الفصل 177 : القصة الجانبية 11 : في أحد الأيام في الحاضر ³
“جلالتك، لقد وصل تقريرٌ عاجل من الشمال.”
تقدَّم الرسول إلى الملك حاملًا رسالة. وبمجرد أن قرأت أغنيس محتواها، تصلب وجهها.
“استدعوا مجلس النبلاء على الفور.”
“أمركِ، جلالتكِ.”
سرعان ما اجتمع النبلاء فور سماعهم الخبر. لوَّحت أغنيس بالرسالة وهي تتحدث.
“ورد تقريرٌ يفيد بظهور وحوشٍ جديدة عند جدار الشمال. وقد طلب الكونت المسؤول عن الدفاع هناك إرسال قواتٍ لتعزيز الحماية. فمن سيضحي من أجل البلاد؟”
رغم أن القاعة كانت تضم أكثر من عشرين شخصًا، إلا أن الاجتماع كان يسوده صمتٌ غير مريح.
تجولت نظرات أغنيس بين النبلاء المجتمعين، غير أن أحدًا منهم لم يُبدِ استعدادًا للتطوع.
عندها، رفع الفيكونت بيلفورد صوته بحذر.
“أليس هناك شخصٌ هو الأنسب لهذا الدور؟”
“شخصٌ مناسب؟”
سرعان ما تركزت عشرات العيون في اتجاهٍ واحد. أما لازلو فقد اعتاد على مثل هذه النظرات، فتلقاها ببرود.
من مقعدها في الصدارة، شعرت أغنيس بالغضب يتأجج في داخلها.
كيف أصبح أمر تصدِّي لازلو للأخطار التي تهدد البلاد شيئًا بديهيًّا لا جدال فيه؟
نهض لازلو من مكانه.
“سأتولى المهمة.”
“الدوق الأكبر… سيذهب بنفسه؟”
“أوه، هذا مطمئن. فهو أكثر من يفهم هذه الوحوش.”
قال ذلك شابٌّ من النبلاء وهو يبتسم، فحفظت أغنيس اسمه ووجهه في ذاكرتها.
“وجود الدوق الأكبر هناك سيكون ضمانًا لنا.”
“هذا صحيح.”
لم يمضِ وقتٌ طويل حتى أصبح من المسلَّم به في القاعة أن لازلو هو من سيتوجه إلى الجدار الشمالي.
حاولت أغنيس أن ترشح نبلاء آخرين، غير أنهم تهرَّبوا بمهارة بحججٍ واهية.
كان الوحيد الذي أبدى استعداده هو الماركيز شاندور، حيث رفع يده على استحياء معلنًا عزمه على مرافقة لازلو.
“لم يمضِ سوى شهرين منذ عودة الدوق الأكبر من السماء. ومع ذلك، تريدون إرساله إلى الشمال مجددًا؟”
“هذا صحيح، ولكن نظرًا لأهمية الموقف، فإن تضحيته ضرورية.”
قال ذلك أحد النبلاء المسنِّين وهو يمرر يده على لحيته البيضاء.
وما زاد من غضب أغنيس هو أن لازلو لم يحاول حتى الاعتراض على الأمر.
وهكذا، انتهى الاجتماع دون التوصل إلى قرار حاسم.
***
“هل هذا يومك الأول؟”
“أ- أجل، جلالتك.”
توترت الخادمة الصغيرة وانحنت بسرعة. أما المرأة المتوسطة العمر التي تجلس أمامها، فقد ضحكت بخفوت.
“لا داعي لهذا القلق.”
“لكني أُكلف بخدمة جلالتك عن قرب للمرة الأولى.”
“في أي جناح كنتِ تعملين؟”
“كنتُ في الجناح الأزرق تحت إشراف السيدة ديلما.”
“آه، الجناح الأزرق.”
الجناح الأزرق مخصص لأبناء الملك، لكنه بات خاليًا من السكان منذ فترةٍ طويلة. ومع مرور الوقت، تمت إعادة توزيع العاملين فيه على أماكن أخرى.
“جلالتها ليست من الأشخاص الصعبين، لذا لا داعي للقلق.”
“حقًا؟”
“بالطبع. فهي عادلةٌ دائمًا، وتظل محافظةً على رزانتها ووقارها مهما حدث…”
“هذا أمرٌ غير مقبول!”
“لِمَ ترفضين دون أن تستمعي إليّ؟”
في أروقة القصر، لا يجرؤ أحدٌ على رفع صوته سوى شخصٍ واحد فقط.
وما إن دوَّى صوتها في المكان حتى انحنى جميع الخدم في صمت.
“كيف يُعقل أن يتولى الدوق الأكبر أمر الجدار بنفسه؟”
“الوحوش تتحرك بصورةٍ غير طبيعية. وقد ظهرت أنماطٌ شاذة أكثر من مرة.”
“أنا على علمٍ بذلك. سؤالي هو لماذا الدوق الأكبر تحديدًا؟”
التقت نظرات الملك والملكة ببعضهما.
“لماذا يجب أن يتوجه بنفسه إلى الجدار الشمالي؟ ألا يوجد مسؤولٌ هناك؟”
“الكونت ديارن استلم منصبه منذ عامٍ فقط، ويفتقر إلى الخبرة الكافية، لذا قد يجد الأمر فوق طاقته.”
ساد الصمت في الممر. استدارت أغنيس بسرعة نحو الباب، ففتح أحد الخدم، الذي كان سريع البديهة، الباب فورًا.
تقدمت أغنيس إلى الداخل، بينما تبعها لازلو بهدوء. وما إن أُغلِق الباب خلفهما، حتى أطلق الخدم أنفاسهم التي كانوا يحبسونها.
تنهدت الخادمة العجوز بصوت خافت وأكملت حديثها.
“… فقط، حين يكون الأمر متعلقًا بالدوق الأكبر، ترفع صوتها أحيانًا. عليكِ أن تنتبهي لهذا فحسب.”
“أ- أجل، سأضع ذلك في ذهني.”
***
“أنا…”
كان أوندراش ينتظر أغنيس في مكتبها، وبمجرد أن رآها، همَّ بتحيتها، لكنه لم ينجح في ذلك.
“لم يمضِ سوى ثلاثة أشهر، بل لم تكتمل حتى ثلاثة أشهر منذ عودة الدوق الأكبر من السماء. ومع ذلك، سيغادر القصر مجددًا ليحرس الجدار؟”
“أنا الأنسب لهذه المهمة، وأنتِ تعلمين ذلك.”
“لقد قلتَ الشيء ذاته عندما ذهبتَ إلى حملة التطهير في الشرق، وأيضًا عندما اندلعت المواجهات عند حدود ديفون. هل هذا البلد عاجزٌ عن الصمود ليومٍ واحدٍ دونك؟”
“…”
“والآن، تريد التوجه إلى جدار الشمال الذي تعجُّ به الوحوش؟”
أطلقت أغنيس غضبها المكبوت طوال اليوم دفعةً واحدة. عندها، أضاف أوندراش بصوتٍ هادئ.
“جلالتك، لا يوجد بديلٌ عن الدوق الأكبر. فالشخص الوحيد الذي يمتلك القوة والجيش معًا هو الكونت بارانيا، لكنه منشغلٌ بالمواجهات المتواصلة مع ديفون، لذا يصعب استدعاؤه إلى العاصمة.”
“إنه لأمرٌ محزن أن تكون البلاد بهذا الفقر من الرجال الأكفاء.”
قالت أغنيس ذلك وهي تصرُّ على أسنانها قبل أن تجلس على مقعدها بخشونة. اقترب أوندراش منها بخطواتٍ ثابتة.
“إن لم يكن هناك بديل، فربما يمكننا تقليل القيود المفروضة على جيوش النبلاء…”
“هذا أمرٌ غير مقبول.”
قاطعه لازلو بوجهٍ صارم.
“فرض قيودٍ على الجيوش الخاصة بالنبلاء هو أساس ترسيخ سلطة العرش. لا يمكننا التراجع عن هذا الآن.”
“أعلم ذلك، ولكن…”
بما أن العرش كان قد انتُزِع من خلال انقلاب، فإن الملكة كانت أكثر حساسية تجاه أي تهديدٍ قد يشكله النبلاء.
كان لازلو يدرك ذلك جيدًا، لذا أعلن بحزم:
“سأتولى المهمة. اسمحي لي بالذهاب.”
“مرفوض.”
“جلالتك.”
“يبدو أنك تنسى موقعك مرارًا وتكرارًا، فأنت من العائلة المالكة لِنيرسيغ، يا دوق.”
“أنا فقط أسعى للقيام بمسؤولياتي فحسب.”
نظر أُندراش إلى المواجهة المتوترة بين الاثنين، ثم زفر أنفاسًا عميقة وهز رأسه مستسلمًا. أشارت له أغنيس بيدها، مطالبة إياه بالمغادرة، فخرج دون اعتراض.
أصبح المكتب الآن خاليًا إلا منهما.
“لماذا تبدو وكأنك متلهفٌ جدًا للخروج من القصر؟”
“ماذا تقصدين بذلك؟”
“إذا لم يكن الأمر كذلك، فما السبب وراء اختيارك الذهاب إلى أماكن خطرة في كل فرصة تُتاح لك؟”
“جلالتك، الأمر ليس كذلك…”
هزّ لازلو رأسه نافيًا، لكن كلماته لم تكن سوى تبرير في أذن أغنيس.
“هل تشعر بأن القصر يخنقك؟”
بالنسبة لرجل كان يتجول بحرية داخل القلعة وخارجها، قد يكون القصر مكانًا مملًا مليئًا بالقوانين والقيود.
أزاحت أغنيس عباءتها عن كتفيها، فسقطت العباءة الحمراء على الأرض كأنها دم مسفوك.
“أنت…”
أخذت نفسًا عميقًا محاوِلة كبح غضبها.
“ماذا تظن نفسك بالضبط؟”
“…”
“أنت لست مجرد فرد من العائلة المالكة، بل أنت زوج الملك، المستشار الأعلى، وهذه المملكة لا تزال بلا وريث. ماذا لو أصابك مكروه أثناء تجوالك في تلك الأماكن الخطيرة؟”
“لا تقلقي، سأعود دومًا إلى جانبك، يا جلالتك.”
“وهل الأمر بيدك؟”
لم يجب لازلو.
شعرت أغنيس بوخز في شفتيها، فقد أرادت أن تصرخ قائلة: ألا تكترث لخوفي عليك؟!
لكنها ابتلعت كلماتها ولوّحت بيدها.
“اغرب عن وجهي.”
تردد لازلو للحظة، ثم انحنى انحناءة بسيطة وخرج من الغرفة.
***
“هل لديه أي تفكير منطقي؟ لم يمضِ على عودته من السماء سوى أقل من ثلاثة أشهر، ومع ذلك يريد الذهاب إلى خط الدفاع الشمالي؟ هل هذا معقول؟”
“هل تعلمين أن معادلة جيورك يمكن استخدامها أيضًا في حسابات تحالف طاسان-تورا من الدرجة الثالثة؟”
“لا أفهم لماذا يصرّ على الذهاب إلى أماكن خطرة؟ حتى لو لم يكن هناك حاجة ملحة لذهابه، فإن تصرفاته توحي وكأنه الوحيد الذي يعمل في هذه المملكة.”
“هناك حل مشترك مشتق من المعادلتين، وهذا اكتشاف عظيم! قد يكون مفتاح العصر الذهبي! أليس هذا مذهلًا؟ طبعًا، أنا أعلم ذلك.”
توقفت أغنيس عن التذمر، ونظرت إلى ريكا بنظرة مريبة.
“هل تستمعين لما أقوله؟”
“وجلالتك، هل تستمعين لما أقوله أنا؟”
كان ردّها صادمًا، مما جعل أغنيس تفقد القدرة على الرد.
دفعت ريكا نظارتها لأعلى أنفها، ثم تجاهلتها وانهمكت في قراءة الأوراق أمامها.
“جلالتك، الدوق قوي. الآن، أصبح يقتلع الأجنحة وكأنه يذبح دجاجة.”
“لكن هذا لا يعني أنه لا يُمكن أن يُصاب بأذى.”
“في هذا العالم، الشيئان الوحيدان اللذان يمكن أن يقتلاه هما الزمن وأنتِ. قلقكِ لا معنى له.”
“لكن…”
تراجعت أغنيس مترددة، بينما ريكا لم تكترث لها.
في أحد أركان القصر الملكي، كان مختبر ريكا معزولًا عن الضوء، مما جعله دائم الرطوبة والظلام. الأوراق والكتب متناثرة في كل مكان، مما جعل المكان يبدو فوضويًا بشكل يفوق الوصف.
لكن، ولسبب ما، وجدت أغنيس نفسها مرتاحة فيه، رغم أنه لا يشبه القصر على الإطلاق. ربما بسبب صاحبة المكان.
“بدلًا من كل هذا القلق، لماذا لا ترفعين ميزانية بحثي؟”
“ولماذا تحتاجين إلى زيادة في الميزانية؟”
“ألم أشرح لكِ لتوي؟ لقد اكتشفت مفتاح العصر الذهبي! باستخدام هذا!”
رفعت ريكا شيئًا من على مكتبها، جناحًا مأخوذًا من خادم الحاكم، ولوّحت به بحماس.
“إذا استخدمناه، يمكننا الوصول إلى نتائج لم تكن ممكنة من قبل!”
“هممم… حقًا؟”
لكن ردّ أغنيس كان باردًا. فغضبت ريكا وبدأت بشرح أهمية اكتشافها من جديد، لمدة ثلاثين دقيقة متواصلة.
“حسنًا، حسنًا، أحسنتِ.”
لكن رغم اكتشافها المذهل، لم تنل سوى هذا الرد الفاتر.
عضّت ريكا شفتيها ونهضت فجأة من مكانها.
“انتظري لحظة، ابقي جالسة هناك.”
أخذت تبحث بجنون بين أكوام الأشياء المتناثرة، حتى أخرجت كرة بلورية قديمة.
“ما هذا؟”
“فقط انتظري.”
ألصقت جناحًا بالكرة، وبدأت تتمتم بتعاويذ غريبة.
“الآن، انظري إلى داخل هذه الكرة.”
“وماذا سأرى فيها؟”
“ستكشف عن مشاعركِ الحقيقية.”
“أوه.”
لكن نبرتها كانت عديمة الحماس.
بدأت ريكا بإلقاء تعويذة أطول، كانت طويلة لدرجة أن أغنيس تثاءبت مرتين أثناء الاستماع.
رمقتها ريكا بنظرة حادة.
“لا تتثاءبي! ركّزي!”
“حسنًا، حسنًا.”
بعد حوالي عشر دقائق من التحديق في الكرة، بدأت أخيرًا تتغير.
تحوّل لونها الضبابي تدريجيًا إلى الأحمر، ثم الأخضر، وأخيرًا إلى الأزرق. كما أن شكلها المتموج أصبح أكثر استقرارًا.
“غريب.”
“غريب.”
تحدثتا في نفس اللحظة.
“ما الغريب في ذلك؟ ألم يكن هذا ما تريدين إظهاره؟”
“لا، المفترض أن تستقر على لون وشكل معينين، وليس أن تتغير هكذا!”
أخذت ريكا تتمتم بكلمات غير مفهومة وتحاول التلاعب بالكرة البلورية، لكن دون جدوى.
“لماذا لا تعمل بشكل صحيح؟ هذا غير منطقي! كان من المفترض أن تعمل!”
“حسنًا، لقد تأخرت، سأذهب الآن—”
“انتظري لحظة! بالأمس كانت تعمل بشكل مثالي! هذا لا يمكن أن يكون خطأً!”
تعلّقت ريكا بكمّ جلباب الملكة، ممسكة به بقوة.
رغم محاولات أغنيس الإفلات، لم تستطع التخلص من قبضتها الحديدية.
“اتركي يدي! لدي الكثير من العمل لأقوم به!”
“لماذا لا تعمل؟ لماذا؟ بالأمس كانت تعمل جيدًا!”
“قلت لكِ أن تتركي يدي!”
“أيمكن أن تكوني… حاملًا؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿ 《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 177"