استمتعوا
لقد انتهى كلّ انتقام.
أخيرًا، أعادت ديانا كل الألم والمعاناة التي عاشتها هي وآيسيل إلى أصحابها.
كان من المؤكد أن أولئك الأشخاص سيلقون حتفهم في عذاب أبدي.
نهاية أولئك الذين تلاشى صراخهم وهيجانهم في الظلمة،
انطبعت بوضوح في عيني ديانا.
كانت آيسيل أول من أمسكت بيد ديانا بقوة.
“أمي…”
“نعم، آيسيل…”
نظرتا إلى بعضهما البعض، ثم سرعان ما ارتمتا في عناق دافئ.
لم يعد هناك حقدٌ في قلبيهما.
فكلّ الضغائن دُفنت في ذلك السجن المائي حيث سُجن كلٌّ من كاليبسو وأليشيا وكاثرين.
ديانا وآيسيل أمسكتا بأيدي بعضهما البعض بقوة،
وكأنهما تعهدتا ألا تتركا يد الأخرى أبدًا.
ثم، بينما كانتا تستعدان لمغادرة المحكمة التي أصبحت الآن فارغة تمامًا بعد أن خرج منها الجميع، شعرت ديانا بيدٍ دافئة توضع على كتفها.
“تهانينا، نونا.”
بطبيعة الحال، كان ذلك هو رويري.
أغمض إحدى عينيه بابتسامة مرحة.
“رويري…”
ما إن رأته ديانا حتى ظهرت ابتسامة تلقائية على وجهها.
نظر رويري إلى ديانا التي بدا عليها الارتياح وكأنها تخلّصت من عبء ثقيل، وسألها.
“هل تشعرين بالتحرر؟“
“…نعم. كثيرًا جدًا.”
آيسيل، التي كانت تتنقل بنظرها بين وجهَي الاثنين،
تمتمت بأنها ستذهب إلى الحمام، ثم اختفت بهدوء.
خرجت ديانا ورويري سويًا من قاعة المحكمة.
في الردهة، كان الإمبراطور لا يزال ينتظر ديانا.
كان يشعر بالخجل من نفسه لأنه في لحظة ما،
اهتم بكرامة العائلة الإمبراطورية أكثر من معاقبة كاليبسو.
كان ينتظر ديانا ليعتذر لها عن تردده.
لكنه تفاجأ عندما رآها تخرج من المحكمة برفقة رويري،
في مشهدٍ بدا أقرب إلى الحميمية.
نظر الإمبراطور إليهما بعينين مدهوشتين.
“رويري؟“
تلفّت رويري حوله.
ولحسن الحظ، لم يكن في الممر سواهم هم والإمبراطور.
“…أبي.”
وبعد أن تأكد من خلو المكان، ناداه أخيرًا.
“هاه؟ أبي؟!”
نظرت ديانا إلى رويري بدهشة شديدة.
فراح يحك رأسه بتوتر ويشرح.
“آه، لم أُخبرك من قبل،
أليس كذلك؟ جلالة الإمبراطور هو… والدي.”
“إذًا، والدك اللذي عثرت عليه…”
“نعم، هو.”
فتحت ديانا فمها ببطء.
كانت مصدومة، لكنها أيضًا شعرت بالدهشة.
لطالما أحسّت أن عيني الإمبراطور تشبهان عيني رويري بشكل غريب.
وذلك الشبه هو ما منحها الشجاعة لتقول كل ما كانت تستعد لقوله.
رويري… كان ملاذها الدافئ.
حتى في غيابه، ظلّ له تأثيرٌ كبيرٌ عليها.
“أنا آسف، لم أكن أنوي إخفاء الأمر…”
حرّك رويري أصابعه بتوتر وهو ينظر إلى ديانا.
لم يكن يقصد الإخفاء،
بل أراد أن يخبرها أولًا، لأنها كانت السبب في عثوره على والديه.
لكن الوقت لم يسعفه.
كان ينوي إخبارها بعد أن ينتهي كل شيء.
لم يتوقع أن يصادف الإمبراطور بهذا الشكل.
“لا بأس.”
لكن بعكس قلقه، نظرت إليه ديانا بعينين دافئتين.
“بل على العكس، كانت عيناك هما من منحتاني الشجاعة.”
“نونا…”
كان الجو بينهما غريبًا.
هل يُعقل؟ نظر الإمبراطور إلى رويري بشك.
بدت عينا ابنه وكأنهما مليئتان بالحب.
“رويري… لا تقل إنك…”
ضيّق الإمبراطور عينيه وسأله.
لكن رويري ظل واقفًا أمامه، يحتضن كتف ديانا بلطف.
“ما تفكر فيه… صحيح، يا أبي.”
أنزل يده التي كانت تمسك بكتفها، ثم أمسك بيد ديانا بإحكام.
“إنها المرأة التي أحبها.”
بدأ قلب ديانا بالخفقان بعنف.
رفعت عينيها المرتجفتين لتنظر إليه،
فرأته يُحدّق بها بعينين جادتين كما لم ترَه من قبل.
“إنها المرأة التي جعلتني أشعر،
للمرة الأولى، أنني على قيد الحياة.”
“رويري…”
“شعري الأحمر هذا،
الذي ورثته من والدتي التي أحببتها أنت، يا أبي…”
مرّر رويري يده بين خصلات شعره الطويل ووضعها على راحة يده.
“هي من جعلتني أؤمن أنه ليس لونًا مشؤومًا كالدم،
بل لونٌ جميل كالورد.”
كانت خصلات شعره في راحة يده تشبه بالفعل بتلات وردٍ جمعت معًا، كما قالت ديانا.
منذ ذلك اليوم الذي أخبرته فيه ديانا أن شعره يبدو كزهور الورد، توقف عن قصه إلى ان أصبح طويلًا.
أراد أن يُظهر لها كل ما تعتبره جميلًا.
نظر رويري إلى والده بعينين حازمتين.
وإن كان سيرفض حبهما فقط لأنها مطلّقة،
فقد كان مستعدًا لفعل أي شيء.
“…هكذا إذن.”
لكن، وعلى غير المتوقع، كان ردّ الإمبراطور هادئًا.
اكتفى بالنظر إلى شعر رويري، وكأنه يتذكر شخصًا ما.
وبعد فترة من الصمت، فتح الإمبراطور فمه أخيرًا.
“لم أكن أنوي منعك. افعل ما تشاء، رويري.”
“…شكرًا لك، أبي!”
ارتسمت على وجه رويري ابتسامة نقيّة كالطفل بعد أن نال موافقة والده. أما ديانا، فقد ابتسمت له بدورها بسعادة.
نظر الإمبراطور إليهما بعينين راضيتين،
ثم قال لهما أن يدعواه إلى حفل زفافهما قبل أن يغادر.
عندها، مدّ رويري يده إلى داخل عباءته وأخرج شيئًا ما.
“ديانا…”
“نعم؟“
ابتلع ريقه بتوتر واضح، ثم تابع.
“أعلم أن الترتيب قد انقلب قليلًا، لكن…”
ما أخرجه من عباءته كان صندوقًا صغيرًا.
فتحه بعناية بالغة.
في داخله، كان هناك خاتم من الألماس يلمع ببريق يفوق أي جوهرة رأتها من قبل.
بل إنه كان أكثر إشراقًا حتى من الأحجار المستخرجة من مناجم بريتشي.
نظرت ديانا إلى رويري بعينين واسعتين من الدهشة.
“انظري عن قرب.”
كما قال، نظرت إلى داخل الجوهرة بدقة.
في أعماقها، كانت تتراقص شعلة برتقالية جميلة كغروب الشمس.
“لقد وضعت فيه سحري.”
“إنه… رائع جدًا، رويري…”
انعكس بريق الألماس في عيني ديانا.
أخرج رويري الخاتم من الصندوق وألبسه في إصبعها برقة.
“لقد عدنا من طريق طويل جدًا، أليس كذلك؟“
نظر إلى الخاتم في إصبعها وقد احمرّ خجلًا.
“لو أنني امتلكت الشجاعة في وقت أبكر… لما مرت نونا بكل ذلك البؤس.”
غشّت الظلمة وجهه للحظة.
لكنه سرعان ما التقت عيناه بعينيها، ممتلئتين بالإصرار.
“لكن، الماضي لم يعد يعني شيئًا لنا الآن.”
صوته القوي هزّ قلبها.
“أقسم… سأحبك بشغف طوال حياتي.
سأحميك أكثر من أي شيء، وسأجعلك أسعد من أي أحد.”
عند سماع تلك الكلمات، تذكرت ديانا فجأة ما قاله كاليبسو يومًا،
عندما خدعها ووقعت ضحية له.
‘الحب ليس شغفًا فقط. سأحترمك وأقدّرك إلى الأبد، ديانا.’
لكن رويري كان يقول عكس ذلك تمامًا.
أنه سيحبها بشغف، طوال حياته.
ديانا… أرادت أن تصدق تلك الكلمات.
بل لم يكن أمامها سوى أن تصدقها.
حتى لو كان عليه أن يعيد الزمن،
لم يكن قلبه يحمل إلا صدقًا خالصًا ورغبة في حمايتها.
“تزوجيني، ديانا.”
نطق رويري أخيرًا بتلك الكلمات التي ظلت تدور في فمه،
بعد أن استجمع شجاعته.
كانت يده تلامس يد ديانا التي وضع فيها الخاتم،
وكأن القلق يسكن أطرافه.
رفعت ديانا عينيها إليه بنظرة يغمرها التأثر.
بدا عليه التوتر بوضوح وهو ينتظر جوابها،
وكان ذلك في عينيها مشهدًا لا يقاوم من اللطافة.
لم يكن من العدل أن تتركه ينتظر طويلًا.
ابتسمت ديانا بلطف،
ثم أمسكت بيده التي كانت تلامس يدها.
“حسنًا.”
“ديانا…”
“فلنتزوج.”
انعكست في عيني رويري مشاعر غامرة من التأثر والفرح.
بدأ طرف شفتيه يرتسم عليهما قوس ابتسامة،
واقترب ببطء منها بحذر وحنان.
شفاهه اقتربت شيئًا فشيئًا.
وأخيرًا، تلامست شفاههما بالكامل.
كل حركاته الرقيقة أوضحت كم يكنّ لها من احترام وتقدير.
وبعد قبلة طويلة، انفصلت شفاههما بهدوء،
لكن نظرة رويري الرطبة ظلت متعلقة بها وكأنها لا تريد الابتعاد.
“أمي.”
لا أحد يعلم متى وصلت،
لكن آيسيل كانت تقف هناك تضحك ضحكة صغيرة.
قفزت ديانا ورويري مبتعدين عن بعضهما من شدة المفاجأة.
تطلعت ديانا إلى آيسيل بقلق، غير متأكدة إن كانت قد رأت شيئًا، لكن ملامح آيسيل لم توحِ بأي انزعاج، بل كانت تبدو في مزاج جيد جدًا.
“لنعد إلى المنزل، أمي. ورويري أيضًا.”
غمزت آيسيل بعينها تجاه رويري وهي تبتسم.
فأمسكت ديانا بيد آيسيل ورويري بكل حنان وأجابت.
“نعم، لنذهب معًا… إلى منزلنا.”
استخدموا سحر رويري للانتقال إلى القصر.
وبينما كانت آيسيل تراقب وجهي والدتها ورويري،
رأت كيف كانا ينظران لبعضهما البعض بكل دفء،
وكأن غبار لؤلؤي وردي يرفرف حولهما.
شعرت ديانا بنظرة آيسيل تتوجه إليها، فالتفتت نحوها.
كانت قد أكدت مشاعرها مع رويري.
وكان قلبها يعلم أن آيسيل تعرف، لكنها أرادت أن تخبرها بنفسها، لأن الزواج أمر مختلف… إنه أن يصبحوا عائلة واحدة، ولذلك كان لا بد من موافقتها.
“آيسيل…”
نادتها ديانا بحذر، تنظر في ملامحها.
“نعم، أمي؟“
“في الحقيقة، رويري…”
“آه، رويري!”
قاطعتها آيسيل بمرح، تنظر إلى رويري بمكر خفيف.
“هل… عرض الزواج أخيرًا؟!”
“آه، أهه…!”
تلعثم رويري وقد بدا عليه الحرج.
أما آيسيل، فظلت تبتسم وهي تنظر إلى خاتم الألماس المتلألئ في إصبع والدتها.
“يجب أن تحب والدتي كثيرًا جدًا. فهمت؟“
قالت ذلك بنبرة ناضجة رغم صغر سنها،
ما جعل دموع ديانا تترقرق في عينيها من التأثر.
“آيسيل…”
“لماذا تبكين، أمي؟ إنه يوم سعيد.”
“صحيح، نونا.
وسأحب آيسيل كأنها ابنتي. بل هي بالفعل كذلك.”
“صحيح، أبي.”
ردت آيسيل بسرعة على كلام رويري،
ما جعل عيني ديانا ورويري تتسعان بدهشة.
“أبي؟“
“ستتزوج أمي، أليس كذلك؟ إذن أنت أبي من الآن.”
أمالت رأسها بخفة وهي تقولها ببساطة.
“آه، يا لهذه الفتاة اللطيفة التي أخذت قلبي تمامًا.”
قال رويري وهو يبعثر شعرها بحب شديد،
فقهقهت آيسيل كجرو صغير فرح.
في تلك اللحظة،
فكرت ديانا أنها تتمنى لو يدوم هذا المشهد إلى الأبد.
وانحنت عيناها الدافئتان تحت سحر هذه السعادة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 110"