استمتعوا
“لقد صادف أنني أرتدي الفستان الجديد الذي اشتريته اليوم،
لذا يمكنني الذهاب هكذا. بليندا، هل يمكنك إحضار بعض المجوهرات؟”
“نعم، سموّكِ.”
نظرًا لأنها كانت تنوي الذهاب إلى حفلة الشاي من الأصل،
كانت ديانا قد ارتدت بالفعل الفستان الجديد الذي أعدّته.
عادت بليندا بسرعة وهي تحمل طقم أقراط وقلادة مرصّعين بماسة بحجم الإبهام.
بمجرد أن فتحت العلبة، انبعث منها وهج براق أعمى الأبصار.
رفعت بليندا القلادة الماسية بحذر وعلّقتها في عنق ديانا،
بينما قامت ديانا بنفسها بتعليق الأقراط في أذنيها.
كانت الألماسات الكبيرة المعلّقة تتلألأ بانعكاس الضوء عليها.
هل يوجد شخص يليق به الألماس بهذا الشكل؟
نظرت أليشيا إلى المرآة خلفها.
رأت انعكاس وجهها.
منذ لحظات فقط، كانت تبدو كأنها هي الدوقة الحقيقية.
ولكن رغم ارتداءها لفستان ومجوهرات من نفس العلامة التجارية،
كان هناك فارق واضح في الهالة بين ديانا وبينها.
قبضت يدها بقوة حتى غاصت أظافرها في لحمها.
استدار كاليبسو بوجه متجهم وغادر المكان وكأنه يقول:
“حتى عندما أُقدّم لكِ الأمور جاهزة لا تستطيعين الاستفادة منها؟”
مجرد أن يقول ‘ مبارك ‘ وغادر بعد أن فُتحت عينا السيدة؟
ديانا نظرت إلى ظهر كاليبسو من أعلى إلى أسفل،
ثم فتحت فمها لتتحدث.
“إذًا، سأذهب وحدي…”
“… أمي.”
بينما كانت ديانا تمسك بطرف فستانها وتستعد لمغادرة البهو، أوقفتها كاثرين بصوت منخفض.
“اصطحبيني معكِ. أنا بخير فعلًا. أرجوكِ، أمي…”
قبل عودتها بالزمن،
لم تطلب كاثرين شيئًا من ديانا بهذه الطريقة المتوسّلة أبدًا.
بالطبع، كان ذلك جزئيًا لأن ديانا كانت تسبقها دومًا في تلبية احتياجاتها.
على أي حال، كانت فتاة ذات كبرياء شديد.
والآن ها هي تتخلى عن كبريائها وتتوسل إليها.
يبدو أن الأمير سوير كان له تأثير فعّال فعلًا.
“حقًا؟”
“نعم، أرجوكِ…”
حسنًا إذًا.
سأمنحكِ رحمتي.
وتذوقي أنتِ أيضًا، مثل أمكِ،
شعور الانتقال من الجنة إلى الجحيم.
“إذًا، تعالي معي.”
فوجئت كاثرين بالقبول غير المتوقع،
واتّسعت عيناها وهي تنظر إلى ديانا.
كانت تظن أن ديانا، بما لها من حرص على صحة كاثرين،
سترفض بسهولة، لكنها وافقت ببساطة.
“حقًا؟”
“نعم، هيا بنا.”
ابتسمت ديانا بلطف وهي تمسك بيد كاثرين وتقودها.
استدارت كاثرين ونظرت إلى والدتها البيولوجية ذات الملامح المحطّمة، ثم أطلقت ضحكة خفيفة.
لم يهمها ما يحدث لأمها.
كل ما تريده هو الحصول على الأمير سوير.
وبما أن ديانا استعادت بصرها،
فلتكمل لعب دور الابنة الحقيقية وتتزوّج به، وسيكون هذا كافيًا لها.
“هاه؟ سمو الدوقة… عيناكِ؟”
“نعم، هذا ما حدث. خذنا إلى قصر دوق إيبرك، من فضلك.”
تركوا خلفهم السائق المذهول، وركبت كاثرين وديانا العربة معًا.
المسافة من قصر الدوق إلى العاصمة تستغرق ثلاثة أيام بالعربة، ولكن باستخدام نفق المانا في برج السحر يمكن قطعها في ساعة واحدة فقط.
وللوصول إلى نفق المانا، كان عليهما عبور عدد من القرى.
فتحت ديانا نافذة العربة على مصراعيها.
بعد أن رأت وجهي كاليبسو وأليشيا المتجهمَين،
وكونها خرجت أخيرًا دون عصابة العين، شعرت بانشراح شديد.
“أمرٌ رائع، حقًا.”
“هممم؟”
“كنتِ مريضة بسببي… والآن تعافيتِ.”
بدأت كاثرين تتودد بكل الأساليب الممكنة.
يا لها من سرعة في تغيير الموقف.
الآن وقد انقطع خيط علاقتها بأليشيا،
فهي تحاول التقرّب مجددًا من ديانا.
“شكرًا على قلقكِ، عزيزتي.”
“لقد كان ذلك يثقل صدري فعلًا…”
بمنتهى الوقاحة، تظاهرت كاثرين بأن الدموع تملأ عينيها.
حدقت فيها ديانا لوهلة، ثم ابتسمت ساخرًا.
“فهمت. إذًا هل ستستمرين في القراءة لي؟”
“… نعم؟ مـ، ماذا؟”
تفاجأت كاثرين من السؤال غير المتوقع، وتلعثمت في الرد.
“أريد أن أزيح عنكِ عبء الذنب.
صوتكِ العذب مثل الكناري يمنحني شعورًا جميلًا.”
“… حاضر، أمي. ليس أمرًا صعبًا، في الحقيقة.”
ردّت وكأن الأمر بسيط، لكن صوتها المبحوح كان يقول عكس ذلك.
ابتسمت ديانا بسخرية وهي تدير رأسها نحو النافذة.
وبعد قليل، مروا بعدة قرى ووصلوا إلى نفق المانا.
بمجرد عبورهما النفق المتلألئ بألوان قوس قزح،
ظهرت أمامهما شوارع العاصمة المزدحمة.
عيون كاثرين اللامعة كانت تتابع المشهد من النافذة.
كان مرور ديانا وكاثرين على العاصمة بعد غياب طويل.
مرّت العربة بعدد من القصور المهيبة،
حتى وصلت أخيرًا إلى قصر دوق إيبرك.
“واو، إنه رائع حقًا!”
نزلت كاثرين من العربة وهي تمسك بطرف فستانها كأنها دوقة حقيقية.
“هذه أول مرة لكِ هنا، صحيح؟”
“نعم، أمي!”
رغم أنها نشأت في أسرة إرينست الدوقية النبيلة ذات الدم الملكي، إلا أن تلك العائلة كانت في ضائقة مالية دائمة، فلم تعرف كاثرين الترف من قبل. لذا كان من الطبيعي أن تُذهل بهيبة قصر إيبرك.
عائلة إيبرك كانت في مستوى مختلف تمامًا عن غيرها من العائلات الدوقية.
“هيا ندخل.”
“نعم.”
اصطحبت ديانا كاثرين ودخلتا إلى شرفة القصر.
وما إن رأتها السيدات هناك، حتى اتسعت أعينهن من الدهشة.
“يا إلهي! سمو الدوقة!”
“كيف حالكِ؟”
“لكننا سمعنا أنكِ تعرّضتِ لحادث…!”
“لقد زارتني المعجزة.”
ابتسمت ابتسامة خفيفة واتجهت نحو دوقة إيبرك،
سيرينا دي إيبرك، التي كانت تعرفها منذ ما قبل الزواج.
“سموكِ.”
“سيدتي!”
“كدتُ أشعر بالخذلان، تعلمين؟”
“هاه؟”
تظاهرت ديانا بعدم الفهم، رغم معرفتها بما تقصده.
“أقصد ردكِ الذي أخبرتني فيه أنكِ سترسلين طبيبة بدلًا منكِ.”
“آه…”
“وفوق ذلك، من عائلة بارون بلير فقط!”
لاحظت ديانا ارتجاف كتفي كاثرين خلفها.
سيرينا لم تكن امرأة سيئة،
لكن هكذا هو عالم الطبقة الأرستقراطية.
طالما بقي نظام الطبقات قائمًا في هذا الإمبراطورية،
لن يتغير شيء.
“أعتذر. لذلك، ما إن تحسّنت حتى جئت مسرعة.
ستسامحينني، أليس كذلك؟”
“بالطبع.”
كان ذلك جيدًا.
تلك الفتاة الذكية لا بد وأنها تقارن بين أليشيا وديانا في عقلها باستمرار.
والآن، بعد سماع كلمات دوقة إيبرك، لا شك أن كفة الميزان في قلب كاثرين بدأت تميل نحو ديانا.
“كاثرين، قدّمي التحية. لقد قابلتِها من قبل، صحيح؟”
“مرحبًا! أنا كاثرين دي إرينست.”
أمسكت كاثرين جانبي فستانها،
وانحنت بركبتَيها، وحيّت بخجل مع احمرار في وجهها.
“آه، كم أنتِ جميلة!”
“وأين الأطفال؟”
“إنهم يتناولون الحلوى في الداخل.”
مع كلمات سيرينا، اتسعت عينا كاثرين فرحًا.
فلا شك أن اللورد سوير سيكون بينهم.
“والآنسة…”
“لا، لن تأتي.”
“هاه؟”
قاطعت ديانا كلمات سيرينا، التي نظرت إليها باستغراب.
“أُصيبت بالزكام. الأمر لا يهم الكبار كثيرًا، لكن العدوى تنتشر بسهولة بين الأطفال. لذا كاثرين ستبقى معي.”
لا تلومي إلا نفسك يا كاثرين، هذه نتائج كذبتك.
نظرت ديانا إلى تعبير كاثرين، ثم ابتسمت بلطف.
“آه، فهمت. حسنًا إذًا.”
اهتزت عينا كاثرين، الشبيهتين بعيني كاليبسو.
لكنها لم تستطع الإلحاح على ديانا أمام باقي السيدات.
فكان عليها أن تبقى بجانب ديانا طوال حفلة الشاي،
تراقب المنزل الذي فيه الأطفال بوجه تعيس حتى تنتهي.
***
“هل استمتعتِ؟”
“… نعم.”
انتهى الجدول أخيرًا،
وركبت ديانا وكاثرين العربة بعد أن ودّعتا الجميع.
ممتع… ياله من هراء. لقد كان مملًا إلى أبعد الحدود.
كانت كاثرين تنتظر لقاءً رومانسيًا مع اللورد ساوير.
شعرت بالغضب لدرجة أنها أرادت أن تحطم كل أطقم الشاي على الطاولة.
لكنها لم تستطع. دوقة آيبرك كانت ستصبح حماتها المستقبلية.
لم يكن بإمكانها أن تكشف عن مشاعرها وتتصرف كطفلة.
“هذا مطمئن.”
ابتسمت ديانا ابتسامة رقيقة وفتحت نافذة العربة على مصراعيها.
عبرت العربة مرة أخرى عبر نفق المانا.
وبعد اجتيازه، بدأت قرى مقاطعة الدوق بالظهور.
وكانت الشمس قد بدأت تغرب.
كم هو جميل لون الغروب.
شعور يشبه النظر إلى لوحة مائية.
ارتسمت ابتسامة عفوية على شفتي ديانا.
في تلك اللحظة، رأت من نافذة العربة مجموعة من الأطفال يتجهون إلى مكان ما. وفيما بينهم، لفت نظر ديانا شيء ما.
طفلة ذات شعر بلاتيني…!
رغم أنها رأت ظهرها فقط، إلا أن قلبها بدأ يخفق وكأن شيئًا صاعدًا إلى صدرها.
أغلقت ديانا النافذة بسرعة حتى لا تراها كاثرين،
ثم صرخت باتجاه السائق:
“توقف، أرجوك توقف!”
“…أمي؟”
”عودي أنتِ وحدكِ.”
توقف السائق بسرعة عند سماعه صوت ديانا الملح.
وما إن نزلت من العربة، حتى همست له:
“حتى لو طلبت كاثرين التوقف، لا تتوقف.
فقط أنزلها في قصر الدوق، ثم عد إلى هنا. فهمت؟”
“نعم، مفهوم يا صاحبة السمو.”
انطلقت العربة على الفور.
وما إن ابتعدت العربة عن مرمى البصر،
بدأت ديانا تنظر حولها بتوتر.
كانت متأكدة أنها رأت طفلة ذات شعر بلاتيني تتجول.
أمسكت بطرف فستانها ودخلت إلى الزقاق الذي توجه إليه الأطفال. وبعد أن مشت في زقاق ضيق جدًا لبعض الوقت،
ظهر أمامها مبنى ميتم قديم.
“هل توجد ميتم في مكان كهذا…؟”
بما أن هذه قرية ضمن مقاطعة الدوق، فهناك احتمال كبير أن تكون الطفلة التي هربت من القصر موجودة في ميتم هذه القرية.
أخذت ديانا نفسًا عميقًا ودخلت إلى الميتم.
كانت أصوات ضحكات الأطفال وهم يلعبون في الساحة تُسمع بوضوح.
حتى مع دخول شخص غريب، لم يعرها الأطفال اهتمامًا كبيرًا.
“يا صغيرتي.”
أمسكت ديانا بطفلة كانت تلعب بمرح وسألتها.
فأجابت الطفلة بصوت لطيف وواضح:
“نعم؟”
“هل هناك طفلة ذات شعر بلاتيني هنا؟”
“آه؟ أليست تلك الأخت؟”
بدأ الأطفال يهمسون لبعضهم بأسماء غير واضحة.
لكن لم تتمكن ديانا من التقاط الاسم بوضوح.
“أوه، إنها هناك!”
أشارت طفلة ما بإصبعها إلى مكان معين.
فلفت ديانا رأسها باتجاه الإصبع.
رأت الطفلة ذات الشعر البلاتيني التي كانت قد رأتها من قبل تدخل إلى جانب مبنى الميتم.
“شكرًا جزيلًا لكِ.”
شكرت ديانا الطفلة التي دلتها،
ثم سارعت إلى اتباع الفتاة إلى جانب المبنى.
كانت الطفلة ذات الشعر البلاتيني تجري متجهة إلى مكان ما.
ركضت ديانا بسرعة دون أن تكترث بأن فستانها سيتسخ، وأمسكت فجأة بمعصم الطفلة.
”آه…!”
تفاجأت الطفلة بشدة عندما أمسك أحدهم بمعصمها،
فاستدارت بجسدها.
وفي تلك اللحظة، التقت عينا ديانا بعيني الطفلة.
عينان زمرديتان متطابقتان وكأنهما طبعتا من نفس القالب.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 20"