استمتعوا
“……ابنتكِ……؟”
رمشت جوليا بعينيها ببطء وهي تحدق بشرود.
“نعم، ابنتي، كما سمعتِ.”
أجابت ديانا وهي تحدق بها بحدة.
مالت جوليا برأسها ببطء وكأنها تحاول التذكّر،
ثم فتحت فمها وكأن شيئًا خطر ببالها.
“……آه.”
“قولي بسرعة. أنتِ تعرفين.”
هل يعقل أنها لا تعرف؟ شعرت ديانا بتوتر شديد وهي تنظر إلى يوليا المذهولة، ثم بلعت ريقها.
“لقد…… هربت.”
“ماذا؟”
ارتجفت يد ديانا بعنف.
‘هربت’؟ هذا يعني أن ابنتها كانت حقًا في هذا القصر طوال الوقت.
“إذا كنتِ تقصدين أنها هربت…….”
وبينما كانت تحاول أن تقول شيئًا آخر، بدأت جوليا تضحك بخفة وكأنها فقدت عقلها، ثم نطقت بكلمات مبعثرة.
“قالت… إنها… كانت في غرفة… الانسة كاثرين…”
“في غرفة كاثرين……؟”
“ههه، قالت… إنها استخدمتها كخادمة. أليس هذا… مضحكًا؟”
بينما كانت جوليا تضحك بخفة،
بدأت تضحك بصوت أعلى بشكل واضح.
غاصت عينا ديانا الزمرديتان ببرود.
“مضحك…؟ هذا مضحك؟”
عندما رأت جوليا تضحك أمامها حتى اهتز كتفاها،
أصابها قشعريرة اجتاحت جسدها.
أليشيا، جوليا، وكاثرين، جميعهن بدين وكأنهن وحوش.
أن تأخذ ابنة شخص آخر وتستخدمها كخادمة،
ثم تجد ذلك مضحكًا؟
“هاه……!”
انطلق ضحك ساخر من شفتي ديانا الحمراوين.
لم تستطع أن تتنفس جيدًا.
بدأ صوت ضحك جوليا يملأ الغرفة شيئًا فشيئًا.
كان ضحكًا يقشعر له البدن،
حتى أنها شعرت برغبة في سد أذنيها.
أرادت خنقها في تلك اللحظة.
لكنها كانت لا تزال بحاجة لسؤال جوليا بعض الأشياء.
“كيف تبدو الطفلة……؟”
“شعرها… بلاتيني باهت،
وعيناها زمرديتان… تشبهكِ، هكذا قالت…”
عيناها مثل عيني.
شعرها ولون عينيها مثل لون شعري وعيني.
أغلقت ديانا عينيها بإحكام.
مع أنها عرفت فقط لون شعرها وعينيها، إلا أنها عندما أغمضت عينيها شعرت أن ملامح الطفلة ستظهر أمامها.
الطفلة التي تشبهها، ستنظر إليها وتبتسم بفرح.
“لكن… قالت إنها هربت.”
في هذا التوقيت بالذات……! تجعد جبين ديانا قليلًا.
رغم ذلك، تساءلت كم كان الأمر صعبًا لدرجة أن الطفلة خاطرت بحياتها وهربت.
بينما كانت ديانا غارقة في أفكارها،
تابعت جوليا حديثها وهي تضحك كأنها تسرد نكتة مضحكة.
“هه، ههه! فقط التفكير بالأمر… مضحك،
أليس واضحًا تمامًا… كيف عاملتها الانسة كاثرين؟!”
أجل، واضح. اشتعلت شرارات في عيني ديانا.
لقد حصلت على كل ما تحتاج إليه.
لم تعد تحتمل الاستماع لكلام تلك القذارة.
كلمات إنسانة مجنونة تفرح بمأساة غيرها.
“بليندا!”
نادت ديانا بليندا التي كانت تقف في الردهة بصوت عالٍ.
“نعم، سموكِ.”
سقطت دمعة واحدة من عينها.
دخلت بليندا الغرفة مسرعة بعدما سمعت نبرة صوت ديانا الغريبة، وأخذت ترمش بتوتر لرؤية دموعها.
لكن ما قالته ديانا بعد ذلك جعل بليندا تندهش أكثر.
“اقتلي هذه المرأة.”
“……ماذا؟”
فتحت بليندا فمها بدهشة من كلمات ديانا غير المتوقعة.
لكنها كانت جادة.
لم يكن كلامها بدافع العاطفة أو الغضب اللحظي،
بل كان صادرًا من قرار راسخ.
حتى لو رأت أمامها بقرة أو خنزير،
ما كانت لتشعر بما تشعر به الآن.
لم تعد جوليا أمامها تُشبه الإنسان من الأساس.
كانت قمامة لا تحمل ذرة من الرحمة أو الإنسانية.
والقُمامة، لها مكان واحد فقط لتذهب إليه.
“أرجوكِ، تخلّصي منها أمام عيني…….”
غطّت ديانا وجهها بكلتا يديها وبدأت تبكي بحرقة.
كانت جوليا لا تزال تضحك.
“إنه ممتع، ممتع جدًا! لهذا أحب السيدة أليشيا! شريرة وشريرة للغاية!”
كانت تحت تأثير مصل الحقيقة، وتواصل الهذيان.
نظرت ديانا بعينيها المبللتين إلى بليندا، وقالت برجاء عميق:
“لقد قلتِ إنك ستفعلين أي شيء من أجلي،
أليس كذلك بليندا……؟”
تحولت نظرات بليندا إلى جوليا، التي استمرت بالهذيان بلا توقف.
عندها، أغلقت فمها بإحكام وكأنها اتخذت القرار.
بعد لحظة من التردد، أمسكت بمقبض سيفها المعلّق عند خصرها.
وبلا تردد، قطعت جوليا في لحظة واحدة.
“آه!”
سقطت جوليا على الأرض وهي تسعل دمًا بغزارة.
حتى وهي تموت إثر ضربة السيف، ظلت ترتسم على شفتيها ابتسامة وكأنها تشاهد مسرحية مضحكة.
“سأتولى تنظيف المكان فورًا، سموكِ.”
“شكرًا لكِ، بليندا.”
بعد أن سمعت شين وميلان من بليندا ما حدث،
سارعوا في تنظيف المكان.
أنهى الجميع الترتيب ثم نظروا إلى ديانا التي بدت ملامحها معقدة، قبل أن يغادروا الغرفة بحذر.
في عيني ديانا المرتجفتين كانت العواطف المختلفة تتصارع في دوامة لا تنتهي.
بالنسبة للنبلاء،
لم يكن من الغريب أن يُصدروا أوامر بمعاقبة أو حتى قتل الخدم.
بل إن كثيرًا من الخدم لقوا حتفهم تحت التعذيب على يد النبلاء.
لكن ديانا، كانت هذه أول مرة تأمر فيها بقتل أحد.
وكانت المرة الأولى التي ترى فيها شخصًا يُقتل أمامها.
لذلك، كان من الطبيعي أن تشعر بالارتباك.
بدأ صوت قطرات المطر يتردد على النوافذ،
وسرعان ما تبعته زخات المطر الغزير بصوتها المتواصل.
استدارت ديانا ببطء نحو النافذة.
كانت خيوط المطر المنهمر تشبه تمامًا ما تشعر به في داخلها.
نظرت بشرود من النافذة.
الحديقة التي تبللها الأمطار بدت واضحة للعين.
الورود المتفتحة كانت تتلألأ بقطرات المطر المتساقطة،
التي رغم قسوتها بدت جميلة بشكل قاسٍ.
كانت يداها لا تزالان ترتجفان.
فقبضت ديانا قبضتها بقوة. لم يكن عليها أن تنهار بهذا الشكل.
قررت أن تتخلى عن ذلك اللقب، لقب ‘القديسة’.
قررت أن تصبح قاسية، وقاسية جدًا. عزمت على ذلك.
إن كانت هذه الظروف البسيطة كفيلة بإضعاف قلبها،
فكيف لها أن تعاقب القمامة التي تفوق جوليا المتوفاة والتي ما زالت تعيش في هذا القصر؟
بمجرد أن وصلت إلى هذا التفكير،
بدأ الارتجاف يتوقف تدريجيًا.
وعاد البريق واضحًا إلى عيني ديانا.
شدّت ساقيها ونهضت، ثم خرجت إلى الردهة.
“سموكِ.”
كان بليندا وشين وميلان يقفون في الردهة، يحدقون بها بقلق.
ابتسمت لهم ديانا بهدوء لتطمئنهم،
ثم فتحت شفتيها اليابستين ببطء.
“أخبري كاثرين أن تلتقيني في غرفتي.”
“الانسة كاثرين؟”
“نعم. وقولي لها أن تنتظرني. لدي أمر مهم أود قوله.”
“نعم، كما تأمرين.”
وما إن أنهت ديانا كلامها،
حتى اتجهت بنفسها نحو جناح كاثرين.
لكنها لم تدخل غرفتها، بل اتجهت إلى الغرفة الخالية المجاورة لها.
أرهفت سمعها إلى الأصوات القادمة من الخارج.
وبعد لحظات، سمعت صوت ميلان ينادي على كاثرين.
ثم تبع ذلك صوت خطوات كاثرين وهي تخرج مع ميلان،
يتردد صداه في الردهة الهادئة.
فتحت ديانا الباب بهدوء وخرجت، ثم تسللت إلى غرفة كاثرين.
ولحسن الحظ، لم يكن الباب مقفلاً.
“……قالت إنها كانت تعمل خادمة في غرفة كاثرين.”
كانت تلك كلمات جوليا بوضوح.
لم يكن هناك أي أثر للطفلة في مساكن الخدم.
هذا يعني، أن هناك مكانًا سريًا في غرفة كاثرين.
بدأت ديانا تُفتش غرفة كاثرين بدقة. لكنها لم تجد شيئًا مميزًا.
عندها، رأت ببصرها يلتقط وهجًا أزرق خافتًا يتسرب من بين رفوف الكتب.
“……ما هذا؟”
اقتربت ديانا بحذر من رف الكتب.
كان الضوء يتسلل من الفراغ بين الجدار والرف.
فدفعت الرف برفق إلى الجانب.
ما إن أزاحت الرف، حتى كُشف عن غرفة صغيرة.
كانت الغرفة ضيقة جدًا، بالكاد تتسع لطفل واحد.
“……هاه.”
هل صنعوا غرفة كهذه سرًا ليحبسوا الطفلة فيها؟
في مكان متعفن كهذا تفوح منه رائحة العفن؟
استدارت ديانا ببطء.
على الأرضية الصلبة، كان هناك فرش رقيق بالكاد يُسمى بطانية، وسلة قذرة موضوعة في الزاوية.
نظرت داخل السلة، فوجدت قطعة خبز جافة متحجرة،
ونصف زجاجة حليب فاسد.
لم تستطع أن تقول شيئًا.
لم تستطع حتى أن تنطق بكلمة.
حتى عبيد الدول المهزومة في الحرب لا يُعاملون هكذا.
كما قالت جوليا الميتة، يمكن تخيل بوضوح كيف عاملتها كاثرين وأليشيا.
مع شخصياتهما الشريرة، كم عذبتا تلك الطفلة؟
رغم هذا، جلبتِ لي الخبز وأنتِ تتعرضين لكل هذا……؟ يا طفلتي.
تجعد وجه ديانا بفعل الغضب الذي كان يغلي في صدرها.
لم تكن تلك الطفلة ممن يجب أن يُعامل بهذا الشكل،
أو أن تأكل هذا النوع من الطعام.
كانت يجب أن تنمو وتزدهر وتُحب مثل زهرة جميلة، أكثر من أي أحد آخر.
أخذت ديانا تفتش زوايا الغرفة بحنين وألم،
علّها تجد أي أثر للطفلة.
وفي النهاية، ضمّت البطانية التي لا شك أن الطفلة كانت تتغطى بها إلى صدرها، وانخرطت في بكاء متقطع.
مثل صوت المطر على نافذتها، انسابت شهقاتها دون توقف.
“……كم كان الأمر صعبًا. كم كانت تتألم.”
عضّت ديانا على شفتيها المرتجفتين وهي تبكي.
وفي تلك اللحظة، تفاعلت المانا مع مشاعرها.
ربما لأن ديانا كانت تتدرب مؤخرًا كثيرًا على إطلاق المانا،
أصبحت طاقتها السحرية أكثر حساسية.
بسبب الطاقة التي بدأت تنبعث منها،
بدأ أرض الغرفة خلف رف الكتب يتجمد ببطء.
“أوه……؟”
فوجئت ديانا بالمانا التي أطلقتها لا إراديًا، فمدّت يدها لتوقفها.
لكن في تلك اللحظة، لاحظت شيئًا ظهر فجأة،
فانتقلت نظراتها الباكية نحو الجدار.
كان هناك كتابة على الجدار، بطريقة لا يمكن لغير من يملكون القدرة على إطلاق المانا أن يروها.
لولا أن مانا ديانا انطلقت هنا، لما استطاعت رؤيتها أبدًا.
“لا يمكن……!”
بدأت تقرأ الكلمات ببطء، ثم وضعت يدها على فمها بذهول.
كانت الكتابة تلمع بلون أزرق واضح، وقد كُتب عليها بوضوح:
“أمي، أفتقدك.”
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 15"