استمتعوا
لقد مضى أسبوع بسرعة دون أن تشعر ديانا بذلك.
وخلال ذلك الوقت، واصلت تدريباتها على إطلاق السحر بلا توقف.
وبفضل موهبتها الفطرية،
تمكنت بسرعة من استحضار بلورات جليدية صغيرة.
هل هذا كافٍ الآن؟
نظرت ديانا برضا إلى البلورات الجليدية الجميلة التي تطفو فوق كفّها.
لكن السبب الحقيقي لانتظارها هذا اليوم لم يكن اكتمال هذه البلورات.
كاثرين، التي لا تملك أدنى موهبة سحرية،
لكنها أصرت بعناد على المحاولة.
كانت ديانا تتوق لرؤية الطريقة التي ستستخدمها كاثرين وأليشيا لتنفيذ السحر.
أياً كان ما أعدتاه، كانت واثقة أن شيئاً مثيراً سيحدث.
يا للعجب من التشابه بين الاثنتين.
عندما تنظر إلى كاثرين، تتذكر أليشيا في طفولتها.
ابنة البارون التي كانت تتلقى دعماً من عائلة ديانا،
ومع ذلك كانت تقلد كل ما تفعله ديانا بلا استثناء.
عندما يهديها والدها مجوهرات، تحاول شراء نفس العلامة التجارية، وعندما تشتري ديانا فستاناً، تتضور كاثرين جوعاً لتشتري تصميماً مشابهاً.
في ذلك الوقت، اعتقدت ديانا أن هذا من صميم الصداقة،
لأنها صديقتها المقربة، فمن الطبيعي أن ترغب بتقليدها.
لكن عند التفكير الآن،
لم يكن ذلك بدافع الصداقة، بل كان غيرةً بغيضة وعناداً مقرفاً.
ابتسمت ديانا بسخرية،
وتسللت ضحكة ساخرة من بين شفتيها الحمراوين.
ثم فجأة، تذكرت ابنتها الحقيقية،
التي اختفت وكأنها لم تكن موجودة يوماً.
هل كانت تشبهني هي أيضاً؟
عاهدت نفسها ألا تبكي مجدداً،
وأن تكون قوية، لكنها كانت تنهار دائماً حين تتذكرها.
وانهمرت دمعة من عينيها الجامدتين الباردتين.
لم تكن تعرف حتى وجه ابنتها أو اسمها، لكنها كانت أماً.
كانت فكرة أن طفلتها تتألم في مكان ما،
وتلك اليد النحيلة الجافة، تكسر قلبها كل مرة.
وكانت تؤمن أن من تسببوا لها بهذا الألم يجب أن يذوقوه هم أيضاً.
كاليبسو، أليشيا، كاثرين… ذكرتهم في عقلها،
وأومضت عيناها الزمرديتان ببرود بينما قبضت على قبضتها بقوة.
في تلك اللحظة، سُمِع صوت طرق على الباب.
كان وقت وصول كاثرين قد اقترب.
“أمي، إنها أنا، كاثرين.”
وكما توقعت، جاء صوت كاثرين من الخارج.
بعد إجبارها على قراءة الكتب لساعات طوال الأسبوع،
أصبحت نبرة صوتها الصافية أكثر خشونة.
يبدو أنها وقعت فعلاً في حب السيد سوير.
غطّت ديانا عينيها بسرعة وأجابت بنبرة لطيفة:
“تفضّلي بالدخول.”
“نعم.”
دخلت كاثرين الغرفة بخطى رشيقة ومهذبة.
“اليوم ستقرئين هذه الكتب.”
كانت تلك نفس الكتب التي قرأتها طوال الأسبوع حتى حفظتها، لكن ديانا أرادت سماعها مجدداً بصوتها الخافت.
فصوت مثل العصافير لا يليق بفتاة تحمل قلباً قبيحاً مثل كاثرين.
“نعم، أمي.”
وبدأت كاثرين تقرأ بانضباط.
استمرت لحظات القراءة المملة، وعندما أشارت عقارب الساعة السحرية إلى الحادية عشرة، دقت الأجراس برنين نقي.
تمددت ديانا وقالت بلطف:
“هيا، دعينا ننزل الآن.
وقت قدوم الأستاذ قد اقترب. ما رأيك أن نتناول الغداء أولاً؟”
“……أمي.”
“همم؟”
لم تكن آيسيل مستعدة بعد لاستخدام السحر بالنيابة عنها.
فسألت كاثرين، وملامح القلق واضحة على وجهها:
“هل يمكن أن نبدأ الأسبوع المقبل؟ أشعر ببعض التعب.”
يبدو أنها لم تجد حلاً بعد.
حدقت ديانا في وجهها، ثم ضحكت قليلاً وأجابت بتراخٍ:
“حسناً، لا بأس.”
ظلت كاثرين تحدّق بها للحظات، ثم عادت إلى غرفتها.
نظرت ديانا بسخرية إلى ظهرها وهي تغادر،
ثم رتبت الكتب على الطاولة.
ومنذ أن عادت في الزمن، لم تنزل إلى غرفة الطعام مرة واحدة، فهي لم تكن تحتمل رؤية وجوههم المقززة حتى عند تناول الطعام.
حينها، جاء صوت ميلان من وراء الباب:
“سموكِ، أحضرت طعامك.”
“شكراً لك، ميلان.”
دخلت ميلان الغرفة وهي تدفع عربة مليئة بالطعام الساخن،
ثم انحنت وغادرت بعد أن رتبت الأطباق.
مدّت ديانا يدها لتتناول الشوكة،
عندما سمعت صوت نقر خفيف على النافذة.
“هم؟”
رأت خصلة شعر حمراء تتطاير مع الريح خارج النافذة.
كان من يطرق النافذة هو رويري.
“انه أنا، نونا! افتحي لي!”
فتحت ديانا النافذة المقفلة بسرعة بمجرد أن سمعت صوته.
“لكن الوقت لم يحن بعد…”
“نعم، جئت مبكراً قليلاً، خشيت أن يعيقنا المتطفلون.”
ابتسم مازحاً حتى ظهرت أسنانه البيضاء.
“لم أتمكن من تعليمك بشكل صحيح في الحصة الأولى.”
“شكراً لك، رويري. لكن…”
“هم؟”
“هل تناولت طعام الغداء؟”
اتضح أنه لم يأكل بعد. هز رأسه نافياً.
“لنأكل معاً. تفضل، اجلس.”
أرادت في الواقع التحدث معه على مهل مرة واحدة على الأقل.
فتظاهرت ديانا بالتردد وسحبت كرسياً له.
“آه، جئت لأعطيك درساً إضافياً، وليس لأتناول الغداء.”
“كنت أرغب بتناول الغداء معك. ولدي الكثير من الأسئلة عنك.”
“هم، صحيح؟”
ابتسم بخفة وجلس.
“الطعام ما زال دافئاً.”
“……نعم.”
حدّق في ديانا بعينين حنونتين.
وكأنه عثر على شخص فقده منذ زمن.
تجنبت ديانا نظراته وأخفضت عينيها نحو الطعام،
شعرت بأنه يملك القدرة على إرباك الناس.
“هل نأكل؟”
“نعم، يبدو لذيذاً.”
رغم أنه ساحر من برج السحر لا يهتم بالمراتب أو الألقاب،
كان يأكل بأدب مدهش.
بل يمكن القول إنه كان مثالياً.
لم يُصدر حتى صوتاً عند تناول الطعام، كأنه يتناول عشاءً ملكياً.
“هل تأكل فعلاً؟”
سألته وكأنها لم ترَ شيئاً، رغم أنها لاحظت أدبه اللافت.
“هم؟”
“لم أسمع أي صوت.”
“آه، تعلمت لاحقاً.”
“لاحقاً؟”
أمالت رأسها باستغراب. حلّت غمامة خفيفة على وجهه.
“كنت في دار أيتام.”
“دار أيتام؟”
“نعم. لكني وجدت والديّ لاحقاً.”
خشيت أنها فتحت موضوعاً حساساً، فقالت مبتسمة:
“لكن من الجيد أنك وجدتهما!”
“صحيح. وهذا كافٍ. وأيضاً لم تكن حياتي في دار الأيتام سيئة، بفضل أحدهم.”
“من؟”
“شخص ما.”
ثبت نظره في الطعام وواصل أكله بهدوء.
لم تستطع ديانا أن تسأله المزيد،
فقد بدت عليه ملامح الحزن رغم ادعائه أنه لم يكن تعيساً.
هل كان فعلاً تعيساً؟
أمسكت ملعقتها وأخذت تتأمل الحساء الذي بدأ يبرد.
***
“هل أنتِ مستعدة؟”
“نعم.”
بعد أسبوع من التدريب، تمكنت آيسيل أخيراً من إطلاق قدر بسيط من السحر. لم يكن سوى جليد صغير، لكنه كافٍ.
ابتسمت أليشيا برضا.
“حسناً، لنجرّب للمرة الأخيرة.”
أغمضت كاثرين عينيها كما لو أنها تجمع طاقتها،
ثم فتحت عينيها ومدّت يدها.
في تلك اللحظة، أطلقت آيسيل السحر فوق كفّ كاثرين.
تكوّن جليد صغير وسقط.
“نجحنا!”
صفّقت أليشيا بسعادة كأن كاثرين فعلت ذلك حقاً.
“هذا سيكون كافياً!”
ابتسمت كاثرين أيضاً بثقة وهي تنظر إلى أليشيا.
معلم ديانا لا يبدو عظيماً كما توقعت،
وهذا سحر حقيقي، فلن يُكشف الأمر.
“اقترب الوقت، سأذهب معكما.”
“نعم، أمـ… أقصد، دكتوره.”
كادت كاثرين تناديها ‘أم’ لكنها تداركت الأمر بسرعة ونظرت إلى آيسيل.
“آيسيل، لا تخطئي. فهمتِ؟”
“نعم، آنستي.”
كان التوتر واضحاً على كتفي آيسيل.
رمقتها كاثرين بنظرة حادة، ثم نزلت مع أليشيا إلى الحديقة.
كان رويري وديانا بانتظارهما بعد تناول الغداء.
“مرحباً آنسة. ومن هذه؟”
توجّه نظره ببطء إلى كاثرين وأليشيا.
لكن خلافاً لنظرته اللطيفة تجاه ديانا،
كانت عيناه باردتين وهما تحدقان بهما.
وكأنهما يذكرانه بماضيه.
رغم لقائهما القصير، بدا كأنه يعرف كل شيء.
“مرحباً. سمعت أن الآنسة تتعلّم السحر،
فجئت لألقي نظرة. هل تسمح لي، سموّك؟”
ابتسمت أليشيا بلطف.
رفعت ديانا حاجبها قليلاً لكنها أومأت بالموافقة.
“بالطبع، فأنتِ أعز صديقاتي، أليشيا. شاهدي كما تشائين.”
ما زلتِ تبتسمين الآن. دعيني أرى ما حضرتِ له.
أومأت ديانا إلى رويري، فصفق بيديه قائلاً:
“حسناً، فلنبدأ باختبار بسيط لهذه الآنسة.”
“حسناً.”
ابتلعت كاثرين ريقها ونظرت إلى غرفتها.
من خلف الستائر، كانت آيسيل تراقبها.
“ابدئي بإطلاق السحر.
إن كان لديكِ، ستشعرين به يدور في جسدك. هل تشعرين به؟”
“نعم.”
أجابت بثقة.
“حقاً؟”
ابتسم رويري كأنه يعرف شيئاً. ثم قال بهدوء:
“حسناً، اجذبيه إلى كفّك.
على الأرجح، ستكون خاصيتك هي الجليد.”
أستطيع فعلها. لا داعي للتوتر.
تلك الوضيعة ستستخدم السحر بدلاً مني.
أمام أنظار الجميع، أغمضت كاثرين عينيها وتظاهرت بجدّية، وكأنها تشعر فعلاً بتدفق السحر.
ثم فتحت عينيها فجأة ومدّت يدها.
كان من المفترض أن يظهر جليد صغير كما في السابق.
لكن لم يظهر شيء في يدها.
تلاقت عينا أليشيا وكاثرين في الفراغ،
تتطايران كالأوراق في الريح.
يا له من مشهد تافه. وحدها ديانا كانت تبتسم بين نظرات الذهول.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 12"