استمتعوا
كان وجهه مصدوماً كما لو أن ديانا قد ارتكبت فعلاً آثماً.
يا له من وقح.
هو من ارتكب الخيانة ليلاً ونهاراً،
ومع ذلك يتصرف وكأنه الضحية. أمر يبعث فعلاً على الغيظ.
نظر إليه رويري بعينين حادتين.
رغم أنه يراه لأول مرة،
إلا أن مشاعر العداء كانت واضحة في عينيه.
وفي اللحظة التي كانت ديانا تشعر فيها بالغرابة من نظرته،
اقترب كاليبسو منها حتى أصبح أمام وجهها مباشرة.
“عزيزتي، من يكون هذا الرجل؟”
سأل وهو يقطب حاجبيه قليلاً.
كانت عيناه لا تزالان تحدقان في يدي ديانا ورويري المتشابكتين.
عندها فقط أدركت ديانا أنها لم تفلت يد رويري.
أطلقت يدها منه على عجل،
ثم توجهت إلى كاليبسو وقالت بنبرة هادئة:
“هذا، أستاذي في السحر.”
“سحر؟”
ظهر على وجهه تعبير يشير إلى أنه لا يفهم لماذا تتعلم السحر.
كان كاليبسو يعلم أن ديانا تعلمت قليلاً من السحر في الماضي، لكنه لم يكن يعرف أن مستواها بلغ درجة تؤهلها لدخول برج السحر.
لذلك، لم يكن من المتوقع أن يعجبه أن ديانا تتعلم السحر مجدداً،
خاصة أنها الآن تحلم بمستقبل مختلف بعيداً عنه.
من المؤكد أنه لا يرغب في أن تصبح ديانا،
المدعومة من منزل الماركيز، أقوى مما هي عليه.
“نعم. كما تعلم، فقدت بصري ولم أعد أستطيع قراءة الكتب، فقررت تعلم السحر.”
“……هممم.”
نظر كاليبسو ببطء إلى رويري من أعلى إلى أسفل.
كان رويري واقفاً بذراعيه متشابكتين دون أن يبدي أي احترام له.
“رويري، هذا… زوجي.”
لم تكن ترغب في تقديم كاليبسو كزوجها أمام رويري،
لكن لم يكن أمامها خيار آخر.
قالت ديانا بصوت مضغوط بصعوبة:
“تشرفت.”
رفع رويري راحة يده قليلاً بتحية متعجرفة.
ربما لأنه ساحر من برج السحر، لم يهتم كثيراً بالرتب والمكانات.
وكان واضحاً أيضاً أن رويري لم يكن مرتاحاً لكاليبسو.
كاليبسو كذلك، عبس قليلاً من تصرفات رويري.
“……تشرفت.”
رد بتحية ثقيلة، وعيناه تجولتا عليه من أعلى إلى أسفل.
لكن رويري لم يتراجع.
كأن شرارة حادة اشتعلت بين نظرات الاثنين.
نظرت ديانا إلى كاليبسو بدهشة.
كل هذا لأنه أمسك يدها؟ بدا موقفه الحذر من رويري سخيفاً فعلاً.
ألم يكن هو من خانها مع صديقتها المقربة وأنجب منها طفلاً؟
هل يملك حتى الحق في الغيرة؟ هذا القمامة؟
حدقت ديانا فيه طويلاً من خلف عصابة العين.
كانت العصابة أكثر فائدة مما توقعت،
إذ مكنتها من إخفاء مشاعرها.
“أمي، أبي؟”
وفي خضم هذا التوتر،
اقتربت كاثرين من الحديقة حيث كانت تتمشى.
كانت قد أرهقت صوتها هذا الصباح من كثرة القراءة.
كان صوت كاثرين الجميل مصدر فخر لديانا ولابنتها أيضاً.
لكن الآن، بسبب قراءتها المتكررة يومياً بطلب من ديانا، بدأ صوتها يتلف.
وكانت ديانا تنوي أن تدمر صوتها تماماً.
هذا المخطط سيؤدي لاحقاً إلى تدمير مستقبلها.
“آه، كاثرين.”
مدت ديانا ذراعيها نحو كاثرين.
وكاثرين، التي كانت تسعى لكسب رضاها،
قفزت إلى حضنها بسرعة.
“أمي!”
وفي تلك اللحظة،
خطر لديانا فكرة مذهلة لإحباط هذه الطفلة المتصنعة.
“جيد أنك أتيت.”
“المعذره؟”
“قدمي التحية. هذا أستاذي في السحر.”
نظرت كاثرين إلى رويري بحذر.
رويري كان يحدق بها بعينيه الزرقاوين الباردتين.
ثم ابتسم بخفة، بطريقة مختلفة تماماً عن طبيعته المرحة المعتادة.
“الأميرة الصغيرة، أليس كذلك؟”
كان صوته يحمل نبرة سخرية خفيفة.
كأنه يسألها، هل أنت فعلاً الأميرة؟
“نـ.. نعم؟”
“لا تشبهين أمك أبداً. أيتها الآنسة الظريفة.”
سؤاله بدا كأنه يعلم شيئاً ما. رغم أن هذا مستحيل.
هزت ديانا رأسها لتطرد هذه الفكرة الغريبة من عقلها.
فزع كاليبسو فجأة واتسعت عيناه:
“يا لك من وقح…!”
“هاه؟ قلت فقط ما رأيته. ما الوقاحة في ذلك؟”
“حتى لو كنت ساحراً من البرج…”
“آه، إلى هنا فقط. المكانة والآداب هذه من اختراعكم أنتم النبلاء. ليس لها علاقة ببرج السحر، أليس كذلك؟”
كان محقاً. وحدهم الموهوبون يمكنهم أن يصبحوا سحرة.
بالنسبة لسحرة البرج، المكانة والهوية لا تعني شيئاً.
وكان الناس العاديون يخشونهم أحياناً.
فهم يمتلكون قوة تفوق البشر. هؤلاء هم السحرة.
صرّ كاليبسو على أسنانه لكنه لم يستطع الرد.
أخفى غضبه، ثم استدار ودخل القصر بعنف.
من غير المتوقع أن يكون رويري قد أشعل ناراً في قلب كاليبسو.
لقد كان حليفاً مثالياً لها. أستاذها في السحر، ولا يهتم بالمكانة.
بل حتى عداؤه لكاليبسو أعجبها.
ارتسمت ابتسامة رضا على وجه ديانا.
بينما كانت كاثرين تنظر إلى الدوق المتجه إلى الداخل،
بدأت تتساءل إن كان بإمكانها المغادرة.
لكن حين همّت بالرحيل، أوقفتها ديانا.
“كاثرين.”
“نعم؟”
“لا تذهبي، انتظري قليلاً.”
ثم نظرت إلى رويري.
“هل يمكنك أن تعليم هذه الطفلة السحر أيضاً؟”
“هاه؟”
أمال رويري رأسه قليلاً، ثم ابتسم ابتسامة عريضة.
“بالطبع.”
“السحر؟”
قالت كاثرين بتلعثم ودهشة.
“نعم. فالسحر عادة ما يُورث.”
ابتسمت ديانا بخفة.
موهبة السحر يمكن أن تظهر بشكل عشوائي،
حتى في أبناء العبيد أو الفقراء.
لكن المؤكد هو أن وجود أحد الأبوين بسلالة سحرية يعني وراثة هذه الموهبة، حتى وإن كانت ضعيفة.
وهذا يعني أن على كاثرين، التي تتظاهر بأنها ابنة ديانا، أن تكون لديها موهبة في السحر.
“لكن… أنا لا أملك أي اهتمام بالسحر.”
قالت كاثرين وهي تمسح عرقها وتلوّح بيديها.
قبل العودة بالزمن، كانت ديانا قد تخلّت هي الأخرى عن السحر، لذا لم تفكر بتاتاً في تعليم كاثرين السحر.
لكن بعد أن علمت أن كاثرين ليست ابنتها الحقيقية،
قررت استغلالها.
“لكن تعلم السحر يجعل حياتك أسهل. لا تحتاجين حتى أن تصبحي ساحرة في البرج أو القصر. سيفيدك دائماً.”
“لكن…”
“أنت الابنة الوحيدة لدوق إرينست، كاثرين.”
ارتجفت عينا كاثرين بكلمات ديانا.
“حين ترثين مكان والدك كدوقة، ألن يكون السحر مفيداً جداً لك؟”
تحوّلت عيناها البنفسجيتان إلى لون باهت كأزهار الليلك الذابلة.
بدأت تهتز تحت تأثير الطمع.
كم هي ساذجة.
بدأت تصدق فعلاً أنها الأميرة الحقيقية.
“إذا وعدتني بأن تتعلمي السحر معي،
سأفكر في أمر السيد سوير مجدداً.”
“حقاً؟”
“نعم. أنا فقط أريد مساعدتك، كاثرين.
وأقضي وقتاً معك، يا ابنتي الحبيبة.”
أضاءت عينا كاثرين.
ربما، إن كانت تتعلم السحر، قد تكتشف أن لديها موهبة بالفعل.
“حسناً، إذاً.”
وأخيراً وافقت كاثرين على عرض ديانا.
كانت لا تزال صغيرة، ولا تعرف كم كانت أفكارها ساذجة.
“إذاً، لنبدأ؟”
سأل رويري ديانا بلطف.
نظرت إلى كاثرين التي لا تزال مترددة، ثم هزت رأسها.
“أظن أنني أبقيتك طويلاً اليوم، رويري.”
لولا كاليبسو وكاثرين، لكان من الممكن إحراز تقدم أكبر.
لكن الوقت تجاوز الظهيرة.
“آه؟”
“لنؤجلها للأسبوع القادم. وكاثرين ستكون معنا.”
نظرت ديانا إلى وجه كاثرين من خلف عصابة عينها.
كانت ملامحها قد بدأت تشرق.
بدت وكأنها تعتقد أنها ربحت بعض الوقت.
من المؤكد أنها ستذهب مسرعة إلى أليشيا،
تبحث معها عن طريقة للهروب من الموقف.
لكن مهما كانت الخطة، لن تفوتها على رويري.
كم سيكون ذلك مخزياً لكِ… ولكِ أنتِ وأمكِ.
“حسناً، إذن.”
أجاب رويري بسرور.
وحين همّ بالمغادرة، توقف فجأة، وهمس في أذن ديانا:
“كنت أريد درساً خاصاً بيني وبينك فقط.”
“…ماذا؟”
“لكن لا بأس. في المرة القادمة!”
احمر وجه ديانا بشدة.
رويري ابتسم بخفة ثم اختفى.
رجل يصعب تمييز صدقه من مزاحه.
يالها من مزحة.
رفعت ديانا يدها تهوّي بها وجهها المحترق خجلاً،
ثم عادت إلى القصر برفقة كاثرين.
بينما كانت تصعد الدرج مع بليندا وشين إلى غرفتها،
ظهرت أليشيا من أعلى الدرج.
تغيرت ملامح أليشيا بسرعة.
كانت تريد تجاهلها،
لكن وجود الخادمات إلى جانب ديانا منعها من ذلك.
ارتسمت على وجهها ابتسامة مصطنعة، وقالت:
“سموكِ، من أين تعودين؟”
وفي تلك اللحظة، خطر في بال ديانا قصة مسلية جداً لترويها لها، قصة طازجة قد حدثت للتو.
“آه، كنت في الحديقة. بالمناسبة، ألي، حدث أمر طريف جداً.”
“ماذا؟”
“لم أكن أعلم أن كاليبسو يمكن أن يشعر بالغيرة من رجل.”
ضحكت ديانا وكأنها تستمتع،
وارتفعت حواجب أليشيا قليلاً عند سماع اسم كاليبسو.
غيرة؟ هذا غير منطقي.
كان يحبها هي، لا ديانا.
لكن رغم صدمتها، حاولت إخفاء مشاعرها وسألت:
“غيرة، تقولين؟”
“نعم. أحضرت أستاذاً لتعليم السحر. وكان أصغر مما توقعت.”
كان من الممتع مراقبة وجه أليشيا وهي تنقبض.
“كنت سعيدة لأنني نجحت بعد عدة محاولات،
لكن كاليبسو ظهر فجأة.”
“…ثم ماذا؟”
“صوته بدا غاضباً.”
“غاضب؟”
فتحت أليشيا فمها غير مصدقة.
تلك الحمقاء، ماذا تقول؟ كاليبسو يخصني!
امتلأت عيناها الحمراوان بالغيرة.
“لكن الدوق لا يغضب بسهولة. لا بد أنكِ أخطأتِ الفهم، سموكِ.”
قالت أليشيا، وهي تحاول السيطرة على شفتيها المرتجفتين.
“لا. حتى أنه دخل في جدال مع الأستاذ.”
“جدال؟”
“كنت أظن أن حبنا كان هادئاً،
لكن يبدو أنه أكثر شغفاً مما ظننت.”
صعدت ديانا الدرج ببطء، تاركة أليشيا ترتجف خلفها.
“على كل حال، أعدت التفكير فيه. إذاً، سأصعد الآن.”
ضغطت أليشيا على شفتيها بشدة. شعرت بالغيظ.
لكن ما بوسعها سوى التحديق في ظهر ديانا الكفيفة.
“سنرى يا ديانا…”
همست لنفسها، وارتسمت على شفتيها ابتسامة خبيثة.
“سأسلبكِ كل شيء.”
مهما حاولت أن تملأ هذا الفراغ، لن تشبع. لن يكتمل إلا بقتلك.
ومع كل خطوة خطتها ديانا نحو غرفتها،
كانت كراهية أليشيا تنمو كأشواك حادة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 10"