الفصل 183 : فصل إضافي ³
أخرجت أدريان منديلًا من صدرها وهي مرتبكة.
“أوه، أميرة. لا تبكي.”
“لماذا بابا ليس هنا؟ بابا، هيك، يجب أن أرى بابا بسرعة… هيييينغ.”
مجرد التفكير في أنها لا تستطيع رؤية أبيها جعل يوجين تذرف الدموع. مسحت أدريان دموع الطفلة التي انحدرت على وجنتيها.
بينما كانت يوجين تضرب بقدميها على الأرض وتبكي قائلة: “بابا، بابا”، ظهر شخصٌ جديد.
“أميرتنا الصغيرة.”
كان صوته رقيقًا وودودًا كنسيم الربيع. مسحت يوجين أنفها وهي تلتفت خلفها.
“رو، رولاند.”
“لماذا تبكين؟ هل حدث شيءٌ ما؟”
جثا الرجل ذو الشعر الفضي على ركبتيه بطيب خاطر ليلتقي بعينيها. عضت يوجين شفتيها قليلًا ثم اندفعت لتعانق عنقه بكل قوتها.
“هوااااانغ. رولاند.”
“ماركيز شاندر.”
“مضى وقت طويل، نايل.”
نهض رولاند من مكانه وهو لا يزال يحمل الطفلة بين ذراعيه.
“وبارونة ألتراش.”
“هل أنت بخير يا ماركيز؟”
“أنا كما أنا دائمًا. ولكن لماذا تبكي الأميرة…؟”
“في الحقيقة…”
أخبرته أدريان، وهي تمسح وجنتيها المبللتين بالمنديل، أن الأميرة انفجرت بالبكاء لأنها لا تستطيع رؤية لازلو.
ابتسم رولاند بهدوء بعد أن أنهى حديثه وربت على ظهر الطفلة.
“هل ننتظر معًا حتى يعود الدوق؟”
“مع رولاند؟”
“نعم. ننتظر في الحديقة ونشاهد الحشرات الخضراء، والزهور الحمراء، والنحل الأصفر.”
“هيهي، حسنًا!”
استعادت الطفلة مزاجها المشرق وابتسم وجهها الصغير ببهجة. حتى ملامح أدريان الغليظة ارتخت قليلًا.
“لكن لماذا تبحثين عن الدوق؟”
“أريد أخباره بأن يحضر لي أخًا صغيرًا!”
توقف نايل وأدريان وحتى رولاند للحظة. تبادل الثلاثة نظراتٍ محرجة دون أن يجرؤ أحدهم على الكلام أولًا.
أما يوجين، التي لم تفهم حيرة الكبار، فأخذت تهتز بفرح وهي تكمل:
“أخبروني أنه إذا كان لدي أخ، لن أحتاج جيواوانغ!”
“جيواوانغ؟”
“جيواوا! جيواوانغ!”
مع الأسف، بدا كلام الأميرة الصغيرة مثل نباح كلب بالنسبة لهم. لم يفهموا سوى كلمة “أخ”.
“إذن، تريدين أخًا صغيرًا، صحيح؟”
“نعم! سوف أطلب من بابا أن يكضر واحدًا لي!”
“فهمت.”
اكتفى رولاند بالتربيت على ظهرها بلطف.
انحنى نايل قليلًا وقال:
“نحن سنغادر الآن، ماركيز.”
“أراكِ لاحقًا، أميرتي.”
“باي باي!”
لوّحت يوجين بيدها بكل حماس. مدّت أدريان يدها لتمسح خدّيها الممتلئين ثم ابتعدت مع زوجها شيئًا فَشيئًا.
“أنذهب نحن أيضًا؟”
“نعم!”
أمسك رولاند يدها الصغيرة الناعمة وانتقل بها إلى الحديقة.
مع كل نسمةٍ باردة، كان شعره الفضي الطويل يتماوج برفق ويلتمع بألوان مختلفة تحت الضوء. فتحت يوجين فمها بدهشة وأمسكته بيدها.
“رولاند يلمع.”
“هوهو. شكرًا. وشعر الأميرة أيضًا جميلٌ جدًا، كأنه أشعة الشمس.”
“ما هي الشمس؟”
“اممم. هي الشمس التي في السماء. لا تنظري إليها! ستؤذي عينيكِ.”
حاولت الطفلة التحديق في الشمس، لكن رولاند أسرع ليغطي عينيها بيده.
رأى مكانًا مناسبًا للجلوس فأراد أن يُجلس الأميرة أولًا، لكنها هزت رأسها بعناد.
“لاا!”
ثم نكزت ركبتها بيدها. عرف رولاند تمامًا ما قصدت به، فابتسم وأجلسها على فخذه.
“مَن أجمل أميرةٍ في العالم؟”
“أنا، أنا! يوجين!”
“صحيح. أميرتي، أجمل وألطف أميرةٍ في العالم.”
عانقها رولاند بقوة وهمس في أذنها.
“لو كان بإمكاني أن أنجب طفلةً مثلك، لتزوجتُ عشر مرات.”
“ماذا يعني الزواج؟ أنا أيضًا أريد أن أتزوج عشر مرات!”
“مستحيل. لا.”
“لِمَ؟”
رفعت يوجين رأسها لتنظر إلى ذقنه. كانت ملامحه جادةً جدًا.
“سأجد الرجل الأكثر كمالًا وأهديه لكِ. لذا يكفي مرةً واحدة.”
“امم.”
“فقط مثل هذا الرجل يستحق الوقوف بجانبك.”
“حسنًا!”
لم تفهم الصغيرة معظم كلامه، لكنها أحست بالحب في يده التي تمسح شعرها. لذلك اكتفت بهز رأسها بحماس.
“لا تقلقي. بصفتي قائد ألكساندرا، سأزيل أيِّ شخصٍ تافه من طريقك.”
“أنا أيضًا اريد ان أزيل!”
قهقهت يوجين وهي تقلد كلامه. ضحك رولاند معها من غير قصد، ثم فجأةً لمح شعرًا بنيًا مألوفًا.
“من… آه!”
وبعد ثوانٍ، أدرك هوية تلك المرأة.
“همم؟”
“أميرة، لحظة… لا، تعالي معي بسرعة.”
وقف رولاند فجأةً وهو يحمل الطفلة بين ذراعيه، مرتبكًا على غير عادته. راح يضرب الأرض بقدميه بقلق بينما ابتعدت المرأة ذات الشعر البني أكثر فأكثر.
من دون أن يفكر، ضم يوجين إلى صدره وركض باتجاهها.
“واااه!”
فجأة بدأ رولاند بالجري، أما يوجين فلم تفهم السبب واكتفت بالضحك بسعادة.
تمكن من اللحاق بتلك الظلال البعيدة مثل السراب. ومع أنها شعرت به، إلا أن المرأة لم تلتفت وراءها.
“هاهاه… لحظة، أليس كذلك؟”
“…….”
“إيلونا.”
ما إن نطق اسمها حتى استدارت.
تأملت المرأة ذات الشعر البني من يلاحقها. حين رأت أنه رولاند، بدا الارتباك على وجهها. أما في عينيه، فلم يكن سوى فرح غريب.
“ما الذي جاء بكِ إلى القصر؟ لا، هل كنتِ بخيرٍ طوال هذه الفترة؟”
“نعم.”
كان جوابها قصيرًا وباردًا. لم تُبدِ رغبةً في الاستمرار.
لكن رولاند ابتسم بحنان وأكمل:
“مرّ ثلاث سنوات… لا، سنتان. آخر مرةٍ رأيتكِ كانت في سانتروس.”
“مر الوقت إذًا. شكرًا وقتها يا ماركيز شاندر. بفضلكَ استطعتُ الانتقال بسهولة.”
“لا داعي للشكر. كنتُ سعيدًا أنني استطعتُ مساعدتكِ. حقًا.”
ارتجف صوته قليلًا. التفتت يوجين إليه ورأت أن عنقه احمرّ فمالت برأسها باستغراب.
“رولاند. رقبتكَ حمرا. الحشرة عضّتك؟”
“أحم. لا، لا. هذا بسبب الشمس فقط.”
سعل قليلًا وحوّل نظره بعيدًا.
“هل هذه ابنتكَ؟”
“لا! هذه الأميرة. الأميرة يوجين. … أنا لم أتزوج بعد.”
لكن جملته الأخيرة الخجولة لم تصل إلى مسامع إيلونا. كانت عيناها معلقتين على يوجين.
“سمعتُ أن الراية الزرقاء ارتفعت. لم أظن أن أميرةً جميلة كهذه وُلدت.”
“أنا يوجين! عمري أربع سنوات!”
فتحت يوجين أصابعها الخمس، فضحك رولاند وطوى إصبعًا منها.
“هكذا أربعة.”
ارتسمت ابتسامةٌ دافئة على وجه إيلونا. لأول مرةٍ ارتفعت زوايا شفتيها. نظرت إلى يوجين بعينين مليئتين بالحنان ثم انحنت أمامها.
“تشرفت بلقائكِ يا أميرة. أنا إيلونا إيرديشي.”
“إيلونا؟ إيلونا!”
أخذت يوجين تردد اسمها وهي تضحك، ثم مدت يديها فجأة نحوها.
“احمليني!”
“أوه، أميرة. سأحملكِ أنا.”
“لا! إيلونا! احمليني!”
كان رولاند في حرجٍ وهو يحاول إقناعها، لكن قلةٌ قليلة فقط في القصر يمكنهم كسر عناد يوجين.
ابتسمت إيلونا وقبلت رغبتها.
“لا بأس يا ماركيز.”
“لكنها ثقيلة.”
رغم قلقه، رفعتها بسهولة وبدت غير مثقلةٍ بها.
دفنت يوجين وجهها في كتفها، واستنشقت رائحة الزهور التي تفوح من عنقها.
“ممم، ريحتُكِ حلوة…”
يدها التي تربت على ظهرها كانت حنونةً ودافئة لدرجة أن الطفلة غفت بسرعة. أصبح تنفسها منتظمًا.
“تشبه جلالتها كثيرًا.”
“بل أرى أنها أشبه باادوق. شعرها، عينيها… والأهم عنادها.”
“اه.”
لم تفارق الابتسامة شفتي إيلونا. أما رولاند فكان يختلس النظر إلى ابتسامتها وهو يمشي بجانبها.
“الأميرة لا تخجل من الغرباء وتُحب اللعب، لذا كل من في القصر يحبها.”
“إنها نعمة.”
أغمضت إيلونا عينيها للحظة أمام أشعة الشمس الساطعة، ثم فتحتهما ببطء.
لا يزال كل شيءٍ حيًا في ذاكرتها.
ضحكته، صوته، وحتى أول مرة ناداها فيها بـ “ماما”.
“ديتريش أيضًا… كان يُحب الناس كثيرًا.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿ 《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 183"