استمتعوا
“دعنا نتحدث قليلاً.”
نظرت ديانا حولها قبل أن تمسك بمعصم رويري وتقوده إلى غرفتها.
كان يعلم أن بصرها قد عاد.
في لقائهما الأول، قال لها رويري إن من غير الممكن ألّا ترى.
فهل كان يعلم منذ ذلك الوقت؟
هل يستطيع الساحر العظيم رؤية أشياء كهذه؟
ما إن وصلت إلى الغرفة حتى أغلقت ديانا الباب بإحكام،
ثم خلعت العصابة التي تغطي عينيها،
فكشفت عن عيونها التي تشبه الجواهر.
دَفَعت رويري إلى الجدار،
ثم حاصرته بذراعيها ونظرت إليه مباشرة.
التقت عيناهما في الهواء وكأن بينهما مبارزة صامتة.
كان هناك توتر غريب يسود الأجواء.
فتحت ديانا فمها ببطء.
“كيف عرفت بالأمر؟”
“…أوه. نونا، كم أنتِ قوية…”
“أجبني، رويري.”
قاطعت ديانا كلامه وهي تضرب الحائط بيدها،
فقطعت عليه محاولة المزاح.
رمش بعينيه بسرعة، ثم تنهد وأجاب:
“كنت أعلم منذ البداية.”
“كيف؟ هل جميع السحرة يمكنهم معرفة ذلك؟”
“…لا أستطيع الإجابة عن السؤال الأول.
أما الثاني، فلا. ليس كل السحرة يمكنهم ذلك.”
أجاب رويري ببساطة وهو يرفع كتفيه.
“…ولمَ تظاهرت بعدم المعرفة؟”
توقّف عن الكلام فجأة.
انتظرت ديانا أن يجيب وهي تميل برأسها، لكنه تردد طويلاً.
“رويري؟”
“…فقط شعرت أني أريد ذلك. لأنكِ أردتِ ذلك.”
لم يجب حتى ألحّت عليه بالسؤال مرة أخرى.
لكن أثناء إجابته، كان ينظر إليها بعينين يملؤهما الشوق،
وكأنها حبيب لم يره منذ زمن طويل.
ما الذي يدفعه إلى النظر إلى امرأة لم يمر وقت طويل على لقائه بها بهذه الطريقة؟ ولماذا كان يريد مساعدتها من الأساس؟
بينما كانت ديانا غارقة في أفكارها، اختفى الحزن من وجه رويري وعاد إلى ملامحه المليئة بالمرح كالفتيان.
ابتسم وقال:
“قلت لكِ سابقاً.”
“ماذا؟”
“أنتِ نوعي المفضل.”
قال ذلك وهو يبعد ذراعي ديانا عنه بلطف.
ثم، وهو يبتعد قليلاً، التفت ونظر إليها قائلاً:
“حتى هذه الجرأة التي تملكينها… إنها تماماً نوعي.”
“هل فقط لأنني نوعك المفضل، تساعدني؟”
سألت ديانا بنبرة غير مصدّقة.
فنظر إليها رويري، ثم فتح فمه ببطء وكأنه يبوح بحقيقته:
“أنا شخص وظفه ماركيز بريتشي.
وهذا وحده سبب كافٍ لأساعدكِ، أليس كذلك؟”
مرر يده بين خصلات شعره الأحمر،
وعيناه الزرقاوان امتلأتا فجأة بالحنين كما لو كان يتذكّر شيئاً.
“…ثم إنكِ من كنت تُلقبين بقديسة بريتشي.”
ثم ابتسم لها ابتسامة مشرقة.
“لا يمكن لمن يتصرف بخفة أن يحصل على سمعة شريفة كتلك.”
أخيراً، ارتخت ملامح ديانا قليلاً وكأنها راضية عن إجابته،
ثم فتحت شفتيها وكأنها اتخذت قراراً.
“…رويري.”
“هم؟”
“إذاً… هل يمكنك مساعدتي؟”
نظرت إليه بعينين حانيتين وهي تمسك بطرف سترته.
لم يكن بمقدورها إخباره بكل شيء،
لكنها كانت تشعر بثقة كبيرة بأنه سيساعدها.
رجلٌ كان يعلم بأنها تبصر، ومع ذلك، لم يفضحها.
“…بماذا؟”
“كنت مضطرةً للتظاهر بأني لا أرى.”
تابعت حديثها بنظرة حزينة:
“لكن، لم يعد هناك حاجة لذلك بعد الآن.”
الآن وقد عرفت ما يريده منها أليشيا وكاليبسو،
لم تعد هناك ضرورة للتظاهر بالعمى.
لكن المشكلة تكمن في كيف ستعلن أنها استعادت بصرها.
أليشيا كانت طبيبة، وتملك معرفة واسعة بالطب.
كما أنها تعرف أن البصر يمكن نقله من شخص لآخر.
أما ديانا، فلم تكن تملك تلك المعرفة،
لكنها كانت تملك قوة سحرية تفوق الطب والقوه المقدسة.
لذا، إذا أرادت خداع عينيها، كان عليها أن تُحدث معجزة.
حتى وإن كانت تلك المعجزة مزيفة.
“أنا الآن… أنوي أن أفتح عيني.”
“أن… تفتحيهما؟”
“إذا ساعدتني رويري، فسننجح في خداع الجميع.”
نظرت إليه برجاء يملأ عينيها.
“هل يمكنك مساعدتي؟”
ارتجفت عينا رويري الزرقاوان أمام نظرتها، ثم ابتسم بخفة.
“آه… لا يجب أن أفعل هذا. أنا أضعف مما تظنين.”
“…ماذا؟”
“تنظرين إليّ بهذه الطريقة… كيف أرفضك؟”
هز رأسه مازحاً.
“سأساعدكِ، في أي شيء، نونا.”
ارتسمت ابتسامة على وجه ديانا، وابتسم لها رويري بالمثل.
كان شعور النصر يملؤها لمجرد أنه وافق على مساعدتها.
“ما الذي تريدين مني أن أفعله؟”
“اقترب قليلاً، رويري.”
اقترب منها، وهمست له بخطتها.
وبينما كان يسمع همسها، ارتفعت زاوية فمه وكأن الأمر أعجبه.
“فهمت؟”
“حسناً. أحياناً، المعجزات والصدف تتفوق على الطب.”
نظرت إليه وهي تبتسم بعينيها.
في عيني ديانا، كان هناك عزيمة عظيمة.
عزيمة قادرة على صنع أي معجزة، مهما كانت.
***
“سموكِ، الدوق يطلب رؤيتكِ.”
“كاليبسو؟”
في تلك اللحظة، كانت كاثرين تقرأ بصوت عالٍ بناءً على طلب ديانا، حتى أنهكها التعب.
وعندما سمعَت كلام شين، لمعت عيناها فرحاً،
متأملة أن ينتهي الدرس أخيراً.
نظرت ديانا بأسف إلى الكتب الكثيرة التي لم يُنهينها بعد،
ثم وقفت.
“سنكتفي لهذا اليوم.”
“نعم، أمي.”
“بالمناسبة، سيأتي معلم السحر الجديد الأسبوع القادم.
خذي علماً بذلك.”
“…حسناً.”
قالت ديانا ببرود ثم غادرت الغرفة.
“أعلِنوا عن قدومي.”
“نعم، سموكِ. سمو الدوق لقد أتت سمو الدوقة.”
“ادخلي.”
سمع صوت كاليبسو من الداخل.
لم يكن جالساً على مكتبه، بل كان ينظر في بعض الرسائل على الأريكة، بينها رسائل كانت موجّهة إلى ديانا.
لكنه دفعها جانباً.
آه، هكذا كان يفعل إذن.
رغم أنها فقدت بصرها آنذاك،إلا أن انقطاع الرسائل من منازل النبلاء القريبة منها كان غريباً جداً.
الآن فقط فهمت. بالنسبة لوضع كاليبسو،
لم يكن من مصلحته أن تواصل ديانا حضور الفعاليات الاجتماعية،
فكان يتدخل في الرسائل.
يا له من شخص دنيء.
جلست ديانا على الأريكة وهي تطرق الأرض بعصاها.
“هل طلبتني؟”
“هم، وصلتكِ دعوة.”
“دعوة؟”
تذكرت فجأة أن هذه الفترة عادةً ما تصل فيها دعوة شاي من دوقية إيبرك.
إذا أراد المضي في خطبة كاثرين،
فلن يكون بإمكانه تجاهل تلك الدعوة.
لكنه استخدم حجة قلقه على عينيها ليأمر كاثرين باصطحاب أليشيا بدلاً منها.
في ذلك الحين، وافقت ديانا دون تفكير،
ظناً منها أن كاثرين الصغيرة بحاجة لمرافقة.
لكن الآن، بدا الأمر سخيفاً للغاية.
فكيف لفتاة من عائلة بارونية،
لا تعرفها دوقة إيبرك، أن تُدعى إلى حفل شاي كهذا؟
“نعم. من دوقية إيبرك.”
“إذن يقيمون حفل شاي.”
“لكن، ألن يكون الأمر صعباً؟ بسبب عينيكِ، طبعاً. أنا قلق عليكِ.”
كان يتظاهر بالقلق، وكالعادة،
يستخدم حججاً مرنة لإرسال أليشيا مكانها.
بعد وفاة ديانا، كان ينوي رفع مكانة أليشيا لتكون الدوقة الجديدة، لذا كان يُمهّد الطريق لها لتتقرّب من سيدات المجتمع.
يا له من تخطيط محكم.
كادت ديانا أن تضحك بسخرية، لكنها كتمتها.
“صحيح، أليس كذلك؟”
“هم؟”
“من الصعب الذهاب لحفل شاي بعينين كهاتين.
إلا إذا حدثت معجزة وشفَيت عيناي.”
“…صحيح. أخشى أن تتعرضي للأذى هناك… أو أن تؤذي كلمات السيدات قلبكِ الرقيق.”
ابتسم كاليبسو بنفاق وهو يقول ذلك.
وكأن الجميع يلعب دوراً في مسرحية.
“لكن، إن لم أحضر، فستحزن كاثرين كثيراً.
إنها تحب اللورد سوير.”
“همم. هذا مقلق. لا يمكنني الذهاب بدلًا منكِ…”
بدأ يتظاهر بالتفكير، ثم نظر إلى ديانا وقال:
“ماذا عن إرسال أليشيا مكانكِ؟”
رسمت ديانا ابتسامة خفيفة.
“فكرة جيدة. يمكن الوثوق بأليشيا.”
“…حسناً، سأبلغها بذلك.”
“وبما أنها ستذهب، سأشتري لها مجوهرات وفستاناً جديداً. أليشيا لم تذهب إلى أماكن مثل هذه من قبل، أليس كذلك؟”
قالت وهي تُزيح خصلة من شعرها برقة.
أليشيا لم تكن متزوجة، وكان مركزها الاجتماعي منخفضًا،
لذلك لم تكن تُدعى كثيرًا إلى الحفلات الراقصة أو حفلات الشاي.
بالإضافة إلى ذلك، كانت المجوهرات والفساتين باهظة الثمن لدرجة أن راتبها كطبيبة لم يكن كافيًا لتغطيتها.
ونظرًا لأن هناك من يراقب، فمن المحتمل أن كاليبسو لم يكن يستطيع شراء المجوهرات والفساتين لها علنًا.
والسبب الوحيد لشراء مجوهرات وفساتين نادرة لا يملكها الآخرون في المجتمع المخملي، هو الشعور بالتفوق والتميّز عن الآخرين.
وأليشيا، المليئة بعقد النقص،
كانت ستتوق إلى ذلك أكثر من غيرها.
لذلك، فكّرت ديانا أن تمنّ عليها ببعض الرحمة،
وتهديها أجمل الفساتين والمجوهرات.
لأنها ستفكر، ما فائدة الفساتين والمجوهرات إن لم تستطع التباهي بها أمام الآخرين؟
وبالطبع، أليشيا لن تنتبه لخطة ديانا، وستفرح بها بسذاجه.
“لابد أن أليشيا محظوظة لامتلاكها صديقة مثلك.”
بكل وقاحة… ارتعشت حواجب ديانا للحظة.
بدا كاليبسو في مزاج جيد جدًا،
ربما لأن خطته كانت تسير كما أراد.
أمسكت ديانا بقبضتها المخفية تحت الفستان بإحكام،
وابتسمت بصعوبة.
“أليس كذلك؟ إذًا، عليّ أن أذهب واخبرها بهذا الخبر السار.”
“نعم، اذهبي الآن.”
أغلقت الباب وخرجت إلى الردهة،
ثم استدارت لتنظر إلى الباب المغلق خلفها.
وأخيرًا، استطاعت أن تطلق سخرية طالما كتمتها.
من الأفضل أن تضحك الآن قدر ما تشاء، كاليبسو.
لأن لا شيء مما تريده سيتحقق.
أطلقت ديانا ضحكة ساخرة، ثم بدأت تسير ببطء نحو غرفة أليشيا.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 17"