استمتعوا
فقدت ديانا بصرها، لكن شيئًا لم يتغير.
بل على العكس، بعد أن فقدت بصرها ولم تعد قادرة على حضور المناسبات الاجتماعية، كانت أليشا تأتي لزيارتها كثيرًا كي تؤنس وحدتها.
كانت أليشا أعز صديقات ديانا،
وكانت أيضًا من أنقذها أثناء ولادة كاثرين.
وفي هذه المرة أيضاً، بفضل ما شاركته أليسيا من معرفتها،
تمكّنوا من إنقاذ كاثرين.
كانت ديانا ممتنة جدًا لصديقة طفولتها الملاك،
أليشا، التي رافقتها منذ صغرها.
نظرت أليشا إلى ديانا،
التي كانت قد غطت عينيها بقطعة قماش رقيقة، وسألتها بقلق:
“هل عيناك بخير؟”
“نعم. لا توجد مشكلة سوى أنني لا أرى.”
ابتسمت ديانا نحو مصدر الصوت.
رغم أن تعبير وجهها لم يكن مرئيًا،
إلا أن صوتها كان يغمره القلق والاهتمام بها.
كانت أليشا بالفعل امرأة طيبة للغاية.
“شكرًا لك، ألي.”
كانت تظن ذلك.
حتى سمعت حديث زوجها وأليشا بينما كانت تمر من المكتبة أثناء استعدادها لحفل تقديم كاثرين للمجتمع.
“أحبك، أحبك كاليبسو!”
“وأنا كذلك…”
كان ذلك لحظة انهيار كل شيء في حياة ديانا.
بيدين مرتجفتين، أمسكت بمقبض الباب.
ثم مدت ذراعيها في ظلمة وحدتها.
“لا، هذا غير صحيح… هذا كذب،
اخبروني إنني ما سمعته خطأً! عزيزي! ألي!”
انهارت الكلمات من فم ديانا وسط بكاءها.
ثم سمعت ضحكة أليشا قرب أذنها.
لم تكن صوتها المعتاد الهادئ، بل كان صوتًا حادًا رفيعًا.
“هه، أليست غبية؟”
“ألي…؟”
“رغم كل الإشارات التي أعطيناها لها. يا لها من امرأة حمقاء.”
“عزيزي…!”
كان كاليبسو لا يزال يضحك من سذاجة زوجته الحمقاء والبلهاء.
ثم خرج من المكتبة وهو يحتضن خصر أليشا دون أن ينطق بأي تبرير.
لم تستطع أن تصدق.
كانت كابوسًا تتمنى الاستيقاظ منه.
شعرت بالدوار ولم تستطع الوقوف.
بخطوات مرتعشة، توجهت ديانا بصعوبة نحو الممر.
“أحدهم، أرجوكم ساعدوني! ألا يوجد أحد؟!”
صرخت بأمل أن يكون هناك أحد، لكن لم تأتِ أي خادمة.
الذين اقتربوا منها كانوا حراس كاليبسو الشخصيين.
أمسكوا بذراعيها بقسوة.
“ما الذي تفعلونه؟!”
كانت لا ترى شيئًا، وكل ما استطاعت فعله في الظلام هو الصراخ.
سُحبت خارجًا من قبل الجنود بعنف.
بلغت وجهتهم كوخاً نائياً، مختبئاً في أعماق قصر الدوق،
كان يأوي من كُلف سابقاً برعاية غابة القصر وتدبير شؤونها.
“وداعًا، يا سمو الدوقة السابقة.”
أُلقيت ديانا في الكوخ وأُغلق الباب بصوت مدوٍ وسط ضحكات الجنود الساخرة.
ومنذ ذلك اليوم، حُبست ديانا تمامًا في الكوخ.
لم يُقدم لها لا ماء ولا خبز لأيام.
كانت تتوق لرؤية كاثرين بجنون.
هل تعلم ابنتها؟ هل تعلم أن أمها تموت هنا هكذا؟
لم تستطع ديانا فعل شيء بمفردها، وكانت تذبل تدريجيًا.
لم تستطع حتى أن تجد طريقها من الكوخ إلى القصر بعينيها العمياء.
وهكذا، بينما كانت مستلقية كقطعة خشبية ذابلة،
شعرت بحركة قريبة.
“…من هناك؟”
تحركت شفتاها الجافتان ببطء.
سمعت صوت خطوات تقترب،
ثم رُمي شيء أمامها وغادر الشخص.
تحسست الأرض، فوجدت خبزًا جافًا.
هل يعقل أن هناك من لا يزال يفكر بي في هذا القصر؟
سقطت دموع من عيني ديانا.
كان الخبز يابسًا ويحتاج إلى الكثير من المضغ،
لكن جوعها أرغمها على تناوله.
أرادت أن تعيش، فبدأت تمضغ الخبز المغطى بالدموع.
كان الأمر بائسًا للغاية.
لم تفهم ما خطأها لتستحق هذا.
مهما فكرت، لم تجد الجواب.
وهكذا، في كل مرة كانت تجوع، كان يُلقى أمامها قطعة خبز.
بدأت ديانا تتساءل من يكون هذا الشخص الذي يجلب لها الطعام.
هل من الممكن أن تكون كاثرين؟
هل تأتي سرًا خلسةً لأنها تخشى والدها؟
في أحد الأيام، سُمِع صوت الخبز الجاف يُلقى مجددًا.
سألت ديانا بصوت متلهف:
“كاثرين، هل هذا أنتِ…؟”
لكن لم تتلقَ أي جواب.
***
في أحد الأيام، وبينما كانت تقضي يومًا خاليًا من المعنى،
سمعت ديانا صوت خطوات خشنة.
كان واضحًا أن أحدهم قادم نحو الكوخ.
هل تكون تلك الطفلة الاي جلبت لها الطعام مجددًا؟
رفعت جسدها الواهن.
كانت ترغب بالإمساك بها هذا اليوم، وسؤالها.
من أنتِ؟ من الذي يمنحني هذه الرحمة؟
ثم سُمع صوت فتح الباب.
“…ما زلتِ لم تموتي؟”
لكن الصوت الذي طالما أرادت سماعه، كان صوت كاثرين.
“كا…ثرين؟”
لا، لا بد أنني أتوهم.
هزت ديانا رأسها غير مصدقة هذا الواقع.
ابنتي العزيزة، الجميلة كزهرة،
لا يمكن أن تنطق بكلمات مسمومة كهذه.
“ما زلتِ لم تموتي، أمي.”
من تتحدث؟ أنصتت ديانا.
سُمِع صوت كعب حذاء نسائي.
لا بد أن أحدهم دخل الكوخ أيضًا.
“كنت أظن أنك متِ جوعًا في هذا الوقت.”
“أليشا…!”
قفزت ديانا نحو الصوت الذي صدر من أليشا.
لكن أليشا تفادت هجومها بسهولة،
وانفجرت ضاحكة وكأنها تسخر منها.
“أيتها الحمقاء، ديانا.”
“ماذا…؟”
“ما زلتِ تعتقدين أن كاثرين ابنتك؟ كاثرين التي لم تزر هذا المكان أبدًا رغم أن كاليبسو هو من حبسكِ هنا؟”
لم تستطع الفهم. لم تستوعب كلمات أليشا.
“كاثرين ليست ابنتك.”
قالت أليشا بنبرة يملؤها الضحك.
“ماذا تعنين؟!”
صرخت ديانا في حالة من الجنون.
لم يتبقَ لديها شيء سوى الغضب،
بعد أن كانت دائمًا لطيفة وراقية مع الجميع.
“لقد بدلتُ بين ابنتي وابنتك، أيتها الحمقاء.”
“أمي، توقفي. لن تفهم على أي حال.”
قالت كاثرين وهي تقف بجانب أليشا متشابكة الذراعين،
ساخرة من ديانا.
ثم أضافت:
“لقد ظنت أنني ابنتها، وأعطتني عينيها.”
ارتجف جسد ديانا.
إن لم تكن كاثرين ابنتها، فأين إذًا ابنتها الحقيقية؟
“كاثرين… ليست ابنتي؟”
“نعم.”
“إذًا، أين ابنتي الحقيقية…؟”
“آه، ابنتك؟”
نظرت أليشا إلى الجندي المرافق لها وأومأت له.
سُمِعت همهمات.
ثم وقع صوت ثقيل على الأرض.
تحسست ديانا الأرض، وأمسكت بشيء يشبه الكيس.
فتحت الكيس بسرعة، فشعرت بجسم صلب وبارد كجثة.
“لقد قتلتها. لأنها خالفت أوامري كسيدة جديدة لهذا القصر، وجلبت لك الطعام.”
كانت تلك هي الطفلة التي كانت تجلب لها الخبز الجاف.
كانت، ابنتها.
“كيف عرفت؟ يبدو أن الدم لا يكذب.
رغم أنها عاشت حياة شاقة كخادمة.”
أمسكت ديانا يد الطفلة الميتة بيد مرتجفة.
لم تشعر بأي دفء.
يد الطفلة الخشنة، التي عاشت معاناة، زادت من ألم قلبها.
بدأت دموع من الدماء تنهمر من عيني ديانا العمياء،
تحمل مزيجًا من الحزن على ابنتها والحقد على من خانوها.
“آه، هل أخبركِ بشيء آخر؟”
ابتسمت كاثرين،
بعينيها البنفسجيتين المشابهتين تمامًا لعيني كاليبسو.
“في الحقيقة، لم تكن عيناي مصابة أبدًا.”
“ماذا…؟”
“ههه، أمي، انظري إلى وجهكِ الغبي!”
وأشارت بإصبعها نحو ديانا، تضحك بسخرية.
“ماقالته كاثرين صحيح.”
ابتسمت أليشا ابتسامة مليئة بالرضا.
“هذه الفتاة لم تكن مصابة منذ البداية.
لقد خدعناكِ لتتخلي عن بصركِ فقط.”
لم تستطع ديانا قول أي كلمة.
احتضنت جسدها المرتعش.
كل شيء، كل شيء كان كذبًا.
لم يكن هناك سوى حقيقة واحدة.
الطفلة التي جلبت لها الخبز الجاف، والتي ماتت من أجلها،
وكانت ابنتها الحقيقية، والتي لا تعرف حتى اسمها.
“سأُظهر لكِ بعض الرحمة.”
“رحمة…؟”
“اذهبي للموت مع ابنتكِ. أقصد، ابنتكِ الحقيقية.”
ضحكت ديانا بسخرية.
لو استطاعت، لمزّقت فمها.
عضت شفتيها بغضب حتى سال منها الدم.
أليشا، وهي تنظر إليها، رسمت ابتسامة واسعة.
“بعد قليل، سيدخل مسحوق السم إلى الكوخ.
لذا، كوني مطيعة وموتي بهدوء، نعم؟”
“وداعًا، أمي.”
خرجت أليشا وكاثرين ضاحكتين، وأغلقتا الباب خلفهما بقوة.
في الكوخ، لم يبقَ سوى ديانا وابنتها الميتة.
لماذا لم تدرك ذلك؟ لا بد أن هناك علامات قبل ذلك.
العلاقة بين أليشا وزوجها… وكاثرين التي لم تكن ابنتها…
من كانت تلوم؟
لم يكن هناك من تلومه سوى نفسها التي وثقت بالجميع بسذاجة.
ضربت ديانا صدرها بقبضتها من شدة الحزن.
ثم دخل أنفها رائحة كريهة.
لا شك أن مسحوق السم الذي تحدثت عنه أليشا قد بدأ في الانتشار.
بكت ديانا وهي تعانق جثة ابنتها بقوة.
ما اسمكِ؟ كيف يبدو وجهكِ؟ كيف كانت حياتكِ حتى الآن؟
كان لديها الكثير من الأسئلة، لكن السم كان يخنقها ببطء.
استنشقت السم، وسقطت على جثة ابنتها وهي تلهث.
بدأت شهقات البكاء تعلو.
وارتعش كتفاها.
لو حصلت على فرصه اخرى،
مرة واحدة فقط، فلن تُخدع مجددًا.
كانت ستنتقم من أولئك الذين سخروا منها وقتلوا ابنتها.
خدشت ديانا الأرض بأظافرها بقوة.
“لو أن… هناك حياة أخرى… فهل ستعودين لي مجددًا…”
بدأت عينا ديانا تنغلقان مع تزايد ضيق تنفسها.
وبآخر قوتها، تحسست يد ابنتها الميتة وأمسكتها.
ثم، حتى وهي تموت، تمتمت بهدوء:
“في تلك الحياة، لن أفشل في التعرف عليكِ أبدًا، أرجوكِ…”
وتلاشى صوتها في الهواء.
وجاء الموت الهادئ إليها.
وسالت دمعة من عينيها المغلقتين.
وهكذا، توقفت أنفاس ديانا.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 2"