استمتعوا
“……أين ذهبتِ!”
اهتزّت عينا كاثرين بشكل مضطرب،
وبدأت تعبث بأغراض آيسيل القليلة في الغرفة الصغيرة.
لكن الغرفة داخل الخزانة كانت كما هي،
تمامًا كما كانت قبل أن تُحتجز آيسيل فيها.
“كاثرين!”
دخلت أليشيا الغرفة متأخرة وهي تتبع كاثرين،
وحين رأت الخزانة الفارغة، أطلقت ضحكة ساخرة.
“هاه……”
حتى الآن، كانت دائمًا تقفل الخزانة بالمفتاح،
لذا لم يكن بوسع آيسيل الهرب أبدًا.
لكن اليوم كان مختلفًا. من أجل نجاح إطلاق القوة السحرية، أمرتها بالخروج من الخزانة والوقوف بجانب نافذة غرفة أليشيا.
لم يخطر ببالها إطلاقًا أنها قد تهرب،
لذلك لم تغلق الباب، وكان ذلك خطأها.
خشية أن يحدث أمر كهذا،
كانت قد أضعفت روح الفتاة عمدًا، بل و’قتلتها’ معنويًا.
لم تتخيل أبدًا أن تلك الوقحة قد تفكر في الهرب.
كان لا بد من العثور عليها مهما كلف الأمر.
فديانا عمياء الآن، لذا حتى لو التقت بآيسيل الهاربة،
فلن تعرف أنها ابنتها.
لكن ما هو هذا الشعور المشؤوم الذي لا يفارقها؟
“……اللعنة.”
تفلتت الشتيمة من فم أليشيا دون وعي منها.
لم يعد هناك من يخدمها في هذا القصر سوى جوليا.
ولكن جوليا لم ترَ وجه آيسيل قط.
كانت تعلم ظروف أليشيا جيدًا، لكنها التزمت الصمت تمامًا بشأن آيسيل، خوفًا من أي عواقب محتملة.
لكن ذلك الصمت ارتدّ عليها كالسمّ.
تركت أليشيا كاثرين المرتجفة خلفها وهرعت للبحث عن جوليا،
التي كانت تعطي تعليمات للخادمات الجدد.
“جوليا.”
“نعم، سيدتي الطبيبة.”
“تحدثي إلي للحظة.”
أمالت جوليا رأسها مستغربة، ثم تبعت أليشيا.
تفقدت أليشيا الممر لتتأكد من خلوه من الأشخاص،
ثم دخلت معها إلى غرفة فارغة.
“جوليا.”
“نعم؟”
“هناك أمر عاجل يجب أن تقومي به.”
بدت أليشيا بالفعل في غاية العجلة، وجهها شاحب بالكامل.
كانت جوليا خادمة مخلصة رافقت أليشيا منذ أن كانت في قصر والدها، ولذلك نظرت إليها بقلق وسألت:
“هل هناك ما حدث؟”
كانت جوليا منشغلة للغاية بتبديل جميع الخادمات مؤخرًا،
فلم تتحدث كثيرًا مع أليشيا.
زفرت أليشيا تنهيدة عميقة وحرّكت شفتيها،
ثم شرحت الأمر بأكبر قدر من الهدوء:
“الفتاة التي كنت أربيها… هربت.”
“فتاة؟”
في هذا القصر، لم يكن هناك أطفال سوى الانسة الصغيرة ديانا.
فاستغربت جوليا.
“……استمعي جيدًا، جوليا.”
“نعم، سيدتي.”
“إنها ابنة ديانا.”
“……ماذا؟”
عبست جوليا دون قصد.
فقد كانت تظن أن الطفلة التي بدّلتها أليشيا بطفلتها قد تُركت في مكان بعيد.
وكأن أليشيا قرأت أفكار جوليا، فأكملت الحديث:
“كنت أحتفظ بها كخادمة في غرفة كاثرين.”
“كـ… خادمة؟”
كما هو متوقع من سيدتها… قاسية بلا حدود.
تُربي الابنة غير الشرعية كاميرة،
وتخفي الأميرة الحقيقية في غرفة تلك الابنة غير الشرعية كخادمة.
ارتسمت على وجه جوليا ابتسامة لاذعة.
“نعم، لكنها الآن هاربة.
لا يمكن أن تكون قد ذهبت بعيدًا، فهي فتاة نحيلة جدًا.”
“سأبحث عنها. كيف تبدو؟”
“شعرها بلاتيني فاتح، وعيناها تشبهان ديانا تمامًا.”
“فهمت. سأتحرى الأمر.”
وضعت أليشيا يدها على كتف جوليا بإيماءة توحي بالرجاء.
“أعتمد عليكِ، جوليا.”
“أجل، سيدتي.”
أومأت جوليا بعينين حازمتين وكأنها تطمئنها بأن لا تقلق.
لكن القلق الذي يعصف بقلب أليشيا لم يهدأ.
لا بد أن تجدها، مهما حدث.
تألقت عينا أليشيا الحمراوان ببريق وحشي.
***
“جلالتك.”
“ميلان.”
دخل ميلان غرفة ديانا بوجه كئيب وفتح الباب بحذر.
“هل حدث شيء ما؟”
“بحثنا في كل مكان كما أمرتنا، لكن……”
رغم أنه لم يذكر من يبحث عنه، فهمت ديانا مباشرة عمّن يتحدث.
“لم نجد أي فتاة بعمر الخامسة عشر تتردد بانتظام على القصر.”
“……فهمت.”
“هل يمكنني أن أعرف من هي الفتاة التي تبحثين عنها،
سموكِ؟”
سأل ميلان بتحفظ وهو ينظر إلى تعابير ديانا،
وكان شين وبليندا ينظران إليها أيضًا.
كانت ديانا قد أمرت بالبحث عن فتاة،
لكنها لم تكشف من تكون تلك الفتاة.
صمتت طويلاً، وعمّ السكون في الغرفة.
وأخيرًا، ارتعشت رموشها الذهبية وهمست ببطء:
“……إنها ابنتي.”
“ماذا؟”
“ابنتي الحقيقية. تلك التي استبدلتها أليشيا.”
حين عادت ميلان وشين إلى القصر لأول مرة، أخبرتهم ديانا أن كاثرين هي ابنة أليشيا، فلم يطرحوا أي سؤال إضافي عن ابنتها.
خوفًا من أن تكون قد فقدتها، ولم يرغبوا في تعكير مزاجها أكثر.
لكن كلمات ديانا كانت صادمة.
ابنتها لا تزال على قيد الحياة.
لا أحد يعلم أين هي، لكن هذا وحده كفيل بإحراق قلب أمها.
انخفضت رؤوسهم بوجوه حزينة.
ساد صمت ثقيل في الغرفة، ولم يجرؤ أحد على الكلام.
ثم كسرت بليندا السكون بصوت حازم كمن اتخذت قرارًا.
“جلالتك، سأبحث عنها أيضًا.”
“بليندا…….”
“حين كنت فارسة، تنقلت بين قرى كثيرة.
سأبدأ بالبحث من القرى القريبة!”
“……شكرًا لك. آه، وأخبري الخادمات الجدد أنني فقدت بصري بسبب كاثرين.”
“مفهوم.”
يجب أن يعرف كل من في صفها من الخدم أن ديانا ضحّت بنفسها من أجل كاثرين.
كان هذا تمهيدًا لعرض درامي لاحق.
“لكن قبل ذلك…….”
أمالت ديانا رأسها قليلًا ولمست ذقنها بأصابعها.
أين أخفتها؟ من المؤكد أن الطفلة ليست في القرية،
فقد أحضرت لها الخبز، مما يعني أنها لا تزال في القصر.
“يبدو أن علينا فتح الخزنة.”
“الخزنة؟”
“بليندا، هل يمكنك إحضار كتب تتعلق بعلم الكيمياء من المكتبة؟”
“نعم، حاضر.”
أمرت ديانا بليندا بإحضار كل الكتب التي تتعلق بالكيمياء من المكتبة.
“أحضرتها، سموك.”
“شكرًا، بليندا.”
أحضرت بليندا الكتب بسرعة ورتبتها على الطاولة.
كانت الكيمياء في الإمبراطورية تشمل علم الجرعات أيضًا.
وكانت ديانا تنوي صنع جرعة تستخدم الكيمياء.
“ما الذي تنوين صنعه؟”
سألت بليندا ديانا بينما كانت تفتش بين الصفحات،
فأجابت الأخيرة بلطف دون أن ترفع عينيها:
“دواء يفتح خزنة سرية قد يكون لي فيه نفع.”
“دواء نافع؟”
“نعم. دواء يجعل العدو حليفًا.”
رغم أنها طردت جميع الخادمات، أبقت على جوليا،
وهي الخادمة الأوفى لأليشيا، لسبب معين.
كانت تنوي أن تُطعمها الجرعة التي ستصنعها.
جرعة ستكون بمثابة مفتاح يفتح قفلًا وضعته أليشيا.
قلّبت ديانا صفحات الكتاب بسرعة حتى عثرت على ما تريد،
وكتبت شيئًا على رق قطعة من الرق، ثم سلّمتها لميلان.
“ميلان، هل يمكنك إحضار هذه المكونات؟”
“نعم، سموك.”
قرأ ميلان المكونات على الورقة بسرعة،
ثم عاد ومعه قدر والمكونات الأخرى على عربة.
فتحت ديانا الكتاب أمامها.
كانت الجرعة تُدعى ‘غلاديولوس’ جرعة عديمة اللون والرائحة تجعل من يشربها يكشف الحقيقة ويتأثر بصانعها.
“هذه…….”
“نعم، جرعة محرّمة.”
أجابت ديانا بهدوء وهي تضع البيوني، وزهرة الورد الأزرق، وصدفة بنفسجية، وشظايا مذنب، وأشواك ورد أسود في القدر،
ثم وضعته على موقد مسحور.
فقط النار المسحورة كانت قادرة على استخراج أقصى فعالية للجرعة.
حرّكت ديانا القدر بعصا زجاجية بينما بدأ البخار يتصاعد.
لم تكن لتفكر يومًا في صنع مثل هذه الجرعة من قبل،
بل لم تكن لتنظر إليها حتى.
فكلمة “محرّمة” كانت تُرعبها. التحكم بعقول الناس…
لكنها الآن لم تعد تخشى شيئًا.
الأولوية الوحيدة كانت العثور على ابنتها.
سواء كانت جرعة سحر مظلم أو محرّمة،
لا شيء يهم إن كانت ستقودها لطفلتها.
حين اشتعلت النار، تغيّرت ألوان المكونات،
ومع إضافة ماء نقي شفاف، بدأت بالغليان فورًا.
ولأنها كانت بارعة في صناعة الأشياء، انتهت الجرعة بسرعة.
“هل هذا كل شيء؟”
“لا. عليّ أن أنفخ فيها المانا.”
صناعة الجرع في الإمبراطورية صعبة، ليس لشيء،
سوى لأن كل جرعة فعالة تحتاج إلى مانا، بغض النظر عن نوعها.
أطفأت ديانا النار، وأسقطت قطعة من بلور الثلج الذي يحمل ماناها في الجرعة الساخنة.
فبردت بسرعة وتحولت إلى سائل شفاف.
“واو.”
“مذهل، أليس كذلك؟”
ابتسمت ديانا برقة وهي تنظر إلى بليندا التي اتسعت عيناها بدهشة، ثم تسلّمت زجاجة كريستالية من ميلان.
وبما أن بلور الثلج امتص الحرارة، فقد كان القدر باردًا تمامًا. سكبت ديانا السائل بعناية.
لا رائحة، لا لون، يبدو كماء نقي.
“هذه هي…….”
“نعم. غلاديولوس. جرعة الحقيقة.”
رفعت ديانا الجرعة الشفافة باتجاه ضوء الشمس، فتكسّرت أشعة الشمس على الكريستال إلى شظايا قوس قزح تبعثرت في الغرفة.
لم تستطع منع ابتسامة من أن ترتسم على وجهها أمام هذا المشهد الساحر.
وجهها بدا جميلًا لدرجة يصعب تصديق أنها تنوي استخدام هذه الجرعة للتحكم بعقول الناس.
اجتاح أجساد من يراقبونها شعور بالقشعريرة.
كأن كل شيء سيكون كما تريده.
وضعت ديانا الجرعة على خزانة الشاي،
وصفقت بيديها لتحويل الجو.
“حسنًا، لنستدعِ جوليا، ميلان.”
“امرك.”
“أحضري بعض الحلوى والشاي، ولتقم شين بجلب جوليا.”
“كما تأمرين.”
فور سماع الأوامر، تحركوا بسرعة.
وسرعان ما دوّى صوت طرق الباب.
لا شك أنه كانت جوليا.
ارتدت ديانا عصابة العينين وجلست على الأريكة.
“تفضلي بالدخول.”
“هل استدعيتني، سمو الدوقة؟”
“اجلسي.”
أشارت ديانا لها أن تجلس أمامها بابتسامة خفيفة.
دخلت يجوليا وجلست على الأريكة بشيء من التوتر،
دون أن تحني رأسها كما ينبغي.
لكن رغم ذلك، بدت متوترة قليلًا،
كأنها تتساءل عن سبب هذا الاستدعاء المفاجئ.
“ميلان، صبّي الشاي.”
“حاضر، جلالتك.”
سكبت ميلان شاي البابونج العطري في فنجانين.
بالطبع، الفنجان المخصص لجوليا كان يحتوي على غلاديولوس.
“ها هو.”
وُضع الفنجان الأصفر الزاهي أمام كل منهما.
وكان فنجان ديانا مبردًا قليلًا كي لا تحترق بما أنها لا ترى.
هذا التفصيل الدقيق خفّف من توتر جوليا.
“سبب استدعائكِ لي هو……”
“آه، لدي ما أقوله. لكن دعينا نرتشف الشاي أولًا.”
تحسّست ديانا الفنجان ورفعته ببطء لتشرب منه براحة.
فرفعت جوليا فنجانها بدورها،
وسرعان ما حرّكت حلقها وابتلعت الرشفة.
راقبتها ديانا بهدوء، إلى أن اختفى البريق من عيني جوليا.
عندها نهضت ديانا فجأة، وقالت ببرود:
“أين ابنتي؟”
وكانت نبرة صوتها القاتمة، والمغطاة بعصابة العينين،
تنذر بأنها على وشك أن تخنق جوليا بيديها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 14"