استمتعوا
بعد أن حبست ديانا كاليبسو في كوخ، أمرت فرسان العائلة بمراقبته بدقة حتى لا يتمكن من الخروج.
ثم قدّمت أوراق الطلاق إلى القصر الإمبراطوري.
من المؤكد أنه عندما يجتمع النبلاء في حفلة الظهور القادمة، ستنتشر الأحاديث حول تلك المرأة المنكوبة التي انفصلت عن أكبر محتال في العصر.
لكنهم لم يكونوا يعلمون بعد أن مكانة إيرنست وكل أراضيه أصبحت الآن في يد ديانا.
في يوم الظهور، كانت ديانا تعتزم كشف الحقيقة كاملة.
بما في ذلك الحقيقة الخاصة بكاثرين أيضًا.
مدّت ديانا يدها بلطف تتحسس الفستان والمجوهرات التي أعدّتها لآيسيل.
كان الفستان الميرميد المرصّع بكثافة بأفخر أنواع الألماس على طول خط الصدر يعجّ بالأناقة من أول نظرة.
والمجوهرات المطابقة له كانت تُكمّل المشهد.
كانت مرصعة بزمرّد ضخم بنفس لون عيني آيسيل،
تحيط به حبات اللؤلؤ.
بدا كأن كل قطعة تحاول أن تبهر أكثر من الأخرى في تنافس على التألق.
فالزيف لا يمكن أن يشارك الحقيقة في نفس الجمال.
خاصةً أنها لطالما طمعت بما لم يكن من حقها.
“ من الأفضل أن نضيف بعض الزينة هنا.”
“ نعم، سموّكِ.”
بات القصر شبه خالٍ من الزينة بعد أن تم تفريغه بالكامل،
لكنه في المقابل، كانت قاعة الاحتفال تُزيَّن في السرّ بأقصى درجات الفخامة.
لو كان الحفل يخص كاثرين وحدها، لما أولته ديانا أي اهتمام.
لكنها لم تكن لتتساهل عندما يكون حفل لآيسيل أيضًا.
وبالطبع، كانت القوة المالية لماركيز بريتشي خلف هذا كله.
الوحيدة التي لم تكن تعلم بشيء من هذا في القصر كانت كاثرين.
فمنذ أن غزا الدائنون القصر، لم تخرج من غرفتها.
كانت تشعر بأن حياتها ستنتهي من شدة الاكتئاب.
هذا الحفل هو الحلم الذي راودها منذ طفولتها.
والآن، القصر فارغ بالكامل بعد أن استولى عليه الدائنون، ووالدها اصبح هاربًا من فرسان الإمبراطورية بسبب زراعته للمخدرات.
كل شيء كان كارثيًا بلا استثناء.
“ آآآه!”
صرخت بغيظ من صدرها.
فدخلت إحدى الخادمات فزعة.
وما كان يخفف عنها قليلًا هو أن المبلغ الذي دفعته والدتها في البداية لجلب الخدم كان كافيًا ليبقى على الأقل من يعتني بها.
“ هل أنتم بخير، اميرة؟ هل أُحضِر لكِ بعض الشاي؟“
“…أحضريه .”
شربت كاثرين الشاي بصمت بينما كانت تتأمل كفّ يدها.
حاولت استخدام السحر، لكن بعدما اختفى إكليبت،
لم تعد قادرة على استخدام أي قوة سحرية.
لكن لماذا لم يختفِ الختم بعد؟
تذكّرت نظرات إكليبت نحوها.
هو من كان شيطانًا، لكنه نظر إليها وكأنها هي الشيطانة.
كانت عيناه المتخضبتان بالدماء مرعبتين إلى درجة يصعب نسيانها.
“ كاثرين.”
اهتز كتف كاثرين من المفاجأة عندما قطع صوت والدتها أفكارها.
“ سأدخل.”
“ نعم، أمي.”
دخلت ديانا الغرفة وهي تحمل فستانًا وصندوقًا.
“ هل ذهبتِ لرؤية قاعة الحفل؟“
“…لا .”
“ جيد، من الأفضل ألا تذهبي حتى يوم الظهور.
لن يزيدكِ ذلك إلا حزنًا.”
كان الخدم يحرسون القاعة جيدًا من الخارج تحسبًا لاحتمال أن تقترب كاثرين، لكن لم يكن هناك داعٍ للقلق.
“ لا أرغب في رؤيتها أصلًا.”
ردّت كاثرين ببرود شديد.
فكل ما يمكن بيعه قد أُخذ، ولم يكن هناك أمل في أن يكون الحفل مزينًا بشيء يستحق الذكر.
ثم انتقل نظر كاثرين إلى ما كانت تحمله ديانا.
لعلّه فستان جديد؟ عادت عيناها تلمعان بعد طول خمود.
“ ما هذا؟“
“ ألا تريدين أن تريه؟“
ابتسمت ديانا برقة وهي تفرد الفستان أمامها.
وما إن رأته، حتى انعقد وجه كاثرين تمامًا.
“هذا …”
“ إنه فستانكِ.”
كان فستانًا قديما تم تعديله.
أضيفت إليه بعض اللآلئ التي لم تكن فيه سابقًا،
لكنّه ما زال يبدو رديئًا للغاية.
وقد امتلأ وجه كاثرين بالصدمة.
“ حاولت إصلاحه قدر استطاعتي. ربما يكون أفضل من ذي قبل.”
“…لكن …”
“ وهذا أيضًا، انظري إليه.”
قدّمت ديانا لها الصندوق رغم علمها أن كاثرين محبطة.
فتحت كاثرين الصندوق بتثاقل ويدٍ خالية من أي حماس،
متوقعة أن ما بداخله لا يستحق العناء.
“ على الأقل، لا يمكن أن ترتدي مجوهرات مستعملة في حفل الظهور، أليس كذلك؟“
قالت ديانا بابتسامة مشرقة.
ربما لو كانت جديدة، لكان ذلك أفضل… لكن يد كاثرين ما لبثت أن ارتخت بعد أن فتحت الصندوق.
“ إنها… مجوهرات مزيّفة.”
كانت المجوهرات التي حضرتها ديانا مصنوعة من الزجاج.
ومع ذلك، ابتسمت ديانا بسعادة وكأنها قدمت لها شيئًا ثمينًا.
“ هل هذا كل ما تمكنتِ من تحضيره، كاثرين؟
انظري، إنه يتلألأ وكأنه حقيقي، أليس كذلك؟“
كما كنتِ تتظاهرين بالحقيقة.
نظرت ديانا إلى كاثرين.
كانت عيون كاثرين مليئة بالحجارة المزيفة.
“… هل اشتريتِ نفس الشيء لآيسيل أيضًا؟“
“نعم .”
“… فهمت. لا يمكنني فعل شيء حيال ذلك.”
“ لا تقلقي، كاثرين.”
صبت ديانا الماء الساخن في فنجان الشاي الموجود على الطاولة.
ثم رفعت الفنجان ببطء.
“ إذا لم تقفِ بجانب الحقيقي، فلن يلاحظ أحد أنه مزيف.”
هل كان ذلك مجرد شعور؟
كان يبدو أن كلمات ديانا تحتوي على شوكة.
لا، هذا غير ممكن.
من المستحيل أن تعرف ديانا عني شيئًا دقيقًا.
“… نعم، أعتقد أنني متشوقة.”
بينما كانت كاثرين تبتسم ابتسامة قسرية،
ابتسمت ديانا بابتسامة نقيّة تمامًا.
***
“ هل أنتي مستعدة، آيسيل؟“
“نعم .”
سقطت القطعة القماشية التي كانت تغطي آيسيل.
رسمت ديانا ابتسامة سعيدة على شفتيها.
“ لا يمكن أن يكون هذا…!”
“ ما رأيكِ، سموك! إنها جميلة جدًا، أليس كذلك؟“
بدا أن ديانا كانت مذهولة، حتى أنها لم تستطع إغلاق فمها.
ميلان و شين وبليندا نظروا إلى بعضهم البعض وضحكوا.
“ هل هذه ابنتي حقًا؟“
انفجرت كلمات الإعجاب منها بشكل طبيعي.
كان الشعر البلاتيني الناعم قد تم تجديله إلى جانبها،
ووضعت التاج الفضّي الذي تزينه زمردة ضخمة والعديد من الماسات الصغيرة، مما أضفى على مظهرها أناقة فائقة.
لقد كانت مرتدية ملابس مزخرفة، وكان تصميم الفستان مختلفًا عن المعتاد، ولذلك بدت آيسيل اليوم أكثر جمالًا من أي وقت مضى.
“ هل أنتي بخير؟“
“ إنها جميلة جدًا، آيسيل.”
بدت ديانا متأثرة لدرجة أنها كانت على وشك البكاء.
ولكنها لم تذرف دمعة.
كان هذا يومًا سعيدًا للغاية.
اليوم كان يومًا مميزًا؛ حيث كان يومًا تتحول فيه آيسيل من ابنتها المتبناة إلى ابنتها الحقيقية.
“ حسنًا، سوف نلتقي لاحقًا. يجب أن يظهر البطل في النهاية.”
“ نعم، أمي.”
أجابت آيسيل مبتسمة بابتسامة مشرقة.
خرجت ديانا من الغرفة متوجهة إلى قاعة الاحتفال.
كانت كاثرين تقترب منها وهي قد انتهت من تجهيز نفسها.
“…أمي .”
كانت كاثرين ترتدي فستانًا وحليًا رديئة الجودة،
وكان من الواضح أنها في حالة مزاجية سيئة.
“ ابنتي، إنكِ جميلة جدًا.”
تحدثت ديانا بكلمات لم تكن من قلبها، وهي تداعب شعرها بلطف.
لكن كاثرين التي كانت قد شعرت بخيبة أمل كبيرة،
لم تفرح حتى ولو بكلمة مجاملة فارغة.
“ الحفل على وشك البدء، اذهبي إلى قاعة الاحتفال.”
“ نعم، أمي.”
تصرفت ديانا بشكل معاكس تمامًا لما قالته لآيسيل.
كانت كاثرين بالنسبة لها مجرد مزيفة،
والمزيف يجب أن يبقى في مكانه.
بينما كانت ديانا تراقب كاثرين وهي تسير نحو قاعة الاحتفال،
ابتسمت ابتسامة عريضة.
تقدمت كاثرين ببطء نحو قاعة الاحتفال،
وكانت العربات تبدأ بالوصول من بعيد عبر النوافذ الكبيرة.
لم أجهد نفسي طوال هذا الوقت من أجل مثل هذه الظهور!
كانت أسنان كاثرين تطحن بعضها البعض.
كانت أصابعها مشدودة لدرجة أن أظافرها كانت تقطع جلدها وتترك أثرًا.
“آه …”
كانت كاثرين تحاول تهدئة قلبها الغاضب،
وتنفث أنفاسها الساخنة ببطء.
ثم وصلت إلى باب قاعة الاحتفال.
كان هناك فرسان القصر يقفون في الخارج.
“ ادخلي.”
فتح الفرسان الباب عندما رأوها،
وعندما رأتها كاثرين، اتسعت عيناها بدهشة.
“ ماذا؟“
كانت قاعة الاحتفال مزخرفة بشكل فاخر جدًا،
على عكس المنزل الفارغ تمامًا.
كانت الثريا الضخمة المتدلية مغطاة بالمئات من البلورات،
والستائر مصنوعة من أفضل المخمل، والطاولات مزينة بالذهب،
لدرجة أنها بدت فاخرة للغاية.
تحركت عيون كاثرين بين كل هذه الزخارف.
كانت والدتها قد قالت إنها لا تملك المال حتى لشراء فستان،
فكيف يمكنها أن تزين قاعة الاحتفال بهذه الطريقة الفاخرة؟
“ هل فاجأتكِ، كاثرين؟“
“أمـ … أمي !”
كانت ديانا تقف خلفها فجأة.
“ لن تنتهي المفاجآت هنا. هناك هدية مفاجئة لكِ.”
لو كان لديها ذهب كافٍ لتزيين القاعة بهذا الشكل،
لكانت اشترت لي فستانًا جديدًا!
كانت تعبيرات كاثرين توحي بذلك تمامًا،
لكنها لم تخرج الكلمات التي كانت تدور في رأسها.
على الرغم من أن الفستان والمجوهرات لم يكونوا كما تمنت، إلا أن هذه القاعة على الأقل لن تجعلها تشعر بالخجل أمام الضيوف.
“ ها قد وصل الضيوف. يمكننا استقبالهم معًا.”
أمسكت ديانا بكاثرين من كتفها وسحبتها نحو المدخل.
سألَت كاثرين باستهجان.
“… وأين آيسيل؟“
“ يبدو أنها متأخرة.”
بدت كاثرين غير راضية بينما كانت تسير مع ديانا نحو المدخل.
بدأ الضيوف في دخول القاعة،
ومن بينهم بالطبع كانت دوقة إيبرك.
“ سموكِ!”
“ سيدتي!”
تبادلا المصافحة وكأنهم أصدقاء مقربين جدًا.
حين رأت كاثرين سوير وهو مع سيرينا،
حاولت كبت قلقها بلعق شفتيها بشدة.
لقد كانت تعرف لماذا كانت تشعر بهذا التوتر.
“ مبارك، سمو الأميرة.”
“… شكرًا لزيارتكم.”
تأرجحت عيون كاثرين بتوتر،
بينما كانت عيون سوير اليوم باردة بشكل ملحوظ.
“ أين الأميرة آيسيل؟“
نظر سوير إلى كاثرين بعينين باردتين،
ثم بدأ يبحث بعينيه حوله قبل أن يسأل ديانا.
“ آيسيل… آه، هي قادمة من هناك.”
ابتسمت ديانا بعيون دافئة.
كانت آيسيل تقترب من بعيد.
عند رؤيتها آيسيل، تجمدت كاثرين كما لو كانت قد سُحِرت.
“ واو، تبدين مثل ملاك!”
استمرت ثناءات سيرينا.
كان جميع الضيوف الذين دخلوا لا يستطيعون إبعاد أعينهم عن آيسيل.
بدت آيسيل كأنها ملاك طاهر، وكأنها لا تحتاج إلا إلى أجنحة.
ابتسمت آيسيل أكثر من أي وقت مضى،
وبدأت بالتوجه نحو كاثرين.
اقتربت منها، وهمست في أذنها بكلمات ناعمة،
لم يسمعها أحد سوى كاثرين.
“ ما هذا المظهر؟“
“كيف …؟ “
“ إنكِ مثل الألماس المزيف الذي يقف بجانب الألماس الحقيقي.”
أضاءت الألماس المزيف على أذن كاثرين، لكن أمام آيسيل،
التي كانت ترتدي الألماس الحقيقي، أصبح زيفها واضحًا.
ابتسمت آيسيل برقة، وعيناهما مليئتان بالسلام.
لم يكن أحد ليخمن أن آيسيل كانت تلقي كلمات قاسية على كاثرين، فهي كانت مبتسمة ومشرقة كما لو لم يحدث شيء.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O ━O ━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 105"