استمتعوا
“انطلق بسرعة!”
أطلقت ديانا العربة على عجل.
كان كاليبسو لا يزال في حالة ذهول،
غير قادر على استيعاب ما جرى.
“لا يُعقل… يبدو أن النبات لم يكن قد خضع لاختبارات والدي النهائية…! ما الذي فعلته…!”
أطرق رأسه بيأس، وكأن الذهب الذي تكدس أمامه قبل لحظات لم يكن سوى حلم عابر.
“وفوق ذلك، كانت الألماسات مزيّفة؟! ما الذي يجري بحق السماء…؟“
لم يكن يفهم شيئًا.
فقد استلم تلك الألماسات من المنجم بنفسه.
إن لم تكن سرقة من عمّال المنجم، فلا يمكن أن تكون مزيفة.
بدأ رأسه يؤلمه بشدة.
مسح وجهه بيديه الجافتين محاولًا تنظيم أفكاره،
لكن كلما فكّر بالأمر، ازداد الوضع سوءًا.
إذا كانت تلك الألماسات مزيفة، فإن ثمن استئجار الإقطاعية، وكل ما أنفقه على زراعة الأعشاب، سيتحول إلى دين ثقيل على عاتقه.
والأسوأ من ذلك أن ذلك النبات قد ثبت احتواؤه على مادة سامة.
وهذا يعني أن مشروعه التجاري قد انهار تمامًا.
بالطبع، لم يكن يملك المال لسداد هذه الديون.
علاوة على ذلك،
فإن زراعة النباتات السامة كانت جريمة يعاقب عليها القانون.
وإن تم القبض عليه، فالسجن سيكون مصيره المحتوم.
“هاه…”
تنهد بمرارة.
لم يستطع أن يفهم أين بدأ كل هذا التدهور.
هل كان خطؤه أنه استعجل بالوثوق بفكرة طُرحت من قِبل الماركيز؟ أم أن طمعه في النجاح السريع والمال هو ما أوقعه في هذه الورطة؟
مهما كان السبب، فقد تمنّى لو يستطيع إعادة عقارب الزمن إلى الوراء.
“سأحاول أولًا بيع المنجم الذي استعرناه من آيسيل… علّني أسدد بعض ديونك.”
“زوجتي…”
قال كاليبسو بصوت مفعم بالامتنان، وهو ينظر إليها نظرة ممتنة.
“لكن قبل ذلك، ربما يأتينا الدائنون،
وقد ترسل الإمبراطورية الفرسان أيضًا.”
“هذا متوقع…”
“ولنشتري الوقت، يمكننا أن نُجري طلاقًا على الورق.
حتى لا يظنوا أنني أخفيك.”
نظر إليها بدهشة طفيفة،
لكن مقلتي ديانا كانت تمتلئان فقط بالقلق عليه.
“وعندما تنجلي الأمور وتُرفع التهم عنك، يمكننا تسجيل الزواج من جديد. من الأفضل أن نحمي المنزل، على الأقل، قبل أن يؤخذ منا أيضًا…”
نظرت إلى كاليبسو بنظرة حذرة.
تنهد مجددًا، وكأنه لا يزال حائرًا،
لكن يدها لامست كتفه برفق، وقالت بهدوء وبنبرة صادقة متقنة:
“بهذه الحال، ستخسر كل شيء: مكانتك، إقطاعيتك، ومنزل العائلة. لم يتبقَ وقت طويل على حفلة ظهور الأطفال للمجتمع،
علينا الحفاظ على هذا المنزل…”
عند ذكر الأطفال، أظلم وجه كاليبسو.
فقد خطرت في باله صور آيسيل التي وضعت ثقتها فيه حتى أعارته منجمها، ووجه كاثرين التي جرحها دون أن يدرك.
لقد كان يظن أن كل شيء سيسير بسلاسة، ولم يكن يريد أن يتسبب في تدمير حفلة أولادهم الاجتماعية المنتظرة.
“…أعتقد أن ما تقترحينه هو الأفضل.”
“سنعود أولًا إلى المنزل لنُنجز الأوراق،
ثم تذهب لتختبئ في الكوخ قليلًا.”
“الكوخ؟“
“نعم، ذاك الكوخ في طرف المنزل. فقد يأتي الفرسان بأي لحظة.”
يا للسخرية.
ذلك الكوخ الذي كان يخطط لاحتجاز ديانا العمياء فيه وقتلها،
سيصبح الآن ملاذه.
“…حسنًا.”
لم يكن هناك خيار آخر.
أومأ كاليبسو موافقًا، وهو يقطّب جبينه.
وصلت العربة الى المنزل بعد قليل.
فور وصولهم، طلبت ديانا من بليندا إحضار أوراق الطلاق وخاتمه الرسمي، ثم رافقته إلى الكوخ.
“لم يُستخدم منذ فترة طويلة، لذا هو متّسخ بعض الشيء،
لكن لا خيار لنا في هذه الظروف.”
عبس كاليبسو وهو يدخل الكوخ.
كان المكان مفعمًا برائحة الغبار، ورطبًا بشكل مزعج.
“قذر…”
كان يحتقر هذا النوع من الحياة.
عاش دومًا مكافحًا كي لا يكون فقيرًا، والآن، حتى لو كان ذلك مؤقتًا، عليه أن يمكث في كوخ كهذا؟ هذا لا يُحتمل!
“إنها فترة قصيرة فقط.”
‘قصيرة فقط مقارنة بالمدة التي قضيتها فيه، كاليبسو…’
كانت عينا ديانا الزمرديتان ترمقانه من الخلف بشيء من البرود الحادة.
وكانت صادقة تمامًا.
فلن يبقى طويلًا في هذا الكوخ.
فهناك مكان آخر ينتظره.
“سموكِ، أحضرت الأوراق والخاتم.”
دخلت بليندا حاملة الأوراق وخاتم عائلة إيرنست.
فردت ديانا الأوراق على الطاولة المغبرة.
“تفضل، ضع ختمك هنا.”
أشارت بإصبعها إلى نهاية الوثيقة.
ارتجف جسد كاليبسو قليلاً.
ثم ناولته ديانا الخاتم بنفسها.
لم يجد وقتًا للتساؤل عن كيفية تحضير هذه الأوراق بهذه السرعة،
إذ كانت ديانا تقوده بانسيابية وكأن الأمر طبيعي.
تردد قليلًا وهو ينظر إلى خاتمه المرصّع بالأماثيست،
ثم وضع الختم على وثيقة الطلاق.
لمعت عينا ديانا وهي تحدّق بالختم المطبوع على الورق.
كان ذلك إيذانًا بنهاية العلاقة العالقة بين ديانا وكاليبسو.
“سأجلب لك الطعام يوميًا، لكن إياك والخروج من هنا. اتفقنا؟“
“…اتفقنا.”
خرجت ديانا من الكوخ برفقة بليندا.
وارتسمت على وجهها ابتسامة مشرقة وهي تتجه إلى المنزل.
لكن قبل أن تصل إلى المدخل، بدأت أصوات صاخبة تتعالى.
“سموكِ، احذري!”
أسرعت بليندا لتحيطها وتحميها.
فقد بدأ الناس الذين أقرضوا كاليبسو المال يقتحمون المنزل.
وبسبب الفوضى، خرج الخدم،
وحتى آيسيل وكاثرين، لرؤية ما يحدث.
“زرع نباتات سامة! أين هذا المحتال؟!”
“أعيدوا إلي مالي حالاً!”
وقفوا أمام المنزل بوجوه غاضبة محمرة.
انحنت ديانا أمامهم بانكسار، وبدت وكأنها آسفة بصدق.
كانت تنوي تسديد كل شيء بنفسها،
لكنها أيضًا كانت بحاجة لإظهار ذلك أمام كاثرين.
“أنا آسفة. يمكنكم أخذ كل ما في المنزل،
وما يتبقى سأقوم بسداده بنفسي.”
“سمعنا أنكِ طلّقتِه!”
“لكن ما فعله لا يزال مسؤوليتي.
باسم عائلة بريتشي، سأدفع كل الديون.”
وما إن أنهت كلماتها، حتى اندفع الدائنون إلى داخل المنزل.
شهقت كاثرين وصرخت بصوت عالٍ.
أخذوا كل شيء بأيديهم الجشعة: التحف، الملابس، المجوهرات، من كل الغرف دون استثناء.
“لا! أمي! افعلي شيئًا!”
بينما كان آيسيل تتقبل الأمر بهدوء، كانت كاثرين تتنقّل في المكان مذعورة، تنظر بحزن إلى فساتينها ومجوهراتها التي تُسلب منها.
“ما الذي يجري؟ هل فشل مشروع أبي؟!”
ركضت نحو ديانا وسألتها بنبرة اتهام.
“…تبيّن أن الأعشاب التي زرعها والدك تحتوي على مواد سامة تسبب التسمم.”
“ماذا؟! لا أصدق!”
اتسعت عيناها بصدمة.
“كيف يزرع شيئًا كهذا دون التأكد منه؟!”
“لأنه كان يظن أن المشروع الذي سرقه من جدّك قد تم اختباره مسبقًا.”
“تبًا! ماذا عن حفلة ظهوري للمجتمع؟!”
حتى في خضم هذه الفوضى،
كان أكثر ما يقلق كاثرين هو حفلتها القادمة.
رمقتها آيسيل بنظرة استخفاف، ثم هزّت رأسه.
قريبًا، خرج الدائنون من القصر وهم يحملون كل غرض يمكن أن يُباع بثمن.
“سوف نرسل لكِ بقية المبلغ بالبريد!”
“نعم، أعتذر منكم…”
انحنت ديانا حتى النهاية، تعبيرًا عن اعتذارها لهم.
فهم كانوا ضحايا في نهاية المطاف.
كانت تنوي تعويضهم جميعًا لاحقًا، عندما ينتهي كل شيء.
نظرت كاثرين إلى داخل القصر المبعثر بنظرة يائسة.
وضعت ديانا يدها على كتف كاثرين،
وقالت بنبرة صادقة ومليئة بالأسى:
“أنا آسفة يا كاثرين… لن أتمكن من جعله حفلًا فاخرًا كما أردتِ.”
“إذًا… على الأقل، هل يمكن أن أحصل على ذلك الكتالوج الذي عرضته عليّ سابقًا…؟“
“حتى ذلك سيكون صعبًا في الوقت الحالي… أظن أنني لن أستطيع أن أُفصّل لكِ شيئًا جديدًا.”
“يعني… عليّ أن أرتدي شيئًا من الموجود؟“
أومأت ديانا برأسها بصمت.
هرعت كاثرين إلى غرفتها وهي تكاد تبكي،
وقد علا وجهها شعور بالمرارة.
كانت خزانتها وصندوق مجوهراتها في حالة فوضى بعد أن عبث بها الدائنون.
أخذت كاثرين تتفقد خزانتها.
لم يتبقَ سوى فساتين قديمة،
تجاوزها الزمن، أو فقدت ألوانها من قِدمها.
وكان الحال ذاته مع المجوهرات.
كل ما يصلح للاستخدام أُخذ، ولم يتبقَ إلا بضع قطع من الزجاج الرخيص، يمكن أن يلعب بها أطفال النبلاء.
في تلك اللحظة،
لفت نظرها قرط كريستالي مكسور لم يتبقَ منه سوى قطعة واحدة.
تناولته بعصبية ورمته صارخة:
“مَن سيضع شيئًا كهذا؟!”
صرخت بأعلى صوتها، لكن لم يكترث لها أحد.
شعرت أنها أتعس مَن في هذا العالم.
نظرت إلى راحة يدها، إلى أثر ختم إكليبت، ثم بدأت تبكي بحرقة.
***
“همم…؟“
كان هناك بعض الضجيج في الخارج.
نهضت أليشيا من الأرض الصلبة، وتلمّست الجدار.
كان هناك صوت تفتيش وتكسير بالخارج.
هل حدث شيء في غرفة آيسيل؟
ألصقت أليشيا أذنها بالجدار وانتظرت بصمت.
فجأة، سمعت صوتًا منخفضًا لرجل لم تسمعه من قبل.
“قد نجد كتبًا ثمينة في رفوف الكتب!”
ثم تلا صوته حركة قوية، واهتزت رفوف الكتب التي كانت تسد الممر الذي وُضعت فيه أليشيا.
ونتيجة لذلك، انفتح الرف قليلًا.
وبعد لحظات، يبدو أنهم خرجوا جميعًا،
إذ عادت الأجواء إلى الهدوء.
بدأت أليشيا تتحسس بيدها،
ووجدت فراغًا ضيقًا بين الرف والحائط.
دفعت الرف بحذر، لكنه لم يتحرك أكثر بسبب القفل المثبّت.
في النهاية، لم تكن قادرة على الفرار بسبب فقدانها للبصر.
فجلست بهدوء على الأرض.
في تلك اللحظة، شعرت بشيء أسفل جسدها.
“ما هذا…؟“
تحسست أليشيا ذلك الشيء الذي كان تحتها بحذر.
“آه…”
جرحت إصبعها بسرعة من طرف حاد.
لم تستطع رؤيته، لكنّها استطاعت أن تتخيله.
كانت قطعة زجاج بحجم كفّ يدها.
على ما يبدو، حين عبث أولئك الرجال بالغرفة،
تحطم شيء وتدحرج إلى أسفل الرف.
قبضت أليشيا على إصبعها النازف،
وأخفت قطعة الزجاج داخل بطانيتها بعناية.
من الواضح أن الحاكم لم يتخلّ عنها بعد.
ومضة خافتة ظهرت في عيني أليشيا الخاويتين.
ديانا… أنا لم أمت بعد.
وحتى لو مت… لن أموت هكذا ببساطة.
وبينما كانت تتحسس قطعة الزجاج التي أخفتها،
رسمت أليشيا ابتسامة خبيثة على شفتيها.
ثم راحت تلمس بطنها برفق.
كانت مصممة أن تبقى على قيد الحياة،
من أجل أن تلد هذا الطفل.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 104"