استمتعوا
“ماذا …؟ “
اهتزّ بريق عيني ديانا كما لو كانتا موجتين مضطربتين.
حمل؟ هل قالت إنها حامل؟
هزّت رأسها ببطء وكأنها لا تستطيع تصديق ما سمعته.
لكن أليشيا التي لاحظت تغير تعبير ديانا ولو للحظة،
سارعت بإكمال كلامها:
“ كنتُ أشعر بالغثيان… شعرت بالغثيان، أقول لكِ!”
ازدادت ملامح ديانا قتامة.
العلاقة بين كاليبسو وأليشيا لم تكن قد انتهت منذ وقت طويل،
لذا فاحتمالية الحمل قائمة.
وبالرغم من أن أليشيا شريرة،
فإن الطفل الذي في بطنها،إن صحّ وجوده، لا ذنب له.
لكن لم يكن بإمكان ديانا تصديق الأمر دون التحقق من الحقيقة.
نظرت إلى بطن أليشيا بنظرة خاطفة، ثم زفرت بنَفَسٍ مرتجف.
“ بليندا.”
“ نعم، سموكِ.”
“ يجب أن نتحقق.”
“ كما تأمرين.”
خرجت بليندا على الفور من الكوخ، وبدأ جسد أليشيا يرتجف برقة.
إذًا، كان كذبًا بعد كل شيء…
ضاقت عينا ديانا وهي تحدّق.
أما أليشيا، فلم تكن تدري أن خطتها قد كُشفت،
وظلت تنتظر الطبيب بقلق.
بعد قليل، عادت بليندا وبرفقتها طبيب قد غطى وجهه بخرقة.
أومأت له ديانا بصمت.
“ افحص نبضها.”
وعندما أمرت بليندا، اقترب الطبيب،
ووضع يده على معصم أليشيا بينما عيناه مغطاتان.
راح الطبيب يميل برأسه يمنةً ويسرة وهو يتحسس نبضها لفترة،
ثم قال أخيرًا بصوت بطيء:
“ إنها… حامل.”
ابتلعت أليشيا ريقها بقلق،
لكن الكلمات التي تلت من فم الطبيب كانت صادمة للجميع:
“ نعم، إنها حامل بالفعل.”
سقط فك ديانا من شدة الدهشة.
سرعان ما نظرت إلى وجه أليشيا لتتأكد،
وكانت أليشيا، هي الأخرى، تبدو وكأنها لا تُصدق ما سمعته،
وكأنها لم تكن تعلم عن حملها أصلًا.
وبعد التأكد من الأمر، اصطحبت بليندا الطبيب وغادرا الكوخ.
سادت توتّرات شديدة في أجواء الكوخ.
“ يبدو… أنك لم تكوني تعرفين أنتِ أيضًا.”
كانت ديانا أول من كسر الصمت.
“ كنتِ تحاولين استعطافي… لتنجين بأي طريقة.”
لم ترد أليشيا بشيء، بل استمعت إلى كلمات ديانا بصمت تام.
“ حظك جيد. أن تكوني حاملًا بالفعل…”
كادت شفتا أليشيا أن ترتفعا بابتسامة، لكنها قمعتها.
يبدو أن الحاكم الذي تؤمن به لم يخذلها بعد.
مهما كانت ديانا تشتعل برغبة الانتقام،
فلن تقدر على قتل طفل بريء لا علاقة له بأي شيء.
وهذا يعني، أنها لن تستطيع قتلها أيضًا، مهما أرادت.
“ نعم. لن أكون من النوع الذي يقتل طفلًا لا ذنب له.”
قالت ديانا بمرارة،
وهي تعلم جيدًا ما نوع الشخص الذي هي عليه.
نار الانتقام قد تشتعل في قلبها تجاه أليشيا،
لكنها لا يمكن أن تمتد إلى ذاك الكائن الصغير داخلها.
قسوة ديانا كانت موجهة فقط لأولئك الذين خانوها.
“ سأمنحك فرصة.”
“ فـ… فرصة؟“
“ سآخذك إلى الغرفة داخل رفوف كتب آيسيل.”
“ وهناك، سأستدعي كاليبسو وكاثرين، وأُخبرهما بحملك.”
“حَملي …”
وضعت أليشيا يدها بلطف على بطنها الذي لا يُرى،
كما لو كان هدية من الحاكم لإنقاذها.
نظرت إليها ديانا بنظرة باردة وقالت ببرود:
“نعم .”
“ إن قبِل كاليبسو وكاثرين بذلك الطفل…”
نظرت أليشيا، بعينيها الخاليتين من التركيز، نحو ديانا.
“ سأبقيكِ على قيد الحياة.”
ما إن انتهت ديانا من قول كلماتها، حتى غمر وجه أليشيا الأمل.
انتظرت ديانا حتى حلول الظلام،
ثم تسللت إلى القصر برفقة بليندا وأليشيا.
“ هل وصلتما؟“
أدخلت آيسيل ديانا التي كانت تقود أليشيا، بسرعة إلى غرفتها،
ثم وضعت أليشيا داخل الغرفة المخبأة خلف رف الكتب.
“ بليندا، إن أصدرت أليشيا أي صوت، تخلصي منها فورًا.”
“ امركِ.”
عند أمر ديانا، سحبت بليندا خنجرًا كانت تحمله دائمًا في فخذها،
ووجهته نحو عنق أليشيا.
رغم أنها لا ترى،
فإن البرودة التي شعرت بها في عنقها كانت واضحة وقاطعة.
خشيةً من أن تصرخ أليشيا، جمّدت ديانا فمها مرة أخرى.
ثم فتحت رف الكتب قليلًا.
“ هل استدعيتِ كاليبسو وكاثرين؟“
“ نعم، قلتُ لهما أن نحظى بشاي معًا في غرفتي.”
ردّت آيسيل بسعادة على سؤال والدتها.
“ وهل وافقت كاثرين بسهولة؟“
“ هددتها بأنني سأخبر والديّ بأنها وضعت السم للأمير سوير إن لم تأتِ. كانت ترتجف… أعتقد أنها ستأتي.”
دخل كل من شين وميلان حاملَين عربة مليئة بأنواع مختلفة من الشاي والحلويات.
وسرعان ما امتلأت طاولة آيسيل بروائح الحلوى العطرة.
جلست ديانا بهدوء في مقعدها.
وبعد لحظات، سُمع صوت طرق على الباب.
ذهبت آيسيل بخفة لفتح الباب على الفور.
كان كاليبسو وكاثرين بانتظارها خلفه.
“ كيف وصلتما معًا؟“
“ التقينا في الخارج، يا عزيزتي.”
أجاب كاليبسو بلطف.
أما كاثرين، فكانت شفاهها متجهمة.
لم تكن ترغب بقضاء وقت شاي مع آيسيل،
وإن كان الأمر مع ديانا فلا بأس.
بالنسبة لها، كان مجرد مضيعة للوقت.
دفعت كاثرين آيسيل جانبًا دون حتى تحية المساء، ودخلت الغرفة.
“ وصلتِ؟“
“ نعم، أمي.”
جلست كاثرين بجانب ديانا.
“ أردتُ فقط أن نجتمع كأسرة لنحتسي الشاي معًا،
بعد غياب طويل.”
“ فكرة جيدة. مشروعي سيبدأ أخيرًا غدًا.”
صفقت آيسيل بيديها بحماس.
كانت تمثل الابنة التي تفرح لعودة والدها بعد عناء طويل.
“ لقد بذلت جهدًا كبيرًا… سيكون ناجحًا، أبي.”
“ كل الفضل يعود إليكِ، وإلى والدتكِ.”
كان كاليبسو يتصرف وكأن كاثرين غير موجودة.
كان قد فقد كل أمل فيها.
كأن بينهما جدارًا لا يمكن اختراقه.
نظرت كاثرين إليه بطرف عينها.
“ أبي، شكرًا على جهودك! آمل أن ينجح المشروع، حتى أتمكن من الظهور في حفل الظهور بأفضل صورة، أليس كذلك؟“
ابتسمت له بابتسامة كان يحبها سابقًا، لكن ردة فعله كانت باردة.
“ هل أنتِ مريضة؟“
تفحص كاليبسو وجهها وهو يسأل.
تحت عينيها كانت هناك ظلال داكنة، وشفاهها جافة.
“… لا .”
“ لم يتبقَ الكثير على حفلة الظهور.
عليكِ الاعتناء بنفسكِ أكثر. بالكاد أصدق أنك ابنتي.”
هزّ رأسه وهو ينقر بلسانه.
ولم يكن مخطئًا؛ فقد بدا وجه كاثرين أكثر تعبًا من وجه الخادمات.
مررت كاثرين يدها على بشرتها التي فقدت رونقها بسبب التوتر،
وبدت محرجة.
“ حسنًا، بما أننا اجتمعنا كعائلة بعد وقت طويل،
لنتناول الشاي معًا.”
“ بكل سرور.”
سكبت ديانا الماء الساخن في أكواب الشاي بابتسامة مشرقة.
كانوا يبدون من الخارج وكأنهم عائلة متماسكة حقًا.
غير أن دواخلهم كانت جميعها متآكلة وفاسدة لأسباب مختلفة.
“ آه، صحيح، هناك أمر لم يسعني قوله لك بعد.”
“ لي أنا؟“
“ نعم. إنه أمر محرج قليلًا… لكن يبدو أنه من الصعب إنزال العقاب بأليشيا.”
هل كانت تنوي الحديث عن أليشيا؟
رفعت كاثرين رأسها عن فنجان الشاي.
كانت تشعر بتوتر، لكنها كانت فضولية في ذات الوقت.
أرادت أن تعرف كيف سيكون رد فعل والدها.
ولم تكن كاثرين وحدها من ينتظر كلمات ديانا،
بل أليشيا، المختبئة خلف رف الكتب، كانت تُنصت في ظلامها باهتمام بالغ إلى هذا الحوار.
“ من الصعب معاقبتها؟ لا بأس،
لكن أظن أنني لم أعد أراها مؤخرًا.”
أجاب كاليبسو بفتور.
لم يكن الحديث عن أليشيا أمرًا يروق له، خصوصًا في هذا الوقت حيث بدأ يشعر تجاه ديانا بمشاعر تختلف عما كان في الماضي.
“ أرسلت أليشيا مؤقتًا إلى منزل تابع لإحدى العائلات النبيلة.”
“ إلى منزل تابع… ؟“
نظرت كاثرين إلى ديانا بدهشة.
كانت تظن أن أليشيا لا تزال في الكوخ،
ولم تكن قد زارتها منذ أيام، لذا لم تكن على علم بمكانها.
“ نعم. لا أعلم إن كان يجب أن أخبركم، لكن بما أن أليشيا ارتكبت العديد من الأخطاء في حقنا، فسأفعل.”
توجهت أنظار الجميع إلى ديانا، التي عقدت حاجبيها وكأنها تشعر بالضيق، ثم تحدثت بصعوبة.
وما إن نطقت بكلماتها،
حتى تغيرت ملامح كاليبسو وكاثرين على الفور.
“ يبدو أنها حامل.”
“…… ماذا؟ أليشيا؟“
أعاد كاليبسو السؤال دون وعي منه،
ووجهه بدا كما كان وجه ديانا عندما أخبرها الطبيب بأمر الحمل.
لقد صُدم بالفعل.
وكان من الطبيعي أن يشعر بذلك.
فالجنين في بطن أليشيا، بلا شك، كان طفله.
“ نعم. فتاة عزباء لم تتزوج… حاولت أن تغوي رجلاً متزوجًا،
عارٌ حقيقي…”
كانت آيسيل تحدق في الإكلير وكأنها لا تهتم بسوى حلواها،
بينما كان وجه كاليبسو وكاثرين يوحي بذهول شديد.
أما ديانا، فأخفت سخرية كانت على وشك الظهور في ملامحها وتابعت الكلام.
“ لكن، مهما سألتها عن هوية والد الطفل، لم تجبني.”
“……هاه .”
ضحك كاليبسو بسخرية لا إرادية.
“ رغم أنها ارتكبت خطأً كبيرًا في حقي، لكنها كانت صديقتي يومًا ما. لا أعلم كيف يمكنني نصحها. أنت كنت تُعزّ أليشيا أيضًا، أليس كذلك؟“
ارتجف حاجب كاليبسو قليلًا، ثم أخفى يده المرتجفة تحت الطاولة.
لكن نظرات ديانا الحادة كانت تراقب كل حركة بدقة.
“…… فقط لأنها كانت صديقتك. لم يكن هناك سبب آخر.”
“ أظن أن والد الطفل متزوج. بما أنها لم تُخبرني حتى أنا،
فلا بد أن الأمر كبير. خيانة في هذه الإمبراطورية… هذا خطير.”
كلمات ديانا بدت وكأنها صادرة عن قلب مشفق،
لكنها كانت تُغرز في صدري كاليبسو وكاثرين كسكاكين حادة.
كان يعتزم قطع علاقته بأليشيا كليًا.
لكن الآن، حمل؟! بدأ كاليبسو يشرب الشاي الساخن بنهم،
وكأن حلقه قد جف تمامًا.
ثم تمتم بصعوبة:
“ربما … يجب …”
“ نعم؟“
“… أن تُجهِض الطفل.”
كانت الصدمة التي تلقتها أليشيا المختبئة وكاثرين الجالسة واضحة ومزلزلة.
“ إن كان ما حدث فعلًا خيانة،
فإن هذا الطفل غير الشرعي سيكون دليلاً دامغًا على الخيانة…”
كأن كاليبسو كان يتحدث إلى نفسه.
وإن كانت كاثرين قد أصبحت أمرًا واقعًا،
فلا يمكن السماح بوجود طفل غير شرعي آخر.
“ طفـ… طفل غير شرعي؟!”
صرخت كاثرين بانفعال.
لم تحتمل أن يُختصر وجودها في كلمة واحدة تافهة كهذه.
“ كيف يمكنك قول شيء كهذا؟“
نظرت إلى والدها بعينين تغشاهما الجراح.
وفي تلك اللحظة، كانت ديانا وآيسيل تتابعان المشهد بأريحية،
وكأنهما تشاهدان مشهدًا دراميًا يتهاوى تلقائيًا دون الحاجة لأي تدخل منهما.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O ━O ━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 102"