استمتعوا
ابتسمت كاثرين بصعوبة وهي تمسك بيد آيسيل وتُجلِسها على الكرسي.
“اجلسي.”
“…أنا… آيسيل.”
قالت ذلك بتلعثم واضح.
وفي تلك اللحظة، صدر صوت “قررر” من بطن آيسيل.
واحمرّ وجه الطفلة النحيلة كالتفاح من شدة الإحراج.
“هل… أنتِ جائعة؟“
سألتها كاثرين بحذر وهي تلقي نظرة خاطفة على تعبيراتها.
ردّت آيسيل بصوت بالكاد يُسمع، وكأنها تنكمش على نفسها.
“نعم…”
أشفقت كاثرين عليها بشدة لدرجة أنها تحدثت إليها بلطف شديد:
“لا داعي لاستخدام الألفاظ الرسمية. نحن في نفس العمر.”
“لكن…”
“لا بأس، سأطلب أن يُحضِروا لك شيئًا تأكلينه.
انتظري قليلاً، نعم؟“
خرجت مسرعة إلى الردهة وطلبت إحضار بعض الحلويات.
سرعان ما عادت إحدى الخادمات ومعها عربة مليئة بالحلويات اللذيذة وأنواع مختلفة من الشاي.
“ها نحن ذا…”
دفعت كاثرين العربة بنفسها ووضعت كل ما فيها على الطاولة.
لكن ما إن همّت أن تطلب من آيسيل أن تأكل،
حتى وقعت عيناها على ملابس الطفلة البالية.
“آه…”
كانت ملابس لا تصح حتى لخادمة في منزل دوق إيرنست.
بل بدت وكأنها قد استُخدمت مراراً حتى أصبحت على وشك التمزق.
وكانت يداها وقدماها مليئة بالجروح والأوساخ،
ربما بسبب أعمال قاسية في دار الأيتام.
“إن كان بإمكانك التحمل قليلاً… ما رأيك أن تغيري ملابسك؟ وتأخذي حمامًا أيضًا.”
“آه…”
خفضت آيسيل رأسها خجلاً.
حين كانت في دار الأيتام، كان الجميع متسخين،
فلم تكن تشعر بالخجل.
لكن هنا، في هذا المكان النظيف الفاخر،
شعرت للمرة الأولى بالإحراج من مظهرها.
“تعالي، من هنا.”
أمسكت كاثرين بيد آيسيل بحزم.
فتحت آيسيل عينيها بدهشة.
لم تتوقع أن يمسك أحدهم بيدها المتسخة بهذه العفوية.
“إنها… متسخة…”
حاولت أن تسحب يدها، لكن كاثرين تمسكت بها أكثر.
“ليست متسخة.”
ثم اصطحبتها إلى الحمام.
ملأت حوض الاستحمام بالماء الدافئ باستخدام الحجر السحري، وأضافت إليه زيوتًا عطرية.
امتلأ المكان برائحة فاخرة منعشة.
“اغتسلي، ثم اخرجي.”
خشيت أن تشعر آيسيل بالخجل، فتركت لها منشفة كبيرة ورداء حمام دافئ، ثم خرجت من الحمام.
أثناء انتظارها، جلست كاثرين بهدوء لتشرب كوب شاي.
وبعد قليل، خرجت آيسيل مرتدية رداء الحمام.
“أم…”
عادت كاثرين إليها بفستان نظيف.
“ارتدي هذا، سيكون مناسبًا لك.”
وساعدتها على ارتداء الفستان بنفسها.
“حسنًا، لنأكل الآن، نعم؟“
ثم جلست بها أمام الطاولة.
“الآن وقت ما بعد الفطور… لذا نبدأ بالحلوى،
وسنتناول الغداء لاحقًا.”
فمن المعروف أن لا فتاة تكره الحلوى.
ملأت كاثرين صحن آيسيل بمجموعة من الحلويات.
كانت آيسيل مترددة، تنظر حولها،
ثم التقطت قطعة خبز وبدأت تأكلها بنهم.
ففي دار الأيتام، لم تكن تحصل على طعام كافٍ أبدًا.
“هل ترغبين ببعض الشاي؟“
“آه، أنا…”
بلعت لقمة الخبز التي كانت تمضغها، ونظرت بعينيها إلى كوب الحليب الطازج على الطاولة.
أحيانًا، كان يُتاح لها تذوق الحليب،
وإن كان حليبًا فاسدًا في معظم الأحيان.
لكنها لطالما رغبت في شرب حليب بارد ومنعش.
“هل يمكنني… شرب الحليب؟“
“بالطبع.”
صبّت كاثرين لها الحليب البارد على الفور.
وشربته آيسيل بارتياح.
“هاه…”
انفلت من شفتيها صوت ارتياح دون قصد.
وبعد تناولها كمية من الحلويات، نظرت إلى كاثرين بتردد.
“لكن… لماذا تعاملينني بلطف هكذا؟“
قالتها وهي تعبث بأصابعها، ثم أضافت.
“تلك السيدة التي قابلناها من قبل…”
تذكرت أليشيا التي لم تتردد في ضربها، فارتعشت كتفاها.
“هل انتهيتِ من الأكل، آيسيل؟“
“نعم؟ آه… نعم.”
“إذن، هناك مكان نذهب إليه.”
ابتسمت كاثرين لها بلطف.
“إلى أين؟“
أمسكت بيد آيسيل وتوجهت بها إلى مكان ما.
طفلة لم يكن لديها حتى مكان لتغتسل فيه،
أو ملابس نظيفة، وكانت تعاني من الجوع…
“ها قد وصلنا.”
كم كانت أمها، التي تشبه الملائكة، ستتألم لو رأت حالها!
طرقت كاثرين باب غرفة ديانا بخفة.
“أمي، إنها أنا.”
“كاثرين!”
فتحت ديانا الباب بابتسامة مشرقة،
لكنها فوجئت برؤية آيسيل تقف مترددة بجانب ابنتها.
طفلة تشبهها بشكل لافت.
“أنتِ…؟“
“أمي.”
دخلت كاثرين الغرفة وهي تمسك بيد آيسيل،
وأغلقت الباب بإحكام.
“اسمها آيسيل. وهي…”
قالت ببطء.
“يقولون إنها ابنتكِ الحقيقية.”
“…ماذا قلتِ؟“
أمالت ديانا رأسها من هول الصدمة.
كانت تعرف أن كاثرين، رغم صغر سنها،
ليست فتاة تهذي بكلام فارغ.
“ما الذي تقولينه، كاثرين؟“
“أنا آسفة، أمي.”
انحنت على ركبتيها أمام والدتها.
“كاثرين!”
صرخت ديانا في محاولة لرفعها، لكن كاثرين لم تتحرك.
ثم بدأت تروي لها ما رأته وسمعته في هذا اليوم.
وعندما انتهت، زفرت ديانا زفرة ثقيلة من هول ما سمعت.
“لا يمكن…”
“أنا لست الابنة الحقيقية، بل ابنة غير شرعية… ووالدتي البيولوجية ارتكبت جريمة فظيعة…”
حاولت أن تمنع دموعها، لكنها لم تستطع، فانفجرت باكية.
“حتى لو كرهتني، شعرت أن عليكِ أن تعرفي الحقيقة.”
تفاجأت آيسيل من كلماتها، ونظرت بتوتر بين كاثرين وديانا.
“…كاثرين.”
فكرت ديانا طويلاً، ثم قالت.
“لا بد أن أتحقق، لكنكِ لستِ مذنبة في شيء.”
“أمي…”
“حبي لكِ لن يتغير.”
عانقت ديانا كاثرين وآيسيل معًا.
“الفرق الوحيد هو أن لدي الآن طفلة أخرى لأحبها.”
ونظرت إليهما بعينين دافئتين.
“شكرًا لأنكِ أخبرتيني، كاثرين. وسعيدة بلقائك، آيسيل.”
“أأنتِ… حقًا أمي…؟“
“ابقوا هنا للحظة.”
نهضت ديانا بوجه بارد الملامح.
“سأتحقق من الأمر بنفسي.”
“لا تقلقي، لن أُخبر أحدًا أنني قلت لكِ هذا، أمي.”
“أحسنتِ.”
ابتسمت بهدوء.
“مهما حدث، سأحميكما. لذا لا تقلقا.”
“بالطبع، أمي.”
ابتسمت كاثرين وهي تنظر إليها.
لكن فجأة…
ضربت يد ديانا إبريق الشاي الموضوع على الطاولة دون قصد.
تأرجح الإبريق وسقط.
‘آه؟‘
في تلك اللحظة، بدا وكأن الزمن تباطأ من حولها.
لكن الإبريق لم ينكسر، بل تدحرج على الأرض دون صوت ارتطام.
في الوقت ذاته، بدأ الشاي يتسرب منه بلا توقف.
“ما هذا…؟“
بدأت المياه تغمر الغرفة وتصعد حتى وصلت إلى كاحليها.
واختفت ديانا وآيسيل من أمامها.
شعرت كاثرين بشيء غريب يلفها، وبدأت تلهث.
“هاه…!”
شهقت وهي تفتح عينيها.
كان هناك ماء يحيط بركبتيها.
لا بد أنها كانت تحلم أثناء نومها.
“لا… مستحيل…”
تحسست وجهها المرتجف بيد مرتجفة.
كاثرين، التي كانت في العاشرة من عمرها قبل قليل،
كانت تملك الآن وجه امرأة عجوز.
“لا… أرجوكِ… دعيني أعود…!”
“ايتها المجنونة.”
تمتمت أليشيا وكاليبسو، المحتجزتان معها،
وهما يهزّان رأسيهما بامتعاض.
“أمي، أنا آسفة! أميييي…!”
غرقت كاثرين في ندم مرير، ولم تجد سوى الصراخ لتُخرج به ألمها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل "113- التشابتر الخاص الثاني - ماذا لو اختارت كاثرين بيئتها بدلًا من دمها؟"