استمتعوا
خرجت ديانا من غرفة كاثرين وبدأت تتحرك بسرعة.
فلم يتبقَ الكثير على إعلان كاليبسو في الأكاديمية،
وكان عليها الذهاب إلى مكانٍ ما.
“هل يمكنكِ تحضير العربة، شين؟“
“نعم، سموّكِ. إلى أين أوجّه السائق؟“
“إلى قصر دوق فريدريك.”
“حسنًا، سموّكِ.”
فتحت ديانا خزانتها وأخرجت أقدم فستان تملكه.
دخلت ميلان لمساعدتها في الاستعداد للخروج.
“أه؟“
اتسعت عينا ميلان وهي ترى الفستان الذي اختارته ديانا.
لم يكن فستانًا ممزقًا،
لكنه فقد بعضًا من لونه بسبب عدم ارتدائه منذ فترة طويلة.
“حقًا سترتدينه؟“
“نعم، أحتاج لأن أبدو حزينة اليوم.”
ابتسمت ديانا بخفة وبدّلت ملابسها.
أمالت ميلان رأسها في حيرة لكنها جلبت قبعة تناسب الفستان.
غير أن ديانا لوّحت برأسها رافضة ما إن رأتها.
“مبهرجة جدًا. هل يمكنك إحضار شيء أبسط؟“
“أه… نعم، بالطبع!”
تأملت ميلان القبعة التي كانت تحملها، ثم غادرت لإحضار أخرى.
في الواقع، لم تكن القبعة التي أحضرتها ميلان مبهرجة،
لكنها لم تكن مناسبة للصورة التي أرادت ديانا أن تظهر بها.
“أحضرتها، سموّكِ.”
قدمت ميلان القبعة الجديدة،
التي كانت بسيطة جدًا لدرجة مبالغ فيها، دون أي زينة من الزهور.
عندها فقط، ارتسمت ابتسامة رضا على شفتي ديانا.
“شكرًا، ميلان.”
وضعت ديانا القبعة بلطف على رأسها وخرجت.
أمام العربة كانت بليندا تنتظر، وهي تحمل صندوقًا بين ذراعيها.
“لنذهب، بليندا.”
“نعم، سموّكِ.”
رفعت ديانا أطراف فستانها وصعدت إلى العربة ببطء.
وما إن لحقت بها بليندا، حتى بدأت العربة في التحرك.
كان إقليم دوق فريدريك يقع في أقصى الجنوب،
على النقيض تمامًا من إقليم الدوقية إرينست.
حتى باستخدام نفق المانا، استغرق الأمر وقتًا للوصول.
فتحت ديانا نافذة العربة على مصراعيها.
اندفع نسيم بارد منعش إلى الداخل مع حركة العربة السريعة.
شعرت وكأن الضيق في صدرها قد انزاح.
كل شيء سينتهي قريبًا.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة تنمّ عن راحة عميقة.
“يبدو أن مزاجكِ جيد، سموّكِ.”
“نعم. لأن ما أعددت له طويلًا شارف على الانتهاء.”
“أخيرًا…! مباركٌ لكِ، سموّكِ!”
كانت بليندا تعلم كل شيء، ففرحت كما لو أن الأمر يخصها.
وردّت عليها ديانا بابتسامة صامتة.
وسرعان ما وصلت العربة إلى قصر دوق فريدريك.
ما إن رأى الحارس ختم إرينست حتى فتح البوابة فورًا.
وعندما توقفت العربة أمام القصر،
خرج كبير الخدم على الفور، وكأنه كان يتوقع قدومها.
“مرحبًا بقدومكِ، سموّ دوقة إرينست.”
ذلك لأنه، بطبيعة الحال، كانت ديانا قد أرسلت رسالة مسبقًا،
تخبره برغبتها في شكره على إعارته الأرض لزوجها.
“مرحبًا. أين الدوق؟“
“صاحب السمو في مكتبه، بانتظاركِ. تفضّلي باتباعي.”
رغم نبرته المؤدبة، ارتفع حاجباه قليلًا من الدهشة.
حاول تدارك الأمر بسرعة، لكن ديانا لم تفوّت ردة فعله.
ربما تساءل إن كانت شائعات تدهور أوضاع الدوقية بسبب التوسّع في الأعمال صحيحة، من خلال لباسها البسيط.
دخلت ديانا القصر برفقة كبير الخدم،
وأخذت تتأمل الداخل بعينيها.
على عكس قصر إرينست،
كان قصر فريدريك يفيض بأجواء عتيقة مهيبة.
وبعد السير طويلًا، توقف كبير الخدم أمام باب فخم مزين بمنحوتات خشبية من شجر البلوط على شكل وحوش.
طرق الباب بخفة وقال:
“صاحب السمو، دوقة إرينست قد وصلت.”
“أدخلها.”
دخلت ديانا فنهض دوق فريدريك من مكانه مرحّبًا بها.
“مرحبًا بكِ.”
“هل كنت بخير، سموّك؟“
لم يكونا مقرّبين،
لكنهما التقيا في بعض المناسبات الرسمية سابقًا.
كان الدوق فريدريك في عمرٍ مقارب لكاليبسو،
لكنه اختار حياة العزوبية.
“تفضّلي بالجلوس.”
سحب لها الكرسي.
نظراته، رغمًا عنه، اتجهت إلى مظهرها.
كانت متواضعة بعكس ما اعتاد رؤيته منها.
ربما صدق ما قيل عن الشائعات.
بدا الأمر واضحًا.
رغم ذلك، تظاهرت ديانا بعدم الملاحظة وأجابت بأدب.
“شكرًا لك، سموّك.”
انحنت بخفة وجلست على الطاولة.
كان قد أعدّ لها مسبقًا مائدة صغيرة من الحلويات والمشروبات.
“ما فعلته نبيل جدًا منكِ.
كنتِ تستحقين ما قُدّم، فلم يكن من حاجة للرد على الإحسان.”
“الإقليم الجنوبي معروف بخصوبته. وحينما تفضّلت بإعارته بكل سخاء، كان من الطبيعي أن أردّ الجميل.
بليندا، هلّا أعطيتني ما أعددناه؟“
“نعم، سموّكِ.”
ناولت بليندا الصندوق الذي كانت تحمله منذ مغادرتهم قصر إرينست.
وضعته ديانا على الطاولة ودفعته نحوه.
“ليست بشيء يُذكر.”
“همم…”
سعل الدوق محاولًا إخفاء رضاه،
لكنه مد يده بالفعل لفتح الصندوق.
“هـ… هذا…”
اتسعت عيناه من الذهول، وابتسمت ديانا بهدوء وهي تشرح.
“رغم أنها من بقايا الحجارة،
لكنني صنعتها باستخدام الماس من منجم بريتشي.”
كان في الصندوق زرّ صدر صغير مصنوع من ألماس حقيقي مستخرج من منجم بريتشي.
لم يكن الألماس كبير الحجم،
لكنه أطلق بريقًا أخّاذًا لا يمكن وصفه بالكلمات.
رغم فرحته، بدا وجه الدوق غير مرتاح.
فسألته ديانا، متظاهرة بالجهل، رغم أنها كانت تعرف السبب.
“ما الأمر؟“
“همم، هل تقولين إن هذا الماس من المنجم؟“
“نعم، صحيح. كل الماس الذي يُستخرج من منجم بريتشي يتميّز بهذا البريق قوس قزحي.”
“…هل هذا حقيقي؟“
تحوّل وجه الدوق إلى الشحوب على الفور.
وقف فجأة وبدأ يبحث في درج مكتبه.
“ما الذي يحدث؟“
سألته ديانا وهي تراقبه يُقلب أدراج المكتب في عجلة.
أخرج كيسًا جلديًا من أحد الأدراج.
“هذا ما استلمته من دوق إرينست.”
أفرغ الكيس أمامها.
تدحرجت بعض قطع الألماس الكبيرة على الطاولة.
لكنها بدت مختلفة تمامًا عن القطعة التي قدمتها ديانا.
“ألا تلاحظين الفرق الكبير؟!”
كان الدوق يرتجف من الصدمة.
التقطت ديانا إحدى القطع المتدحرجة وبدت مندهشة.
“إن هذا هو ما أعطاكَ إياه سموه…؟“
“…نعم.”
فحصت ديانا الألماسة بدقة.
كانت مزيفة، لكنها مصنوعة بإتقان يُصعّب تمييزها.
كانت هذه الألماسات المزوّرة قد أُعدّت مسبقًا بأمرٍ منها ومن آيسيل، عبر تعليمات أُعطيت للماركيز بريتشي.
إذا جاء أحد غير ديانا وآيسيل لأخذ الألماس،
فليُعطوه المزيف بدلًا من الحقيقي.
لكن، عندما يُوضع المزيف بجانب الحقيقي،
فلا يمكنه أن يخفي زيفه.
المزيف، لا يمكنه أن يتفوّق على الحقيقي.
“هذه… مزيفة، سموك…”
قالتها ديانا بصوت خافت، ووجنتاها تحمرّان من الحرج.
“ما هذا! كيف يمكن للدوق أن يفعل أمرًا كهذا؟!”
ضرب الدوق الطاولة بقبضته غضبًا،
فتبعثرت الألماسات المزيفة على الأرض.
لكن لا فائدة من التقاطها، فهي بلا قيمة.
“آه… لا عذر لي، سموك… سأحدّث والدي بشأن الأمر،
وسنردّ لك الألماس الحقيقي بأي ثمن.”
“أثق بكِ، لكن لا يمكن أن يمرّ هذا الأمر مرور الكرام!
كيف لنُبلاء أن يقدّموا ألماسًا مزيّفًا؟!”
كان في قمة الغضب.
أما ديانا، فقد أخفت ضحكتها بصعوبة، وانحنت وكأنها مذنبة.
“سأتولى دفع ثمنها بنفسي.
لذا، هلّا انتظرت قليلاً فقط قبل إعلان الأمر على العلن؟“
“لا أستطيع التحمل أكثر من ذلك…!”
“بعد أيام قليلة، سيُعلن في المحافل الأكاديمية عن النبات الذي تمت زراعته في الأرض التي استأجرتها منكم.”
قالت ديانا وهي تنظر إلى الدوق بنظرات حزينة،
تبوح بما في داخلها.
“ألا يمكنك الانتظار حتى ذلك اليوم فقط…؟
إن انتشرت هذه الحقيقة الآن، فستقع كارثة.”
“إذن، سيجتمع في ذلك اليوم العلماء والنبلاء معاً.
سأعلن الأمر حينها!”
“… سموك…!”
نهض الدوق من مكانه بعنف.
كان يعلم أن الخطأ ليس من ديانا،
ولكن الغضب جعل صوته يرتفع رغماً عنه.
“حتى لو كنت أرغب في التغاضي احتراماً للدوقة، فهذه قضية أخلاقية. وإن صمتنا، فسوف يظهر ضحايا آخرون بلا شك!”
لم تستطع ديانا الرد بشيء، واكتفت بإغلاق شفتيها بإحكام.
فكلمات الدوق كانت تتوافق تماماً مع قناعاتها.
من يغضّ الطرف عن الشر،
فسيكون الشرّ أكثر جرأة في المرة القادمة.
لذا، يجب أن يُحاسَب من ارتكب الخطأ.
“عُودي من حيث أتيتِ!”
أدار الدوق ظهره تماماً عن ديانا.
فانحنت له باحترام، ثم بدأت تمشي بخطوات حزينة.
ويبدو أن كبير الخدم الذي سمع الضجيج في الغرفة،
لم يعد وجهه كما كان سابقاً.
صعدت ديانا إلى العربة بمظهر بائس،
غير أن تعابير وجهها ما إن جلست كانت مشرقة ومنتعشة.
فكل أراضي الجنوب كانت خصبة.
لكنها لم تختر توصية أرض دوق فريدريك لأنها كانت الأجود من بينها، بل لأجل طبيعته النارية التي لا تحتمل الظلم.
فقد كانت تعرف جيداً سمعته.
فهو شخص يساعد حتى من هم في ضيق،
كريم في شراكاته التجارية مع من يروق له،
لكنه لا يغفر أبداً مخالفة الأخلاق أو العدالة.
“لنعد.”
“هل أنتم بخير، سموكِ؟“
سألتها بليندا بنظرة مليئة بالقلق على ما قد تكون ديانا قد واجهته في مكتب الدوق. لكن ديانا ابتسمت ابتسامة مشرقة.
“بخير جداً، في الواقع أشعر بسعادة غامرة.”
فكل شيء يسير حسب الخطة، خطوة بخطوة.
لكنها لم تقل هذا الجزء الأخير،
بل اكتفت بالنظر من النافذة بعينين ناعمتين مطويتين بابتسامة.
كل ما رأته في الأفق بدا جميلاً في عينيها.
وسرعان ما وصلت العربة مجدداً إلى قصر إيرنست الكبير.
وما إن توقفت أمام القصر، حتى رأت كاليبسو يقترب من العربة.
“إلى أين ذهبتِ، عزيزتي؟“
فتجمدت ابتسامة ديانا، التي كانت تملأ وجهها قبل لحظات.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 100"