الفصل 185 : فصل إضافي ⁵
“أخ؟ لماذا فجأة؟”
“جلالتكِ.”
إيلونا، التي كانت تسير خلف أغنيس، توقفت فجأةً عن المشي.
“لقد تذكرتُ أمرًا عاجلًا، أعذرويني قليلًا، أرجو المعذرة حقًا.”
“إيلونا؟”
على غير عادتها، بدت في غاية الاستعجال. دون أن تودّع أغنيس كما ينبغي، أسرعت بخطواتٍ سريعة إلى مكانٍ ما.
نظر يوجين إلى ظهر إيلونا المبتعدة وهمس:
“أظنها ذاهبةً إلى رولاند.”
“ماذا؟ وكيف عرفتِ ذلك؟”
“فقط أعلم.”
أصرّ يوجين على أن كلامه صحيح دون أن يشرح. أغمضت أغنيس عينيها قليلًا، تنظر تارةً إلى يوجين، وتارةً إلى إيلونا التي اختفت دون أثر.
بدلًا من أن تتابع في الاستجواب، غيّرت الموضوع.
“ولماذا تريدين أخًا أو أختًا؟”
“أممم، ريكا قالت، لو كان عندي أخٌ أو أخت، فما كان… ما كان يسمّى؟”
ظلّ يوجين يتمتم طويلًا، يحاول أن يتذكر الكلمة التي ظل يرددها طوال اليوم.
“دروس العرش!”
“دروس العرش؟”
فهمت أغنيس على الفور ما قصده الطفل.
“نعم! قالت لا حاجة لها!”
“هذا كلامٌ خاطئ. ما دمتِ من العائلة الملكية في نيرسنغ، فيجب أن تدرسِ سواء كان لكِ إخوةٌ أم لم يكن.”
صحّحت أغنيس كلام ابنتها ببرودٍ بعض الشيء. فجأةً تشوّه وجه يوجين، وبدأت دموعها تترقرق من جديد.
“إييينغ، لا أريد! لا أريد أن أفعل! لا أريد!”
بينما كانت تسير بخطواتٍ عادية قبل قليل، بدأت فجأةً تلوي جسدها بعناد. ولسانها أيضًا انعقد، فخرج كلامها ممزوجًا وغير واضح.
أمسكت أغنيس يد ابنتها بقوة وقالت:
“أتظنين أنّ الإنسان يستطيع أن يعيش وهو يفعل فقط ما يحب؟”
“هييييه، لا، لا أريد، ماما، أووف، أكرهكِ، لا أتعلمين، أريد … بابا….”
“لن يفيدكِ أن تطلبي من أبيكِ أن يعطيكِ أخًا. وحدها الأم هي من تستطيع أن تنجب.”
“لاااا!”
جلست يوجين على الأرض فجأةً وبدأت بالبكاء الشديد. صوتها كان مرتفعًا إلى درجة أن الخدم القريبين هرعوا إلى المكان.
“انهضي يا يوجين. لا تجلسي على التراب بلا اتّزان.”
“لا! أكرهكِ يا أمي! أكرهكِ!”
“حسنًا، اكرهيني كما تشائين.”
تخلّت أغنيس عن محاولة إقناعها. وبدلًا من ذلك، رفعت ابنتها التي كانت تتدحرج على العشب مثل جرو صغير.
“أوووه، لا أريد… حقًا لا أريد…”
في البداية، حاولت يوجين التملص وتلوّت بجسدها، لكنها سرعان ما ألقت ذراعيها حول عنق أمها وانفجرت في بكاءٍ شديد.
جلست أغنيس على الكرسي وأخذت تربّت على ظهرها برفق.
“سامحيني يا ابنتي لأني لم أستطع أن أنجب لكِ أخًا أو أختًا.”
“هييك، همممم.”
“وأيضًا، سامحيني لأنني أجبركِ على دروسٍ صعبة بينما ما زلتِ في عمرٍ يفترض أن تلعبين فيه.”
كانت أغنيس دائمًا تشعر بالذنب تجاه ابنتها.
لو أنها وُلدت ابنةً لعائلةٍ نبيلةٍ عادية، لما فُرض عليها هذا الضغط وهي طفلة.
ولو أنها لم تولد الابنة الوحيدة للملك، لكان بإمكانها أن تحيا طفولةً أكثر مرحًا وسعادة.
هي ما زالت صغيرةً الآن، لكن كلما مرّ الوقت، سيثقل على يوجين العبء أكثر فأكثر.
لم تندم أغنيس يومًا على قتل سيبستيان والوصول إلى العرش، لكن بعد إنجاب ابنتها، بدأت تشك في جميع قراراتها السابقة.
كل لحظةٍ أصبحت تسأل نفسها: ما الأفضل حقًا لابنتي؟
“ابنتي، أنا حقًا آسفة.”
“هيييي.”
مسحت يوجين عينيها الحمراوين. فأزالت أغنيس دموعها بكمّ ثوبها.
شعرت أنّها ترى وجه ابنتها الباكي أكثر بكثير من وجهها المبتسم. وكلما رأت دموعها، كانت روحها تهتز ألمًا.
“سيكون الأمر أصعب فيما بعد يا يوجين. فالناس لن يروا فيكِ يوجين إردويشي، بل سيرون فيكِ الوريثة التالية للعرش.”
“هاه؟”
“حينها، حتى لو كرهتِني، فلا بأس. حتى لو أبغضتِني، لن أستطيع أن أقول شيئًا.”
كانت تلك كلماتٍ صادقة.
بدأت تخشى منذ الآن اليوم الذي ستكبر فيه ابنتها وتفهم الوضع.
لو لم تكن ملكة، بل فقط زوجة دوق، لكان بإمكانها أن تنجب مزيدًا من الأطفال وتخفف العبء عن يوجين.
كلما خطرت هذه “لو” على بالها، ازدادت مشاعر الذنب والمرارة.
ضمّت ابنتها بقوة.
“لكن شيئًا واحدًا أعدكِ به. سأظل أحبكِ وأثق بكِ مهما حصل.”
لم يكن لديها ما تقوله سوى هذا.
“يبدو أن قدري أن يكون لي طفلٌ واحدٌ فقط، وأنتِ ذلك الطفل.”
“أنا أيضًا.”
“همم؟”
“أنا أيضًا ليس لي أمٌ غيركِ يا ماما.”
مدّت يوجين يديها الصغيرتين لتلعب بوجه أغنيس. وكأن تلك الطفلة التي كانت قبل قليل تصرخ وتقول “أكرهكِ” قد اختفت تمامًا.
ابتسمت أغنيس وقبّلت خد ابنتها.
“هل الدراسة متعبةٌ جدًّا عليكِ؟”
“أممم. السيدة رادل مملة. دروسها مملة.”
“إذن، هل تودين أن نجرب أنا وأنتِ معًا؟”
“معكِ يا ماما؟”
“نعم. لستُ واثقةً أنني سأكون بمهارة السيدة رادل في التعليم، لكن….”
“هيهي، أحب ذلك! أريد أن أتعلم مع ماما!”
ولحسن الحظ، أضاء وجه الطفلة بسرعةٍ عند سماع ذلك.
بعد أن بكت وتمرّغت على الأرض، بدت مرهقةً وبدأت تغفو.
أزالت أغنيس ورقةً جافة علقت بشعر ابنتها وأشارت للخادم الواقف بعيدًا.
“اذهب وأحضر المربية.”
“سأتولى حملها.”
جاء صوتٌ مألوف من خلفها. لم تحتج أن تلتفت لتعرف من هو.
“قلت إنكَ ستتأخر.”
“انتهيتُ أبكر مِما توقعت.”
حمل لازلو يوجين بين ذراعيه بثبات.
“… بابا؟”
“نعم، صغيرتي. هل استمتعتِ اليوم؟”
“أممم، نعسانة.”
رغم أنّها كانت تنتظر والدها بفارغ الصبر، فإن النعاس غلبها فلم تُبدِ حماسًا. عبست ودفنت وجهها في صدره فقط.
تأملت أغنيس ابنتها طويلًا ثم قالت بصوتٍ متردد:
“يوجين كانت تقول إنها تريد أخًا أو أختًا.”
“إخوة؟ فجأة؟”
“نعم. يبدو أنها سمعت أنّ وجود أخٍ أو أخت سيعفيها من الدراسة.”
“يا للعجب. يا لها من حيلة. لا أدري على من أخذتها.”
ضحك لازلو بصوتٍ عالٍ وهو يربت على خد ابنته النائمة. لكنه فجأةً لاحظ أن ملامح زوجته جادّةٌ أكثر من اللازم.
“لماذا هذا الوجه القَلِق؟”
“… لا أعلم كيف أربي ابنتنا.”
كل صباح حين تستيقظ، وكلما نظرت إلى ابنتها، وكل ليلة حين تودّعها بقبلة على جبينها، تتساءل إن كان ما تفعله صحيحًا.
“افعلي كما تفعلين الآن.”
“وماذا لو كرهتني يوجين؟ وقالت لماذا ليس لديّ إخوة؟ ولماذا أُحمل وحدي هذا العبء؟”
“بل ربما ستسعد أكثر حين ترث العرش. فلن تضطر إلى منافسة إخوةٍ آخرين. تذكري سيبستيان والأميرة فيفيان.”
فقد حاول سيبستيان قتل أخته فيفيان مرارًا بإطعامها السم.
في العائلة الملكية، حتى لو لم يكن من الجيل المباشر، كانت الصراعات الدموية على العرش أمرًا متكرّرًا.
“هذا صحيح، لكن…”
كلام زوجها لم يكن خاطئًا. ومع ذلك، ظلّ قلبها يدور حول ما لم تستطع أن تعطيه لابنتها.
“أشعر أنني دائمًا مقصّرةٌ في حق يوجين.”
“هكذا هو حال كل والد. حتى أبي كان يشعر بالذنب لأنه أورثني القلعة.”
“آه…”
“لكنني لم أكرهه ولم ألومه أبدًا. نعم، كانت هناك أوقاتٌ صعبة، لكنني التقيت بكِ في النهاية، ورُزقتُ بهذه الطفلة الجميلة.”
“..…”
“لذلك، حين تكبر يوجين، ستفهم بلا شك.”
ربّت لازلو برفق على خد زوجته بشكلٍ حنون. فأمسكت أغنيس بيده بقوةٍ لتسكّن قلقها.
شعرت فجأةً بالسعادة لأنها أنجبت هذه الطفلة معه.
“شكرًا لك يا لازلو.”
“همم؟”
“أنا سعيدةٌ لأنكَ والد ابنتي.”
“هاهاها، هذا أعظم مديحٍ يمكن أن أناله.”
في هذه الأثناء، كان البستان قد غمره ضوء المغيب الأحمر. وقف لازلو أولًا.
“لنعد؟”
“نعم.”
أمسك بيد زوجته بيد، بينما الأخرى تحمل الطفلة.
“أنتِ تؤدين دوركِ كأم بشكلٍّ رائع.”
“حقًا؟”
“بالطبع.”
كلمةٌ بسيطة، لكنها فجرت دموعها. توقفت أغنيس فجأة، وانهمرت دموعها كالشلال.
“آه… ما الذي يحدث لي.”
أحست بالإحراج فمسحت دموعها بسرعة. لكن لازلو نادى الخدم وأعطاهم الطفلة النائمة.
“أغنيس.”
“لا شيء، فقط… ربما دخل شيءٌ إلى عيني.”
“تعالي هنا.”
ضمّها لازلو بذراعيهِ بقوة. عادةً كانت ستدفعه بعيدًا في مكانٍ عام مثل الحديقة، لكنها هذه المرة فقط وضعت ذراعيها حول خصره.
“ما أكثر ما يقلقكِ؟”
“كل شيء… ماذا لو كرهتني يوجين؟ ماذا لو لم ترد أن تصبح ملكة؟ ماذا لو سحقها هذا العبء؟”
رغم أنها لم تبكِ بصوتٍ عالي، كانت دموعها تسيل بغزارة. راح لازلو يمسح على ظهرها برفق.
“لا تقلقي، كل شيء سيكون بخير.”
“لازلو…”
“قد لا تفهم الآن أنكِ تكونين أكثر صرامةً متعمدة وأنا أكثر لينًا معها، لكن مع الوقت ستدرك ذلك.”
“أترى ذلك ممكنًا؟”
“بالطبع. فهي ابنتنا.”
تنفست أغنيس بعمق ومسحت دموعها. بعد أن أفرغت قلبها بالبكاء، شعرت ببعض الراحة.
“وأؤكد لكِ، لن تقول يوجين أبدًا إنها لا تريد أن تصبح ملكة.”
“وكيف عرفت؟”
“لأنها ابنتي وابنتكِتنا. قد تتذمّر من ثقل المسؤولية، لكنها أبدًا لن تتخلى عنها.”
بدلًا من أن تسأله كيف يمكن أن يجزم بهذا وهي ما تزال في الرابعة من عمرها، ابتسمت أغنيس وأمسكت بيده بقوة.
“ليس أمامنا إلا أن نثق بابنتنا، ونصلي ونحن نرى ظهرها.”
“ماذا؟”
“كان أبي يقول: على ظهر من نحب يسكن الحاكم، لذا حين ننظر إليه، نصلي من أجله.”
“كلامٌ صائب.”
“مامااا!”
فجأة ركضت يوجين التي استيقظت من نومها بين يدي الخدم، واحتضنت ساقي أمها.
“استيقظتِ؟”
“أين ذهبتِ؟ بحثتُ عنكِ!”
وبّختهم وكأنهما تَرَكاها ولعبا وحدهما.
ابتسمت أغنيس ومدّت يدها.
“هيا بنا يا يوجين.”
“بابا أيضًا! بابا أيضًا!”
مدّت يوجين يدها الأخرى إلى والدها. فأمسك لازلو بتلك اليد الصغيرة.
قد يكون المستقبل صعبًا على الطفلة، وقد يكون عبئًا عليها.
لكن ما داموا معًا، فسيستطيعون تجاوز كل شيء بحكمة.
<لقد أرسلها الحاكم> – الفصول الإضافية ، النهاية –
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿ 《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات