استمتعوا
في ذلك الوقت الذي منحت فيه ديانا البصر لكاثرين،
كانت عينا كاثرين سليمتين تمامًا.
وقد أكد الكاهن الذي اشترته أليشيا أن البصر المنتزع من ديانا سيتلاشى في الهواء ولن يُستخدم مجددًا.
فما الدافع الذي قد يجعل الكاهن يكذب عليها…؟
شعرت أليشيا فجأة بالخوف.
ماذا لو استعادت ديانا بصرها حقًا؟
قد يتسبب ذلك في فشل كبير في خطتهم للتخلص منها.
“يبدو كأنه محتال، سموكِ!”
اقتربت أليشيا بسرعة من ديانا.
وكان وجهها أكثر توسلًا مما كان عليه عندما منحت ديانا البصر لكاثرين.
“معه شارة كاهن رسمي، سموكِ.”
قالت بليندا ببرود وهي واقفة بجوار ديانا.
فقامت أليشيا بعضّ أسنانها من الغضب.
سواء كان كلام ذلك الكاهن صدقًا أو كذبًا،
كان عليها طرده بأي ثمن.
وقفت أمام الكاهن وهي تتصبب عرقًا باردًا.
“سموك، يمكن التلاعب بالشارة.
وما هذا الحديث عن بصر يتجول في الهواء؟
لم أسمع شيئًا كهذا من قبل.”
“هممم…”
تظاهرت ديانا بالتفكير وهي تمسّ ذقنها.
بينما نظرت أليشيا بشك إلى الكاهن، ثم همست في أذن ديانا:
“أعتقد أنه سمع شائعة وجاء من أجل المال. لا بد أنه محتال.”
“ليس كذلك.”
بدت عينا الكاهن العجوز حادة من خلف حاجبيه البيض.
ارتعش كتف أليشيا من حدة نظراته.
“لا أريد مالًا، ولا حتى قطعة فضية واحدة.
كل ما أريده هو علاج عينيك، سموكِ.”
أشارت ديانا إشارة خفيفة إلى بليندا.
فدفعت بليندا أليشيا جانبًا لتفتح الطريق أمام الكاهن.
ثم سألت ديانا، وهي تميل برأسها:
“هل تقول إن بصري كان يتجول في الهواء؟”
“نعم.”
“لكنني منحته لابنتي، هذا غريب فعلًا.”
بدأ جسد أليشيا يرتجف.
وانكمشت كتفيها بتوتر واضح.
هكذا هو الأمر دائمًا، لا يمكن العيش بذنب.
يا لها من مسكينة، أليشيا.
هزت ديانا لسانها داخليًا، ثم انتظرت ما سيقوله الكاهن.
وبعد برهة، فتح فمه مجددًا:
“لا أعلم تفاصيل ذلك، لكن أثناء تأملي اكتشفت طاقة غامضة.”
“أثناء التأمل؟”
“نعم. وعندما تتبعت مصدرها، قادتني إلى منزل الدوق إيرنست.”
“كيف يمكن أن يحدث شيء كهذا…!”
انفلتت الكلمات من فم أليشيا من دون وعي.
وبدت وكأنها فوجئت بنفسها وهي تغطي فمها بيدها.
“سمعت أن جلالتك منحت بصرها للآنسة،
فتيقنت أن هذه الطاقة لك، وجئت فورًا.”
شرح الكاهن بهدوء.
ثم نظر بطرف عينه إلى أليشيا،
التي كانت فاغرة الفم من الدهشة.
سألت ديانا، متظاهرة بالبراءة:
“هل يمكن أن يحدث شيء كهذا؟”
“نادر للغاية.
أن أكتشف طاقة تائهة في الهواء أثناء التأمل هو أشبه بالمعجزة.”
“معجزة، إذن…”
ارتفعت زوايا فم ديانا بابتسامة.
من لا يحب سماع كلمة ‘معجزة’؟
لكن بالنسبة لأليشيا، كانت تلك الكلمة مرعبة.
بدأ وجهها يزداد سوادًا خوفًا من احتمال استعادة ديانا لبصرها.
“ما هي هذه الطاقة؟”
“جمعتها هنا باستخدام قوتي الروحية.”
أخرج الكاهن من عباءته كرة كريستالية صغيرة بحجم قبضة اليد.
وكان بداخلها ضوء أخضر مشعّ يشبه خضرة الصيف.
“لا، سموكِ!”
حاولت أليشيا إيقاف ديانا مجددًا.
“ما الأمر، ألي؟”
“لا يمكنك الوثوق بأي أحد هكذا.
لا نعلم ما الذي تحتويه تلك الكرة. ماذا لو كانت سحرًا أسودًا؟!”
ضحكت ديانا ضحكة خفيفة.
‘سحر أسود’… لا بد أن هذه فكرة خرجت من رأس أليشيا،
التي لا تعرف شيئًا عن السحر.
“ألي.”
“… نعم؟”
“يبدو أنك تتمنين ألا أستعيد بصري.”
“لـ… لا يمكن!”
صرخت أليشيا، متأثرة بكلمات ديانا التي أصابتها في الصميم.
تابعت ديانا بصوت بارد لم تعتده:
“أنت لا تعرفين شعور أن يكون العالم كله مظلمًا.”
“بالطبع، هذا…”
“عندما يعيش المرء في الظلام،
فإنه يتمسك حتى بأضعف أمل. مجرد قشة.”
ثم خففت من حدة صوتها، وتحدثت بلطف وكأنها تواسي طفلًا:
“لكنني فقط قلقت على سموكِ…”
“إذا كنت حقًا قلقة، فعليكِ تشجيعي كصديقة، أليس كذلك، ألي؟”
كان صوتها يحمل بعض السخرية.
ولم تتوقف ديانا عند هذا الحد:
“وأظنكِ نسيتِ، أنني أتعلم السحر حاليًا.
صحيح أنني لم أكن أفهم من قبل،
لكن الآن أشعر بوضوح بقوة الروح داخل هذه الكرة.”
ابتسمت ديانا ابتسامة خفيفة وهي تحرج أليشيا.
ثم أشارت إلى الكاهن بالاقتراب.
“إذن، هل بصري موجود داخل هذه الكرة؟”
“نعم، تمامًا سموكِ.
إذا لمستِ الكرة، فستستعيدين بصرك.”
“ساعديني، بليندا.”
“أمرُك، سموكِ.”
أخذت بليندا يد ديانا ووضعتها على الكرة.
وفجأة، بدأت الكرة تُصدر صوت طقطقة، وظهرت فيها تشققات.
تسللت أضواء خضراء منها كاليراعات الصغيرة.
ابتلعت أليشيا ريقها بصعوبة.
أرجوك… أرجوك…!
أغمضت عينيها بإحكام وأخذت تلعن ديانا في داخلها.
رجت بكل كيانها ألا يعود بصرها أبدًا!
لكن عكس أمنياتها، أخذ الضوء يتزايد حجمه.
ثم ما لبث أن خلق عاصفة خضراء حول ديانا.
دارت تلك الأضواء سريعًا، ثم انغرست في عيني ديانا.
“… تم الأمر، سموكِ.”
بيدين مرتجفتين، رفعت ديانا القناع عن عينيها بحذر.
وكشفت رموشها الذهبية عن عينين خضراوين بلون الغابات.
فتحت عينيها ببطء.
ثم رمشت بسرعة.
وسقطت دمعة من عينيها.
في تلك اللحظة، شعرت أليشيا وكأن قلبها سقط في قدميها.
مجرد النظر إلى تعابير وجه ديانا كان كافيًا لتدرك… أن بصرها قد عاد.
“… أستطيع الرؤية. أرى كل شيء بوضوح…!”
نظرت ديانا حولها بدهشة ودهشة.
ثم اقتربت من أليشيا،
التي كانت مشدوهة لا تستطيع النطق، وأمسكت بيديها.
“أرى كل شيء بوضوح، ألي!”
“… مـ، مـبارك لكِ، سموكِ.”
ارتجفت زوايا فم أليشيا وهي تحاول رسم ابتسامة لم تعهدها منذ زمن طويل.
“إنها معجزة! لا شك أن السماء قد تأثرت بطيبة قلب سموكِ!”
صرخت إحدى الخادمات.
فاندفع بقية الخدم للخارج.
وعندما رأوا عيني ديانا الخضراوين الصافيتين،
صفقوا بحرارة وهم يهتفون بالمعجزة.
وكانت أليشيا الوحيدة التي لم تستطع أن تبتسم وسط هذا المشهد.
“ما الذي يحدث هنا؟”
خرج كاليبسو من مكتبه بعدما أزعجه الضجيج في الردهة.
وهتف أحد الخدم بحماسة:
“لقد استعادت سموها بصرها!”
“السماء لم تتخلَّ عن سموكِ أبدًا!”
“… ماذا؟”
استدار كاليبسو بسرعة باتجاه ديانا، والتقت عيناهما.
“هل هذا… حقيقي؟”
“نعم، عزيزي!”
وكان وجهه يحمل نفس التعبير الذي رسمته أليشيا.
يا للعجب… كم هما متشابهان.
كأنهما نُسِخا من نفس القالب، وكان الأمر يدعو للسخرية.
“لم أكن أتوقع أن يحدث لي مثل هذه المعجزة…!”
جففت ديانا دموعها بمنديلها.
وكان كاليبسو وأليشيا يتبادلان النظرات الحائرة.
“… مبارك لكِ، عزيزتي.”
قالها كاليبسو بصوت خالٍ تمامًا من الفرح.
في تلك اللحظة، نزلت كاثرين الدرج بعد أن أنهت استعدادها.
كانت قد خرجت مبكرًا من شدة حماسها للذهاب إلى حفل الشاي في منزل الدوق.
وما إن رأت ديانا كاثرين، حتى أسرعت نحوها واحتضنتها بقوة.
“ابنتي الحبيبة، كاثرين!”
“… أمي؟”
تجهم وجه كاثرين فجأة من المفاجأة.
ثم التقت عيناها بعيني أليشيا.
هزّت أليشيا رأسها نفيًا.
“لقد عاد إلي بصري، كاثرين!”
“ماذا؟”
“لا أصدق أنني أستطيع أن أراكِ مجددًا!”
كان صوت ديانا مليئًا بالحماس والانفعال.
أما الكاهن، فكان يحدّق بها بصمت.
ثم التقت عيناه بعينيها.
فغمز لها بعينه.
هو في الحقيقة، كان رويري متنكّرًا بالسحر.
انحنت ديانا برأسها قليلًا وكأنها تشكره.
أما رويري، فلم يستطع تصديق ما يجري،
فمرّ بين الجميع مسرعًا واختفى من المكان.
“ما الذي… يحدث…؟”
نظرت كاثرين إلى أفراد أسرتها.
من تعابير وجوههم المتصلبة، تأكدت أن ما تراه واقع لا محالة.
أبعدت ديانا كاثرين عن حضنها وقالت بنبرة يملؤها الاستغراب:
“أمرٌ غريب حقًا… لقد منحتك بصري،
ومع ذلك كان يتجول في الفراغ.”
“لا، لا يمكن أن يكون ذلك صحيحًا…”
“حسنًا، طالما يقولون إنها معجزة، فلنصدّق.
لا أظن أنك أخذت بصري وأنتِ لستِ مريضة، أليس كذلك؟”
جسد كاثرين بدأ يرتجف شيئًا فشيئًا بعد سماع كلمات ديانا.
وبدأ العرق البارد يتصبب من جبينها.
أما أليشيا، فكانت قد اعتادت على مثل هذه المواقف،
لذا استطاعت تجاوزه ببراعة.
أما كاثرين، فما زالت فتاة لم تدخل حتى موسم ظهورها الاجتماعي.
وفي مواجهة ملاحظة حادة كهذه،
لم يكن بإمكانها إخفاء مشاعرها بسهولة.
“كاثرين، لون وجهك لا يبدو جيدًا. هل تشعرين بالتعب؟”
“أشعر وكأنني أصبت بالحمّى…”
كذبت كاثرين في محاولة منها لإخفاء ما يحصل داخل جسدها.
كم هو تصرف أحمق.
نظرت ديانا إلى كاثرين بعينين قلقَتين، ووضعت يدها على جبينها.
وكما توقّعت، لم تشعر بأي حرارة.
لكن مع ذلك، كان لا بد من أن تكون مريضة.
فلا أحد من القصر يمكنه الذهاب إلى منزل دوق إيبرك اليوم.
“صحيح… يبدو أن حرارتك مرتفعة فعلًا.
يجب أن ترتاحي يا كاثرين.”
“ماذا؟”
“ألي، أعتذر لكن يجب أن ترسلي رسالة تعتذرين فيها عن عدم حضورنا حفلة الشاي اليوم. لا يمكنني إرسال الطفلة بهذا الحال.”
في الأصل، كانت ديانا تنوي الذهاب بنفسها بعد أن تترك أليشيا، وتحمل كاثرين في أحضانها وتعود.
لكن طالما أن كاثرين تتظاهر بالمرض هكذا،
فلا يمكن للأم أن تتجاهل الأمر.
كان عليها أن تسايرها.
“لـ، لكننا حضّرنا كل شيء بالفعل…”
“كيف يمكنني أن أرسل طفلة تتصبب عرقًا بهذا الشكل؟ ثم إن…”
أدارت ديانا عينيها ببطء نحو أليشيا.
نظرات أليشيا كانت ترتجف كما يرتجف جسد كاثرين.
“الآن بعد أن فكرت بالأمر، أعتقد أن إرسال شخص لا يعرف حتى زوجة الدوق، مثلك، لا يليق أبدًا. سيكون ذلك ليس مؤدباً.
والآن وقد عاد بصري، سأذهب أنا بدلاً منكم.”
وجه أليشيا، التي كانت تنتظر بفارغ الصبر حفلة الشاي الراقية مع السيدات، بدأ ينهار شيئًا فشيئًا بالحزن.
وكاثرين لم تكن مختلفة عنها.
ما رأيك، ألي؟
هكذا يشعر المرء حين يتذوق الجنة ثم يُلقى به في الجحيم؟
نظرت إليهما ديانا بعينين رقيقتين، وابتسمت برفق بطرف شفتيها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 19"