الفصل 180 : القصة الجانبية 14 : في أحد الأيام في الحاضر ⁶
“لقد جاء في الوقت المناسب. أخبروه بالدخول.”
“نعم.”
بمجرد أن فتح الخادم الباب، دخل لازلو إلى الداخل. كان يسير بسرعةٍ باتجاه أغنيس، لكنه توقف للحظة عندما لمح رولاند.
“ما الذي تفعله هنا؟”
“آه، كنت أبلغ جلالتها عن موعد انطلاقنا إلى خط الدفاع.”
“لماذا؟”
“ماذا؟”
تغير تعبير لازلو ليصبح أكثر حدة، فارتبك رولاند وأخذ يرمش بعينيه.
“لماذا تحدثت عنه أنت؟”
“آه، حسنًا… لقد سألتني جلالتها.”
“ألم تسمع أنني سأبلغها بنفسي؟”
“آه… يا إلهي، أعتذر.”
أمام استجواب لازلو القاسي، بدأ رولاند يتلعثم ويتجنب النظر إليه.
أما أغنيس، فقد كانت تستند على ذقنها وهي تراقب الرجلين بصمت.
“هل هناك سببٌ يجعلك تخفي عني حقيقة أن الماركيز سيغادر بعد عشرة أيام؟”
“لا، ليس كذلك، ولكن…”
هزّ رأسه، ومع ذلك، بقيت ملامحه تعكس شعورًا بالأسف. تحدثت أغنيس بنبرةٍ غير مبالية:
“لا بأس. سيرحل على أي حال، فما الفرق إن كان ذلك سرًا أم لا؟”
“لكنني أردت أن أخبركِ بنفسي. اعتقدت أنكِ ستسعدين بسماع ذلك.”
“سعيدة؟ ولماذا؟ مهما توسلتُ إليكِ ألا تذهب، فأنتَ تصرّ على تعريض نفسكَ للخطر، فما الذي يسرّني في ذلك؟”
“ماذا؟”
“فكر في الأمر، دوق. هل سبق لي أن طلبتُ منكَ شيئًا آخر؟ كل ما أريده هو أن تبقى بأمانٍّ في القصر، بجانبي.”
“آه…”
بدا لازلو متفاجئًا وهو ينظر إلى أغنيس ثم إلى رولاند.
“هل من المبالغة أن أطلب منكَ البقاء آمنًا؟”
“لا، ليس كذلك.”
“علاوةً على ذلك، أنتَ لست مجرد نبيل، بل فردٌ من العائلة المالكة. في أيِّ بلدٍ من بلدان العالم يتجول أفراد العائلة المالكة في ساحات القتال باستمرار؟”
بدأ صوت أغنيس يعلو شيئًا فَشيئًا، وكأنها غاضبةٌ من تكرار حديثها.
“أخبرني، دوق أرباد. هل لديّك ما ألومني عليه؟ هل تحاول التعبير عن استيائكِ بهذه الطريقة؟”
“لا، جلالتك.”
كان لازلو يكرر نفس الجواب مرارًا وتكرارًا، وبدا عليه الارتباك.
“إذن، لماذا تفعل ذلك؟”
“أعتقد أن هناك سوء فهم…”
حاول لازلو أن يقول شيئًا بسرعة، لكن بالنسبة لأغنيس، بدا الأمر وكأنه مجرد تبرير.
“سوء فهم؟ أيُّ سوء فهم؟ نعم، لقد سمعتُ أن بعض النبلاء يضغطون عليكَ بسبب قوتكَ العسكرية.”
“هذا صحيح، ولكن…”
“لكنني أثق بك، أكثر من أيِّ شخص آخر. لن ترفع سيفكَ ضدي، لذا لا داعي لأن تعرض نفسكَ للخطر بسبب كلامهم.”
حاولت أغنيس أن تهدئ من نبرتها، آملة في أن تقنعه بالبقاء. تغير تعبير لازلو بشكلٍ غامض.
وقفت أغنيس ومدت يدها نحوه. فورًا، اقترب لازلو منها، فأمسكت بيده بإحكام.
“قلها.”
“ماذا؟”
نظرت إليه بجديةٍ وضغطت على يده أكثر.
“قل إنكَ ستبقى بجانبي.”
“جلالتكِ…”
“دع أمر إبادة الوحوش لماركيز شاندر. إنه أضعفُ منكَ بكثير، لكن من المُستبعد أن يموت، أليس كذلك؟”
“هذا ظلمٌ لي، جلالتكِ. لم أتزوج بعد، كما تعلمين.”
كان رولاند، الواقف خلف الملك والملكة، يتذمر بوجهٍ متجهم، لكن أغنيس تجاهلته تمامًا.
“هيا، قلها. قل إنكَ ستبقى.”
حدقت في لازلو بعينيها المفتوحتين على وسعهما، متخذةً مظهرًا صارمًا وحازمًا.
أرادت أن تحاول إقناعه للمرة الأخيرة قبل أن تدعه يرحل.
لقد فكرت طوال الليل، لكنها لم تصل إلى قرار.
في بعض الأحيان، تميل إلى قبول ذهابه، لكنها لم تجد إجابةً عن سبب وجوب رحيله بنفسه.
إذا كان لا بد من ذلك…
“جلالتكِ، أعتذر، ولكن—”
“لا، لا يمكنكً الذهاب. لن أسمح بذلك.”
أيّ ‘لا مفر’ هذا؟
أنا ملكة هذه البلاد.
“كل ما أطلبه منك هو شيءٌ واحدٌ فقط، ألا تستطيع تحقيقه لي؟”
عندما رفعت صوتها بغضب، لم يفهم لازلو خطورة الموقف، بل انفجر ضاحكًا. فاشتعل غضب أغنيس أكثر.
“لماذا تضحك؟ هل هذا مضحك؟ هل نسيتُ في حساباتك أنني سأبقى هنا وحيدة، قلقةً عليك؟”
“إنه لا يذهب.”
قال رولاند من الخلف، شاحب الوجه ومتجهم الملامح.
“ماذا؟”
“الدوق لن يذهب. لقد قرر أن يتركني أذهب وحدي إلى حيث الوحوش. قال لي: ’عد حيًا بأيِّ وسيلةٍ ممكنة‘.”
“ماذا؟”
أغنيس لم تستوعب كلامه في البداية، فبقيت تحدق فيه وهي ترمش بعينيها. عندها، انفجر لازلو ضاحكًا بصوتٍ أعلى.
“اعتقدتُ أن الماركيز أخبركِ بالفعل، لكن يبدو أنه لم يفعل.”
“أنتَ لن تذهب؟ لماذا؟”
“لأن هذا ما تريدينه.”
كانت نظرات لازلو مغمورةً بالدفء لدرجة أنها بدت وكأنها تفيض بالعسل.
لم يستطع مقاومة رغبته في معانقتها، فكان يفتح ويغلق قبضتيه مرارًا.
“هذا أمرٌ خطير.”
“ماذا؟”
“لقد وقعتُ في حبُّكِ مرةً أخرى.”
“هممم، حسنًا… لا تبالغ.”
أدركت أغنيس أخيرًا الموقف ونظرت بعيدًا وهي تسعل بخفة.
“على أيّ حال، لماذا لم تخبرني بذلك فورًا؟”
“لم تمنحيني الفرصة.”
بالفعل، لقد أمطرتْه بالكلام دون توقف.
“من ليس لديه شريكٌ سيعاني حقًا في هذا العالم.”
“هل ما زلت هنا؟”
أشار لازلو برأسه نحو الباب، فتنهّد رولاند بعمق قبل أن ينحني لهما.
“نعم، نعم، سأذهب. لدي الكثير من الأمور لأهتم بها قبل أن أرحل وحدي في هذه المهمة الطويلة.”
“جهدكَ مشكور، ماركيز.”
“أراكم في حفل التهنئة.”
“حفل تهنئة؟ هل هناك حفلٌ قريب؟”
“آه، هذا…”
“حفل بمناسبة رفع العلم الأزرق، يا دوق.”
حاولت أغنيس أن تغطي فم رولاند، لكنه كان أسرع منها.
هذه المرة، كان لازلو هو من نظر إلى أغنيس بدهشة.
“العلم الأزرق؟ تقصد… ذلك العلم الأزرق؟”
“كنتُ على وشك إخبارِكَ الآن. ذلك الرجل، الماركيز شاندور، لا يملك أيَّ حسٍّ على الإطلاق.”
قالت ذلك وهي تحدق في رولاند، الذي تراجع على الفور عندما لاحظ أن نظراتها تشبه إلى حدٍّ كبير نظراتِ لازلو.
“أه… أتمنى لكما وقتًا سعيدًا، إذًة… سأخرج الآن.”
ترك هذه الكلمات العجيبة وراءه قبل أن يختفي على عجل.
أخيرًا، لم يبقَ في الدفيئة سوى الشخصين فقط.
“العلم الزرق؟ إذن، الطفل…”
“نعم.”
حدق لازلو في بطن أغنيس كما لو أنه لا يصدق الأمر، ثم رفع إصبعه بحذرٍ ووضعه عليها.
“حقًا؟”
“نعم.”
“كم… لا، متى؟ متى حدث هذا؟ إذن، طفلنا… طفل…”
بدأ يثرثر بلا ترتيب، غير قادرٍ على ربط كلماته بشكلٍّ صحيح، فقد بدا مرتبكًا وسعيدًا في الوقت ذاته.
ثم فجأة، وكأنه تذكر شيئًا، احتضن زوجته برفق، بلمسةٍ دقيقة كما لو كان يحمل شيئًا هشًّا.
“إذن، لهذا السبب كنتِ تعارضين ذهابي إلى الشمال.”
“كان ذلك أحد الأسباب، نعم.”
همست أغنيس وهي تميل رأسها إلى صدره.
“لِمَ لم تخبريني مسبقًا؟ لو كنتُ أعلم، لما كنتُ لأقترح الذهاب إلى خط الدفاع.”
“أحقًا؟”
“بالطبع.”
قال ذلك وهو يطبع قبلةً على قمة رأسها.
“بصراحة، كنتُ خائفة.”
“مِما؟”
“بأنكً ستشعر براحةٍ أكبر في مغادرة القصر الآن بعد أن صار لديك وريث.”
“هذا مستحيل.”
رفع لاظلو حاجبًا واحدًا معارضًا بشدة.
“لماذا فكرتِ بذلك؟ وجود الطفل يعني أن عليَّ أن أبقى بجانبكِ أكثر.”
“إذن، كان خوفي لا مبرر له.”
ذاب كل القلق الذي كان يثقل صدرها بكلماته البسيطة.
كان عليها أن تسأله مباشرةً منذ البداية بدلًا من أن تُعذِّب نفسها بالشكوك.
“إذن، كم مرَّ من الوقت الآن؟”
“ثلاثة أشهر تقريبًا.”
“يا إلهي، كنتِ تنامين كثيرًا في الفترة الأخيرة، إذن هذا هو السبب؟”
“نعم، لكن الطفل هادئٌ للغاية، فلم ألاحظ ذلك حتى أكّد الطبيب الأمر. كنتُ مشغولة جدًا لدرجة أنني لم ألحظ حتى غياب دورتي الشهرية.”
“وأعراضٌ أخرى؟”
“همم… لا شيء غير الإرهاق والرغبة في النوم.”
“هذه كارثة.”
كان يربت على شعرها وكتفها بحزن، لكنه فجأةً تجمد وكأنَّ فكرةً خطيرة خطرت بباله.
“أليس الثلث الأول هو الفترة الأخطر؟”
“بحسب ما قاله الطبيب، نعم.”
“يا إلهي!”
فجأة، تصرف بقلقٍ مبالغ فيه، مِما أجبر أغنيس على الجلوس على كرسي.
“لا تنهضي!”
“ما الذي تفعله، أيها الدوق؟”
“ماذا لو تعثرتِ بحجرٍ أثناء المشي؟”
“لا يوجد حجارةٌ في القصر أصلًا.”
“من الآن فصاعدًا، يجب أن أرافقكِ أينما ذهبتِ.”
“ولماذا؟”
“ماذا لو حدث شيءٌ أثناء المشي؟ سأحملكِ إذا لزم الأمر.”
ظنت أنه يمزح، لكن وجهه كان جادًّا للغاية.
تنهدت في سرها. لو علم بأمر الغثيان الصباحي الطفيف، لكان على الأرجح سيطارد الطباخ متهمًا إياه بإعداد طعام غير مناسب.
“لكن متى قررتَ عدم الذهاب إلى الشمال؟ لو أخبرتني مبكرًا، لكنتُ تجنبتُ كل هذا القلق.”
“آه، الأمر كان عاجلًا، ولم يكن لدي فرصةٌ لأخبركِ. كان عليَّ إعادة تنظيم كل الخطط.”
“هممم. ألم تكن تصر سابقًا على أنه لا بد لك مِن الذهاب بسبب ظهور وحوشٍ غير معروفة؟”
“بعدما سألتُ الكونت، اكتشفتُ أنها مشابهةٌ لما رأيته من قبل. لذا، أخبرتُ الماركيز شاندور بكيفية التعامل معها، وسيتكفل هو بالأمر.”
يا له من تحول مفاجئ من العناد إلى المرونة. كان ذلك سخيفًا إلى درجة أنها لم تستطع حتى أن تغضب.
أخيرًا، تلاشت الأجواء المتوترة بين الزوجين، وجلسا متكئين على الأريكة، يتحدثان بينما كانا قريبين من بعضهما أكثر مِن أي وقت مضى.
“ترى، هل سيكون صبيًّا أم فتاة؟”
“صبيّ.”
“لماذا تعتقد ذلك؟”
أجاب لازلو دون أيِّ تردد.
“في عائلتي، نادرًا ما تولد الفتيات. أجدادي وآباؤهم جميعًا أنجبوا أولادًا فقط.”
“لكن العائلة المالكة ليست كذلك. عادةً ما يكون هناك توازن بين الجنسين.”
“حقًا؟ إذن، قد تكون فتاة؟”
فجأة، أشرق وجهه بحماسةٍ غير متوقعة.
“لماذا تبدو متفاجئًا؟”
“لم أفكر أبدًا في احتمال أن تكون فتاة. فتاة؟ يمكن أن يكون لدينا ابنة؟”
كان أكثر حماسًا مِما كان عليه عندما علم بشأن حملها.
“ما الاسم الذي يجب أن نختاره لها؟”
“لم نعرف بعد إن كانت فتاة.”
“غابرييلا؟ كريستينا؟ ليلي؟”
“قد يكون صبيًّا أيضًا.”
“ماذا عن فيكتوريا؟ أو أوديت؟”
“…أنت لا تصغي إليَّ، صحيح؟”
هزت أغنيس رأسها بيأس.
لكنه استمر في اقتراح عشرات الأسماء للبنات، بينما كانت عيناه تلمعان بفرحٍ شديد لدرجة أنها لم تستطع حتى أن تذكر احتمال أن يكون صبيًّا.
“كفى، دوق. لا يزال هناك وقتٌ طويل حتى ولادته.”
“وقتٌ طويل؟ لم يبقَ حتى عشرة أشهر!”
“يمكننا اختيار اسمٍ في الربيع القادم. لكن بالمناسبة…”
أمسكت أغنيس بيده فجأةً وهي تنظر إليها بقلق.
“لماذا تبدو باهتةً أكثر من قبل؟ كانت أغمق لونًا في السابق. هل هناك شيءٌ خطأ؟”
“آه، هذا…”
بمجرد أن رأى العلامة الباهتة، تذكر فجأةً المحادثة التي أجراها مع يوجين منذ زمن طويل.
“عندما يولد طفلكَ الأول، سمِّه يوجين.”
“يوجين…”
“ماذا؟ لماذا تذكر يوجين فجأة؟”
“لقد وعدتُ يوجين أن أسمي الطفل الأول بهذا الاسم.”
“ماذا؟ متى فعلتَ ذلك؟”
“لقد وعدته بذلك.”
“كان عليكَ أن تخبرني مسبقًا!”
تذمرت، لكنها لم تبدُ معترضة.
نظر لازلو إلى العلامة الباهتة مجددًا، وكأنه أكمل أخيرًا لغزًا لم يكن يفهمه سابقًا.
لم يقف الزوجان حتى جاء أحد الخدم ليخبرهما أن الليل قد حل.
“يا إلهي، لم ألاحظ كيف مرَّ الوقت.”
“انتظري، أمسكي بيدي عندما تنهضين.”
“كف عن المبالغة، أيها الدوق.”
رغم احتجاجها، لم ترفض يده.
سارا معًا في الممر، ممسكين بأيدي بعضهما البعض لأول مرةٍ منذ فترةٍ طويلة.
وكأنها كانت مجرد أمسيةٍ عادية.
لكن مجرد بقاءه بجانبها جعلها تشعر بسعادةٍ غامرة.
“لقد فكرتُ في شيءٍ ما.”
“ماذا؟”
“عندما يكبر الطفل بما يكفي ليرث العرش، هل يجب أن ننتقل إلى ستومار؟”
“ماذا تقصدين فجأة؟”
توقف لاسلو وسألها، فنظرت إلى عينيه العميقتين الخضراوين التي أحبتها بشدة.
“أريد أن أموت هناك معك.”
“…..”
“في هذه الحياة، أريد أن أموت معكَ في ذلك القصر.”
لم يتكلم لازلو إلا بعد فترةٍ طويلة.
رفع يدها إلى شفتيه، وطبع قبلةً خفيفة على ظاهرها.
“كل شيء سيكون كما تريدين.”
تبادلا الابتسامات، ثم واصلا المشي.
الخاتمة – ذات يومٍ في الحاضر.
(لقد أرسلها الحاكم) – النهاية.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿ 《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 180"