الفصل 182 : فصل إضافي ²

 

 

ريكا لم تُجب على السؤال وعدَّته كلامًا غير منطقي، بل انحنت لتلاقي عيني يوجين.

 

“لِمَ لا تُريدين أن تُصبحي ملكة؟”

 

“فقط، لا اريد. لا أحب الدروس، هي ليست ممتعة. ماما، ماما هي…….”

 

يوجين أطرقت رأسها مترددةً وتجنّبت نظرات ريكا. فمدّت الأخرى يدها وربّتت على شعر الطفلة الرقيق والناعم.

 

“وماذا قالت لكِ جلالتُها؟”

 

“…….”

 

الطفلة بقيت صامتة، لكن جميع من في القصر كانوا يعرفون أنّها، رغم صغر سنّها، ورثت عن الدوق لازلو عناده. لذلك لم تُلحّ ريكا بالسؤال أكثر.

 

بدلاً من ذلك وضعت في يدها حلوى على شكل سكر نبات.

 

“لكي تُصبحي ملكة نيرسنغ، يجب أن تحملي تلك العلامة.”

 

“العلامة؟ آه، هذه؟”

 

رفعت يوجين يدها اليسرى لتُري ظهرها حيث كانت العلامة مرسومة.

 

“نعم. لا يُمكن أن يعتلي العرش إلا من يحملها. والآن في العائلة المالكة، أنتِ وجلالتُها فقط من يملكانها……. ما لم يولد أميرٌ آخر، فلن يتغيّر الأمر.”

 

“أميرٌ آخر؟”

 

“نعم. أعني شقيقًا لكِ.”

 

“أخ…… أخ!”

 

رفعت يوجين رأسها فجأةً بعد أن كانت خافضةً له بحزن، فاشتعلت ملامحها كمن وجد خيط أمل.

 

“كيف يأتي الأخ؟”

 

“ذلك، أممم……. يتوقف الأمر على جلالتُها والدوق.”

 

نادرًا ما عجزت ريكا عن إعطاء إجابةٍ واضحة، فاستمرّت عينا يوجين تلمعان وهي تسأل بإلحاح.

 

“إذا قلت لماما وبابا، هل سيحضرون لي أخ؟”

 

“أممم، ليس كلما أرادا يحدث بسهولة. لكن، نعم، هما الوحيدان القادران على ذلك.”

 

“أنا أريد أن اذهب إلى بابا!”

 

قفزت يوجين من على الكرسي بخفة. وشعرت ريكا فجأةً بالندم على ما قالته.

 

فحتى يوجين نفسها لم تأتِ إلا بعد مرور ستٍ سنوات على زواج الملك والملكة، ومنذ ذلك الحين لم تحمل الملكة أبدًا. وكانت ريكا تعلم كم كان هذا الأمر يشغل بال أغنيس.

 

“يا أميرة. لكن، الأخ أمرٌ يُقدِّره الحاكم، فحتى لو قلتِ للدوق…….”

 

“يا مربية! يا مربية!”

 

لكن يوجين لم تعد تسمع شيئًا. وبصوتها دخلت المربية من الخارج.

 

“أريد بابا! يجب أن أذهب إلى بابا!”

 

“ها؟ الآن؟”

 

“أجل! بسرعة. هيا!”

 

“مهلاً، جلالتُكِ. خذي مزيدًا من الحلوى، أعطيكِ سكر نبات أكثر!”

 

حاولت ريكا أن تمسك طرف فستان الأميرة بخوف، لكن بلا جدوى.

 

ففي لحظة، كانت يوجين قد أمسكت بيد مربيتها وبدأت تهزّ مقبض الباب. وفي طرفة عين اختفى رأسها الصغير الأشقر.

 

“…… وقعتُ في ورطة.”

 

انعقدت شفتا ريكا بقلق.

 

لو عرف الدوق والملكة أنّ الأميرة كانت تلحّ بطلب “أخ”، فلن يمرّ الأمر بسلام.

 

لكن فجأة، أطلت يوجين وجهها الصغير ثانية من فتحة الباب.

 

“ريكا!”

 

“هاه؟ نسيتِ شيئًا؟”

 

“تعالي بسرعة، بسرعة!”

 

كانت تقفز متحمسةً وتشير إليها بعجلة.

 

“لماذا؟”

 

“انحني قليلًا.”

 

أطاعت ريكا الصغيرةَ وانحنت. وحين وصل نفسُها إلى أذنها، شعرت بشيءٍ طري يلامس خدها ويبتعد.

 

“هيهي، شكرًا يا ريكا!”

 

تركت قبلةً على خدها ثم اختفت مجددًا.

 

لمست ريكا خدها حيث طبعت الطفلة شفتَيها، وابتسمت من غير وعي.

 

***

 

“أخ، أخ!”

 

رددت يوجين الكلمة ككتكوتٍ صغير وهي تركض باحثةً عن أبيها.

 

كانت عيناها تلمعان بالحلم: إن حصلت على أخ، فلن تضطر بعد اليوم إلى حضور تلك الدروس المملة.

 

“عفوًا، هل هذه الأميرة؟”

 

ناداها صوتٌ حذر من الخلف.

 

التفتت يوجين، فرأت امرأةً شابة ذات شعرٍ بني تبتسم بخجل.

 

“مرحبًا! نعم! أنا يوجين، آه، من إيرديشي!”

 

“كما توقعت. جلالتُكِ، ألا تذكرينني؟”

 

“…… مًن إنتِ؟”

 

رمشت يوجين محدّقةً فيها، بينما بدا على المرأة شيءٌ من الخيبة، لكنها لم تُظهره.

 

“أنا أدريان، زوجة البارون ألترش. جئتُ للقصر قبل عامين وقدّمت لكِ التحية، لكن وقتها كنتِ صغيرةً جدًا، فمن الطبيعي ألّا تتذكّري.”

 

“ممم.”

 

“يا إلهي، كيف تُشبهين الدوق يومًا بعد يوم. العيون والأنف جميلةٌ جدًا. لو كنا على الأرض لكنتِ بالتأكيد عارضة أطفال…….”

 

كانت أدريان كثيرة الكلام، ويوجين تُحدّق بها بصمت دون أن تجيب.

 

ثم تذكّرت فجأةً شيئًا، فخفضت صوتها متحمّسة.

 

“هيهي. أقول لكِ سرًّا؟ أنا نفسي عرفتُه مؤخرًا.”

 

“سرّ؟ ماهو؟ ماهو؟”

 

كلمة “سرّ” دائمًا ما تُشعل حماس الأطفال. فانحنت أدريان نحو أذنها وهمست:

 

“في الحقيقة، أنا حامل. حتى زوجي لم أقل له بعد. أنتِ أول مَن يعرف.”

 

“حامل ماذا يعني؟”

 

“هذا يعني أن في بطني يوجد طفلٌ صغير.”

 

“طفل؟”

 

“نعم. وحتى الآن لم نعرف إن كان صبيًّا أو فتاة. أتمنى أن تكون فتاةً جميلةً مثلكِ. نايل يتمنى صبيًّا، لكن أنا أحلم بالذهاب مع ابنتي للتنزّه والتسوق.”

 

“واو. هذا يعني أن الطفل هنا بالداخل؟ ماذا سيحدث لو كان لدي أخ؟”

 

“أخ؟ آه، بما أنه أصغر منكِ، نعم يُعتبر أخًا.”

 

رغم أن بطن أدريان كان مسطّحًا، لم تُصدّق يوجين أنّ فيها طفلًا مثلها. وظلّت تحدّق بإعجاب.

 

“أدريان.”

 

ظهر فجأةً رجلٌ ذو شعرٍ أسود خلفها.

 

“بحثتُ عنكِ طويلاً. أين كنتِ؟ لو حدث لكِ شيء…….”

 

“آه، في القصر ماذا سيحدث؟ أنتَ تبالغ في الحماية، مبالغة!”

 

“وهل خطأ أن أحمي زوجتي؟”

 

رغم نبرة صوته الحادّة، كانت يده على كتفها لطيفة.

 

وبينما كان يوليها كل انتباهه، لاحظ وجود يوجين متأخرًا.

 

“وهذه…… لا بد أنّكِ الأميرة.”

 

“أليست جميلة جدًا؟! كأنها دمية!”

 

“صحيح. شعرها صار أطول مِما رأيتُه آخر مرة.”

 

“يا للهول، نايل. هذا ليس إطراءً، صح؟”

 

“إطراء.”

 

“قلها بصدقٍ أكثر! ضع قلبكَ في الكلام!”

 

ارتعشت شفتا نايل بملل، ثم انحنى قليلًا نحو يوجين وقال:

 

“عيناكِ تُشبهان الدوق. أنفكِ وفمكِ أيضًا. والحق يُقال، حاجباكِ جيدان.”

 

كان يُمعن النظر فيها كما لو يفحص خضارًا في السوق.

 

“لا تعليق.”

 

هزّت أدريان رأسها مستسلمة.

 

أما يوجين فلم تفهم إن كان كلامه مديحًا أم لا، فالتفتت مرة أخرى إلى أدريان.

 

“متى سيخرج؟”

 

“ماذا؟”

 

“السر!”

 

“آه، السر. ربما في الربيع القادم سنراه.”

 

ضيّق نايل عينيه وهو ينظر إليهما.

 

“ما الذي سيخرج في الربيع؟”

 

“سرّ. سرٌّ بيننا فقط.”

 

غمزت أدريان بعينها ليوجين.

 

“كيف تُخفين سرًّا مع أميرة التقيتِ بها للتو؟”

 

“لا تستخفّ بعمق صداقتنا لمُجرد أننا تعارفنا الآن.”

 

بدا أنّ لدى نايل كلامًا كثيرًا يودّ قوله، لكنّه كتمه. ولم يفعل سوى تمرير يده بعصبية في شعره، ثم أمسك بخصر زوجته بقوّة.

 

“أخبرتُكِ أنني لن أترككِ وحدكِ.”

 

تأفّفت أدريان من تملّكه ونظرت إليه بعتب، لكنه تجاهلها وقال ليوجين:

 

“لكن ماذا كنتِ تفعلين هنا، يا جلالة الأميرة؟”

 

“أنا؟ أبحث عن بابا. تعرف أين هو؟”

 

“الدوق غير موجودٌ في القصر الآن.”

 

“لِمَ؟”

 

“ذهبنا لرؤيته، لكن قيل لنا إنه خرج لقضاء بعض الأعمال.”

 

“حسنًا، متى سيعود؟ أخبرني أنه سيعود اليوم.”

 

“لا أعلم.”

 

“هيييي…….”

 

امتلأت عينا يوجين سريعًا بالدموع.

 

 

═════• •✠•❀•✠ •═════

الترجمة: فاطمة 

حسابي ✿ 《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》

《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》