استمتعوا
منذ أسبوعين.
ما إن عادت ديانا إلى قصر الدوق، حتى أمر ماركيز بريتشي بإعطاء آيسيل أفضل غرفة في القصر، وأوكل المهمة إلى ليزا.
رافقت ليزا آيسيل إلى باب مزين بالأحجار الكريمة في كل مكان.
دارت عينا آيسيل بدهشة عندما رأت الباب.
كان من الواضح أن بيع هذا الباب وحده سيجلب كومة من العملات الذهبية.
رغم أنه مجرد باب، إلا أن تزيينه بهذه الدقة كشف بوضوح عن مدى حرص ودقة ماركيز بريتشي.
“تفضلي بالدخول!”
قالت ليزا بنبرة مرحة وهي تفتح الباب أمام آيسيل التي كانت تحدق فيه بشرود.
“آه، نعم…”
رغم كلام ليزا اللطيف والمبهج، بدت آيسيل محرجة ومترددة.
ترددت في دخول الغرفة لبعض الوقت،
ثم بدأت تخطو خطواتها ببطء إلى الداخل.
كانت الغرفة في قصر الماركيز أوسع بكثير من غرفة كاثرين.
وعلى الرغم من أن آيسيل لم تكن تملك عينًا خبيرة، بحكم كونها خادمة لا تعرف شيئًا، فقد كانت ترى بوضوح أن الأثاث كان من أعلى جودة، والزينة مكونة من الذهب والجواهر.
كانت قد سمعت عن ثراء عائلة بريتشي، لكنه فاق كل توقعاتها.
ظلت عينا آيسيل تتحركان بدهشة في أرجاء الغرفة.
ربما لأنها عاشت طوال طفولتها حبيسة رفوف الكتب،
بدت الغرفة الواسعة غريبة تمامًا عنها.
مرت يدها على الزينة بعينين تملؤهما الفضول والدهشة.
“انستي، لقد تأخر الوقت، لذا لن نحضر طعامًا كاملاً،
سأجلب لكِ بعض الوجبات الخفيفة.”
لاحظت آيسيل أن ليزا قد بدأت تناديها بلقب ‘انستي’.
هزّت آيسيل رأسها بخجل.
ثم انحنت ليزا بلطف وخرجت من الغرفة.
تابعت آيسيل بنظرها ليزا وهي تغادر،
تطرف بعينيها بسرعة دون أن تستطيع تحويل نظرتها عنها.
لطالما كانت هي من تخدم الآخرين.
كونها يتيمة وخادمة،
لم تعتد أن تُعامل بلطف أو يُخاطبها أحد بالاحترام.
سرعان ما عادت ليزا وهي تدفع عربة مليئة بالحلويات.
وكان على العربة كعكة صغيرة مغطاة بالفراولة، ومجموعة من الماكرون والإكلير، وهي أشياء يحبها الأطفال بلا شك.
لم تكن تشعر بالجوع في البداية،
ولكن ما إن رأت تلك الحلويات المزينة بشكل جميل،
حتى بدأت تبتلع ريقها بشدة.
“في العادة، لا يُنصح بتناول الحلوى في وقت متأخر من الليل.”
قالت ليزا وهي تضع الأطباق على الطاولة مبتسمة بلطف.
“لكن سعاده الماركيز أمر بأن تأكلي شيئًا،
فقد قال إنكِ نحيلة للغاية.”
“سعادته؟”
“نعم.”
عندما قابلت الماركيز لأول مرة، شعرت آيسيل بالخوف من ملامحه الحادة، لكنها رأت دفئًا صادقًا في عينيه المليئتين بالتجاعيد.
رغم مظهرها المخيف،
استطاعت آيسيل أن تشعر بأنه إنسان دافئ.
نظرت إلى الحلويات الشهية بعينين ممتنتين من أعماق قلبها.
لطالما عاشت على الخبز الجاف،
وهذه أول مرة في حياتها ترى مثل هذا الطعام.
كانت دائمًا تتساءل عن طعم هذه الأشياء وهي تراقب كاثرين تأكل، وأحيانًا كانت تبلع ريقها وهي تتوق لتذوقها.
في الحقيقة، حتى وإن كانت مجرد خادمة، فإن فكرة عملها في قصر دوقي دون أن تتذوق حتى قطعة حلوى واحدة أمر لا يُصدق.
عادة ما يُعطى الطعام المتبقي للخدم،
لكن حتى هذا لم يكن مسموحًا به لآيسيل.
لأن كاثرين كانت تكره أن تعطيها شيئًا،
فكانت تأكل حتى آخر قطرة كريمة في الطبق رغم امتلائها.
تألقت عينا آيسيل وهي تحدق في الحلويات الممتدة على الطاولة، لكنها لم تستطع تحريك يدها لتختار أيًا منها، واكتفت بابتلاع ريقها.
حين لاحظت ترددها،
أمسكت ليزا بيدها وأعطتها شوكة صغيرة للحلوى.
“تفضلي، تذوقي. سعادة الماركيز طلب أن أتأكد من أنك تأكلينها كلها.”
“…حسناً.”
ردّت آيسيل بصوت خافت بالكاد يُسمع،
ثم اختارت حبة ماكرون بتردد ووضعتها في فمها.
على الفور، احمرّ خداها.
كان الحشو الناعم من الفانيلا بين قطع الماكرون يذوب بلطف على لسانها. لم تذق شيئًا بهذا الطعم الحلو والناعم من قبل.
لم تكن تعلم أن الخبز يمكن أن يكون طريًا.
لم تكن تعرف أن هناك شيئًا بهذه اللطافة موجود في هذا العالم.
فغرت فمها بدهشة ولم تستطع إخفاء اندهاشها.
نظرت إليها ليزا وكأنها تراها طفلة لطيفة.
كان وجهها المحمر يشبه ثمرة خوخ ناضجة.
لكن في أعماقها، شعرت بالحزن عليها.
فقد علمت من الماركيز أن آيسيل تبلغ من العمر خمسة عشر عامًا.
ولكنها بالكاد بدت في سن الثالثة عشرة، بسبب نحافتها الزائدة.
حتى وإن كانت قد تربّت كخادمة،
فمن الواضح أنهم لم يطعموها جيدًا.
“جربي الكعكة أيضًا. صانع الحلويات لدينا ماهر للغاية.”
بفضل حلاوة الحلوى، بدأت تشعر بالاسترخاء بعد التوتر.
تناولت آيسيل الفراولة من فوق الكعكة ووضعتها في فمها.
كانت الفراولة المغطاة بالكريمة الطازجة منعشة ولذيذة.
وبينما هي مأخوذة بالطعم، حركت الشوكة مرة أخرى.
وكانت الكعكة الإسفنجية المبللة بالشراب لذيذة لدرجة مذهلة.
“ظننت أن الشاي قد لا يناسب ذوقك،
فأحضرت لكِ بعض الكاكاو الساخن.”
كاكاو؟! فتحت آيسيل فمها بدهشة دون وعي منها.
إن طُلب منها أن تختار أكثر شيء أرادته طوال حياتها،
فبلا شك سيكون الكاكاو.
في كل يوم شتوي ماطر، كانت كاثرين تحتسي الكاكاو الساخن.
وعندما كانت رائحته الحلوة تصل إلى أنف آيسيل عبر رفوف الكتب، كانت تكتفي بتخيل الطعم.
أحضرت ليزا كاكاو كثيفًا مصنوعًا من مسحوق الكاكاو مع شوكولاتة مذابة، ووضعته أمام آيسيل.
أمسكت آيسيل الكوب بيديها الجافتين،
وانتشر دفء الحليب في جسدها كله.
وبقلبٍ ينبض بشدة، رفعت الكوب ببطء إلى شفتيها.
دخل السائل البني الحلو إلى فمها بهدوء.
شعرت وكأن دموعها ستنهمر.
رغم أن الماكرون والكعكة كانا لذيذين،
فإن الكاكاو كان الأفضل بلا منازع.
شعرت وكأن دفء الماركيز وليزا قد ذاب في ذلك الكوب.
“ما رأيك؟”
سألتها ليزا وهي تبتسم برقة وتراقبها تحتسي الكاكاو.
ابتسمت آيسيل خجلاً وقد أنهت الكوب بسرعة.
“……إنه لذيذ جدًا.”
“لكن في الليل يمكن أن يضر بأسنانك، لذا سأحضره لكِ بعد الظهر فقط. تحتاجين إلى اكتساب بعض الوزن.”
“……شكرًا لك.”
“إذًا، لا بد أنكِ متعبة.
كلي ثم نامي، فابتداءً من الغد ستكونين مشغولة جدًا!”
صفقت ليزا بيديها ثم جمعت أدوات التقديم.
فقالت آيسيل بصوت خافت:
“شكرًا لكِ، ليزا.”
“لا داعي للشكر.”
ابتسمت ليزا ابتسامة عريضة ثم غادرت الغرفة.
أخذت آيسيل المزيد من الماكرون وبدأت تمضغها ببطء،
ثم ابتلعتهم. مسحت فمها بأكمامها، وجلست بلطف على السرير.
غاص جسدها في السرير الناعم.
لم تكن تتخيل أنه سيكون بهذه النعومة! رفعت جسدها بدهشة.
كانت معتادة على النوم على الأرض الصلبة،
ما كان يسبب لها دائمًا آلامًا في ظهرها.
استلقت آيسيل بحذر على السرير وغطّت نفسها حتى الكتفين.
كان دافئًا ومريحًا.
وربما لأن بطنها كانت ممتلئة، فقد بدأ النعاس يغلبها.
كان هذا اليوم من أسعد أيام حياتها.
التقت بوالدتها التي اشتاقت إليها وأرادت حمايتها.
رغم خوفها من ألا تصدقها والدتها،
اكتشفت أنها تشعر تمامًا مثلها.
التقت بوالدتها التي كانت تشتاق إليها،
وبجد بدا مخيفًا من الخارج لكنه دافئ من الداخل.
وتذوقت لأول مرة حلويات لذيذة وكاكاو دافئ.
تساءلت: هل من الممكن أن يكون هذا مجرد حلم سيختفي حين أستيقظ؟ فقرصت خدها بخفة. وشعرت بألم حقيقي.
شعور بالسعادة لم تجربه من قبل ملأ صدرها بدفء جميل.
أغمضت آيسيل عينيها ببطء مرتين،
وابتسمت ابتسامة خفيفة، ثم أغمضت عينيها بالكامل.
***
“صاحبة السمو، حان وقت الاستيقاظ.”
“هممم…”
سمعت صوت سحب الستائر.
ودخل ضوء الشمس الدافئ من النافذة.
فتحت آيسيل عينيها متضايقة من سطوع الضوء.
لم تكن رائحة الكتب العفنة،
ولا دار الأيتام المكتظ بالأطفال المتكدسين.
بل كانت غرفتها الواسعة في قصر الماركيز.
استفاقت آيسيل وهي تفرك عينيها.
أخرجت ليزا الفستان الذي أعدته لها.
كان فستان شميز أبيض ناصع.
“هذا هو الفستان الذي أعده لكِ سمو الماركيز خصيصاً.”
كان الفستان الموضوع على السرير يبدو مناسباً تماماً لجسم آيسيل، حتى وإن كانت أصغر من سنها.
بينما كانت تبتلع إعجابها بالفستان الجميل، سألتها بدهشة:
“كيف جهزتموه بالفعل…؟”
لقد كانت آيسيل قد وصلت إلى قصر الماركيز في الليلة السابقة فقط. فكيف علموا أنها ستأتي، وحتى أعدوا لها فستاناً يناسبها تماماً وكأنهم كانوا يعلمون؟
ضحكت ليزا بخفة عند سماع السؤال.
كان ذلك بسبب ما حدث في اليوم السابق.
“لقد كان هناك فوضى كبيرة البارحة.”
“فوضى؟”
“قال أنه سيضيف مبلغاً إضافياً، وأمر بجلب الفستان فوراً.”
“… ماذا؟”
فتحت ليزا خزانة الملابس في الغرفة.
كان الخزانة مليئة بأنواع مختلفة من الفساتين التي لم تكن تعرف متى تم تجهيزها.
فتحت عيني آيسيل على مصراعيها.
قامت من مكانها وتحسست الأقمشة الملونة بحذر.
كان الإحساس الناعم واضحاً تحت يديها.
“هذا…؟”
“كل هذه ملككِ. للأسف، لأننا اضطررنا للبحث بسرعة،
كانت الفساتين جاهزة لكن ليست مصممة خصيصاً.”
أومأت ليزا بحزن، كأنها تأسف لذلك.
ومع ذلك، كانت آيسيل التي لم تلبس حتى فستاناً بسيطاً أو فستاناً قديم الطراز، ترى هذه الفساتين أكثر من كافية.
لم تستطع أن تزيل عينيها عن الفساتين المتلألئة وقالت بصوتٍ غريب:
“كلها جميلة جداً.”
“هههه، سأنقلكِ إلى الحمام بعد الاستحمام.”
أخذت ليزا آيسيل إلى حمام قصر الماركيز.
كان هناك العديد من الخادمات اللواتي أعدن الحمام بالفعل.
“أنا قادرة على فعل ذلك بنفسي…!”
“أوه، لا يمكن ذلك.”
قاموا بسرعة وبنعومة بخلع ملابس آيسيل القديمة.
مع خلع ملابسها، ظهرت جسدها النحيف والمتهالك،
مما جعلها تشعر بالخجل والحرج.
على الرغم من محاولتها تغطية جسدها بسرعة،
لم يكن هناك ما يمكن أن يغطي جسدها الهزيل المتجعد.
وكان هناك جروح في بعض أجزاء جسدها بسبب العمل الشاق.
لم تستطع ليزا أن تفتح فمها بسهولة.
كان منظرها المأساوي يثير الغضب،
حتى وإن كانت من طبقة أدنى.
لكن لم يكن بإمكانها أن تظهر مشاعرها.
كان ذلك يمكن أن يُعتبر إهانة للانسة الصغيرة.
حاولت ليزا إخفاء تغير ملامح وجهها بابتسامة على وجهها.
“ادخلي إلى الحوض، انستي.”
“… نعم.”
كانت درجة حرارة الماء قد تم ضبطها بشكل مثالي.
وكان الحمام مليئاً بأفضل أنواع العطور التي جعلت آيسيل تشعر بالراحة بعد أن اختفى شعورها بالخجل.
بينما كانت آيسيل تستعرض الحمام،
توقفت عيناها عند زجاجة العطر.
أدركت أنها كانت نفس العلامة التجارية التي كانت كاثرين تتمنى أن تمتلكها، وهي تلك التي يديرها دوق آيبرك.
“أليست تلك غالية جداً؟”
“نعم؟”
“هذا العطر، أقصد.”
أشارت آيسيل بإصبعها إلى زجاجة العطر الفارغة.
“انستي.”
“نعم؟”
قالت ليزا بلهجة جادة:
“قال سمو الماركيز إنه سيقدم لكِ فقط أفضل ما في هذا المكان طوال مدة وجودك هنا، وهي أسبوعين.”
توقفت آيسيل عن اللعب بالرغوة الوردية المتصاعدة وبدأت تفكر في كلام ليزا.
“تمتعي بكل شيء لم تحظِ به حتى الآن،
انستي. هل فهمتِ؟”
كانت كلماتها صحيحة.
لم تكن آيسيل بعد الآن مجرد خادمة في الزمان الماضي،
تلك الفتاة التي كانت محبوسة بين صفحات الكتب.
كان عليها أن تصبح انسة مثالية في هذا القصر.
أكثر براعة وأناقة من كاثرين.
تألقت عينا آيسيل، التي كانت تشبه عيون ديانا،
بعزم لا يمكن إنكاره، كأنما تحتوي على تصميم حازم يلمع فيها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 24"