استمتعوا
كاليبسو اقترب من العربة ومدّ يده نحو ديانا التي كانت تهمّ بالنزول.
حدّقت ديانا في يده بنظرة باردة،
ثم أمسكت بها بابتسامة مصطنعة ونزلت.
“ذهبت إلى دوقية فريدريك.”
“إلى دوقية فريدريك؟ ولماذا…؟“
مال كاليبسو برأسه في حيرة.
غير أنّ ديانا ابتسمت ابتسامة مشرقة،
وكأنّ شيئًا لم يحدث هناك، وقالت بهدوء:
“سمعتُ أنهم أجّروك الأراضي بسعر جيد جدًا.
لم أستطع أن أتجاهل الأمر كزوجتك.”
“زوجتي…”
أمسك كاليبسو يدها بإحساس يفيض تأثرًا.
تساءل لماذا كان يرى ظلّ الماركيز فيها من قبل فقط.
ندم على نفسه في الماضي.
“أشكركِ. من أجلكِ، يجب أن أنجح في هذا المشروع.”
ثمّ رفع أصيصًا يحتوي على جذور ‘لوريل بندر‘.
“أنا في طريقي إلى القصر الإمبراطوري.”
كان متوجهًا لاختبار النباتات من قبل علماء نبات القصر للتأكد من سلامتها، قبل إعلانها في الأوساط الأكاديمية.
“أجل، أعلم أنّ والدك قد يكون تأكّد من الأمر من خلال خبراء آخرين…”
عادةً ما يتمّ الإعلان في الأوساط الأكاديمية بعد نتائج الفحوص، لكن بما أن النبات قد تمّ التحقق منه من قِبل الماركيز،
فقد خطّطوا لبيع المنتج مباشرة.
“لكن يجب أن نخضع لفحص القصر، أليس كذلك؟“
“نعم، فهذا قانون الدولة.”
“ستكون النتائج جيدة بلا شك، وبعد إعلاننا في الوسط العلمي،
سنبدأ البيع فورًا. إن تحقق ذلك…”
نظر كاليبسو إلى ديانا بعينين حالِمتين.
أما هي، فشعرت بأنها على وشك التقيؤ من داخِلها.
“كل هذا بفضلكِ. أنا ممتن لك حقًا.”
“نعم. سيكون كل شيء على ما يرام. اذهب وعد سريعًا.”
تركت يده وابتسمت له ابتسامة ملائكية.
طبع كاليبسو قبلة خفيفة على شفتيها ثم صعد إلى العربة.
وبينما كانت العربة تبتعد، بدأت ملامح ديانا تتجمّد تدريجيًا.
استدارت لتعود إلى القصر،
لكنها توقفت فجأة وكأن فكرة ما خطرت لها.
“بليندا.”
“نعم، جلالتك؟“
“هل يمكنك إحضار بعض الطعام؟ ملفوفًا بورق، من فضلك.”
“هل ستأكلينه، سموكِ؟“
سألت بليندا بعيون متسعة،
فابتسمت ديانا بلطف وهزت رأسها نفيًا.
“آه، فهمت.”
بدت بليندا وقد أدركت إلى أين تتجه ديانا.
أسرعت إلى المطبخ وأحضرت بعض أرغفة الخبز الجافة قليلًا،
وقطعة من الجبن المُسخّن، وزجاجة من الحليب.
تساءلت إن كان هذا كثيرًا، لكنها خرجت به كما هو.
مهما بلغ ذلك الإنسان من الدناءة،
لا يمكن أن تُقدَّم له طعامًا فاسدًا.
لم ترد أن تصبح مثل ذلك الشخص.
قدّمت بليندا الطعام إلى ديانا بحذر،
وسألت بتردد وهي تلاحظ الكمية:
“هل هذا كافٍ؟“
لكن ديانا أومأت برأسها وكأن ذلك يكفي.
“نعم. هذا مناسب تمامًا لنزهة قصيرة.”
توجّهت ديانا مع بليندا نحو كوخ مهجور في زاوية القصر.
كان الكوخ في أقصى الزاوية، حتى أنّ حرّاس القصر لا يمرون به.
وما إن مرّت بحديقة الورود الفاتنة، حتى ظهر الكوخ.
على الرغم من كونه داخل حدود القصر،
فإن الأجواء المحيطة به كانت مختلفة تمامًا.
كان الجو كئيبًا ومظلمًا، وكأنه منزل تسكنه ساحرة.
شعرت فجأة بشيء غريب،
ثم قامت بفتح قفل الكوخ بصوت معدني مكتوم.
وسقط القفل بصوت خافت.
فتحت الباب بحذر، وإذا بالكوخ مظلم تمامًا.
في الداخل، كانت أليشيا مكوّرة على الأرض.
“آه… آه…”
بدت كأنها تظن أن كاثرين جاءت بالطعام.
سالت دموعها على وجهها وهي تتحسس الأرض بيديها.
يبدو أن كاثرين لم تأتِ منذ مدّة، فشفتيها كانتا متشققتين تمامًا.
هل يمكن أن يُهان الإنسان إلى هذا الحد؟ بالرغم من أن أليشيا خانتها وقتلتها، فقد بدت حالتها مثيرة للشفقة.
عمياء وصمّاء، ومتروكة حتى من ابنتها.
تذكّرت ديانا نفسها في حياتها السابقة.
تذكّرت كيف كانت أليشيا وكاثرين تضحكان على حالتها وهي في الحضيض.
فما إن تذكّرت ذلك حتى تبددت مشاعر الشفقة التي كانت تنمو في داخلها.
“ألي.”
نادتها ديانا بصوت لطيف، كما لو كانت لا تزال تعتبرها صديقة.
ارتجف كتفا أليشيا عند سماع صوتها.
وارتعد جسدها كأنها تواجه وحشًا.
يبدو أنها اعتقدت أن ديانا جاءت لتؤذيها.
“لا تخافي. على الأقل، أنا أفضل من ابنتك القاسية.”
ناولتها بليندا الطعام في الوقت المناسب.
وما إن فتحت ديانا ورقة الطعام، حتى انبعثت رائحة الجبن الدافئ.
انتشرت الرائحة في الكوخ البارد،
فارتجف جسد أليشيا كالحيوان الجائع.
رغبت في التهام الجبن فورًا،
لكن جسدها بقي متجمّدًا كالحيوان الحذر.
وضعت ديانا الطعام على الأرض،
وربتت عليه برفق، كمن يدعو كلبًا أليفًا.
“لا يوجد سمّ فيه، لا تقلقي.”
“تعالي إلى هنا.”
ترددت أليشيا، لكنها بدأت تزحف ببطء وهي تتحسس الأرض.
وما إن اقتربت حتى دفعت لها ديانا الطعام.
أمسكت أليشيا الخبز أخيرًا.
وبدأت تلتهمه بنهم، تحمل الخبز في يد والجبن في الأخرى، وتتناولهما بشراهة.
كان مشهدًا لا يُصدق لمن كانت تحلم بأن تصبح زوجة الدوق.
“سترغبين في شرب شيء أيضًا، اشربي الحليب.”
ناولتها ديانا زجاجة الحليب.
تحسست أليشيا الغطاء وفتحته، لكنها تجمّدت فجأة.
فقد اعتادت إعطاء الحليب الفاسد لآيسيل.
ربما ظنت ديانا أنها ستفعل الشيء نفسه.
رفعت ديانا حاجبها ببطء وهي تنظر إليها.
من المؤسف ألا تستطيع أن تثق بأحد بسبب أفعالها نفسها.
جلست ديانا بهدوء وقالت:
“أنا لا أُشبه أحدًا، لن أعطيك حليبًا فاسدًا. اشربي بأمان.”
تسلّل التوتر إلى حلق أليشيا،
لكنها لم تستطع مقاومة الجوع والعطش.
أمالت الزجاجة وشرعت تشرب.
دخل الحليب الطازج إلى فمها الجاف، كالمطر في أرض قاحلة.
سالت دموعها بغزارة.
امتزجت كرامتها المهدورة ورغبتها في النجاة وخيبة الأمل من كاثرين، فكوّنت غصّة في حلقها.
“يا للمسكينة…”
“آه… آه…”
وحين شبعت بعض الشيء، مدّت يدها تتحسس الهواء،
إلى أن لمست جسد ديانا، ثم أمسكت يدها.
“هل لديك شيء تودين قوله؟“
عند سؤال ديانا، هزّت أليشيا رأسها بجنون.
“ماذا أفعل بك…”
تمتمت ديانا وهي تضع يدها على ذقنها وكأنها تفكر.
“بإمكاني فكّ السحر الذي قيّد لسانك، لكن…”
عندها، ركعت أليشيا على الأرض وراحت تتوسل بيديها معًا.
لا شكّ أن ما تريده هو النجاة لها ولبنتها.
وقفت ديانا ونظرت إليها بعين باردة.
“لماذا خنتني، وهاجمتني؟
لم يكن لك أي فرصة في الفوز منذ البداية.”
قد يكون كلامها قاسيًا، لكنه الحقيقة.
فقد وُلدت ديانا بقوة عائلة بريتشي النبيلة،
أما أليشيا فلم تكن سوى فتاة من طبقة نبلاء فقيرة لا تملك شيئًا.
كانت المعركة محسومة من البداية.
لكن لو كانت أليشيا مخلصة لها، لانقلبت الموازين بالكامل.
فديانا، حتى لحظة موتها، كانت ستعاملها كأعز صديقاتها.
لماذا رفضت تلك المعاملة الثمينة وسلكت طريقًا مختلفًا؟
لم تستطع ديانا أن تفهمها مطلقًا.
“لقد كنتُ أعتز بك، ألي.”
وبينما قالتها، بدت ملامح ديانا مغمورة بشيء من الحزن.
لم يتبقَ الكثير على يوم انتهاء كل شيء.
لسببٍ ما، شعرت ديانا بشيء من الحنين.
عادت إلى ذهنها الأيام التي قضتها مع أليشيا.
ولكن، لم تكن تنوي مسامحتها على الإطلاق.
فكل تلك الأشياء لم تكن سوى أكاذيب.
أليشيا التي خانت صدق مشاعرها،
لا بد أن تنال العقاب الذي تستحقه.
“حسنًا. إن كان لديك ما تقولينه، فتفضّلي.”
نقرت ديانا بإصبعيها، وفي تلك اللحظة،
بدأ لسان أليشيا المتجمد بالتحرك من جديد.
حين أدركت أنها باتت قادرة على الكلام مجددًا،
ابتلعت أليشيا ريقها ببطء، ثم فتحت فمها وتحدثت.
“سموكِ، كل هذا خطئي!”
كانت تتوقع ذلك بالفعل.
كما هو متوقّع.
أليشيا رمشت بسرعة بعينيها الخاليتين من التركيز، وصرخت.
“خطأ؟“
“نعم! لقد حلمت بما لا ينبغي لي أن أحلم به…! كل ذلك، أنا—”
“خطؤك ليس في الحلم بشيء لا يحق لك.”
تابعت ديانا كلامها بنبرة باردة:
“بل في أنك حاولتِ سرقة ما يخصّ غيرك.”
عند تلك الكلمات، أطبقت أليشيا شفتيها بصمت.
حتى وإن كانت تملك عشرة أفواه، لما استطاعت الرد.
لأن ما قالته ديانا كان صحيحًا.
“يبدو أنك لا تدركين خطأك حتى الآن.”
“لكن سموكِ …!”
“لا أرى أن هناك حاجة لسماع المزيد.”
أطلقت ديانا مجددًا قواها السحرية لتجمّد لسان أليشيا.
وسرعان ما شعرت أليشيا ببرودة تسري في جسدها.
كان عليها قول أي شيء… أي شيء قبل أن يُسلب منها صوتها مجددًا.
وفجأة، خطر في بال أليشيا وسيلة أكيدة لاستعطاف ديانا.
فلفظت تلك الكلمات على الفور:
“أظن أنني حامل…!”
وعند تلك العبارة،
تجمّدت ديانا في مكانها كما لو أنها هي من أُصيب بسحر.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 101"