استمتعوا
كاليبسو شعر بالارتباك وحدّق في كاثرين وديانا بالتناوب.
ويبدو أن كاثرين هي الأخرى أدركت ما قالته للتو.
لكن آيسيل وديانا تظاهرتا بعدم إدراك أي شيء،
وفضلتا التزام الصمت.
كل ما فعلته آيسيل هو تقديم الحلوى التي أعدّتها بابتسامة مشرقة، ودعتهم لتذوقها.
وهكذا انتهت جلسة الشاي، التي سادها شيء من التوتر.
وكانت كاثرين أول من غادر الغرفة،
ووجهها ينذر بانفجار بالبكاء.
أما كاليبسو، فلم يكن في حال أفضل.
مهما كانت تلك الطفلة ابنة غير شرعية، فهي تظل من دمه.
ومن الطبيعي ألا يكون مرتاح البال بعد أن تسبب في جرحها.
فوق كل ذلك، خبر حمل أليشيا.
وهو الذي كان يعاني أصلًا من ضغط نفسي كبير بسبب استعداده لمشروعه الجديد.
شعر بألم نابض في صدغيه،
فضغط عليهما بقوة وهو يراقب ظهر كاثرين وهي تغادر.
“عزيزي، هل أنت بخير؟ وجهك شاحب.”
“…أنا بخير. أظن أن عليّ الذهاب للراحة.
لا بد لي من مراجعة الوثائق الأخيرة.”
“تصبح على خير، أبي!”
عندها فقط ابتسم كاليسبو ابتسامة خفيفة،
ومسح على شعر آيسيل بلطف، ثم غادر الغرفة.
وبمجرد مغادرتهم، تحوّل وجه ديانا إلى برودة قاتلة.
“هل سمعتِ؟“
صوت كعب حذائها يقترب تدريجًا من الخزانة.
وسرعان ما فتح باب الخزانة بالكامل،
لتظهر أليشيا داخلها، باكية وممسكة بها بليندا.
“أمسكت بها عندما كانت تحاول الهرب.”
“شكرًا لكِ، بليندا.”
أومأت بليندا برأسها باحترام وغادرت الغرفة،
بينما اقتربت ديانا من أليشيا.
“هل… هل ستقتلينني؟“
سألت أليشيا بتوتر بعد أن سمعت صوت خطوات بليندا وهي تبتعد، كما لو أن مغادرتها زادت خوفها.
“…من يدري؟“
أجابت ديانا بصوت خافت.
لقد كانت تنوي بالفعل منحها فرصة.
لو أبدى كاليبسو رغبة في إنقاذ طفلها،
لما أقدمت على قتلها.
الطفل لم يكن له ذنب.
جلست على ركبتيها حتى أصبحت في مستوى نظر أليشيا،
ونظرت في عينيها الخالية من الحياة.
“أريد فقط أن أسألك شيئًا واحدًا.”
ارتجف جسد أليشيا بشدة.
لكن ديانا لم تتوقف.
“لماذا… لماذا خنتِني؟“
“…لأنك تثيرين الاشمئزاز.”
نظرت إليها أليشيا بعينين خاويتين.
“ماذا؟“
“لأنك تملكين كل شيء… كنت أريد أن أسلب منك شيئًا واحدًا على الأقل!”
صرخت أليشيا بصوت مملوء بالغضب والقهر.
“بسبب سبب تافه كهذا… خنتِ صدقي؟“
يا لها من قوة عجيبة، أن تدفع أسباب تافهة بهذا الشكل إنسانًا لارتكاب كل تلك الأفعال الحقيرة.
“ألا يحق لي أن أطمع ولو بذلك القدر؟
لقد عشت حياتي وأنا أحارب! اجتهدت أكثر من أي أحد!”
“وهل تظنين أن هذا يبرر أفعالك؟“
نظرت ديانا إلى أليشيا بازدراء، وهي تواصل ثورتها المستميتة.
“…ما الخطأ في أن أحقق حلمي؟ أرجوكِ، لا تقتليني.
كنا صديقتين، أليس كذلك؟!”
“صديقتان؟“
ارتسمت على وجه ديانا ابتسامة ساخرة.
“أنتِ من أنكرتِ كل أيامنا للتو، أيتها الحمقاء.”
“هل ستقتلين حتى طفلي؟ سموكِ!”
أليشيا لجأت إلى استجداء العطف عبر طفلها.
وكان أمرًا متوقعًا تمامًا.
فهي تعرف ديانا أكثر من أي أحد.
لكن رد ديانا كان بارداً كالجليد.
“‘أنتِ من سيتلقى العقاب.”
كان صوتها حاسمًا، لا تردد فيه.
وأليشيا تعلم مدى صلابة قرارات هذه المرأة رغم مظهرها الرقيق.
ارتبكت أليشيا وأخذت تتلعثم:
“إذًا، طفلي…؟“
“نعم، لن أقتله.”
همست ديانا بسخرية في أذنها:
“أنجبيه. سأنتظر حتى يولد، ثم أجعله خادمة لدى آيسيل.”
“لا، لا تقولي إنك كنت تعلمين أنني استخدمت آيسيل كخادمة؟“
“وهل هذا شيء يصعب معرفته؟
هل كنتِ لتُخفيه حقًا إن كنتِ مكانكِ؟“
نظرت ديانا مباشرة في عيني أليشيا،
ونطقت كل كلمة ببطء وتركيز:
“لم تكتفي بجعلها خادمة، بل أسأتِ إليها وأهنتِها.
الآن حان وقت العقاب، أليشيا.”
كل ما حدث كان ثمرة أفعالها.
غطى وجه أليشيا ظلام كئيب، أعمق من أي يأس عرفته.
***
شدّ كاليبسو سترته بإحكام.
فقد جاء اليوم المنتظر أخيرًا.
يوم الإعلان عن اكتشاف نبات جديد في الأوساط العلمية.
اليوم الذي سيتربع فيه على عرش المال.
“أخيرًا، اليوم هو اليوم المنتظر.”
دخلت ديانا المكتب بهدوء.
وكان كاليبسو يراجع أوراق العرض بدقة.
“عزيزتي.”
استقبلها كاليبسو بابتسامة رقيقة لم يُظهر مثلها من قبل.
فكل ما تحقق حتى الآن يعود فضل كبير منه لديانا وآيسيل.
“سأرافقك اليوم.”
“أنتِ أيضًا؟“
“نعم. أريد أن أراك في أبهى حُلّتك.”
قالت وهي تمسح على وجنته بلطف.
لكن الحقيقة أنها أرادت أن ترى لحظة سقوطه.
“حسنًا، لنذهب سويًا.”
خرج كاليبسو وديانا من المنزل بمظهر حميمي.
وكانت العربة التي تم إعدادها مسبقًا تنتظرهما في الخارج.
صعد كاليبسو أولًا،
ولحقت به ديانا بعد أن اقتربت منها شين وهمست:
“الوثائق التي طلبتها، تم تجهيزها.”
“شكرًا لكِ، شين.”
ابتسمت لها ديانا بلطف، ثم تبعت كاليبسو إلى داخل العربة.
توجهت العربة نحو القصر الإمبراطوري.
إذ كان العرض سيُقام داخل قسم الأبحاث بالقصر.
وكان من المنتظر أيضًا أن تصدر اليوم نتائج التحقق الإمبراطوري من اكتشافه.
“هل ستصدر نتائج التحقق اليوم أيضًا؟“
“نعم، وقد تُعلن أثناء العرض حتى. لا بأس بذلك.”
“بالطبع، فأنت متأكد من النتائج، أليس كذلك؟“
على عكس عرضك، فالنتيجة أثبتت أن النبتة سامة.
ابتسمت ديانا له ابتسامة عذبة.
“عندما ينتهي هذا المشروع بسلام، ما رأيك أن نأخذ إجازة معًا؟“
“فكرة رائعة. آيسيل ستفرح بذلك بالتأكيد.”
كان كاليبسو في قمة الحماسة، وكأن المشروع نجح بالفعل.
ما لبثت العربة أن وصلت إلى القصر الإمبراطوري.
بدا على كاليبسو بعض التوتر، إذ كانت كتفاه مشدودتين.
توجها بخطى سريعة إلى قسم الأبحاث في القصر.
وكان بالفعل عدد كبير من النبلاء وعلماء النبات بانتظارهم في الداخل.
وكان بين الحضور ماركيز بريتشي،
الذي تظاهر بالغضب بعد أن سُلبت منه الفكرة.
“ذلك والدي.”
“…لا بأس.”
نظر كاليبسو إليه بنظرة سريعة، ثم صرف بصره.
فقد سبق أن اتخذ الخطوة الأولى، ولم يعد بإمكانه الرجوع الآن.
أدارا وجهيهما عنه.
“بالتوفيق. أنا واثقة أنك ستقوم بعمل رائع.
سأذهب لزيارة جناح الإمبراطور قليلاً.”
“جناح الإمبراطور؟“
“نعم، لدي أمر أقوم به هناك.”
“حسنًا.”
أومأ لها كاليبسو ثم دخل قاعة العرض.
رمقته ديانا بنظرة قصيرة،
ثم استدارت بسرعة نحو جناح الإمبراطور.
وما إن دخل كاليبسو، حتى عمّ الصمت القاعة،
التي كانت تعجّ بالضجيج.
فقد كان من المقرر أن يعرض نبتة ‘لوريل بندر‘،
والتي قيل إنها تحدث ثورة في الطب النباتي بتأثيرها المهدئ.
انحنى كاليبسو قليلًا أمام أنظار الجميع،
ثم بدأ حديثه بصوت مشوب بالتوتر:
“سأبدأ العرض الآن.”
نشر أوراق العرض التي أعدها مسبقًا على الطاولة،
وأخرج أوراقًا جديدة.
ثم أمسك بخنجر فضي صغير.
“هذا النبات الجديد له تأثير مبتكر في شفاء الجروح.”
وقطع بكفّه بخفة، فبدأ الدم يتسرب من الجرح الصغير ببطء.
قام بقطف ورقة من العشبة وسحقها قليلاً، ثم وضعها فوق الجرح.
وما إن مضت بضع ثوانٍ حتى شُفي الجرح على الفور.
“أوه!”
“إنه تأثير مذهل!”
تعالت أصوات الدهشة في القاعة.
فلم يكن هناك عشبة حتى الآن تملك القدرة على شفاء الجروح بهذه السرعة.
وكان من الواضح أنه بإضافة مكونات أخرى لتعزيز الفعالية،
يمكن الحصول على نتائج أكبر بكثير.
ضحك كاليبسو برضا وهو يرى ردود الفعل الإيجابية من الحاضرين، ثم واصل شرحه.
“وليس هذا كل شيء. هذه العشبة لا تفيد في علاج جميع الأمراض فحسب، بل تملك أيضاً القدرة على استعادة الشباب.”
“استعادة الشباب؟!”
“هل يرغب أحدكم في تجربة ذلك؟“
رفع أحد النبلاء المسنين يده بخجل، وكان وجهه مليئاً بالتجاعيد.
لوّح له كاليبسو بيده يدعوه للتقدم إلى الأمام وهو يبتسم.
“تفضل، هذا عصير عشبة ‘لوريل بندر‘. جربه بنفسك.”
تناول النبيل الكأس بتردد واضح، ثم رفعه إلى فمه وشرب العصير.
عندها، وقع أمر مدهش أمام أعين الجميع.
“لا يُصدّق!”
تفتحت أفواه الناس تلقائياً.
فقد بدأت تجاعيد النبيل تتلاشى تدريجياً.
لم يصل إلى مظهر الشباب التام، لكن التغير كان ملحوظاً جداً.
كان بإمكان المرء أن يصف هذا التأثير بأنه أشبه بإكسير الشباب.
“أوه، أوه!”
حتى النبيل نفسه لم يتمالك دهشته وهو يلمس بشرته التي أصبحت أكثر نعومة.
“بع لي هذه العشبة حالاً!”
“لقد زرعت كمية كافية من لوريل بندر لتكون متاحة للبيع فوراً!”
صرخ كالبيسو بحماسة وثقة.
“هاك، خذ ذهبي!”
“وأنا أيضاً!”
“لقد طلبتها أولاً!”
وبعد أن رأى الناس بعينيهم فعالية العشبة المذهلة،
بدأوا يتسابقون في مد أيديهم بالذهب.
كان كالبيسو يأخذ العملات الذهبية ويمنحهم الكمية المعدة مسبقاً من العشبة، وعيناه تتلألأ من بريق الذهب الذي يتراكم أمامه.
تراكمت كميات كبيرة من الذهب فوق الطاولة حتى بدت كأنها جبل صغير.
كان الفرح يملأ قلبه من الأعماق.
لقد حان أخيراً ذلك اليوم الذي طالما حلم به.
اليوم الذي يحقق فيه أمنيته الكبرى.
صحيح أنه سرق الفكرة من الماركيز،
لكنه كان أول نجاح حقيقي له في عمله.
“رويداً، رويداً…”
لكن تلك الفرحة لم تدم سوى لحظة.
فقد انطفأ بريق عيني ديانا فجأة،
وكأن تلك اللحظة السعيدة لم تكن من حقه منذ البداية.
وفجأة، انفتح الباب بعنف.
“الدوق إرنست!”
كان القادم هو دوق فريديريك.
تحولت كل الأنظار التي كانت مصوبة نحو كاليبسو إلى الخلف بسبب دخوله المفاجئ.
“أيها المحتال اللعين!”
صرخ الدوق وهو يرمي كيساً جلدياً.
تدحرجت من داخله عدة حبات من الألماس على الأرض.
نهض الماركيز بريتشي ببطء وهو يراقب ما يحدث،
ثم انحنى والتقط إحدى تلك الحبات.
“هذه… أليست ماسات مزيفة؟“
قال الماركيز بصوت مرتفع متعمداً.
“ماذا تقول؟! لقد أخذتها بنفسي من منجم الماركيز بريتشي!”
“ألم تسمع ما قاله الماركيز بنفسه؟ إنها مزيفة!”
“مـ، مستحيل…”
هز كاليبسو رأسه وكأنه لا يصدق ما يحدث.
وقبل أن يتمكن من قول أي شيء، انفتح الباب مرة أخرى.
“الدوق إيرنست، تقدم إلى الأمام!”
كان القادم هذه المرة هم فرسان القصر الإمبراطوري.
“كيف تجرؤ على زراعة وبيع مثل هذه النبتة!”
“ماذا؟ ما الذي تعنونه بمثل هذه النبتة؟!”
“هذه نبتة سامة! نبتة تسبب أعراض تسمم خطيرة!”
تدل فك كاليبسو ببطء من هول الصدمة.
وتجمّد الحاضرون، الذين كانوا قبل لحظات يتهافتون على شراء العشبة، في أماكنهم من الذهول.
“لا، هذا مستحيل! لقد أخبرني والد زوجتي…”
لم يكن باستطاعته أن يعترف بأن الفكرة جاءت من الماركيز.
فذلك سيكون بمثابة إقرار علني بأنه سرق اختراعه.
تحولت القاعة إلى فوضى أشبه بسوق شعبي،
مع تدافع الناس لاستعادة ذهبهم.
“عزيزي!”
وسط هذه الفوضى،
اقتربت ديانا من كاليبسو الذي كان في حالة ذهول.
“علينا الهرب! بسرعة!”
أمسكت ديانا بيده وركضت، بينما هو كان لا يزال عاجزاً عن استيعاب ما يحدث، يجرّ خطواته خلفها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 103"