استمتعوا
“أُعلن أمامكم جميعًا.”
كانت عينا ديانا الباردتان موجهتين نحو كاثرين.
“سأتقدّم بدعوى زنا ضد أليشيا لو بلير وكاليبسو دي إيرنست.”
بدأ الهمس ينتشر بين الحاضرين، وبلغت الشتائم الموجهة إلى كاليبسو وأليشيا أذني كاثرين بوضوح مؤلم.
بدأت ساقاها تضعفان، وكأن كتفيها يُسحقان تحت ثقل غير مرئي.
لكن فم ديانا لم يتوقف.
“كما أن الدوق قد اقترض مني مبلغًا ضخمًا مقابل لقبه وأرضه. وبما أن كاليبسو دي إيرنست عاجز عن سداد هذا الدين، فإن دوقية إيرنست تُدمج، اعتبارًا من اليوم، تحت سيادة ماركيزية بريتشي.”
كانت تحلم بأن تصبح الابنة الحقيقية لعائلة إيرنست.
لكنها الآن، وفي هذه اللحظة بالذات، لم يعد لاسم العائلة أي قيمة.
كاثرين حاولت التشبث بديانا بأي وسيلة.
“لا، أمي! ليس أنا! كل هذا من صنعك أنتِ وأبي…!”
لكن، في اللحظة التي همّت فيها بالتبرير،
انطلقت مجددًا هالة سوداء من كفّها،
وأحاطت بها كعاصفة من الرمل.
صرخ الحاضرون وتراجعوا إلى الوراء فزعًا.
حتى ديانا، وهي تضم آيسيل إلى صدرها،
نظرت نحو كاثرين بعينين مضطربتين.
وسط الظلام الذي أحاط بجسد كاثرين كالزوبعة،
انطلقت صرخة حادة من شفتيها.
ثم تفرقت تلك الهالة السوداء كحبّات الرمل.
“آآآه!”
“ما… ما هذا؟!”
وسط تلك الشذرات المتناثرة،
كانت هناك عجوز ترتدي نفس فستان كاثرين.
تراجعت العجوز، وكأنها صُدمت من نفسها، ومدت يدها المرتعشة.
وعندما نظرت إلى يدها المتجعدة،
صرخت فجأة وقد بدا الهلع على وجهها.
“ما… هذا؟!”
حتى صوتها كان أجشًا للغاية.
ولكن ديانا أدركت الحقيقة على الفور.
لم تكن هذه العجوز سوى كاثرين نفسها.
“أمـ … أمي!”
اقتربت كاثرين، وهي ترتجف من الرعب.
لكن ديانا تراجعت إلى الخلف، لا تزال تضم آيسيل بين ذراعيها.
نظرت كاثرين إلى انعكاسها على أحد الأعمدة الرخامية اللامعة.
“آآآه…!”
وضعت يدها على وجهها تتحسسه، غير مصدقة، ثم صرخت.
بشرتها البيضاء الناعمة اختفت تمامًا،
ولم يبقَ سوى جلد مجعد ومترهل.
وكأن شبابها قد سُلب دفعة واحدة، لتتحول إلى صورة بشعة.
“إنها لعنة! لعنة شيطانية!”
صرخ أحدهم.
حينها تذكرت كاثرين كلمات إكليبت.
لقد وعدها بقوة سحرية مقابل وقتها،
لكنه لم يكن يقصد عمرها، بل شبابها.
راحت كاثرين ترتجف وهي تحاول عبثًا أن تخفي ملامحها المشوهة، ولم يخطر في بالها سوى شخص واحد، أليشيا.
كل هذا كان بسببها.
كل ما جرى.
كيف انتهى بها الأمر من فتاة نبيلة إلى هذا الشكل المخيف؟
كيف خُدعت لتؤذي آيسيل؟
بدأت تركض، محاولة الفرار وهي تخفي وجهها بيديها.
“إنها تهرب!”
“سموكِ، كاثرين تهرب!”
صرخت سيرينا مشيرة إلى كاثرين، لكن ديانا لم تحاول إيقافها.
لم تكن تتوقع أن تتحول كاثرين إلى هذا الشكل البائس،
لكن وجهتها التالية كانت واضحة بالنسبة إليها.
“دعوها تذهب.”
“لكن…”
“أنا أعلم جيدًا إلى أين ستذهب.”
بعد خروج كاثرين، صفقت ديانا لتعيد الأجواء إلى طبيعتها.
“أعتذر لِما عرضتكم له من مشهد مؤسف. ولكنني حضرت مفاجأة من أجل الجميع. أرجو أن تحتفلوا معي بصدق بمناسبة ظهور ابنتي، آيسيل، في أول حفلة رسمية لها.”
أومأت ديانا بوجهها نحو الفرقة الموسيقية،
التي بدأت بعزف لحن ناعم.
شيئًا فشيئًا، بدأت أجواء القاعة تتغير،
بعد أن كانت مشدودة بتوتر الأحداث.
بدأت الخادمات ينقلن أطباقًا شهية وحلويات مزينة بشكل أنيق.
وعند مدخل القاعة، وُزّعت أساور مصنوعة من ألماس كونياك الذي يُستخرج من مناجم بريتشي كهدية تذكارية للحاضرين.
هدية فخمة إلى درجة الترف،
لكنها كانت بسيطة مقارنة بما عانته آيسيل حتى اليوم.
أرادت ديانا أن تهديها أفضل حفل تقديم ممكن.
وأن تزرع الابتسامة على وجوه جميع الحاضرين.
رغم أن الحكاية التي سمعوها كانت ثقيلة،
إلا أنها أرادت أن تكون خطوات خروجهم من القاعة خفيفة.
نسي الجميع أمر كاليبسو، وراحوا يقتربون من ديانا والماركيز ليباركوا لهما على نيلهما لقب دوقية بريتشي.
استمعوا لما مرت به آيسيل من معاناة، وكيف كانت ضحية لأليشيا وكاثرين، وشعروا بالحزن الصادق تجاهها.
وبفضل هذه القصة التي بدت كأنها مسرحية حقيقية،
نجحت آيسيل في السيطرة تمامًا على أجواء القاعة.
راقبتها ديانا بإعجاب،
فهي الفتاة التي ستصبح محور مجتمع النبلاء.
ولم يكن الماركيز، أو بالأحرى الدوق، أقل فخرًا منها.
“إنها صورة رائعة.”
“أليس كذلك؟“
“لقد ورثت منكِ القدرة على جذب الآخرين.”
أطلق دوق بريتشي سعالًا خفيفًا،
وهو يثني على ديانا وآيسيل في آنٍ واحد.
“أظنها ورثت هذا من والدي.”
ابتسمت ديانا وهي تنظر بفخر إلى والدها،
الذي كان يحدق بابنته وحفيدته.
عندها، بدأت الفرقة الموسيقية بعزف لحن الفالس.
وتفرق الأشخاص الذين كانوا يحيطون بآيسيل تدريجيًا.
في حفلات الظهور في إمبراطورية إيديث، لا يمكن لأحد أن يرقص إلا بعد أن تؤدي صاحبة الحفل الرقصة الأولى.
راحت آيسيل تنظر من حولها بحثًا عن شابٍ مناسب يدعوها للرقصة.
ثم اقترب منها سوير بهدوء.
“مبروك لكِ حفل الظهور، آنسة.”
ابتسمت عيناه الذهبيتان ببريق لطيف.
“شكرًا، سوير.”
“هل…”
قال وهو يحمر خجلًا:
“هل تشرفيني برقصة الافتتاح؟“
مد يده لها بأدبٍ بالغ.
فابتسمت له آيسيل ابتسامة هادئة وأجابت وكأن الأمر محسوم:
“بالطبع.”
وضعت يدها بخفة فوق يده، واتجها سويًا إلى وسط القاعة.
تحركا بانسجام مع اللحن،
ومع لمسة خفيفة من سوير لخصرها،
طارت تنورتها كذيل حورية البحر.
انبهر الحضور من هذا المشهد المتألق،
وتابعوا الرقصة بنظرات مفعمة بالإعجاب.
وحين انتهت الموسيقى، بدأ باقي النبلاء بالانضمام إلى الرقصة.
أما ديانا، فقد انسحبت بهدوء من القاعة.
كانت تنوي نقل أليشيا، المحبوسة في غرفة آيسيل، إلى الكوخ.
وكان من المؤكد أن كاثرين ذهبت إلى هناك،
لأنها ستعتقد أن أليشيا هناك أيضًا.
وبمساعدة الفرسان الذين يحرسون المكان،
لا بد أنها قد قُبض عليها الآن.
لقد حان وقت جمع الثلاثة في مكانٍ واحد.
ديانا دخلت إلى غرفة آيسيل،
وفتحت خزانة الكتب وهي تنادي باسمها:
“أليشيا.”
في تلك اللحظة، هاجمتها أليشيا فجأة.
“آآه!”
سقطت ديانا إلى الخلف من تصرف أليشيا المفاجئ.
وبسبب فقدانها لبصرها،
كانت أليشيا تلوّح بشظية زجاج كانت قد خبأتها عشوائيًا.
رُسم خط أحمر على ترقوة ديانا التي كانت ترتدي فستانًا يكشف عن كتفيها.
فأطلقت ديانا طاقتها السحرية بسرعة.
وبفضل سحر ديانا، طارت أليشيا بعيدًا واصطدمت بالحائط.
“آه…!”
“حتى في النهاية تحاولين المقاومة؟!”
“بعد أن قتلتك، أنا أيضًا متُّ وأنا أتعذب وأتلوى من الألم!
فلماذا عدتِ؟ ما الذي كنتِ تفتقدينه؟!”
أليشيا صرخت وهي تمسك بجانبها محاولة الوقوف.
ذلك المستقبل الذي نجحت فيه بقتل ديانا،
حتى هناك لم تستطع أن تصبح دوقة.
لأنها قُتلت بوحشية على يد ذلك الساحر.
“رغم أنكِ رأيتِ ذلك المستقبل، إلا أنكِ لم تُبدِ أي ندم!”
“بعد أن جعلتني بهذا الشكل، ما الذي ينقصك بعد؟!”
أمسكت أليشيا بشظية الزجاج مجددًا،
واندفعت نحو مصدر صوت ديانا.
وفي اللحظة التي كانت ديانا تستعد لإطلاق السحر،
ظهر أمامها رويري.
“أتجرؤين؟“
رويري لوّح بيده بخفة، فاشتعل لهب من كفه.
“آآه!”
بفضل سحره، طارت أليشيا مجددًا دون أن تتمكن من فعل شيء.
وكان ذلك متوقعًا.
“رويري.”
“اشتقت إليكِ، نونا.”
غمز لها بعينه بلطف.
لقد بدا رويري رائعًا ولطيفًا بعد غياب طويل.
وأشار بأصبعه نحو أليشيا الملقاة على الأرض.
“هل يجب أن آخذ هذه المرأة إلى الكوخ؟“
كان وجه ديانا يحمل بعض القلق.
ليس لأجل أليشيا، بل لأجل الجنين الذي في بطنها.
“نعم، صحيح. ويجب استدعاء طبيب أيضًا…”
“حسنًا.”
نقلهم رويري جميعًا إلى الكوخ باستخدام الانتقال الآني،
ثم اختفى ليحضر الطبيب.
كان فرسانها يحرسون مدخل الكوخ.
وعندما رأوا ديانا، انحنوا لها تحية.
“هل وصلتِ، سموكِ؟“
“نعم. هل أتى أحد إلى هنا؟“
“نعم. أتت عجوز شنيعة المنظر، تدّعي أنها آنسة الدوقية… فأودعناها في زنزانة القبو داخل القصر.”
“أحسنتم. شكرًا لكم.”
قادت ديانا أليشيا المغمى عليها إلى داخل الكوخ.
“عزيزتي!”
نهض كالِيبسو وكأنه كان ينتظرها.
هو أيضًا استعاد ذكريات المستقبل الذي ماتت فيه ديانا،
بسبب لعنة إكليبت.
“لم أكن أنا! كانت أليشيا من دبرت كل شيء!”
“حقًا؟“
“نعم، لم أرتكب أي خطأ! لقد انخدعت بإغراءات أليشيا فقط…!”
كم يشبه الأب ابنته.
كلاهما يصرّ على أنه بلا ذنب.
وضعت ديانا أليشيا بهدوء أمامه.
“أحضرت الطبيب، نونا.”
“أنتَ…!”
أشار كالِيبسو بأصبعه إلى رويري الذي دخل الكوخ.
لقد كان الرجل الذي قتله بوحشية.
ومنذ أن رأى وجهه، شعر بنفور شديد.
رويري ابتسم بازدراء ورفع زاوية فمه.
“هل استعدت كل ذكرياتك الآن؟“
“كيف عرفت؟“
“لقد شعرت بقوة إكليبت.”
السحر يترك دائمًا آثارًا.
ولعنة إكليبت كذلك.
لم يتوقع أن تكون تلك الآثار مخفية في الثمن الذي دفعته كاثرين لقاء قوتها السحرية.
“أرجوك، افحص هذه المرأة.”
طلبت ديانا من الطبيب الذي أحضره رويري أن يفحص أليشيا.
لم تكن قلقة على حالتها الجسدية، لكن المشكلة كانت الطفل.
لم تستطع أن تقتل رضيعًا بريئًا.
لكن الطبيب هز رأسه بوجه قاتم.
“لا تقل إن الطفل…؟“
“يبدو أنه قد مات في الرحم منذ فترة…”
عقلها كان ممتلئًا فقط برغبة قتل ديانا.
في قلب مليء بهذا القدر من الشر، لا يمكن لطفل أن ينمو.
تنهدت ديانا بأسى، وخفضت رأسها حزنًا على وفاة الطفل البريء.
رويري احتضن كتفها بثبات.
“ابتعد عن زوجتي!”
كالِيبسو، بمظهره الرث ولحيته غير المهذبة، فصل بين رويري وديانا.
ثم جثا على ركبتيه أمامها.
كل شيء، عائلته ومكانته، كان بيد ديانا.
لم يبقَ له شيء سوى ديانا وآيسيل.
وبدموع الندم،
“عزيزتي! أرجوكِ، سامحيني مرة واحدة فقط!
أنا كنت أحبكِ، وأحب آيسيل أيضًا…”
“ربما استعدتَ ذكريات المستقبل الذي متنا فيه أنا وآيسيل،
لكن هناك حقيقة تجهلها.”
نظرت ديانا إلى أليشيا الملقاة،
“أليشيا هذه، كانت تخفي سرًا طوال الوقت.”
“سرًا لا أعرفه؟ هل هناك شيء غير تلك الذكريات التي رأيتها؟“
نظرت ديانا إلى كالِيبسو الراكع أمامها بعينين باردتين،
“الفتاة التي قتلتها بالسهام في المستقبل… آيسيل.”
“ظننتُ أنها كانت خادمة…!”
“تلك الفتاة، كانت ابنتي وابنتك الحقيقية، كالِيبسو.”
عند سماع كلمتها، توقف فمه عن إلقاء الأعذار.
“مـ، ماذا قلتِ…؟“
“أنت قتلت ابنتك بنفسك!”
بصرخة ممزوجة بالبكاء، انهار عقل كالِيبسو كليًا.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 107"