استمتعوا
“هذا هو المكان.”
بعد أن نزل الاثنان من العربة وسارا عميقًا في زقاق قذر، وصلا أخيرًا أمام الميتم الذي عاشت فيه آيسيل حتى بلغت العاشرة من عمرها.
“هذا، هو؟“
ارتجف بؤبؤا عيني سوير قليلاً.
كان قد أقسم ألّا يُظهر أي اضطراب مهما كان ما سيواجهه.
لكن من المستحيل ألّا يُفاجأ.
رائحة المجاري النتنة كانت شيئًا،
ولكن المبنى نفسه بدا وكأنه سينهار بمجرد لمسه.
“نعم، لقد نشأت هنا حتى العاشرة.”
ابتسمت آيسيل بمرارة.
لو لم تكن أليشيا قد تخلّت عنها في هذا المكان،
أو على الأقل، لو تركتها في مكان يُدار بشكل طبيعي،
لما كانت قد كبرت وهي تُضرب.
عادت بها الذكريات إلى طفولتها المؤلمة، فأغمضت عينيها بشدة.
“حقًا… يبعث على القشعريرة.”
قبض سوير على قبضتيه بشدة،
وهو يعرف جيدًا الجرائم التي اقترفتها أليشيا.
فتاة كان يُفترض أنها تنشأ كنبيلة مدللة في قصر إيرنست،
نشأت في الواقع في مكان كهذا
“كان تحمّل القذارة أسهل مما كنت أعتقد.”
“إذًا… ما الذي كان الأصعب؟“
سألها بحذر، خشية أن يفتح جرحًا قديمًا.
رفعت آيسيل رأسها ببطء ونظرت إلى سوير.
ثم ابتسمت بخفة وهمست.
“…أن أُضرب.”
“عذرًا؟“
ظنّ أنه ربما سمع خطأ، فانعقد حاجباه قليلاً.
“لا تقولي لي إنكِ…”
“نعم، كنت أُضرب.”
ارتجفت رموش آيسيل وهي تستعيد ماضيها.
“بعد أن انتهى كل شيء،
علمت أن المديرة التي ربّتني لا تزال تشغل منصبها.”
كانت محظوظة لأنها تمكّنت من الخروج،
لكن لا شكّ أن الكثير من الأطفال ما زالوا يعانون هناك.
“لهذا جئت لإلقاء التحية، على طريقتي.”
ابتسمت آيسيل بابتسامة مشرقة وهي تغمض عينيها.
“آيسيل…”
عندها فقط أدرك سوير سبب مجيئها إلى هذا المكان،
وحدّق بها بصمت.
“أنا أعلم جيدًا أن والدتي كانت تُعرف بقديسة بريتشي.
ولا أرغب أبدًا في أن أسيء إلى سمعتها. لكن…”
بدأت آيسيل بالكشف عن ما في قلبها بصدق.
“مع ذلك، أعتقد أن من ارتكب جريمة يجب أن يُعاقب.
خصوصًا عندما يؤذي من هو أضعف منه بقلب شرير.”
نظر إليها سوير بذهول.
ولمّا طال صمته، ابتسمت آيسيل بمرارة.
“يمكنك العودة الآن، لا بأس. سوير اهتمّ بي فقط لأنه رأى أنني مثيرة للشفقة. حتى لو غيّرت رأيك الآن، لن ألومك. هذه هي حقيقتي.”
حاولت أن تبدو طبيعية قدر الإمكان،
لكن ألم الحب الأول كان يخنق قلبها.
ورغم ذلك، ابتسمت له بسعادة.
“ليست شفقة. أو، ربما في البداية كنت كذلك. من المؤكد أنني شعرت ببعض التعاطف لأنكِ مررتِ بما مررتُ به. ولكن…”
أمسك سوير يد آيسيل برفق، متشجعًا.
“كلما اقتربتُ منك، كلما انبهرت أكثر. أنتِ مذهلة.”
“سوير…”
“وأريد أن أكون إلى جانبك.”
اهتزت عيناها كما لو كانت تتمايل في مهب الريح.
“حتى لو كنتِ تخططين لانتقام قاسٍ لا يرحم، فلا بأس.
لا بد أن لديكِ أسبابك. أنا أثق بآيسيل.”
“…شكرًا لك، سوير.”
كان صدق مشاعره واضحًا في نبرة صوته الرقيقة.
تمسّكت آيسيل بيده ودخلت الميتم ببطء.
وما إن دخلت حتى بدأ المبنى العتيق يتجمد على الفور.
***
اقترب موعد خطوبة آيسيل.
وبناءً على طلب سيرينا الملحّ لإقامة الزفاف في قصر دوقية آيبرك، تقرر إقامة الخطوبة في قصر ماركيز بريتشي.
وهكذا، تم تنظيم الحفل بشكل بسيط في الحديقة المجددة حديثًا لقصر بريتشي، حيث تبادل أفراد العائلتين الهدايا وتناولوا العشاء معًا.
“أنتِ جميلة للغاية انستي!”
لم تستطع شين، وميلان، وبليندا كتمان انبهارهنّ من جمال آيسيل بالفستان.
“جميلة جدًا، آيسيل.”
ابتسمت ديانا بسعادة أيضًا.
ولكن رغم هذه الأجواء الودّية،
كان هناك رجلان عاجزان عن الابتسام.
“هاه…”
“آه…”
كانا دوق بريتشي—جدّ آيسيل الذي ورث لقب دوق بريتشي بعد ضم دوقية إيرنست—ورويري.
“ما بك يا رويري؟“
“إنها ثمينة جدًا…”
“وأنا كذلك، شعرت بصعوبة بالغة وأنا أزف ابنتي إليك.”
“هممم!”
سعل رويري في إحراج بعد سماعه كلام دوق فيريشتا.
“لا يزال هناك وقت طويل حتى حفل الزفاف.
عليها أن تبلغ سن الرشد أولًا.”
فآيسيل كانت لا تزال في الخامسة عشرة فقط.
وكان عليها الانتظار خمس سنوات أخرى لتبلغ سن الرشد.
“بالطبع، آيسيل. وإن غيّرتِ رأيك قبل ذلك، عليكِ أن تخبري أمك فورًا. إن رغبتِ، يمكننا فسخ الخطوبة متى شئتِ.”
“صحيح يا آيسيل. أنتِ تعرفين أن والدك هو سيد برج السحر، أليس كذلك؟ إن تسبّب دوق آيبرك ولو بدمعة في عينك…”
أطلق رويري زمجرة منخفضة كوحش يتخيل ما قد يحدث.
“هذه أفضل نسخة منك رأيتها في حياتي.”
“أوه، كفى يا والد زوجتي .”
ضحكت ديانا وآيسيل من المزاح اللطيف بين رويري ودوق فيريشتا.
وبعدما أنهوا استعداداتهم، خرجوا جميعًا إلى الحديقة.
كان أفراد دوقية آيبرك قد وصلوا وكانوا بانتظارهم هناك.
“ديانا!”
لوّحت سيرينا لديانا بفرح.
“لا أصدق أن عائلتينا ارتبطتا بهذا الشكل!”
كانت مفعمة بالحماس لأن أفضل صديقاتها أصبحت جزءًا من عائلتها عبر الزواج.
“أنا سعيدة جدًا أيضًا، سيرينا.”
كان ذلك بفضل كاثرين، ولم تكن تتوقع أن ينتهي الأمر هكذا.
لكن تذكرت ديانا الأشرار الثلاثة المحبوسين في السجن المائي، وهزت رأسها لتطرد تلك الأفكار.
“حتى هذا الفستان يعجبني.
قيل إنه هدية من الانسة شخصيًا، أليس كذلك؟“
“نعم. أرادت أن تصنعه بنفسها وتقدّمه كهدية لأم ساوير، سيرينا.”
“كم أنتِ طيبة، يا لها من روح جميلة.”
نظرت سيرينا إلى آيسيل بإعجاب.
“إذن، هل نبدأ بتناول الطعام؟“
“آمل أن يروق لكم.”
تناولت العائلتان الطعام معًا وسط أجواء دافئة ومليئة بالحديث والضحكات.
وفي الوقت الذي بدأت فيه أطباق التحلية تُقدم،
“أمم، لدي شيء لأقوله.”
رفعت ديانا يدها برفق.
“هل لديك شيء لتقوليه؟“
“اعتقدت أنه من الجميل أن أضيف خبرًا سعيدًا إلى هذا اليوم السعيد…”
ارتسمت على وجه رويري علامات التوقع والدهشة.
“خبر سعيد؟ لا تقولي، ديانا…”
نظرت إليه ديانا بعينين دافئتين، ووضعت يدها برقة على بطنها.
“أنا… حامل بطفل سيكون شقيق آيسيل.”
“هاه!”
“حقًا، ديانا؟!”
غطّى دوق بريتشي و آيسيل فمهما بدهشة.
وهنّأهم جميع أفراد دوقية آيبرك بفرح.
“مبروك، ديانا! من كل قلبي!”
“تهانينا!”
“شقيق أو شقيقة!”
“شقيق لآيسيل؟ ياترى سيكون اخ أم اخت زوجتي؟
لا أطيق الانتظار.”
“شكرًا لكم جميعًا على التهاني.”
لكن، وكما كان متوقعًا، الشخص الأكثر ذهولًا كان رويري.
“حقًا، ديانا؟“
سألها مجددًا بصوت مبحوح، كأنه لا يصدق.
“نعم، رويري. انتظرت حتى استقرت حالتي.
لم أُرد أن أسبب خيبة أمل للجميع…”
“أنا…”
وقف رويري ببطء وهو متأثر بشدة.
وفي تلك اللحظة، أضاءت يده فجأة، واستُدعي عصاه السحرية.
“طفل!”
وانطلقت من طرف العصا شرارات نارية ملونة متلألئة.
وأخيرًا، بدأت تلك الألعاب النارية تُزيِّن سماء الليل بجمال أخّاذ.
“واااه…”
أفراد عائلة دوق آيبرك، الذين كانوا يرون مثل هذه الألعاب لأول مرة، نظروا إلى السماء بانبهار وإعجاب.
“ديانا.”
من بين جميع من حضروا،
كان رويري هو أكثر من شعر بالامتنان تجاه ديانا.
“أحبكِ… أحبكِ حقًا، كثيرًا جدًا.”
لم يستطع أن يتمالك نفسه، فطبع قبلة على شفتيها.
ديانا بدورها لفت ذراعيها حول عنقه، وأجابته بابتسامة.
“وأنا أيضًا أحبك، رويري.”
حياة يسودها الدفء، يتجمع فيها أفراد العائلة على مائدة واحدة،
يتبادلون الحديث والضحكات في جو من الألفة والسعادة.
وبينما كانت تبعد شفتيها عنه ببطء، أخذت تتأمل الوجوه المحيطة بها… أولئك الذين تحبهم، وأولئك الذين يحبونها.
حتى بعد أن وضعت انتقامها خلف ظهرها،
بقيت ديانا غارقة في سعادة لا توصف.
وسعادتها تلك… لم يكن لها أن تنتهي أبدًا.
<لم تكن ابنتي – الفصول الخاصة>
انتهت
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل "115- التشابتر الخاص الرابع - النهاية "