الفصل 181 : فصل إضافي ¹
‘يا بُني، خلف ظهرِ مَن تُحبّ يكون الحاكم، لذلك تجد نفسك دائمًا تنظر له وتُصلّي.’
حين سمع لازلو هذا الكلام من والده لأول مرة، لم يفهم ما الذي يعنيه.
لكن بعد أن وقع في حبّ أغنيس، بدأ يُدرك بشكلٍ مبهم معنى تلك العبارة.
ولم يَفهمها في أعماقه إلا عندما وُلدت طفلته الأولى، يوجين.
“ابنتي.”
امتلأت عينا لازلو بالحنان وهو ينظر إلى ابنته.
يوجين، بشعرها الأشقر الذهبي وعينيها الخضراوين كعشب الربيع، كانت صورةً طبق الأصل عن ملامحه.
حتى إن زولتان، حين حدّق مطولًا في وجه يوجين، سأله مازحًا: “هل أنجبتها وحدك يا أخي؟”
“أنا فراولة!”
وما إن خرجت الكلمة من فمها حتى أسرع وأدخل في فمها قطعةً صغيرة من الفراولة المقطّعة.
كانت يوجين تجلس على رُكبتي والدها، وأخذت تهتزّ في مكانها بفرح، ويبدو أن الطعم راق لها.
“لذيذ؟”
“نعم! أُريد أن آكل ذاك الآن.”
“أيّ واحد؟ هذا؟”
“لاا. الذي بجانبه. ليس الفراولة.”
“التفاحة؟ هل نأكل التفاحة؟”
“يوجين.”
وضعت أغنيس الشوكة جانبًا ونادت ابنتها بنبرةٍ فيها شيءٌ من الحزم.
“انزلي من رُكبة الدوق وارجعي إلى مقعدكِ.”
“لكنني أُريد أن آكل مع أبي…”
“هيا.”
أخرجت يوجين شفتها للأمام بتذمّر، وظلّت تتلكأ، لكن أغنيس كانت حازمة.
فما إن أومأت مجددًا بذقنها حتى تزحزحت يوجين ببطء ونزلت عن رُكبتي والدها وجلست بجانبه.
ناولها لازلو الشوكة التي علقت فيها قطعة تفاح وهو ينظر إليها بأسى.
“ابنتي صارت تأكل وحدها بالشوكة الآن، صحيح؟”
“لكن عندما يطعمني أبي هكذا، يكون الطعم أطيب.”
“حقًا؟ إذن أبي سوف—”
“يا دوق.”
هذه المرة كانت نظرة أغنيس مُوجَّهةً نحو لازلو.
لم تكن ملامحها شديدة القسوة، لكنه لم يستطع إلا أن يُشيح بعينيه عنها.
“…يوجين قادرةٌ الآن على الأكل وحدها، أليس كذلك؟”
“هيييينغ…”
أطرقت يوجين رأسها بحزن، وأخرجت شفتها الصغيرة وهي تنظر إلى والدها برجاء.
لكنه بصعوبةٍ بالغة صرف نظره عنها.
“لستِ طفلةً صغيرة بعد الآن صحيح؟ كيف لا تَقدرين على الأكل وحدك؟”
“أقدر…”
“بعد أشهرٍ قليلة ستُصبحين في الخامسة.”
“…..”
“وفوق ذلك، أنتِ الأميرة الوحيدة في نيرسنغ. أميرةٌ كهذه ينبغي أن تكون قدوةً للآخرين، ومع ذلك ما زلتِ تدلّلين نفسكِ هكذا.”
“ليس دلالًا… كنتُ فقط آكل الفراولة مع أبي…”
حاولت يوجين أن تدافع عن نفسها وهي تتمتم، لكن أغنيس بقيت حازمة.
“تقول السيدة رادل إنكِ لا تُصغين في الدروس وتتهرّبين منها باستمرار.”
“دروس السيدة رادل مُمِلة. لا شيء مُمتعٌ فيها. تقول دائمًا نفس الكلام.”
“بدلًا من أن تعترفي بخطأكِ وتطلبي العلم، تأتين بالاعتراضات؟”
“هيييينغ…”
ومع استمرار توبيخ أغنيس، سرعان ما امتلأت عينا يوجين بالدموع.
“أنا… أنا لا أُريد، هك، أن أحضر الدروس. هاه، أمي، ههك، قاسية جدًا، واأااه.”
“يوجين.”
تكلم لازلو أخيرًا بعد أن ظلّ صامتًا طوال الوقت.
“الدروس التي تأخذينها هي أمورٌ طبيعية يجب أن يعرفها كل أميرٍ أو أميرة. في عُمرك، كانت أمكِ وخالكِ يتلقونها أيضًا.”
“أووواه، لا أُريد! لن أحضرها! لن أفعل!”
ألقت يوجين الشوكة من يدها وبدأت تصرخ بعناد.
زفرت أغنيس تنهيدةً قصيرة ثم قالت بهدوء:
“أنا لا ألومكٍ، إنما أريدكِ فقط أن تتحملي مسؤوليتكِ…”
“أنا لن… هِك، لن آكُل! ولا أُريد أن أحضر الدروس! أمي، بُووه، أكرهكِ!”
“يوجين. لن يُجدي نفعًا مهما بكيتِ. لقد تحدثنا بما فيه الكفاية.”
في تلك اللحظة بدا لازلو صارمًا أشد من أي وقت.
لكن يوجين لم تكن سهلةً أيضًا. ظلّت متشبثةً بعنادها حتى النهاية.
ولو كان زولتان حاضرًا، لكان علق مازحًا: “يا أخي، حتى عنادها نسخةٌ عنك.”
“هيك، آآه، بُوه، ماما، أكرهكِ…”
في النهاية، حملها لازلو بين ذراعيه وربّت على ظهرها، فيما أخفت وجهها في كتفه وظلّت تبكي بحرقة.
أما أغنيس فاكتفت بملامسة كوبها بصمت وهي تحدّق في ظهر الصغيرة المهتزّ.
وبعد برهة خفت بكاء يوجين تدريجيًا.
“هل هدأتِ الآن؟”
“نعم… أونغ.”
“إذن أكملتِ طعامكِ. عودي الآن إلى غرفتكِ.”
أشار لازلو إلى المربية الواقفة خلفه، فأسرعت واقتربت لتحمل الأميرة الصغيرة.
“سآتي إليكِ لاحقًا.”
مسح دموعها بلطف وهو يُطمئنها، فأومأت برأسها.
وما إن خرجت يوجين مع مربيّتها من غرفة الطعام، حتى أطلقت أغنيس تنهيدةً عميقة وانحنت برأسها.
ساد صمتٌ قصير بين الزوجين.
ثم نهض لازلو واقترب من زوجته، وأمسك خدّها بلطف ورفع وجهها.
“أغنيس.”
“لازلو.”
أسندت وجهها إلى صدره محاولةً تهدئة نفسها.
وهي تتذكر ابنتها التي كانت تبكي حتى احمرّ وجهها، شعرت بأنها ربما تُخطئ في تشددها.
“لم يَمضِ سوى نصف عام. تحتاج وقتًا لتعتاد.”
“هل أكون قاسيةً جدًا على طفلة لا تزال في الرابعة؟”
“كما قلتِ، بعد أشهر ستبلغ الخامسة. وهي ولدت أميرة، ومن الطبيعي أن تتحمل هذه المسؤولية.”
تكلم بصرامة لم يعهدها.
فهي مرحلةٍ مبكرةٍ قليلًا، لكنها حتمية لا بد أن تمر بها.
“صحيح، لكن…”
خلافًا لأغنيس التي تتأثر بسهولة بدموع ابنتها رغم قسوتها الظاهرة، كان لازلو على العكس.
فهو على استعداد أن يُضحّي بحياته من أجل ابنته، لكن حين تُبدي عنادًا في واجباتها، لم يكن يتراجع قيد أنملة.
“يوجين ستكون الملكة القادمة.”
قالها بهدوء. ولهذا لم يكن أمامهما خيارٌ سوى تربية ابنتهما بصرامة.
“أعرف… لكن ما زلت أشعر وكأني أُجبرها رغم رفضها.”
“دروس السيدة رادل لا تتجاوز الحروف والتاريخ. ساعة أو ساعتين في اليوم لا أكثر.”
كان كلام لاسلو صحيحًا.
فقد رتّبا برنامجها بحيث لا يُرهقها، حتى إن أيّ شخصٍ آخر لو رأى الأمر لقال إنه ليس مُرهقًا على الإطلاق.
ومع ذلك، كلما رأتها أغنيس تبكي وتتذمر هكذا، لم تستطع أن تبقى هادئة.
لكنها كانت تبذل جهدها لتبدو صارمة، وإلا فستنتهي باستسلامها أمام دلال طفلتها بلا حدود.
ربّت لازلو على كتفها بخفة.
“سأذهب إلى يوجين لاحقًا. أما أنتِ فستستقبلين اليوم كثيرًا من الضيوف، أليس كذلك؟ نايل… وأيضًا سمعت أن السيدة إردويشي ستأتي اليوم.”
“صحيح. ربما لن أستطيع رؤية يوجين إلا لوقتٍ قصير ومتأخر من الليل.”
“يا صاحبة الجلالة.”
دخل أحد الخدم في تلك اللحظة ليُعلمها بجدولها القادم.
“اذهبي أولًا.”
“حسنًا. أراكَ لاحقًا.”
وتفرّق الملك والملكة بوداعٍ حار.
***
“آه، إنها ريكا.”
بينما كانت يوجين في حضن مربيّتها عائدة إلى غرفتها، وقعت عيناها على شعرٍ وردي مألوف.
“أنزليني! أُريد الذهاب إلى ريكا! ريكاا!”
ما إن صرخت وهي تتململ حتى أنزلتها المربية.
وما إن لامست قدماها الأرض حتى ركضت نحو ريكا.
“هيهي، ريكا. إلى أين تذهبين؟ ماذا تفعلين؟ هل عندكِ سكاكر مثل المرة السابقة؟”
“مرحبًا، يا أميرة.”
“إحمِليني!”
مدّت يوجين ذراعيها فجأة، فابتسمت ريكا بخفةِ أمام طلب الطفلة الجريء.
حاولت المربية ثنيها بحرج، لكن ريكا حملت يوجين بخبرة.
“سأحمل الأميرة. إلى أين كنتِ ذاهبة؟”
“سأذهب إلى غرفة ريكا.”
“أميرة، زيارة مقرّ الساحرة تحتاج إذنًا مسبقًا…”
“لا بأس. كنت متجهةً إلى المختبر على أيّ حال. فلنذهب معًا.”
“ريكا الأفضل! ريكا هي الأجمل في العالم!”
أمسكت يوجين بعنقها بقوة وهي تهتزّ فرحًا.
وانحنت شفتا ريكا بابتسامةٍ صغيرة.
مع أن الآخرين يرونها متقلّبةً وصعبة المِزاج، إلا أن يوجين كانت استثناءً.
ولم يكن السبب فقط كونها أميرة نيرسنغ الوحيدة ووريثة العرش.
بل لأنها طفلةٌ حيوية، مرحة، تحب الناس، وسريعة الألفة.
لذلك كان الجميع يُحبون الأميرة الصغيرة.
“…ولهذا صارت أمي تُوبّخني لأني غِبتُ عن دروس السيدة رادل. آه! ألا يُمكن أن تُعلّمني ريكا بدلًا منها؟ سيكون الأمر أمتع بكثير.”
“مهما كنتُ عبقرية، فلستُ خبيرة في دروس العرش.”
“دروس العرش؟”
“نعم، هو العلم الذي يُدرّس لِمن سيصبح ملكًا.”
“ملك؟ مثل أمي؟”
“تمامًا.”
كانت يوجين في الرابعة، فكان حملها صعبًا لفترةٍ طويلة، لكن بدلًا من أن تُنزلها، أعادت ريكا تعديل وضعها وحملتها مُجدّدًا.
وما لبثتا أن وصلتا إلى المختبر.
حينها فقط نزلت يوجين وبدأت تُفتّش بفضول بين الأدوات المبعثرة في كل مكان.
“واو، ما هذا؟”
“بذور لصنع الغيوم… لحظة. خطر!”
“وهذا؟ جميلٌ جدًا! هل تُعطيني إياه؟”
“ممنوع. ضعيه فورًا.”
قالت ريكا بصرامة وهي ترفع من يد الطفلة قطعة كريستال وتضعها في مكان عالٍ.
“هيييينغ.”
“سأعطيكِ سكاكر، فاجلسي بهدوء.”
“حسنًا!”
لكن هدوؤها لم يدم دقيقةً واحدة.
فقد راحت تعبث بأوراقٍ على الطاولة وتُقلّب الكُتب وتُمسك بالكرات الغريبة.
“ريكا.”
“ماذا؟ لقد وضعت السكاكر هنا قبل قليل…”
“ماذا أفعل لو لم أُرِد أن أصبح ملكة؟”
“ماذا قلتِ؟”
“لو لم أصبح ملكة، فلن أضطر إلى دراسة العرش، صحيح؟”
“اسمها دروس العرش، وليس كما قلتِ. ولو لم تُردي أن تصبحي ملكة، فلا بد أن يكون هناك وريثٌ آخر، لكن حاليًا أنتِ الوحيدة ذات الحق الشرعي.”
“ألا يُمكن أن تُصبحي أنتِ الملكة بدلًا مني يا ريكا؟”
قالت الطفلة وهي تنظر إليها بعينين بريئتين.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿ 《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 181"