم تنم آيسيل، وتعلمت آداب النبلاء.
كان عليها حفظ الكثير،
وكونها لم تكن تملك أي أساس مسبق جعل الأمر صعباً جداً.
لكن يبدو أنها ورثت ذكاء ديانا، فقد كان عقلها لامعاً جداً.
وسرعان ما بدأت آيسيل تتقن الآداب الملكية وكأنها نشأت كأنسة نبيلة منذ البداية.
وفي كل صباح وظهيرة ومساء،
كانت تُجبَر على تناول الطعام حتى تمتلئ معدتها تماماً.
من أجل زيادة وزنها وجعل جسدها يبدو أكثر صحة.
وكانت تتلقى جلسات تدليك يومية باستخدام زيوت وعطور من أفخر الماركات، التي كانت ستدهش حتى كاثرين إن رأت ذلك.
ومع مرور الوقت، بدأت ملامح آيسيل تتغير تدريجياً.
وبعد مرور أسبوعين، وقفت آيسيل أمام المرآة.
ومع رؤية شكلها الجديد، ارتسمت ابتسامة بطيئة على شفتيها.
لقد حان وقت العودة الآن. إلى منزلها الحقيقي.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 25"