استمتعوا
“هـ… هذا مستحيل…!”
كانت كاثرين تتصبب عرقًا بارداً وهي تراقب بطرف عينها جهة نافذة غرفتها.
كانت أليشيا مصدومة تمامًا كما كانت كاثرين.
فقد استدارت فجأة نحو النافذة،
حيث يفترض أن تكون آيسيل موجودة.
كانت نظراتها تشتعل غضبًا.
لم يكن من الممكن أن تفشل فجأة في أمر نجحت فيه قبل قليل.
لا بد أن تلك المتغطرسة آيسيل تعمدت إحراج كاثرين.
يا لحسن الحظ أن تلك العينين لا تبصران.
لو كانت تبصر، لرأت ارتباكنا أنا وكاثرين وربما شكت في الأمر.
دون أن تدرك أن ديانا كانت تراقبهن بوضوح،
أخذت أليشيا تراقب ديانا بطرف عينها.
“ما الأمر؟”
رغم أنها رأت كل شيء،
إلا أن ديانا أمالت رأسها كما لو أنها لم ترَ شيئًا.
“هم؟”
ابتسم رويري وكأنه كان يتوقع هذا مسبقًا.
“آه، لقد فشلت.”
“فشلتِ؟”
سألت ديانا بنبرة لا تصدق.
فزمّت كاثرين حاجبيها بشدة من طريقة كلامها.
“كلما كان الطفل أصغر سنًا،
كان من السهل عليه إظهار المانا، أليس كذلك؟”
قالت ديانا ذلك وهي تشدد على كلماتها.
فاحمر وجه كاثرين حتى كاد ينفجر كالبالون،
وارتجفت قبضتاها من الغيظ.
“صحيح. لكن…”
استدار رويري نحو كاثرين المرتجفة وهو يبتسم بلطف.
وقعت عيناه الزرقاء الحادة على كاثرين.
“في الواقع، لا أشعر بأي طاقة سحرية.
لا يوجد مانا في تلك الفتاة.”
“لا يوجد؟”
رغم أنها كانت تعرف ذلك مسبقًا،
ردّت ديانا بنبرة دهشة وكأنها لم تتوقع ذلك.
أومأ رويري برأسه واستمر في التحديق في كاثرين بعينين مرتابتين.
ورغم أنه كان يبتسم، إلا أن نظراته كانت حادة للغاية،
كأنها نظرات صقر على وشك الانقضاض على فريسته.
“نعم، نونا. لا شيء إطلاقًا.”
“سأجرب مجددًا! يمكنني فعلها!”
“… ما رأيك أن تعطيها فرصة أخرى؟ يبدو أن الانسة الصغيرة كانت متوترة قليلاً، سموكِ.”
قالت أليشيا ذلك بتوسل وكأنها ترجّيها.
لكن رويري هز رأسه بحزم.
“لا داعي لذلك، نونا.”
“ماذا؟”
“حتى لو حاولت مرارًا، لن يتغير شيء.
لا يوجد مانا على الإطلاق.”
قال رويري ذلك وكأنه يشرح شيئًا تافهًا وهو يصفر بخفة.
ظلّت ديانا صامتة لفترة طويلة.
وخلال هذا الصمت،
ساد شعور بالتوتر في الحديقة وكأنه يخنق الأنفاس.
وبالطبع، كان التوتر يسيطر فقط على أليشيا وكاثرين.
وبعد صمت طويل، فتحت ديانا شفتيها ببطء وقالت:
“هل من الممكن أن يحدث هذا؟”
“مم؟”
“أقصد، هل من الممكن أن أمتلك مانا بينما كاثرين لا تمتلك أيًا منها على الإطلاق؟”
اهتزت أكتاف كاثرين وأليشيا اللتان كانتا تستمعان بصمت.
وانتظرتا إجابة رويري بوجوه متجهمة.
رفع رويري كتفيه وأجاب:
“نادراً جداً ما يحدث هذا. حتى أولئك الذين لا يستطيعون استخدام السحر يجب أن يملكوا قدرًا ضئيلاً من المانا.”
“يا لها من غرابة. كاثرين… هي ابنتي.”
قالت ديانا ذلك ببطء وكأنها تعمدت ترك أثر لكلماتها.
كان بإمكانها أن ترى أليشيا تعقد حاجبيها من بين فتحات الغطاء على عينيها.
ويبدو أن أليشيا أيضًا كانت تشعر بجرح في كبريائها من فكرة أن ابنتها لا تستطيع ما تستطيع ديانا وابنتها فعله.
فابتسمت ديانا بسخرية لا إرادية.
كان الأمر مثيرًا للضحك.
بدلًا من أن تفتخر بتفوقها، ها هي تغرق في الحزن بسبب فشلها.
كم هن بائسات، تلك الأرواح التي تملك تقديرًا ذاتيًا منخفضًا إلى هذا الحد.
“لا مفر. سأضطر لتلقي دروس السحر وحدي.”
“لكن…”
“الانسة النبيلة، يجب أن تعترف بعجزها أيضًا، يا كاثرين.”
“… نعم.”
أنزلت كاثرين كتفيها وبرزت شفتاها من الحزن.
كانت غاضبة ومحبطة لأن آيسيل تمكنت من فعل ما لم تستطع هي فعله، وشعرت بالإحباط من أن والدتها هي أليشيا.
في البداية، بدت لها أمها جذابة كونها طبيبة.
لكن في النهاية، لم ينفعها ذلك في شيء.
ليتها لم تعرف شيئًا.
حتى لو كان وهمًا، ليتها عاشت وهي تعتقد أنها الحقيقية.
كانت أسعد فتاة في العالم.
والدها دوق، وأمها دوقة من أعلى الطبقات النبيلة في العاصمة.
وهي نفسها، أميرة نبيلة لا تقل شأنًا عن العائلة المالكة.
لكن، بمجرد أن عرفت أنها مزيفة،
أصبحت أكثر شخص تعيس على وجه الأرض.
وعندما وضعت أليشيا آيسيل، التي تشبه ديانا، أمامها،
شعرت بأن كل شيء سيُنتزع منها.
ولهذا السبب كانت تزعج تلك الفتاة أكثر فأكثر.
شعرت أنه إذا لم تفعل، فلن يزول هذا القلق أبدًا.
وفوق كل ذلك،
ها هي آيسيل تحرجها أمام ديانا وتظهرها بمظهر الفاشلة.
لم تستطع تحمل ذلك. أرادت الركض نحوها وصفعها فورًا.
حدّقت ديانا بكاثرين التي كانت تغلي من الغيظ، ثم قالت بهدوء:
“اذهبي إلى الداخل أولاً. سأتابع الدرس هنا.”
“… نعم، أمي.”
قالت كاثرين بصوت مكسور ثم مشت بتثاقل.
نظرت إلى الخلف قليلًا، لكن ديانا لم تهتم بها على الإطلاق وكانت منشغلة بدرس السحر مع رويري.
استدارت كاثرين بحدة وهي تصر على أسنانها وتوجهت إلى غرفتها.
كانت أليشيا تنظر إلى كاثرين بقلق، ثم اقتربت من ديانا وقالت:
“يبدو أن الأميرة الصغيرة محبطة جدًا، سموكِ.”
“محبطة؟”
في الحقيقة، أنا من شعرت بالإحباط.
كنت أظن أنها ستُظهر شيئًا عظيمًا.
لكن ما ظهر كان مجرد صخب بلا مضمون.
حبست ديانا رغبتها في التذمر وابتسمت بلطف.
“لا داعي لذلك… لكن نعم، كان من الأفضل لو كانت تشبهني.”
“ماذا؟”
ظنّت أنها سمعت خطأ. لطالما كان حب ديانا لكاثرين أعمى.
حتى عندما كانت كاثرين عنيدة، أو تتجاهل التعليمات،
أو تنفعل على الخادمات، لم توبخها ديانا أبدًا.
كانت تتعامل معها كما لو كانت كنزًا ثمينًا.
لكن، ماذا؟ هل تشعر بالأسف لأنها لا تملك مانا؟
نظرت أليشيا إلى ديانا بذهول وهي لا تزال تحت وقع الصدمة.
ولم تكتفِ ديانا بذلك، بل تابعت:
“عندما أفكر في الأمر، إنه غريب.”
“… ماذا تعنين؟”
“لا يوجد فيها أي شيء يشبهني.”
تدخل رويري الذي كان يستمع إليهما لفترة طويلة وقال بصراحة:
“نونا.”
“نعم؟”
“حقًا، لا تشبهان بعضكما أبدًا، أنتِ وابنتكِ.”
“أليس كذلك؟ لقد ورثت الكثير من صفات والدها.”
أجابت ديانا بهدوء، لكن أليشيا لم تستطع إخفاء انزعاجها.
نظرت إلى رويري بحدة وكأنها تقول:
ما فائدة هذا الكلام؟ فاحمرت عيناها من الغضب.
لكن رويري، دون أن يدرك مشاعرها، تابع الحديث.
“في الحقيقة، من تشبهها هي…”
وأشار بإصبعه نحو أليشا.
“هذه الأجوما.”*
*المراه الكبيرة بالعمر
“أجـ… أجوما؟!”
شعرت وكأن قلبها سقط في مكانه.
تساءلت إن كان يعرف الحقيقة فعلاً.
وما زاد من انزعاجها أنه يطلق على ديانا لقب ‘ نونا’،
بينما يناديها هي بـ ‘ أجوما’ .
يا له من شخص وقح!
“أجوما؟ هههه، رويري. ألي في نفس عمري.”
لم تتوقع ديانا أن يحرجها رويري بهذا الشكل!
نظرت إلى أليشيا المرتجفة وضحكت بصوت عالٍ.
ثم قالت بنبرة تحمل شيئًا من الحدة:
“يبدو أن كاثرين أصبحت تشبه ألي كثيرًا لأنها تقلدها طوال الوقت. أليس كذلك، ألي؟”
“… نعم، ربما.”
لم تعد تحتمل البقاء في هذا المكان أكثر.
رغم أن ذلك مستحيل،
إلا أن الأمر بدا وكأنهما اتفقا على السخرية منها.
“سأذهب للاطمئنان على الأميرة الصغيرة. أشعر بالقلق عليها.”
“حسنًا. في النهاية، أنت الوحيدة التي تهتم لأمري ولأمر كاثرين. اذهبي. سألحق بك بعد انتهاء الدرس.”
“نعم، إلى اللقاء.”
انحنت أليشيا لديانا ثم استدارت وهي ترمق رويري بنظرة نارية.
وما إن رحلت، حتى أطلقت ديانا ضحكة مكتومة.
من المؤكد أن هذه كانت أول مرة تتعرض فيها أليشيا لمثل هذا الإذلال.
حتى عندما كانت ابنة بارون،
لم يجرؤ أحد على التقليل من شأنها بسبب مكانة ديانا.
“ههه.”
“ما الذي يضحكك إلى هذا الحد؟”
“كلام رويري مضحك للغاية.
لم أسمع كلمة ‘أجوما’ منذ زمن بعيد.”
“أطلقت عليها ‘أجوما’ لأنها تشبه الأجوما فعلاً، لا أكثر.”
قال رويري ذلك وهو يبرز شفتيه لكن بابتسامة خفيفة تشبه مشاكسة الأطفال.
مدّت ديانا كفها وخلقت كرة سحرية من الجليد وسألت:
“وماذا عني؟”
“هم؟”
“لماذا تناديني بـنونا؟”
رمش رويري ببطء ثم ابتسم ابتسامة دافئة.
لا تدري لماذا، لكنها بدت مشرقة كالشمس.
فتسارعت دقات قلبها أمام تلك الابتسامة الساطعة.
لكن، ما قاله بعدها جعل قلبها يزداد خفقانًا.
“لأنكِ… جميلة.”
“… ماذا؟”
“ربما…”
توقف للحظة، ثم تابع:
“الأجمل في هذا العالم.”
كان تعبيره جادًا كأنه يعترف لها بشيء.
ذلك الفتى الذي بدا كصبي،
بدا فجأة كرجل ناضج في هذه اللحظة.
قلب ديانا، الذي ظنت أنه لن ينبض لأحد مجددًا،
بدأ ينبض بجنون.
***
“سمو الأميرة! سمو الأميرة!”
ركضت أليشيا بسرعة خلف كاثرين.
كانت كاثرين تسير بسرعة نحو غرفتها دون أن تلتفت.
“سمر الأميرة!”
أخيرًا لحقت بها أليشيا وأمسكت بطرف فستانها.
كانت عينا كاثرين تفيضان بالدموع.
“لا تبكي، صغيرتي.”
لم يكن أحد في الردهة.
فبدأت أليشيا بتهدئتها وربتت على كتفها برفق.
كانت كاثرين تملك كبرياءً كبيرًا، تمامًا مثل أليشيا.
ولم تكن لتتقبل ما حدث اليوم بسهولة.
بل، لم تمر بتجربة كهذه من قبل في حياتها.
“… سأقتلها.”
كانت عيناها المتوهجتان بالكراهية لا يمكن تصديق أنها لطفلة في الخامسة عشرة.
لقد وصلت إلى حافة الانهيار.
لن يهدأ غضبها إلا إذا قتلت تلك الفتاة في غرفتها.
دفعت كاثرين أليشيا بعنف وركضت نحو غرفتها.
“كاثرين!”
“آيسيل!”
صرخت بعنف وكأنها تستشيط غضبًا، لكن آيسيل لم تكن هناك.
هل اختبأت خلف رف الكتب؟ أطلقت عينيها البنفسجيتين اللامعتين، التي ورثتها من والدها، وفتحت رف الكتب.
لكن، في اللحظة التي فتحته فيها،
تلاشت نيران الغضب من عينيها وحلّ محلها فراغ عميق.
كان الرف فارغًا تمامًا، كما لو أن أحدًا لم يكن هناك منذ البداية.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 13"